تثير رداءة رغيف الخبز وغلاء غير المدعم منه غضب شريحة من الشعب في بلد زراعي مثل مصر التي أصبحت أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث تستورد نحو سبعة ملايين طن من القمح سنويا, مما يطرح تساؤلا عن الأمن الغذائي فيه.
وكان ذلك الوضع الذي يزيده سوءا تشكل طوابير أمام المخابز في بعض الأحيان, وقودا لاحتجاجات شهدتها مصر في الفترة الماضية.
واحتل رغيف الخبز مكانة بارزة ضمن الفعاليات الاحتجاجية لثورة 25 يناير/كانون الثاني الماضي التي رفعت شعارات "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، ومن ذلك تلويح المتظاهرين ببعض أرغفة الخبز للاحتجاج على رداءتها.
المساحة المزروعة قمحا في مصر حاليا
توفر فقط نصف الاستهلاك المحلي (الجزيرة)
الأمن الغذائي
وأصبح السؤال المثير للجدل الآتي: لماذا لا تسعى مصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟
وتتراوح المساحة المزروعة قمحا بمصر ما بين 2.5 و2.8 مليون فدان، وهي تنتج ما بين خمسة وسبعة ملايين طن من القمح سنويا، مما يمثل 50% فقط من احتياجات المجتمع المصري.
وهذا يضطر مصر إلى استيراد باقي احتياجاتها من الخارج. ويبلغ متوسط إنتاج الفدان في مصر نحو 16 أردبا سنويا (الأردب مكيال إسلامي يتراوح بين 78 و84 كلغ).
ويرفض أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر الدكتور محمود منصور الدعوة إلى الاكتفاء الذاتي من سلعة معينة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الراهن القائم على حرية التجارة والأسواق، لكنه يدعو إلى تحقيق الأمن الغذائي الذي يعني توفير أي سلع غذائية بالكميات وبالأسعار المقبولة في الأوقات المناسبة.
وقال إن ذلك يعني لمصر مثلا أن توفر ما بين 70 و75% من حاجتها من سلعة أساسية كالقمح، وتستورد الباقي من الخارج.
ولاحظ أن مصر تنتج نحو 50% فقط من حاجتها من القمح، وهو ما يعرضها لأزمات كما حدث عقب الأزمة المالية العالمية، أو خلال التغيرات المناخية في روسيا والبرازيل.
وطالب منصور بأن تكون هناك حزمة بسيطة يمكن أن تحقق لمصر نسبة آمنة من إنتاج القمح تجنبها التعرض للضغوط الخارجية، مثل رفع إنتاجية الفدان بنحو أردبين لتصل إلى 18 أردبا للفدان.
وقال إن ذلك يحتاج فقط لاستخدام بعض الأساليب التقنية وترشيد الاستهلاك، وتوفير الفاقد في عمليات الجمع والطحن التي يمر بها إنتاج الخبز في مصر.
وعن احتمال أن يكون هناك مستفيدون من استمرار مصر في استيراد القمح، وعدم اعتمادها سياسة تمكن من الاكتفاء الذاتي، أشار منصور إلى ممارسات غير سليمة في ما يتعلق باستيراد تلك المادة منذ دخل القطاع الخاص هذا المجال.
ولاحظ أن بعض المستوردين الخواص يستوردون نوعيات رديئة رغم ما يحصلون عليه من تسهيلات حكومية, كما أن ما سماها مافيا الفساد أدخلت نوعيات من القمح لا تصلح للاستهلاك الآدمي.
الزنوني حث الحكومة على دعم
الفلاح لزيادة إنتاج القمح (الجزيرة نت)
قضية إرادة
من جهته, يؤكد أستاذ الأراضي بجامعة المنيا الدكتور إبراهيم الزنوني أن الاكتفاء الذاتي من القمح قضية إرادة سياسية وليس عجزا ماديا.
وأشار في هذا السياق إلى أن لدى مصر 2.3 مليون فدان في الساحل الشمالي كانت تزرع سابقا بالقمح ويُصدّر إنتاجها, ملاحظا أن اتجاه الحكومات السابقة كان توظيف هذه الأراضي للمشروعات السياحية والاعتماد على الاستيراد.
وأضاف الزنوني أن هذه الأراضي تعتمد على المطر في زراعتها، ولا يعوزها سوى الري التكميلي مرة واحدة، كما تحتاج لنحو مليار جنيه (170 مليون دولار) لتطهيرها من الألغام الباقية من الحرب العالمية الثانية.
وطالب الحكومة المقبلة بالتركيز على دعم الفلاح المصري لتشجيعه على زراعة القمح ولا تعرضه للتغرير والإهمال، فالحكومة كانت تغريه بشراء المحصول بأسعار جيدة لكنها تتخلى عنه عند الحصاد بحجة انخفاض الأسعار العالمية.
وأشار أيضا إلى أن الحكومة كانت تكتفي بكميات محدودة من التوريد المحلي، مما يضع الفلاح في موقف صعب.
المصدر: الجزيرة
المفضلات