إن الله وملائكته يصلون على النبى يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبهاشيرين هلال ، في 15 مايو 2008 الساعة: 10:49 ص
دار نقاش حاد بيننا كمجموعة تعمل فى مكان واحد حول حدود الستر على المسلم , وقد قمت بالبحث على شبكة الإنترنت فوجدت سؤالاً وإجابة حول هذا الموضوع ,
انقله كما هو للإفادة .
السلام عليكم ورحمة الله. سؤالي لكم هو: ما حد السترة على المسلمين في المعاصي؟ أي كيف لي أن أستر عليهم وأنصحهم؟ ذلك لأني قبل عدة أيام شاهدت أناسا -أعمارهم تقارب 14 سنة- يعصون الله ولم يشاهدوني.. وهؤلاء الناس من الذين يأتون للمسجد؛ فخشيت أن أنصحهم أو أفاتحهم في الأمر فيستحيوا مني ولا يعودوا للمسجد بعد ذلك. وخشيت أن أخبر قريبا لهم حتى لا أفضحهم؛ ما زال هذا المشهد يؤرقني.
أخبروني كيف يمكن معالجة هذا الموضوع بطريقة تضمن استمرارية الصلاة والستر عليهم؛ وتقبل نصيحتهم؛ وعدم جرح مشاعرهم بأني شاهدتهم وهم يعصون الله.
يقول الاستاذ كمال الدين زكي -الباحث الشرعي، والداعية المصري-:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب؛ أحيي فيك حكمتك في التعاطي مع الموقف الذي شاهدته؛ قال تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} (البقرة: 269). والحكمة تعني وضع الشيء في محله؛ وأنت لم تتسرع وتتخذ موقفا ربما لا يكون مناسبا؛ وفي الوقت نفسه أرجأت رد فعلك لتعرف ماذا تفعل صيانة لإخوانك المسلمين العاصين؛ يذكرني هذا بالآية التي يقول الله تعالى فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الحجرات: 1)؛ فالمطلوب من المسلم أن يتحرى حكم الله ورسوله فيما ينوي أن يفعل، ونسأل الله تعالى الحكمة والصواب.
وأقول وبالله التوفيق:
بداية نهى الله تعالى عن التجسس على عورات المؤمنين، قال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} (الحجرات: 12)؛ أي لا تبحثوا عن عورات المسلمين ومعايبهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: “إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا” (أخرجه البخاري).
وقد رغب الشارع الحكيم في ستر المسلم، ورهب من هتكه وتتبع عوراته؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة”، وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة” (المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه مسلم).
وقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على الستر على العاصين؛ فحينما زنى ماعز أمره رجل يسمى هزال بأن يذهب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويعترف أمامه بالزنا، فأقر عنده أربع مرات (أي بالزنا) فأمر برجمه، وقال لهزال: “لو سترته بثوبك كان خيرا لك” (المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو داود والنسائي).
وحث النبي -صلى الله عليه وسلم- العاصي على ستر نفسه؛ فعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إن الله ليستر العبد من الذنب ما لم يخرقه. قالوا: وكيف يخرقه يا رسول الله؟ قال: يحدث به الناس”، وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: “كل أمتي معافى إلا المجاهرون؛ وإن من المجاهرة أن يعمل عملا لا يرضاه الله بالليل ثم يتحدث به بالنهار” (التمهيد لابن عبد البر).
وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يدعو المرء ربه أن يستره؛ فعن أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “اسألوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن روعاتكم” (التمهيد لابن عبد البر).
فلا ينبغي للإنسان أن يهتك ستر امرئ سَتَرَ نفسه، ولقد وعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يستر المؤمن في الدنيا بستره يوم القيامة. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يستر عبدٌ عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة” (ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه مسلم).
وهكذا كانت سيرة السلف الصالح؛ حيث كانوا يحرصون على الستر على العصاة وعدم ذكر معاصيهم والاستهانة بذلك، ما داموا حريصين على عدم الجهر بها. ذكر المناوي في “فيض القدير”، عن ابن عون قال: دخلت على ابن سيرين؛ فذكرت الحجاج -أي بما لم يتظاهر به- فقال: “إن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه، وإنك إذا لقيت الله غدا كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج” (فيض القدير).
ومعلوم أن الستر الذي نتحدث عنه إنما هو لأهل الستر من ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفا بالأذى والفساد وهذا هو الستر المندوب؛ أما من لزمه اسم الفاجر الفاسق لغلبة الفجور عليه وقلة مبالاته فلا حرمة له، ولا يكتم أمره؛ بل قد يجب ذكره وفضح أمره، ويكون الكف عنه خيانة لئلا يغتر به مسلم فيقتدي به في فعلته، أو يضله في بدعته، أو يسترسل له فيؤذيه بخدعته.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: “وأما الستر المندوب إليه فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد. فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه؛ بل يرفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يُطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله؛ هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت. أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها على من قدر على ذلك؛ ولا يحل تأخيرها؛ فإن عجز لزم رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة” (تحفة الأحوذي).
إذن فهناك فرق بين من هو مشهور بالفسق المجاهر به ومن ليس مشهورا به؛ فالأول هو ممن يشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويجب إنكار ذلك عليه وفق قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما الأول الذي غلبته نفسه فعصى الله تعالى في السر فهذا ندعو له بظهر الغيب؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر: 10)، ونحن مأمورون بهذا الدعاء {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (محمد: 19)، {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (إبراهيم: 41)، وحث عليه رسول الله r؛ فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل” (أخرجه مسلم)، وهذا الدعاء من أساليب العلاج الناجعة والهامة؛ ذلك أنه دعاء مستجاب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة؛ عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين؛ ولك بمثل” (أخرجه مسلم).
ونحن أيضا لا نعين الشيطان على هذا العاصي الساتر على نفسه بهتك ستره والحديث مع الناس عن معصيته والدعاء عليه وفضح أمره؛ عن دخينٍ كاتبِ عقبة بن عامر قال قلت لعقبة بن عامر: “إن لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع الشُّرَط ليأخذوهم. قال: لا تفعل وعظهم وهددهم. قال: إني نهيتهم فلم ينتهوا وإني داع الشُّرَط ليأخذوهم. فقال عقبة: ويحك لا تفعل؛ فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة في قبرها” (أخرجه الهيثمي في موارد الظمآن. والشُّرَط: هم أعوان الولاة والظلمة، والواحد منه شُرْطِيّ) قال المناوي: “وجه الشبه أن الساتر دفع عن المستور الفضيحة بين الناس التي هي كالموت؛ فكأنه أحياه كما دفع الموت عن الموءودة من أخرجها من القبر قبل أن تموت”.
وعدم فضح هؤلاء فيه حِكَم كثيرة؛ منها ألا يتجرأ الناس على ارتكاب المعصية برؤية من يرتكبها وربما كان ممن يقتدى به؛ ومنها أن يظل العاصي في ستره شاعرا أنه يرتكب معصية؛ لأن كشفه وفضحه ربما يجرئه على ارتكابها وإزالة هذا الشعور منه، ومنها ألا يكون الوجه الطاغي في المجتمع هو وجه العصاة المتجرئين بمعاصيهم الداعين الناس إليها {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا} (النور: 19)، ولا شك أن من الدعوة للفاحشة نشر الحديث عنها وعمن يرتكبها.
ولذلك أنصحك -أخي الحبيب- بعدم فضح هؤلاء الشباب وسترهم؛ والتفكير في الطريقة المناسبة التي تساعدهم من خلالها على التخلص من هذه المعصية بخطوات إيجابية؛ منها أن تصاحبهم أنت وغيرك من الصالحين، وتجتذبوهم من هذه الصحبة الفاسدة إلى صحبة صالحة مفيدة، تقضي وقتها فيما ينفع من طاعة أو لهو مباح أو في تعلم ما هو نافع مفيد.
اعرف يا أخي ميولهم ورغباتهم وما يحبون، وحاول أن تتقرب إليهم أنت وغيرك بهذا النافع المفيد، وانقلهم من هذه البيئة الفاسدة إلى البيئة الصالحة، وأنا أحسبهم مؤهلين لذلك؛ حيث إنهم من رواد المسجد، وهذا في حد ذاته يوفر عليك وقتا وجهدا، واصبر عليهم، ولا تشعرهم بأنك رأيتهم في معصيتهم؛ لئلا ينفروا منك، ولا يستمعوا لك.
وأخيرا لا تنس الدعاء لهم ولك ولي بالهداية والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاسطورة
المفضلات