بدر عبدالحق.. القاص والكاتب الصحفي
بدر عبدالحق.. القاص والكاتب الصحفي
منذ كان بدر عبدالحق القاص والصحفي الاردني الشهير في التاسعة من عمره اخذ يستمع لاحاديث ونقاشات شقيقه) صادق عبدالحق مع اصدقاء جيله مثل القاص رسمي ابو علي والروائي الشاعر المعروف تيسير سبول) وذلك في مدينة الزرقاء ابان فترة الستينات من القرن الماضي.
وهكذا يكبر بدر عبدالحق وينهي الثانوية العامة ليذهب لدراسة الشريعة لرغبة خاصة لوالده في دمشق ليعود يعمل مدرساً في مدارس الاردن لفترة من الزمن ثم يسافر الى احدى الدول الخليجية ليعمل في حقل الصحافة هناك حتى اصبح رئيساً لتحرير احدى الصحف في البحرين!!.
ولكن بدر عبدالحق كان قبل سفره هذا قد بدأ ككاتب للقصة القصيرة حيث كان يرسل بعض قصصه الى صحف اردنية في عمان والقدس وتنشر بسرعة لجودتها اذ كانت تبشر بظهور قاص جديد على ساحتنا المحلية الاردنية الثقافية.. وبعد ذلك جمعت الصداقة بينه وبين اثنين من كتاب القصة القصيرة الاردنية الجديدة وهما: فخري قعوار وخليل السواحري!! حتى تطور الامر بين الثلاثة نحو مغامرة ادبية باصدار كتاب قصصي مشترك يحمل اسماءهم معا اذ اشترك كل كاتب منهم ب(5) قصص بحيث كانت المحصلة (15) قصة قصيرة حملت عنوان (ثلاثة اصوات) وذلك في العام 1972.
ويعود الصحفي بدر عبدالحق ليستقر في وطنه الاردن بعد غياب في دول الخليج ليتسلم منصباً صحافياً هاماً في اشهر الصحف اليومية الاردنية وهي صحيفة (الرأي) كسكرتير للتحرير ثم ليكتب مقالاً اسبوعياً كل يوم سبت حاز على شغف القراء باسلوبه الرشيق ولغته الفنية العالية فهو القاص والصحفي المحترف. الشاعر والفنان التشكيلي حسين نشوان اصدر كتاباً خاصاً عن بدر عبدالحق وذلك خلال معاناة بدر عبدالحق بالمرض المفاجئ فقدان الذاكرة (الزهايمر) وذلك قبل عدة سنوات نقرأ مما جاء فيه مثلاً.
''ان فن المقالة عند بدر عبدالحق الصحفي ليست قصة، ولكنها تستعير من الاخيرة هندامها وقيافتها وادهاشها ومفارقتها وجماليات لغتها وبساطتها واحياناً مقدرتها على تحقيق الصدمة، ويتجلى التشابه والمضارعة في اهتمام كاتب المقالة بدر عبدالحق بالعنوان الذي غالباً ما يكون جملة او قولاً ماثوراً او مثلاً شعبياً يلخص المال بايحاءاته التي تنطوي عليها حكاية المثل او القول، ليبقى القارئ مشدوداً للعنوان الرئيسي كلافتة للمقال.
وقد نوع عبدالحق من تقنيات القص ومستوياته وانماطه للانتقال السلس في الازمنة والاحداث الثقيلة او الترحال بين الماضي والحاضر والمستقبل والحلم والحقيقة في المقال وقد افاد من الانماط التراثية (كان ياما كان) و(كان في قديم الزمان) لكنه لم يتخل عن معايير الصدقية والموضوعية ولم يفهم الحياد بانه التخلي عن قضاياه الوطنية او القومية او اغفال الحقائق التاريخية وحقوق الناس بل هو التزام وانحياز للفقراء والمغلوب على امرهم والمقهورين اينما وحينما ووقتما كانوا فهو ينافح عن الهندي الاحمر والفلسطيني والعراقي انحيازاً لقضية الانسان.
واذا كانت اللغة من اهم مكونات السرد فقد اولى عبدالحق المفردة اهمية كبيرة بوصفها علاقة معرفية وشارة تدل على موقف الكاتب فعندما يختار عبارة (ديمقراطية الكابوي) فهو يوظف المفردة بما فيها من اقترانات ليعبر عما تعني الديمقراطية التي تصبح في سياقها الجديد اشبه بالنكتة'' اما صديق بدر عبدالحق وهو الكاتب احمد جرادات فقد جاء في مقال له اثر غياب بدر عبدالحق عن هذه الدنيا الزائلة يقول فيه :'' اخترت ان اقول كلمات قليلة عن بدر (ابو البنات) كما كان يسمى احياناً.. او الأب الذي كان لديه (بنتين وبنت) كما كان يحلو له ان يقول متباهياً بهن.. كلمات عن علاقته باسرته الصغيرة : زوجته سلامة وبناته ميس ووسن وسمر صديقات ابنتي او بالاحرى عن علاقة اسرته به اثناء وجوده في (البرزخ) بين الحياة والموت حيث افترسه وحش المرض وابتلعه غول النسيان من جانب الجميع تقريبا وانا منهم في حقبة لم يخسر بمرضه وموته منها شيئاً، ولم نكسب بصحتنا وحياتنا منها شيئاً وهو ما يجعلنا نحن وبدر متعادلين.
لقد غاب ابو البنات لكنه ترك لهن ارثاً ثميناً من القيم النبيلة : عزة النفس والثقة بها والاحساس المكثف بالكرامة في اعسر الاوقات.
وبدر عبدالحق رئيس تحرير مجلة افكار ونائب رئيس رابطة الكتاب الاردنيين سابقاً والذي تعرض لمحنة فقدان الذاكرة منذ منتصف التسعينات وفارقنا قبل عدة اشهر قال عنه الروائي الشهير والراحل مؤنس الرزاز ما يلي:''ثلاثة اسماء اشعر بروابط خفية استثنائية تربطني بهم (عرار) و(تيسير سبول) و(بدر عبدالحق.. الاول لم اعرفه معرفة شخصية.. والثاني التقنية مرة قبل ان ينتحر .. اما الثالث: فقد عرفته معرفة حميمة حتى انني رأيت فيه (حنظلة) ناجي العلي (الحردان) دائماً.. فالثلاثة حردانين من الدنيا وما عليها.. واحد واجهها بالكاس والشعر والصعلكة، واخر واجهها بمصادرة حياته فرفضها جملة وتفصيلا، وثالث لغم ذاكرته واستسلم لبياض النسيان.
اما الناقد الدكتور خالد الكركي رئيس الجامعة الاردنية فقد تحدث ذات مرة عن قصتين قصيرتين لبدر عبدالحق، قصة (الملعون) وقصة (رجل بلا عورة) حيث قال: هما نموذجان انسانيان واقصد الشخصيتين الرئيسيتين. فالاولى هي نموذج الاحتجاج بالسخرية المرة. والثانية هي نموذج التمرد الفردي في زمن الخوف والاستسلام.. لم اشعر بالانكسار ولا بالعبث ولا العدمية في هاتين القصتين.. كنت ارى (الملعون) ما زال يزعج صاحب المطعم، والاطفال يعيدون مسرحيتهم، وبدر عبدالحق يفكر بقصة جديدة تسخر من النقاد. والمبدع المرحوم بدر عبدالحق والذي ولد في الزرقاء عام 1945 وكان رئيساً لنادي اسرة القلم في منتصف الثمانينات.
كتب الشاعر (غازي الذيبة) عنه قصيدة منها هذه الفقرات: قل للكلمات بأن
ترخي غرتها لتنام
ستمر عليها بعد صلاة
وترققها في الضحكة
في مر الضحكة
في نصف الضحكة
في نصف غيابك
في نصف حضورك
رد مع اقتباس
المفضلات