قد تصادف هذا الصباح من يخبرك بأنه رأى بأم عينيه أحد أعدائك وهو يتأبط ذراع فتاة آية في الجمال.. وقد يضيف أنه رآهما يتبادلان الهمس ويطلقان قهقهات عالية وسط الشارع.. وقبل أن توليه ظهرك مبديا لامبالاتك بما سمعت، يسارع إلى القول بأن تلك "القرطاسة" ليست سوى خطيبتك أو شريكة حياتك!

وسيقسم لك بالطعام الذي جمعكما والملح الذي اشتركتماه ليجعلك تصدّق ويفور غضبك فتكشر عن أنيابك وتمد كلتا يديك في الهواء متوعدا صاحبتك بخنقها إذا صح ما سمعت...

وقبل أن تهرول مسرعا لاقتفاء أثرهما، تبلغ مسامعك قهقهات صاحب "البُشرى" وهو يدعوك للتريث قائلا: يا لك من أحمق! هل صدقتني؟ أنا أمزح معك فقط.. إنها كذبة أبريل!

هكذا يشاء البعض أن يستهل شهر أبريل، بالكذب والمزاح "الأبيض"، مستخدما مقالب بألوان زاهية عدة، بدعوى كسر إيقاع الرتابة اليومي ونشر جو مرِح لطيف وعابر يطرد بقايا غيمات الشتاء المتلكّئة ويمتص كآبة الروتين الممل.

يكذب البعض للنجاة من العقاب، أو طمعا في منصب أو صفقة سريعة. ويكذب آخرون للتخلص من مواقف محرجة أو مزعجة، أو لتمرير مواقف أخرى. ويكذب كثيرون لمجرد التسلية، ولشعورهم بالحاجة إلى إبهار من يقف أمامهم..

كشفت بعض الإحصائيات أن أكثر الظواهر انتشارا هي الكذب، حيث وجدت دراسة أمريكية قام بها مجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين، أن أغلبية الناس يكذبون عادة مرة كل ثمانية دقائق، بمعدل 180 كذبة في اليوم. ويترواح ذلك بين كذب شعوري وآخر غير شعوري، وكذب مجاملة وآخر للتسلية، وكذب بهدف وآخر من غير هدف. وقد يكذب الإنسان على نفسه محاولا إقناعها بأن شيئا ما حقيقي وهو يعلم أنه مزيف، ليحقق لنفسه الهدوء والراحة والسلام الداخلي. وحسب خبراء الاجتماع فإن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والمالية من أهم أسباب انتشار الكذب. ويقسمون الكذب إلى عدة أنواع، منها:

- الكذب من أجل الامتلاك: ويلجأ إليه الشخص ليستحوذ على بعض الأشياء.

- الكذب الإلتباسي: وهو نتيجة الخلط بين الواقع والخيال.

- الكذب الإدعائي :وهو يدعي وجود شىء عنده لشعوره بالنقص.

- الكذب الانتقامي: يحاول إبعاد التهمه عنه وينسبها لشخص آخر.

- الكذب التقليدي: وهو يكون تقليدا للناس الذين يسكنون معه كالآباء والأمهات.

- الكذب خوفاً من العقاب...

ويرى العلماء أن الكذب عموما، ثقيله وخفيفه، يعدّ جريمة دينية وأخلاقية مذمومة، ولكنها ليست جريمة قانونية. فالكذاب لا يعاقبه القانون وإن كان يقع عليه عقاب اجتماعي من باقي الأفراد في شكل استهجان وعزوف عن التعامل معه والوثوق به. أما ظاهرة "كذبة أبريل"، فقد انتشرت مؤخرا بين أفراد المجتمع، وقد يرجع ذلك للعديد من الأسباب، أهمها التحولات الاجتماعية والاقتصادية، التي تمر بها المجتمعات في الفترة الراهنة، وانعكاس هذه التغيرات على قيم الأفراد، وحلول قيم سلبية مكان القيم الإيجابية