أُقعدْ اعوج واحكِ عدل


تمثلت أُمنية عالم رياضيات لدى احتضاره بقوله : »اللّهم يا من يعلم قطر الدائرة ونهاية العدد والجذر ، اقبضني إليك على زاوية قائمة، واحشرني على خط مستقيم« . وبدورنا أيضا نسعى جاهدين الى المعالجة الفكرية من زاوية قائمة وخط مستقيم . قيل : »فن الكلام ترك فائضه ... (شانيل)« . »اذا التقى فيلسوفان يُستحسن تبادلهما تحية : صباح الخير ، فقط (سارتر)« . »تكلم كي أراك !!!« (سقراط) ، أي يُعرف المرء من كلامه . وجاء في قول عراقي عامي : »اقعدْ اعوج واحكِ عدل« أي ما يعني توخّي المنطق والكلام السليم ، بغض النظر عن سوء الجلوس . بيد أن هناك الكثير ممن لا يراعي لا آداب الجلوس ولا أصول الكلام . فلا جلوسه مُليق ولا صوته رقيق ولا كلامه أنيق. فما تكلم إلا وتراه عريان !!!






إصابة العربية بالإسهال
q دأباً على اهتمامنا المتواصل بترصّد العيث بالعربية ، نسوق هذه المرة نموذجاً عما ورد لأحدهم في جريدة القدس العربي بتاريخ 6 نيسان 2006 في زاوية فضائيات وأرضيات ، صفحة 1، الا وهو :

« ... وكلمة مصيرية ليست من قبيل التضخّم التعبيري او الإسهال اللغوي اللذين نعرف ، نحن العرب ، اسقاطاتهما السلبية » .

q فنقول بدورنا : نحن العرب ، لا نعرف لحد الآن غير استخدام كلمة « الإسهال » للإسهال الِمعَوي . فلو سلّمنا جدلا بالإسهال اللغوي، نخلص الى الاستنتاج بأن الشخص المذكور يعاني من « إمساك لغوي » . اما « الإسقاط » فلا نعرف عنه غير اسقاط طائرة ، اسقاط حكومة، او اسقاط حروف وما شابه ذلك .

q على اثر انضمام الكثير من الأعاجم (غير العرب) الى الدعوة الاسلامية اثناء عصر الخلفاء الراشدين ، تفشّت العُجمة اللغوية ، أي الرطانة ، وهي كلام غامض غير مفهوم . هذا مما استوجب الحرص على سلامة العربية من المفردات الاعجمية . اما في عصرنا الحاضر فتمر العربية برطانة الكثير من « اعاجم العرب » ، ان صح التعبير ، فهم عرب من الناحية العرقية ، وأعاجم من الناحية اللغوية .

q من مأساة العربية حاضرا هو ان شبكة الاتصالات الالكترونية فتحت قماقم سحرية انطلقت منها ملايين العفاريت نحو الفضائيات النشرية. فراحت هذه تُمطر الكرة الارضية بوباء « الإسهال اللغوي والإمساك الفكري » ، إذ انها تخلط بين تسهيل وإسهال يخنق الانفاس ، ولا يعكس غير الركاكة والرطانة ، اضافة الى « إسقاط » القواعد النحوية . فمن عفاريت الفضائيات مثلا مَن اطلق على نفسه تسمية : صحافي فضائي ، ناقد وإعلامي فضائي ، كاتب فضائي ، كاتب وشاعر فضائي ... وهلم جرا . فيا ترى أهي هجرة العقول السامية الى الفضاء سعيا وراء حرية »الإسهال اللغوي والفكري ؟» . فإذا كان الأمر هكذا ، فمن سيبقى على الأرض اذن ؟ أم ان الأرض ستصبح مبزلاً لنفاياتهم الإسهالية ؟ !!!






الحصان خالي والأسد صديقي

q سألوا البغل: مَن ابوك؟ قال: الحصان خالي (تنكراً لأبيه الحمار، وفخراً بأمه الفرس). ولا يبعد ان يزعم الأرنب قائلا: الأسد صديقي. فمن النادر ان نعثر على احد لا يشعر بالإهانة لنعته بالغباء او قصور العقل او قلة الشأن. فالجميع بحاجة الى واجهة معنوية ايجابية. فإن لم تكن هذه اصيلة ذاتية، يلجأ المرء الى اشتقاقها من ذوي الشأن والاعتبار. »فالعنز يفخر بإلية الخروف، »والقرعة تتباها بشعر اختها«، »وعمي مضيّف وآني مكيّف«، وفي الالمانية: »يزيّن نفسه بريش غيره« وهكذا. فمن كان عاريا من الريش تشبث بمن يضفي عليه تزويقا. فمنهم من يفخر بانتمائه العائلي او العرقي او الحضاري وما شابه ذلك دون ان يكون اهلا للفخر والتقدير. ومنهم من »يدعي وصلاً بليلى« طبقا لما في القول: »انا ابن عم النعلچي الذي نعّل بابوج العروس«.

q الى جانب ذلك لا يندر ان يكتسب المكان شرف مكانة من كان. وفي هذا الشأن مثلا لفت نظري توافد البعض من السواح على احد مقاهي مدينة البندقية، يُقال عنه انه كان مجلس فلان وعِلاّن من اموات أعلام الفكر والأدب. بيد اني لم اجد مبررا للتبرك بالمكان بأن ادفع ثلاثة اضعاف ثمن فنجان. ولذا فضلت الجلوس في مقهى اعتيادي، سعيدا بكوني ما زلت على قيد الحياة.