الفشل العاطفي-ودعوة الى عدم الاستسلام
رغم المرارة هناك وقت للحب.. دعوة لعدم الاستسلام للفشل العاطفيجحيم اسمه "الفشل"، تلك الرصاصة التي تطلق على الحلم الجميل فترديه قتيلاً، الشيء الذي يقبع على الصدر فيكتم أنفاس الأحلام ويحيلها كوابيس مؤرقة، فيصنع غيمة سوداء تحجب الحقيقة وتحول الحياة إلى ثقب إبرة، "الفشل" ذلك الاسم الصعب والمعنى الأصعب، المتمثل في نهاية سيئة لكل جهد أو تعب، الفشل يعني خيبة الأمل وحالة من اليأس والإحباط، خاصة إذا كان "الفشل" عاطفي جداً، وذاك أقسى أنواع الفشل، يصيب صاحبه بالقهر والإحساس بالرفض، وقد يمثل هذا الإحساس القاتل لدي الكثيرين كارثة محققة، وربما أدى بالبعض إلي نهاية الكون أو تغيير مسار الحياة، وأحياناً قد يؤدي بالبعض إلى إعادة الحسابات وترتيب الأوراق والبدء من جديد، رافعاً راية العقل ثم العقل.. ولا وقت للحب.
بقلم: عواطف عبد الحميد
أقسى أنواع الفشل
وبرغم أن العالم صار أكثر عقلانية واتزان، ولم يعد الحب يأخذ البعد السابق له، كحب روميو لجولييت أو قيس لليلى، ذلك الحب الذي ألمّ به، وجعله يهيم الليالي على وجهه حتى أذهب منه القلب واللبّ، ذاك الحب الذي جعله ينشد قائلاً:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبّل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي.. ولكن حب من سكن الديار..
وقوله في موضع آخر :
أعد الليالي ليلة بعد ليلة .. وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني.. أحدث عنك النفس بالليل خاليا
لكن الحب يبقي دائماً ما بقيت الحياة كما قال نزار قباني :
الحب في الأرض بعض من تخيُّلنا
لو لم نجده عليها لاخترعناه
برغم أن الحب يقترن بالفشل والحزن والموت من زمان وإلى الآن في نظر الشعراء فقط وبعض الناس أحيانا، وتجارب الحب الفاشلة لم تنته، ولم تتوقف في كل المجتمعات، وكل الأزمنة..
ولكن معظم قصص الحب الفاشلة التي تؤدي بأصحابها للموت أو الجنون تحدث لأشخاص عاديين غير مسلطة عليهم الأضواء، وبالتالي فإن قصصهم لا تروى، ولا تدون، بل تدفن معهم، من هنا كان أقسى ما يواجه الإنسان في كل زمان ومكان هو فشله في تجربة عاطفية، فهو يشعر بالمرارة والقسوة، وفجأة يجد نفسه وحيداً معزولاً ومهموماً، وغالبا ما يربط المتخصصين بين صدمة التجارب العاطفيّة والأمراض والعلل النفسيّة، ذلك لأن معظم قصص الحب وأشهرها انتهت بالفشل، وارتبط الحب ذلك المخلوق الجميل بالموت والفشل غالباً وربما لم نسمع عن قصة حب توجت بالنجاح وانتهت بالزواج اللهم إلا قصص قليلة جداً، فالصدمة العاطفية صعبة للغاية وقد يصل رد فعلها إلي تهديد كيان صاحبها وتقويض دوره في المجتمع".
التصحر الوجداني
والشعور بالهزيمة والفشل يجعل المصدوم متوترا، سريع الغضب، يكره نفسه ومن حوله لأنه يعاني من حالة يطلق عليها الخبراء "التصحر الوجداني"، والأثر النفسي الناجم عن الصدمة العاطفية يتمثل في جملة من الأمراض تعتري المصدوم، بداية من الشعور بالحزن إلى الجرح العميق الذي تنجم عنه الإصابة بحالات مرضية، تتشكل في صورة عضوية، مثل القرحة والاثني عشر وعدم انتظام ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول في الجسد، عدا الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، كما قد تزداد حدة الضغوط النفسية وينتج عنها ما يسمى بالهم النفسي والمعاناة العقلية، والأخيرة هي أقصى درجات الصدمة العاطفية ويطلق عليها في علم النفس "الانفجار العاطفي".
و يؤكد ذلك الدكتور محسن شاهين، أستاذ أمراض الذكورة والعقم مضيفاً أن الصدمة العاطفية تسبب حزناً شديداً للشاب وتخيب آماله بالفتاة التي دقّ لها قلبه وأرادها شريكة حياته، فتفقد أطرافه العصبية قدرتها على التشنج، وهو ما نسميه طبياً بالعجز، ويضيف المعاناة ليست مقصورة علي الشاب فقط، فالفتاة المصدومة بعلاقتها تصاب أيضا بفقدان الرغبة العاطفية، نتيجة تكاسل الإشارات العصبية المرسلة من دماغها. هذا ما أكدته الدراسات الحديثة التي اكتشفت أن %82 من الشباب و %54 من الفتيات يصابون بالعجز بدرجات متفاوتة، بحسب ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم نتيجة الحزن الشديد، إذ أن الكفاءة الغريزية لدى الرجال والنساء تنحسر في حال وجود نسبة عالية من الكولسترول في الدم.
الحب يزول بتغير الظروف
وللدكتور يحيي الرخاوي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة رأياً في الحب، حيث يقول: للأسف إن التعريف العلمي للحب لا يسرّ بعض المحبين، فالحب الناضج الذي نبحث عنه والذي لا يزول بتغير الظروف يعني الرعاية والمسـئولية وتقبل الاختلاف واستمرار الحوار، وكل هذا توافر كثيرا.
أما الحب الذي يعني الاستغراق في الخيال فهو الحب الذي لا يستمر عادة، ولكن هناك عدة أمور تحدث وتؤثر بالسلب علي العواطف الجامحة:
ابدأ من جديد
أولا: قد تتدخل في العلاقة الثنائية أمور لم تكن في الحسبان قبل الزواج مثل واجبات الزوج نحو أخوته أو تعلق الزوجة.
ثانيا: اكتشاف أحد الزوجين أن المحبوب بشر عادي ينام ويشخر أحيانا ويبدو أشعث الشعر في الصباح أو أنه تزوج من شخص غير الذي أحبه .
ويضيف د. الرخاوي: ليس صحيحا أن الزواج عن حب معرض للفشل، لكن هناك بعض العوامل التي تفسد الحب بعد الزواج، كأن تطمئن الزوجة إلى الاستقرار فتقلل من العناية بنفسها وبذل الجهد للتواصل، أو ينسي الزوج زوجته ملتفتا إلى مطالب الحياة الملحّة، أو أن تبالغ الزوجة في امتلاك الزوج، والغيرة عليه والحجر على عواطفه، أو مبالغة الزوج في سيطرته على الزوجة.
الفشل بين الأزواج
د. كريم أحمد وصفي الخبير النفسي المصري يرى أن السبب الأساسي للفشل العاطفي هو افتقاد الصراحة بين الطرفين، الكل يعيش بشخصية مزدوجة.. الزوج العربي يتغير بعد فترة الزواج سلوكه. في فترة الخطوبة يكون سلوك رومانسي وحالم.. فهو يعدّد الساعات حتى يلتقي بخطيبته والخطيبة كذلك تبدو كالحمامة الوديعة الرقيقة، كلاهما يرتدي قناعاً، ثم تظهر الصورة الفعلية للزوجين بعد ليلة الزفاف أو بعد شهور العسل الأولى من الزواج، وإذا لم يكن هناك شيء من العقل والحكمة يتمتع به الزوجان، يفشل الزواج. لذلك ينصح خبير العلاقات الزوجية الأمريكي جون جراي، صاحب كتاب "المرشد العائلي" الأكثر مبيعاً في العالم، الزوجان اللذان يجدان صعوبة فى التفاهم مع بعضهما البعض وحدوث تصادم دائم بينهما بوصفة سحرية للقضاء على هذه المشاحنات، وتتلخص فيما يلي: إذا كان من الصعب على الرجل والمرأة أن يتفاهما، فما عليهما إلا أن يقبلا باختلافهما، ويحاولا التعرف على بعضهما البعض، مما يؤدي إلى تفاهم جيد بينهما، ولا يستطيع الرجل والمرأة أن يتفاهما إلا إذا تنازل كل واحد منهما للآخر، وتقبّل العيش معه. ويقدم جراي حلا سحريا لمشاكل وتوترات الأزواج، ويحاول إقناع قرائه من خلال إشراكهم في حياته الخاصة. ويقول: "بعد عشرين سنة من الحياة الزوجية، ليس هناك أفضل من وردة أو عشاء وجها لوجه من اجل إحياء المشاعر المنطفئة".
خوف الرجل قد يكون سبباً للفشل
نظرة المرأة تختلف عن الرجل في فكرة الارتباط والزواج، فبينما تكون المرأة منظمة وواثقة من خطواتها يكون الرجل فريسة الظنون والاحتمالات الكثيرة التي تترافق مع أخذ هذه الخطوة . ويرجع المتخصصون خوف الرجل من الزواج إلى عدة أسباب:
* قرار الزواج قرار صعب علي، أي رجل، لأنه قرار غير محدد المدة وغير قابل للرجعة، فيه يخاف الرجل من المستقبل واحتمالات الفشل تبدأ بمطاردته.
* يستدعي قرار الزواج التوقف عن العلاقات النسائية وهذا يعني إنهاء ماضية ومستقبلة النسائي إلى الأبد.. وهنا يصارع الرجل هذه المتعة التي كان يشعر بها، وهي أن كل الاحتمالات أمامه مفتوحة للاختيار.
* الظنون التي تلي الارتباط، وهي مثل أن يفكر الرجل ماذا لو قابلت امرأة أخرى أكثر جمالا، أو ماذا لو وقعت بحب امرأة أخرى بعد الزواج.
* يفكر الرجل في حالة الفشل ومدى صعوبة اتخاذ خطوة الانفصال خاصة بعد أن تتعقد الأمور بالإنجاب.
* يفكر الرجل أنه بمجرد الارتباط يصبح أي قرار يجب اتخاذه بطريقة مشتركة بين الزوجين، وهذا طبعاً منافي فكرة "سي السيد"، والأقوال الشعبية المتداولة.. "الراجل لازم يكون سبع في بيته".. أي فقدان معظم الرجال إلى مفهوم الرجولة الصحيح، وبهذا تزداد مخاوف الرجل من فقدانه لحرية قراره، كما يخشى الرجل أن تقوم المرأة بشكل تدريجي بالسيطرة على حياته وان يعي ليجد نفسه قد فقد كل ما كان يحب أن يعمل بعد انقضاء فترة قصيرة على الزواج.
* الرجل بطبعه ملول، فهو يريد أن يقطف من كل بستان زهرة، أما بعد الزواج فالأمر مختلف، فهو يخشى سيطرة الملل على حياته بحيث تصبح حياته مجموعة من التصرفات الروتينية المفرغة من معناها.
روشتة لتجاوز الفشل
لتجاوز الأزمات العاطفية والصدمات الفاشلة، ينصحك الخبراء بتحكيم العقل أولاً، والإيمان بالله ثانياً، لكونه العاصم من كل أزمة ومحنة.. كما ينصح الخبراء كل مكلوم ومجروح بالآتي:
* على كل إنسان أن يحكّم عقله في كل ما يواجهه من مصاعب وآلام، وألا يطلق العنان لمشاعره لتتحكم فيه، لأن ذلك لن يولد سوى الفشل.
* الوقوع في الحب أمر نستطيع التحكم به في بداياته، وبدلاً من أن نبني قصورا في الهواء، لم لا نركز على الأشخاص الذين نتساوى معهم اجتماعيا وثقافيا وماديا وسنا؟
* انتبهوا وتيقظوا من حب المراهقة لأنه الأكثر فشلا. فالشاب والفتاة في هذه المرحلة يعتمدان فقط على الشكل والمظهر دون الجوهر، الذي هو أساس الزواج الناجح، هذا ما يفسر تغير المشاعر بين المتزوجين بعد مرور بضع سنوات على الزواج، وذلك لاختلاف الأسس التي يختار من خلالها كل طرف طرفه الآخر، بين مرحلتي المراهقة والنضوج.
الفشل حالة مؤقتة .. تليها قفزة للأمام
* عليكم بالتغلب على كل الصدمات العاطفية، فهي تزول مع الأيام، ومن المؤكد أن المصدوم سيصادف حبا آخر يتمكن من خلاله من إنجاح تجربة ارتباطه العاطفي.
* الفتاة أكثر تأثرا من الشاب بالصدمة العاطفية، لأنها مجبولة بالعاطفة بالفطرة، لذلك علينا أن نهتم بها ونرعاها ونأخذ بيدها ونوجهها ونعزز ثقتها بنفسها.
* لتجنب الصدمات على الشخص المصدوم أن يقبل بواقعه، ويحلل بسرعة الأسباب التي أدت إلى الفشل، ثم يتركها وراءه ويتحول إلى التفكير بالمستقبل والاجتهاد في العمل والنجاح.
* البحث عن صداقات جديدة ومزاولة الرياضة وممارسة بعض الهوايات المفيدة، من ابسط الأمور التي تخفف من وطأة الصدمة وتدفع بها الى أعماق النسيان.
وأخيراً فالدراسات تؤكد فشل 85% من الزواج القائم على الحب، ذلك لأننا وببساطة يعمينا الحب عن رؤية الحقيقة، فلا نرى في المحبوب إلا كل ما هو جميل، وعندما يضيع الحب تضيع معه كل الصفات الجميلة، وتبهت الصورة التي رسمها الخيال، وجاهد القلب في إضفاء القدسية والملائكية على صاحبها، ولأنه لا ملائكة يمشون على الأرض يفشل الحب ويفشل أيضاً الزواج عن حب .
رد مع اقتباس
.gif)
المفضلات