الرحمة.. في القرآن هدى.. ورحمة
أسلفنا في هذا الموقع، عند الحديث عن الرحمة في القرآن بعض دلالات التي حملها تعانق الهدى والرحمة في عدد من نصوص القرآن الكريم، وتناولنا من هذه الدلالات، ما حملته آيات تحدثت مقدماتها عن أحوال محددة هدف هذا التعانق الإشارة إليها، لبيان النتائج التي ترتبت على هذا التعانق، ولقد ورد مثل في آيات أخر، قد تكون اختلفت مقدماتها، وبالتالي اختلفت النتائج التي ترتبت على هذه المقدمات، لكنها رغم اختلافاتها لم تخرج بعيداً عن الصورة التي قصدها النص القرآني في حين جعل الهدى يعانق الرحمة، ذلك أن هاتين الإحداثيتين ذات مصدر واحد هو الله اللطيف بمخلوقاته.
وفي هذا السياق، تأتي الآية 57 من سورة يونس، حيث تعانقت الرحمة مع الهدى الذي سبقها في النص، ووجب أن يكون كذلك سابقها، وهذا ما يمكن ملاحظته عند الغالبية من الآيات التي تعانقت فيها هاتان اللفظتان، حين يأتي الهدى دوماً سابقاً على الرحمة، ذلك أن هذه الرحمة إنما تتأتى على ما أفاض الله تعالى به من هدى على عبيده، يقول تعالى في سورة يونس الآية 57: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، إن القراءة المبتدأة لمكونات هذه الآية من دلالات الكلمات التي بنت الآية بمقدمتها ونتيجتها لا تظهر للوهلة الأولى، ما حملته الآية بكمالها من أبعاد تحدثت ليس على آثار الآية الكريمة في الحياة الدنيا، ولكن ربما وبقدر أكبر عن الحياة الآخرة أيضاً، ذلك أن هذه الآية قدرت على اختصار سيرة الرسالة السماوية التي نزلت على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام.
وفي النظر الممعن العميق لدلالات ما حملته الآية، يتوقف الفهم الباحث عند كلمات محددة مما جاء في الآية فكلمة موعظة ثم من بعدها شفاء وصول إلى هدى ورحمة وإنتهاء بالتخصيص الذي حملته كلمة المؤمنين، هذه الكلمات هي مفاتيح الأبواب باتجاه الوصول إلى قضاء مقاصد هذه الآية الكريمة التي تتحدث عن الرسالة إلى أهل الأرض.
فهذه الرسالة هي موعظة حملها القرآن الكريم الذي افهمنا معنى التوحيد بأركانه، ثم حمل إلينا أسس الشريعة الإسلامية آخر شرائع السماء إلى أهل الأرض قاطبة، فكان الوعظ فيها مبنياً على بيان الحقائق وشرح المحددات القيمية في الحياة، ثم الوعظ القائم على قصص السابقين العابرين طريق الحياة، ولقد كانت هذه الموعظة بما جاءت عليه، الترياق شفاء الذي شفى النفس البشرية من عوالق الزمن الغابر الذي شوّه الكثير من قيم عقائدية سابقة هذا التشويه هو الذي يحتاج إلى شفاء حملته العقيدة الجديدة القائمة على الإسلام والاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك، ثم بعد هذا تأتي الحقيقة التي ولدت من فعل الوعظ ؟ موعظة ؟ ومن فعل الترياق ؟ الشفاء ؟ الا وهي ان هذه وتلك إنما كانت هدى جاء من الله تعالى، هذا الهدى الذي فتح باب الرحمة ولن يقدر على الولوج منه إلا من اتبع هذا الهدى الذي بنته أركان عقيدة سماوية من أبرز حقائقها رحمة وسعت كل شيء والله أعلم.
رد مع اقتباس
المفضلات