كيف يستقيم الظل والعود أعوج
بقلم الدكتور محمود سليم هياجنه
ليس ثمة شك في أن تاريخ الأمم المطوي بين ثنايا العصور، هو المرآة التي يمكن للمرء أن ينظر من خلالها ، كي يتعرف على الأمم التي تبوأت غارب السيادة ، ثم ينظر الأسباب التي أوصلتها لذلك ، ولا إخال عاقلا يمتطي جواد المعرفة ، كي يحط به في رحال الحقيقة ،ثمّ ينكر أو ينظر إلى الحقيقة بعين القذى ، لأن الحقيقة واضحة جلية ، منبجسة من معين الحق ، لا ينكر وجودها إلا من أنكر ضوء الشمس في وضح النهار ، فلا مرية - إذن – في أن مسلمات الأمور في كل مملكة ، أو دولة ذاقت لذّة نعيم الحياة الهنيئة ، من سالف الأزمان إلى الآن إنما تكمن في وظيفة الحكومة تجاه رعاياها ، فإن كانت تنطلق من مبدأ وظيفة الأم تجاه أبنائها ، فنعمت تلك الحكومة وإن كانت تعمل على مبدأ الجباية ، لا غير ، فبئست تلك الحكومة .
فالحكومة الصالحة هي التي تشفق على أفراد الرعية ، وتوصل الليل بالنهار دون كلل أو ملل ، لا بل لا يتسرب إليها الملل مهما واجهت من تحيات ، لأن غايتها سامقة ، وأهدافها نبيلة ، وهي راحة الرعية ، والذب عنها كلّ ما تقدر على منعه من الغوائل والمحن ، وتهيئ كل الوسائل التي تجعل الرعية متماسكة بقوة التضامن والعطف وتبادل أساليب المحبة ، وأسباب المنافع ، حتى تكون أشبه بحياة الأسرة الواحدة في البيت الواحد .
ومما لا ريب فيه أن الحكومة تحرص جاهدة ، على كل ما يضمن بقاء هذه النعمة والعيشة الراضية المرضية ، وبالمقابل نجد الأمة نفسها ، تحرص كل الحرص على بقاء هذه النعمة في ظل حكومتها ، فتستميت في مساعدتها على دفع الطوارئ التي قد تهدد هذه السعادة .
وليت شعري هل هناك أساس غير هذا الأساس ، أنظر يا يرعاك الله ، حيث شئت من القواعد والأسس التي عليها الشرائع ، أو ما أدركته العقول النيرة ، أو ما استظهرته الألباب في بناء الحكومات الحكيمة ، فهل تجد سعادة تحققت بغير عدل حكومات الرعية ، وإخلاص الرعية للحكومة ، ومن كان في مرية مما صرحت فليأتنا بمثال واحد فقط ، فالتاريخ أمامه شاهد ينطق بالحق ، والحاضر يتكلم بالأحوال ، أجل أيها السادة إنها قاعدة مشهودة مشهورة ( العدل يعمر والظلم يدمر ) .
نعم ، يا يحفظك الله ، لم يأتنا التاريخ بخبر ينبئ بغير ذلك ، ولم يحدثنا بأمة توكلت على الله ، فوثبت إلى توطيد دعائمها ، وشمرت عن سواعدها لإحياء معالمها ، وكشفت عن ساقها لحرث أرضها ، وفعّلت ألبابها لتحديث صناعاتها ، واحترمت عقولها لتمكين علمائها ، فاستلت السخائم وانتبذت الأحقاد ، إلاّ كان الخير في ركابها ، فافلح مسعاها ، وحمدت سراها ، وانقادت لها الأماني ، وذلت لها ناصية الرغائب
فما أسعد البلاد التي ينعم الله عليها بحكومة تفرج كربتها ، إذا استحكمت حلقات ضيقها ، وما أهنأ الشعب الذي يعرف قيمة هذه النعمة الإلهية ، حُقّ له أن يعض عليها بالنواجذ ، ويدافع عنها بكل ما يملك ، ويقوم لها على أمشاط أرجله، يقول ذوي الخبرة في أسرار سعادة البلدان والأمم : ( إنّ رقيّ الأمم والجماعات البشرية في مراقي سهام الأنام والعز والفلاح والهناء والنجاح ، لا يكون إلا باتحاد وجه الحكومة في الأمور العامة ، حتى تكون خطة الحكومة ممهدة لاستقامة الشعب من مواهبها ومساعيها الحيوية ، ومساعي الأمة مصروفة لتأييد خطة الحكومة ومقاصدها الخيرية ) .
لا شك بأننا حين نملك زمام الحقيقة نستطيع أن نعبر عنها بكل وضوح ، وأننا حين نجد الحقيقة غائمة في نفوسنا تلجأ إلى المجازات ، وأدهى من ذلك أن لا تكون حقيقة لدينا ، فتلك الطامة الكبرى ، والداهية العظمى ، فليت شعري ، هل كتب التكليف السامي ، التي تصدر من نبع الحق وتصدح بالحقيقة الناصعة ، التي لا يشوبها أيّ تلميح ، بل هي بكل ما تعني الكلمة من تصريح لا يعتريها مما هو خارج عن إرادتها تنطق بالحق المبين ، واضحة الدلالة ، بينة الحجة ، تقول على نحو صائت : إن غاية ما نسعى إليه هو الرقيُّ بشعبنا ومحاربة البطالة والفقر ، ومجابهة التحديات وتطويع الصعوبات ، والتحديث والتطوير ، ومحاربة الفساد ، وووووووووو الخ ، هل بعد هذا الكلام كلام ؟ وهل هناك ما هو أوضح من ذلك ؟ فأنا لا أدري ولا المنجم يدري كيف يفسر الخطاب ؟ مع أن الخطاب يصاغ للعام والخاص ، و للقارئ والأمي ، كيف يفسر ؟ وأيم الحق لا أدري ، وأيم الحق لو طبق عشر ما جاء في خطاب التكليف لأصبح هذا البلد نبراسا يحتذى به ، وأصبح أبناؤه ينعمون بالسعادة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، لماذا نسير من قتام إلى قتام ؟
وأيم الحق إن الشعب الأردني ، حرّ بطبعه شريف بفطرته ، وكلّ أمله وغاية مناه المحافظة على هذا البلد الحر الأبي الخالص من كل شائبة ، وصونه من كل معرة ، ولو مشى على أسلاّت الألسنة وشفار الصوارم وأفواه المدافع ، وإنه عقد العزم وأبرم البيعة لآل هاشم البررة الغر الميامين ، بيعة لا تنفك عراها ولو سالت لها الأنفس وزهقت لها الأرواح ، وهذا كتابنا ينطق بالحق فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وما ربك بظلام للعبيد ، بينما من يأتي بظلمٍ فكمن يهدر الزمن ويحرث في البحر ، والأردني لا يصبر ولا يتجلد خوفا وإنما إيمانا بوطنه ، وإدراكا بوطنيته ، وعشقا لقيادته ، وحبا بمليكه .
حمى الله الأردن وعاش الملك ، والسلام
بقلم الدكتور محمود سليم هياجنه
ممنوع وضع اميلات عذرا
المفضلات