حوار: مقداد خالد تصوير: إبراهيم حامد
أحد أشهر مراسلي قناة الجزيرة بشقيها العربي والأنجليزي، لصيق بالشأن السوداني وكثير الترداد عليه كأنه أحد أبنائه المغتربين ممن لا يقوون على فراقه. عميق في تحليلاته لواقع السودان -وواقع عديد من البلدان- بالرغم من وصية والدته له منذ نعومة أظفاره بالنأي عن السياسة ولكنه وأن طبق الوصية يخبرنا بميله المزدوج ككل موريتاني للتيار الاسلامي والقومي العربي على حدٍ سواء مع التشديد المفرط بنأيه عن الإنضواء التنظيمي تحت لواء أي منهما أو أية تنظيمات سياسية أخرى.
محمد فال، الموريتاني الجنسية، السوداني الهوى -كما يقول- التقته (الرأي العام) على عجالة لتقلب معه دفة كتاب أنطباعاته عن السودان ومستقبله وإلى أين يتجه؟ دون أن نسى سؤاله بضعة أسئلة عن قناة (الجزيرة) التي ينقسم الناس على أمرها بين تيارين لا ثالث لهما: مع أو في الإتجاه المعاكس. فكان الحوار التالي:
-----
* أولاً عرفنا بشخصك؟
محمد فال، مراسل بقناة الجزيرة الأنجليزية حالياً وضمن طاقم القناة الأخبارية العربية، درست الأدب الأنجليزي وعملت معيداً بجامعة نواكشوط، بيد أنني تمردت على دراستي أبان مرحلة الماجستير بجامعة الملك الحسن بالمغرب وتوجهت تلقاء دولة قطر لتحقيق حلمي بالعمل بقناة الجزيرة. رحلتي الأولى لقطر كانت دونما ترتيب مع القناة ولكن تمكنت في زيارتي الثانية من مقابلة رئيس التحرير الأستاذ صلاح نجم الذي أخضعني لأختبارات عديدة أجتزتها من فوري بالرغم من أن خبرتي الصحافية وقتها أقتصرت على بعض الكتابات والترجمات الصحفية وبالفعل أمضيت عقد العمل في شهر يونيو من العام 2001م.
* هل هذه أول زيارة لك للسودان، وما الغرض منها؟
أول زيارة لي كانت قبل شهر من اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) ومن ثم عدت عند عودة قرنق، وصادفت زيارتي تلك وفاته وما صاحبها من أحداث، وعقبها درجت على زيارة السودان حوالي الأربع مرات سنوياً.
وفي زياراتي العديدة طفت بكل أنحاء السودان -للاسف- عدا شرقه. زرت الشمال وصولاً لوادي حلفا ورأيت بأم عيني التهميش الذي يعانيه ولا يقل عن الجنوب ودارفور. أما سبب زيارتي فهو تغطية نتيجة الاستفتاء وتطورات قضية أبيي وبقية القضايا العالقة وتأثيراتها على مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب.
* وماذا في جعبتك عن دارفور؟
دارفور كانت أكثر (غزواتي). زرت المتمردين في جبل مرة العام 2006م حيث قوات عبد الواحد نور، ووصلت ديار البدو الرزيقات، وحاورت موسى هلال في كبكابية، وزرت مني أركو مناوي في حسكنيتة، وأنجزت تقارير عن بعثة الاتحاد الأفريقي ومن ثم في طبعتها الهجين (اليوناميد) وغيرها مما لا أذكره حالياً.
* ولو أنتقلنا إلى الجنوب، ما هي أشهر موادك التي حررتها عنه؟
خلافاً لنيفاشا وعودة قرنق والرحيل وما أستتبعه، أنجزت فيلماً وثائقياً مطولا عن البترول السوداني وتاريخه باسم (البترول لمن؟) يحكي كيف دخل البترول في الصراع وكيف أتى لاحقاً بالسلام.
* وكيف ذلك؟
البترول إبتداء كان عامل تأجيج للحرب الأهلية، بمجرد أكتشافه بدأت الحكومة تحرز أنتصارات كبيرة على قوات الحركة الشعبية لأستفادتها من عوائد النفط. الأمر الذي جعل الحركة مقتنعة بعدم قدرتها على الحسم العسكري وهنا بدأت الأخيرة تقاربها مع الولايات المتحدة الامريكية، تقارب ما هو بالايدلويجي، الحركة ما عندها أيدولوجيا، وأنما هي المصالح وبالتالي وضعت الولايات المتحدة خطة للحركة الشعبية مكونة من تأهيل بواسطة خبراء لقادة مفاوضين، مع ممارسة ضغوط دبلوماسية على الخرطوم كيما تنحو للتفاوض السلمي وذلك لأقتناعها التام بعدم قدرة الحركة على حسم المعركة عسكرياً ونجحت في ذلك بوضعها نيفاشا التي أرست دعائم لقسمة الثروة والسلطة.
* هل تعتقد أن نيفاشا صنيعة أمريكية مائة بالمئة؟
هي عطية سخية من الولايات المتحدة للحركة الشعبية، الأدارة الأمريكية ظلت تتعاون مع الحركة وتضغط على الخرطوم لمنح التنازلات مع أرسالها الوعود الزائفة تجاه عاصمة مقرن النيلين.
* من رؤيتك هذه، نخرج بأن المعركة بين الشمال والجنوب معركة ثروة؟
لا يمكن حصرها في الثروة فقط، البترول هو أحد عوامل أذكاء الحرب ومن ثم عامل للسلام ولكنه ليس كل المشكل. مشكلة الجنوب ضاربة في القدم وصنعها الأنجليز بسنهم قانون المناطق المقفولة ما أسهم في عزل الجنوب عن الشمال إلى جانب سياستهم التبشيرية ما خلق نهاية المطاف هويتين متصارعتين.
* بحكم وجودك في قلب المشهد، أكنت تتوقع انفصال الجنوب؟
منذ اليوم الأول للأتفاقية كنت مقتنعاً بوقوع الانفصال، فهو خيار معظم الشعوب التي منحت حق تقرير المصير ولكن وبعد ظهور النتائج أقول ما يقوله أهلي في موريتانيا (الخير ما معروف وين؟).
* هل تتوقع أن يكون تنفيذ الانفصال سلساً؟
أتوقع أن يكون سلساً نسبياً، المؤشرات تقول بذلك، فحتى قضية أبيي التي تشكل حجر عثرة فوجئت بتأجيلها إلى ما بعد الاستفتاء.
* وما هو وجه المفأجاة؟
كان بامكان الحركة الضغط استناداً إلى الاتفاقية التي تقول بقيام استفتاء أبيي بالتزامن مع استفتاء الجنوب بينما تمكنت حكومة الخرطوم من تأجيله. الآن أفكر في سيناريوهات أخرى ككشمير والصحراء الغربية التي تم تأجيل استفتائها للأبد، ما أقوله أن استفتاء أبيي بات في حكم الملغي وليس المؤجل.
* هل تقول بوجود صفقة سرية بين الوطني والشعبية حول أبيي؟
الغاء أجراء مقدس يضمن للجنوب الحصول على أبيي أو جزء منها وهو استفتاء المنطقة وقبول الحكومة بكل الاجراءات التي صاحبت استفتاء الجنوب وتأكيدها الأعتراف بمخرجات العملية يجعلني لا أستبعد حدوث صفقة سرية خاصة قضت بتمرير استفتاء الجنوب في مقابل تأجيل استفتاء أبيي.
* وفي رأيك أين يكمن حل منطقة أبيي؟
موضوع أبيي معقد، وهذا من واقع علمي عن المنطقة، هناك قبيلتان في أرض واحدة، الدينكا نقوك لديهم بنية تحتية (القرى)، بينما المسيرية رعاة متنقلون وبالتالي من الصعوبة بمكان تحديد أيهم وصل أولاً لأبيي. ووفقاً لذلك أرى الحل في الأعتراف بوطن مشترك للقبيلتين بالرغم من وقوع المنطقة في النطاق الجغرافي والسياسي للشمال على الأقل منذ زهاء المائة عام وهو أمر أعتقد أن يعطي الشمال كرت ضغط في جولات التفاوض.
* وما هو منظورك لأزمة دارفور؟
لا أحد ينكر المعاناة التي يلقاها انسان دارفور، ولكني أقول بأن الأزمة ناجمة عن التعارض بين الحكومة ذات التوجه الاسلامي والولايات المتحدة التي تريد أسقاطها. وقد أزداد الوضع تعقيداَ بعد قرارات المحكمة الجنائية الدولية الصادرة بحق السودان مؤخراً.
* بشكل أدق كيف ترى مستقبل اقليم السودان الغربي ؟
اتصور ان مشكلة دارفور تم تضخيمها من اجل الضغط على النظام الاسلامي.
ومستقبل دارفور مرتبط بمستقبل الحكومة، فإذا افلحت القوى الغربية في تغيير نظام الخرطوم ذي التوجه الاسلامي (يضحك: لا أدعو هنا لتغيير النظام بل لا ارى ان الازالة حلا ، قد يكون حلا من وجهة النظر الغربية).
وحتى لا يكون كلامي جزافاً دعني أعطيك مثالاً: الأموال التي تدفع بسخاء وتصرف على المنظمات والخبراء وبعثة اليوناميد والقواعد والطيران .. الخ إن وجهت لبناء القرى وأنشاء البنى التحتية لأسهمت في عودة كل اللاجئين والنازحين ما يعني حل جزء كبير من المشكل ويتبقى حينها تفاصيل صغيرة تحل بالتفاوض. باختصار هناك مستفيدون من تطاول أزمة دارفور ولا يريدون لها حلاً.
* ما هي المناطق التي زارها الاستاذ فال بالبلاد وعالقة في ذاكرته؟
كما قلت لم أزر الشرق، ولكن سمعت أنه جميل. في دارفور أحسست أني بين أهلي لسببين الجغرافيا والناس. هناك قبائل عربية قادمة لدارفور وتعود جذورها لموريتانيا. في أحدى زياراتي للأقليم كنت أتحدث مع أحد أفراد قبيلة (المحاميد) فيما الطاقم السوداني القادم معي من الخرطوم لا يعي ولا يدري ما نقوله. صراحة أحببت دارفور وانسانها والهدوء الذي يسودها أما أحاديث القتل والصراع فلم أرها أبداً، والله أعلم بمدى صحتها.
* أدارفور وحدها التي جذبت فال؟
بالطبع لا .. لو منحتني الفرصة كنت ساضيف الشمال للمناطق التي شدتني، أعجبت للغاية بالامتدادات المفتوحة للصحراء وكأنك في كوكب أخر. كما ولا أنسى جمال الطبيعة في كردفان والجنوب حيث الغابات وأشجار التبلدي والأمطار. حقيقة أجمل أوقاتي كانت خارج الخرطوم.
* وما هو أنطباعك عن الشعب السوداني؟
أقسم بالله، ودونما محاباة، ما رأيت شعباً أكثر أريحية من الشعب السوداني حتى في أوقات الغضب.
* ماذا تقصد بأوقات الغضب؟
أغضبت الحكومة بذهابي لجبل مرة دون ترخيص ورغم ذلك كنت أشعر بأنهم مؤتمنون، وأنني واحد من العائلة وبالتالي لم تتعدْ عقوبتي اللوم والعتب. في دولة أخرى نحو يوغندا كنت لأكون في غياهب السجن.
* هل ألتقيت الرئيس عمر البشير؟
نعم التقيت به وحدثني كثيرا عن موريتانيا وقال لي أنهم مدينون لنا كوننا جلبنا الصوفية وقراءات متعددة للقرآن الكريم.
* لنتطرق الآن سيد فال لجوانب عملية في حياتك، ولنبدأ بالتساؤل عن زياراتك لتغطية الأحداث السودانية الا تراه تشكيكاً في الكادر العامل في مكتب القناة بالخرطوم؟
مطلقاً، فعلاقتي بالسودان وطيدة جداً، وبدأت عقب أغلاق السلطات مكتبنا بالخرطوم فأصبحت القناة ترسل مراسلين لأعداد تقارير يعودون بعدها للمقر الرئيس بقطر وكان شخصي من ضمن أولئك المبعوثين وذلك لأجل تفادي انطباع الحكومة عن وجود أجندات للكادر السوداني عامة والعامل في مكتب الخرطوم بصورة أخص والسبب الثاني لأجل رؤية الأشياء بعين جديدة، وعكس أمور يراها السودانيون في حكم الأعتيادي بينما تتسم هي بالغرابة.
كما أن أنضمامي للجزيرة الأنجليزية جعلني أعمل لصالح القناتين خاصة في المناطق الوعرة التي لا يوجد فيها مكتب محلي.
* وما هي أشهر تغطياتك الصحفية؟
وصول جون قرنق للخرطوم واستقبال حوالي أربعة ملايين شخص له ووفاته وما صاحبها من أحداث، أعصار تسونامي في اندونيسيا، والتواجد على متن سفينة الحرية التركية، وتغطية الانتخابات الهندية التي رأيت فيها الفقراء شبه العراة يغيرون حكومة قوامها حزب هندوسي عنصري وفي ديمقراطية تامة وقد كان لذلك أثر عميق في نفسي.
* من المعلوم أن (الجزيرة) تتعرض لمضايقات عديدة في العالم العربي تحديدا، فهل فكرت يوماً بمغادرتها لقناة أخرى؟
من يغادرنا لأي سبب يحن للعودة إلينا، أستطيع القول أن الجزيرة هي القناة الوحيدة التي تلبي رغبة الأحساس والأنتماء إلى الشعوب وأسألك: هل زعلنا شعباً؟ نحن ولاؤنا دوماً للناس لا الحكومات.
* وماذا تقول عن وقف بث الجزيرة على القمر نايلسات بالتزامن مع الأزمة المصرية؟
- هذا شىء طبيعي، النايلسات قمر مصري تحت أدارة الحكومة، ولو سألتني عن رأيي الشخصي فاعتقد انه يجب مقاضاة النايلسات لأخلالها بالعقد المبرم بل ومطالبتها بتعويض عن كل الخسائر الناجمة عن الوقف. الحكومة المصرية تسعى لأسكات الجزيرة والمصريين. ونحن لن نكون كقناة منافسة -فضل حجب أسمها لدواع قال أنها مهنية- على سبيل المثال أشارت إلى أن عدد المتظاهرين في ميدان التحرير الأربعاء المنصرم (200) ألف مصري بينما قدر العدد الحقيقي في كثير من الأحصائيات بحوالي (2) مليون مصري.
رد مع اقتباس
.gif)
المفضلات