كتب - حاتم العبادي - ما يجري في المنطقة، لا يمكن قياسه او مقاربته بالوضع في الاردن، الذي يعد حالة فريدة في مسيرة الاصلاح والديمقراطية التي تستند في أساسها الى الانحياز الى الشعب ومصلحته.
تفرد التجربة الاردنية عن غيرها مرده أسباب ومرتكزات متعددة؛ أبرزها وجود مظلة تعتبر مرجع الجميع تتمثل في مؤسسة العرش..وكذلك إرادة سياسية عليا متقدمة لإحداث التطوير، تتوافق مع تطلعات الشعب وتنطلق من رؤية واضحة حول حتمية الإصلاح والتحديث في كل جوانبه.
إذ أن «العلاقة بين القيادة والشعب علاقة فريدة، وليس لها مثيل في العالم»... وهذه الحقيقة يجمع عليها الكل موالاة ومعارضة، بالاستناد الى أن «طبيعة القيادة الأردنية المتسامحة والمتعاطفة مع الناس وخاصةً الفقراء والمحتاجين، جعلت الأردني يلجأ للملك وللمقر كملاذ أخير...وأصبح الأردني يشعر بأن الملك هو الأب للجميع وهو لا يخذلهم».
وعلى أساسه، يجد الجميع في «القصر» السند في رؤيتهم الإصلاحية، لما فيه مصلحة الوطن، ولعل لقاء الملك التشاوري مع وفدا يمثل قيادات الحركة الإسلامية، التي تعد قيادة المعارضة في البلاد، وما دار خلاله من مناقشات، وما خرج منه من انطباعات يؤكد هذه الحقيقة... وكذلك اللقاءات التشاورية التي اجراها الملك مع كثير من الفعاليات السياسية والشعبية والحزبية والنيابية، التي تأتي في إطار التشاور والحوار الصريح والشفاف لما فيه خدمة الوطن والمواطن.
هذا الواقع، يفسر أن الاعتراض والمعارضة تتجه نحو السياسات الحكومية والآليات التنفيذية وأحيانا الأولويات، وكذلك عندما تتقدم الرؤية الإصلاحية مسافات بعيدة مع تلك السياسات.... وأحيانا في مواجهة ما اصطلح على تسميته بتيارات «الشد العكسي» التي تسعى الى المحافظة على مكتسبات شخصية.
وتجلت ابهى صور الديمقراطية، التي ارتضاها الاردن له نهجا، في الإجراءات والتطورات الأخيرة التي شهدتها المملكة، والتي عكست حجم التجاذب والتقارب بين القائد راس الهرم في الاردن والشعب، وأوجدت أصداء إيجابية في مختلف دول العالم تدعو الجميع الى الاحتذاء بها.
خروج مسيرات احتجاج سلمية على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والتي انعكست على حياة الفرد، بمشاركة مواطنين وفعاليات سياسية وحزبية.. كان أمرا طبيعيا، وفقا للدستور والقوانين المحلية والدولية والأعراف، من باب أنها تأتي في إطار التعبير عن الرأي.. وقد كانت كذلك، إلا أن الأجمل كان تعامل رجال الأمن مع تلك المسيرات.
فخطفت كاميرات الفضائيات ووسائل الأعلام المحلية والعالمية لقطات، تعتبر نادرة في منطقة الشرق الأوسط، كان أبطالها رجال الأمن العام، وهم يقدمون الماء والعصير للمشاركين، مؤكدين في تلك الخطوة بأنهم متواجدين خدمة لمصلحة المواطن، وليس لإرعابهم أو منعهم.
وعلت أصوات المشاركين، ورددوا هتافات تنادي برحيل الحكومة، في إطار اعتراضهم على سياستها، لا بوصفها الخصم للمواطنين الذين خرجوا للاحتجاج من أكثر من مدينة.
هذا الاحتجاج، قابله تفهم وإدراك ملكي، من قبل «رأس الدولة»، بضرورة التوقف عند مطالبات المواطنين، التي عبروا عنها استنادا الى حق دستوري نصت عليه الفقرة رقم (1) من المادة (15) من الدستور الأردني « لكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون» كما ان الفقرة استهلت بالنص على أن « تكفل الدولة حرية الراي».
فالبداية، كانت بالتوجيهات الملكية للحكومة المستقيلة، إذ وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني إلى اتخاذ خطوات فورية وفاعلة للتخفيف من آثار الأوضاع الاقتصادية الصعبة على مستوى معيشة المواطنين وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية في مواجهة موجة ارتفاع الأسعار العالمية، والتي كان لها انعكاسات واضحة في المملكة.
هذا التوجيه الملكي، كما كانت له أصداء ايجابية لدى المواطنين والفعاليات السياسية والحزبية، حمل رسائل مهمة الى جميع المعنيين والمسؤولين، لجهة ضرورة ان يكون جميع المسؤولين قريبين من المواطنين وان يستمعوا لهم ومعاينة أحوالهم على الواقع.
وما هي الا أيام قليلة، حتى كان الملك بين أبنائه من شيوخ ورجال وشباب ونساء قرية الهاشمية في محافظة معان، الذين خاطبوه بـ»أبونا» كما احبوا ان يخاطبوه ، فاستمع جلالته منهم الى احتياجاتهم وشكواهم ومطالبهم، واقتراحاتهم للنهوض بواقعهم .. وتكرر المشهد في أكثر من زيارة مفاجئة قام بها الملك الى قرى قضاء دير الكهف في البادية الشمالية وقرية الثغرة في محافظة معان.
وأبرزت تلك الزيارات، من خلال ما ظهر منها عبر شاشات التلفاز او وسائل التواصل الاجتماعي من لقطات، مدى حميمية العلاقة بين الملك وأفراد شعبه، إذ يصف احد المواطنين متابعة وحرص الملك خلال زيارته الى أهل الكهف والاستماع من المواطنين مباشرة الى ملاحظاتهم وشكاوهم بأنه نهج يرتقي الى أعلى مراتب الإنسانية والتواضع لملك ارتضى بأن يكون أصدقاؤه هم المواطنين وتحديدا الفقراء منهم.
كما أن الحرص الملكي على لقاء الجميع، تمثل أيضا، في اللقاءات التشاورية التي يجريها جلالة الملك مع من مختلف مكونات الطيف السياسي والمجتمعي، تصب في إطار تجذير العمل التشاوري بين الجميع.
إن تكليف الدكتور معروف البخيت بتشكيل حكومة جديدة، تاتي في سياق مسيرة الديمقراطية والتنمية الوطنية، وما يدلل على ذلك ما أورده كتاب التكليف السامي من تفاصيل تقدم تشخيصا للواقع ومراجعة تفضي إلى إجراءات فاعلة تعالج أخطاء الماضي، وتوجيهات لما يجب ان يكون عليه المستقبل عبر خطة عمل واضحة تمضي بمسيرة الإصلاح إلى الأمام.
الصورة الأنموذج، التي يقدمها الاردن في تعزيز الديمقراطية والإصلاح والتحديث وحتميته، تنبع من إرادة أردنية تتطلبها مصلحة الوطن والمواطنين، وتستند في أساسها الى الانحياز الى الشعب ومصلحته.
ما تحقق من إنجاز خلال العقود الأخيرة في مختلف المجالات، «معجزة بكل المقاييس» خصوصا أن هذه «النقلة الهائلة خلال جيل واحد، تدعهم قيادة معتدلة ذات رؤيا حداثية، عززها جهد وعزم الأردنيين ووقوفهم خلف القيادة.
في ظل ما تشهده المنطقة من توترات سياسية واقتصادية وأمنية، يبقى الاردن على الدوم «الأنموذج» ...واكبر من التحديات بهمة أبنائه ووعيهم.
رد مع اقتباس
.gif)
المفضلات