مولات للتنزه.. وليس للتسوق
مولات للتنزه.. وليس للتسوق
- ظهرت المولات التجارية في الغرب مع صعود النزعة الاستهلاكية وقصدت هذه المولات أن توفر بالإضافة إلى التسوق الذي يصبح مغريا في وجود الكثير من الخيارات في متناول اليد الكثير من الترفيه والأنشطة الاجتماعية الأخرى مثل المطاعم ودور العرض السينمائي، وأصبحت عبارة من الإبرة إلى الصاروخ برغم ما تنطوي عليه من مبالغة شائعة للتعبير عن ضخامة المول وتنوع منتجاته، وتحولت الشركات التي تدير المولات إلى كيانات تجارية ضخمة تدير أعمال البيع بالتجزئة وتأجير المساحات التجارية بمبالغ ضخمة تصل أحيانا إلى خانة المليارات وتعمل على توسعة تواجدها في أكثر من بلد في قارات العالم الخمسة.
دخلت المولات إلى عمان بصورة ملحوظة في بداية الألفية الجديدة ولكنها انتشرت بسرعة قياسية لتصبح مقصدا للكثير من أهالي المدينة، حيث يقصدها الآلاف وخصوصا في نهاية الأسبوع لقتل الوقت وكسر الروتين اليومي، وبدأت المولات تفقد خصوصيتها كمراكز للتسوق لتتحول إلى أماكن تتجمع فيها الأسر والأصدقاء للسمر والدردشة وربما تناول الوجبات السريعة وأحيانا لممارسة الفرجة المجانية على المعروضات والمتسوقين أو المتجولين الآخرين.
وصل عدد المولات في عمان مؤخرا إلى (20) مركزا تجاريا كبيرا فضل أهل عمان أن يستعيروا لها اسم المول ليعبر ببساطة عن مراكز التسوق التي تشمل كل ما تحتاجه الأسرة بدءاً من تجارة التجزئة في المواد الغذائية والمنظفات وحتى صالونات الحلاقة، وبصورة أخرى المكان الذي يتيح فرصة كبيرة لإضاعة الوقت، ولكن هذه الغاية طغت على التسوق حيث أصبح في نهاية اهتمامات الرواد مما أصبح يؤثر على ربحية المحلات التجارية التي دفعت إيجارات عالية في سبيل الحصول على فرصة تسويقية أوسع تمكنهم من زيادة مبيعاتهم وبالتالي أرباحهم، ولكن ما يحدث من طغيان ظاهرة التنزه دفع أصحاب المحلات التجارية إلى الشكوى من هذه الظاهرة التي يمارسها أغلب مرتادي هذه المولات بدلا من التسوق برغم ما يبذلونه من عروض وخصومات مغرية، وفي المقابل فإن الرواد يعزون تنامي هذه الظاهرة إلى حمى ارتفاع الأسعار التي تشهدها المملكة التي أثقلت كاهل المواطن وحرمته من ممارسة متعة التسوق في هذه المولات، وأيضا إلى الأسعار العالية التي تضعها المحلات التجارية في المولات لمعروضاتها المختلفة مثل الملابس والأدوات الكهربائية والتي تبقى حتى بعد الخصومات الكبيرة غالية على المواطن العادي.
كما يرى المواطنون أن المولات أوجدت لهم فرصة التنزه خاصة بعد أن بدأت الأماكن المفتوحة تزداد ازدحاما وتشهد الكثير من المضايقات بالإضافة إلى قلة المتنزهات العامة وبعدها عن قلب المدينة مما دفع الآلاف إلى اعتبار المول مقصدهم الأول للتنزه والتسلية.
الأحد.. لا أحد
هكذا يصف عبدالله السعودي مدير معرض للبدلات في (سيتي مول) منتصف الأسبوع بدئاً بالأحد وصولاً للأربعاء.
ويرى أن يومي الخميس و الجمعة يشهدان أزمة خانقه في المولات ولكنها لا تعبر ابدأ عن حجم البيع والشراء الفعلي حيث يكون معظم المتواجدين ''متنزهين'' فقط.
ويعول السعودي كثيراً على فصل الصيف حيث تشتد الحركة التجارية بحسب خبرته التي زادت على الـ(13) عاماً في العمل بمحال ''النوفوتيه'' بسبب عودة المغتربين لقضاء فصل الصيف في الأردن، وقدوم السياح من الدول المجاورة.
فواز كمال، رب أسرة مكونه من خمسة أفراد ويمتهن الحلاقة، يعتبر المول ''مكاناً ترفيهياً ممتازاً للعائلة'' ويستمتع بالتجول فيه خصوصا في ظل نقص أماكن الترفيه المجانية في عمان حسب تعبيره، ويرى في التردد عليه فرصه للأولاد للاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع، حيث أصبح المول خيارهم الأول والمكان الذي يصير حماسهم دون سواه.
مكان لتجمع الأصدقاء
عطلة نهاية الأسبوع الوقت المثالي لقضاء الوقت في المول بالنسبة إلى احمد كريشان، الموظف بالملكية الأردنية (33 عاما) الذي يلتقي أصدقاءه هناك، وإن لم يخف امتعاضه من ارتفاع الأسعار الذي تشهده الأسواق في الآونة الأخيرة حتى طال كثيراً من السلع ''غلاء فاحش''.
مجموعة من الشباب يتجمعون في المول بعد أن وجدوا لأنفسهم مكاناً في هذا الازدحام بزيهم وتسريحات شعرهم الغريبة يتبادلون فيه الضحك بصوت مرتفع ويحملون بأيديهم هواتفهم النقالة، ولا يملون من مراقبة المتسوقين في الأروقة أو في محلات الكوفي شوب، وجميعهم اتفقوا على إجابة واحدة وهي أن سبب تجمعهم هنا لقتل الوقت و''لتواجد أعداد كبيرة من الناس''.
محمد داود، وهو صاحب محل ملبوسات في (سيتي مول)، لم يخف استياءه من تواجد الشباب بهذه الطريقة التي تحد من تردد العائلات على المول، وقال:''أغلبية المتواجدين يرون في المول مكاناً للمتعة والتجول أكثر منه للتسوق''.
وعزا داود ضعف الشراء في المول، على رغم الأعداد الكبيرة الموجودة فيه، إلى ''سوء الوضع الاقتصادي الذي آلت إليه الكثير من العائلات بعد موجة الغلاء الأخيرة''.
أحلام .. ربة منزل تبلغ من العمر(31) عاماً وأم لطفلين، ترى أن المول ''أفضل مكان للتسوق (...) فكل متطلبات الأسرة موجودة في مكان واحد ''مكيف''، بالإضافة للعروض التي تطرحها البقالات الكبيرة فيها مما يجعل التسوق ''أسهل وأقل كلفه''.
ويلفت أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور مجد الدين خمش إلى أن التنزه في المولات كان حكراً على طبقة معينة من المجتمع فقط، أما الآن ''يشكل التنزه فيه ظاهرة بحد ذاتها''.
ويعتبر أن ما يوفره المول للناس من مناظر جذابة ومقاعد منتشرة وأماكن لعب للأطفال والتكييف وصوت الموسيقى شكلت لذوي الدخل المحدود عاملا جاذباً لقضاء ''الوقت الممتع'' بدون تكلفة مادية تذكر.
التسوق موسمي والتنزه دائم
نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق عن انتشار ''ثقافة المول'' بالأردن والإقبال الشديد عليها من قبل الناس والذي لا يعكس القدرة الشرائية الفعلية موضحاً ''يزداد الشراء في أوقات معينه مثل نهاية الشهر أو مواسم التنزيلات والأعياد و فترات العروض''.
ويشير الحاج توفيق إلى أن المواطن أعاد ترتيب أولوياته بالنسبة لمتطلبات الحياة فأصبحت تتمثل في تامين الأساسيات من (الطعام والشراب)، أما ارتياد المولات ومراكز التسوق للفرجة ولتمضية الوقت على الأغلب.
يبقى المول ظاهرة تحتاج إلى مزيد من الدراسة وليست ظاهرة التنزه في المولات تقتصر على الأردن ولكنها ظاهرة موجودة في كل العالم وتبقى الكرة في ملعب البائعين وأصحاب المحلات ليدرسوا أوضاع السوق بطريقة أفضل تمكن المواطن من تحقيق غاية التسوق إلى جانب متعة التنزه.
رد مع اقتباس
المفضلات