الملك يغرس الأفراح مكان أتراح ذوي شهداء فلسطين
نعيم تميم الحكيم ـ المشاعر المقدسة
أشعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أضواء الزينة والفرح في ألفي بيت من بيوت الفلسطينيين ممن فقدت أفرادا في المعارك أو الأسر، حينما شملت مكرمته تحجيجهم على نفقته الخاصة هذا العام. وانتقلت البهجة من فلسطين إلى المشاعر المقدسة وبالتحديد إلى شارع العرب في مشعر منى.
عشرات القصص الإنسانية لذوي الأسرى والجرحى يفيض بها المخيم تنطق بها وجوههم قبل أن تحكي بها شفاههم، ومنها قصة الحاج حسين محمود السعد، الذي يبلغ من العمر 83 عاما عاش فيها ثلاث مآسٍ، أولاها كانت عندما فقد ابنه البكر أحمد عام 1970م وهو في ريعان الشباب لم يتجاوز الـ20، وامتدت معاناته مع إبعاد ابن آخر له عام 1971م، وكذلك لابنه الأوسط إبراهيم الذي أبعد عن فلسطين إلى الأردن حتى الآن، لتستمر المعاناة ويسجن ابنه الأصغر عواد وله في السجن سبع سنوات بتهمة مقاومة الاحتلال، ليبقى الحاج حسين وحيدا مع زوجته التي لم تحتمل حجم المآسي وسقطت مغشية مدة سنة لتتوفى بعدها ليبقى السعد وحيدا، وتمتد اليد الحانية من قبل خادم الحرمين الشريفين الذي عوضه ثمن سنوات العذاب التي عاشها وتم إلحاقه بمكرمة خادم الحرمين لأسر الشهداء والجرحى.
يقول السعد بلغة باكية «لا أملك إلا أن أشكر الملك عبدالله على تحقيقه حلم حياتي بالحج ورؤية بيت الله الحرام لذا أنا في غاية السعادة فلقد كانت فرصة لأدعو لأبنائي وزوجتي بالرحمة والفرج».
مأساة دموية
ولم تكن مأساة خميس رأفت سعادة بأقل من زميله في الحملة، فالحاج خميس قتل ولداه في ظرف أربع سنوات فابنه محمد قتل أمامه في الكراج الذي يعمل فيه في منظر دموي حيث تعرض لطلق ناري حاول والده من خلاله أن يسعفه وظل الابن ينزف وسيارات الإسعاف لم تصل بسبب إطلاق قوات الاحتلال النار عليها ومنع الاقتراب من المكان إلى أن لفظ الابن أنفاسه في حضنه.
ولم يكد يصحو خميس من صدمته الأولى بفقد ابنه الشاب حتى صدم بابنه الآخر الذي قتل بقصف إسرائيلي استهدف سيارة أحد أصدقائه حيث كان بصحبته. ولم يكن خميس يعلم ما يخبئه له القدر حيث كانت مأساته في فقد ابنيه طريقا له لأداء الركن الخامس عبر مكرمة خادم الحرمين الشريفين.
يقول خميس «والله العظيم لقد دعوت بكل حواسي لخادم الحرمين الشريفين بالشفاء العاجل وأن يكرمه ويعوضه خيرا على ما قدم للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية».
قصص المآسي لم تقف عند كبار السن بل كانت حاضرة في ذاكرة الشباب وصغار السن، فالشاب ياسر عون العريعر من قطاع غزة ما زال يعيش في العقد الثالث من عمره لكنه يعيش مأساة منذ ولادته فوالده قتل قبل أن يأتي للدنيا بثلاثة أشهر.
عريعر قدم شكره لخادم الحرمين الشريفين الذي اعتبره أبا له بعد أن فقد أباه عندما شملته هذه المكرمة وتذكره وسط أمواج من تناسوه ليحقق له أمنية العمر، وتمنى العريعر في العام المقبل أن يأتي بصحبة والدته ليحج معها عن والده، متمنيا أن يتم زيادة أعداد الحجاج من أسر الشهداء والجرحى إن أمكن ذلك.
أما صديقه الشاب محمد يوسف الشوا فكانت له قصة مختلفة وإن كانت المحصلة واحدة، حيث فقد والده لكنه كان حينها حيا حيث قتل في مجزرة دموية في غزة استهدف فيها القيادي البارز في حركة حماس صلاح شهادة ليروح ضحيتها 22 شخصا في أكبر مجزرة جماعية في غزة حينها كان والده ضمن هذه القائمة التي دفعت حياتها ثمنا للدفاع عن أرضها وشرفها، وكان الشاب محمد في السجن ولم يستطع أن يلقي نظرته الأخيرة عليه، كما لم تستطع والدته وإخوته أن يروه نظرا لاختلاف ملامحه تماما وتناثر أشلائه التي تم تجميعها من مسافة وصلت إلى 30 مترا.
الشوا لا يجد من الفرحة بمناسبة حجه سوى أن يكثر من الدعاء لخادم الحرمين الشريفين بالشفاء العاجل وأن يديم عليه الصحة والعافية، وأن يبارك له في أهله وعمله وشعبه.
أما حسين البابا الذي عاش أسيرا كما عاش أبناؤه أسرى يقول «لم يحترم الاحتلال الصهيوني صغر سن ابني الطفل الذي اعتقل وهو لم يتجاوز 13 عاما بعد أن بقيت أسيرا في السجون لمدة 18 عاما وكذا ابني ولم يمسح دمعتي ويغسل جراحي سوى مبادرة خادم الحرمين الشريفين بأدائه للحج على حسابه الخاص».
مضيفا «أتمنى لـ (أبو الفلسطينيين) الملك عبدالله الشفاء العاجل ونرجو أن تستمر أياديه البيضاء على الفلسطينيين فهو العربي والمسلم الذي غمر الشعب الفلسطيني بعطفه وحنانه وما قدمه شاهد على ذلك».
وابتهل الحاج محمد طالب خضر دياب الذي فقد أخويه في مواجهات مع الاحتلال الصهيوني إلى الله بأن يصبغ على الملك عبدالله لبوس الصحة وأن يمد في عمره ويبارك له فيه على ما قدمه للشعب الفلسطيني عندما احتضن أسر الشهداء والجرحى والأسرى وداوى بما قدمه جراحهم.
حكم مؤبد
مكرمة الملك لم تقف عند أسر الشهداء والأسرى بل كان بعض الأسرى حاضرين، فمحمود خليل الماطور كان أسيرا في السجون الإسرائيلية بل حكم عليه بالمؤبد ومع ذلك لم يفقد الأمل حتى أنه كان يحلم بالحج رغم أنه كان في سجن العدو وحياته شبه منتهية ليخرج من قمة اليأس إلى قمة الأمل عندما أفرج عنه، لكنه ظل في دائرة المطلوبين والملاحقين حتى تعرض لمتاعب كبيرة عند خروجه من فلسطين ومع ذلك ظل مؤمنا بأن الحلم سيتحقق، يقول بلغة واثقة «أقسم بالله العظيم إن أكثر ما دعوت به في الحج وخصوصا يوم عرفة هو لخادم الحرمين الشريفين بالشفاء العاجل، فما يقدمه لكل المسلمين لم يقدمه أي حاكم مسلم آخر، وما نراه أمامنا في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة من مشاريع جبارة هو شاهد عيان على خير هذه البلاد على كل المسلمين فشكرا من الأعماق على يده الحانية فهو رجل صالح صادق لأمته ووطنه».
محمد خالد حمادة صاحب (29 عاما) يعيش مأساة مختلفة عن سابقيه فقد قتل أخوه وتم اعتقاله لمدة 17 شهرا ومن ثم تم إبعاده إلى الأردن منذ خمس سنوات ومن ذلك الوقت لم ير أحدا من أهله لتأتي المكرمة التي جمعته مع والدته التي أتت إلى الحج بصحبته عن طريق الأردن.
يقول محمد «لساني عاجز عن شكر خادم الحرمين على جهوده الجبارة في مد يد العون لنا ونتمنى له الشفاء، ودعائي ودعاء والدتي ودعاء كل أهالي فلسطين لم ينقطع للملك».
معاناة إنسانية
ولم تقف مكرمة الملك عند الرجال بل شملت النساء، فسهام يوسف شلبي والتي أتت حاجة لبيت الله الحرام للمرة الأولى تعيش معاناة بسبب فقدها لأخيها فهو أسير في السجون الإسرائيلية منذ 19 سنة ومحكوم بثلاثة مؤبدات، فهي تعيش فرحة غامرة وتبتهل إلى الله بأن يديم خادم الحرمين الشريفين ويطيل عمره ويشفيه ويعافيه ويجعل البركة في أولاده وشعبه ويبقى ذخرا للإسلام والمسلمين.
شوفة داود التي فقدت ابنها راكان الشاب الذي لم يكمل عامه الـ 16، تشعر بأنها ولدت من جديد بسبب المكرمة الملكية التي شملتها، مؤكدة أن دعواتها في المشاعر كانت لأبنائها وللملك عبدالله الذي حقق أمنية حياتها ومسح دمعتها.
رد مع اقتباس
المفضلات