الفنانة الاردنية تهاني سليم
تهاني سليم: التواصل مع الجمهور لا يضاهيه شيء
الممثلة تهاني سليم
http://www.alrai.com/img/301000/300799.jpg
تهاني سليم
محمد جميل خضر
مشوار حياة الفنانة الأردنية المقيمة في سويسرا تهاني سليم، يؤكد انحيازها النهائي لفنها. فعند كل مفصل يتطلب الاختيار بين ضرورتين، كانت تختار بروحها ووجدانها الفن وبقائها على وصال دائم مع خشبات المسرح وممكنات التمثيل. وهي كما تبوح في حوار أجرته «الرأي» معها لا تستطيع الاستمرار دون فن، وتحديداً فن المسرح، حيث متعة التواصل مع الجمهور التي «ما تزال لا تضاهيها متعة».
ومنذ مقاعد المدرسة الإعدادية في دمشق العاصمة والذاكرة البكر، كشفت سليم عن موهبة لافتة في التمثيل والغناء والرقص الشعبي، وهي الموهبة التي جعلتها تنخرط بعد ذلك كصبية واعدة في فرقة الجبهة الشعبية للفنون وإحياء التراث، وهي الفرقة التي تعرّفت فيها على المخرج فتحي عبد الرحمن رفيق درب فنها لزمن طويل، ورفيق بداياتها مع فرقة المسرح الشعبي أو «مسرح الستين كرسي» كما شاعت تسميته محلياً وعربياً، وهي التجربة المسرحية المهمة والرائدة محلياً التي انطلقت نهاية ثمانينيات القرن الماضي من وحي تجربة عراقية كان تبناها المخرج العراقي الراحل عوني كرومي.
وداخل تفاعلات المسرح الشعبي ومع فتحي عبد الرحمن وصلاح الحوراني ومصطفى أبو هنود ووضاح زقطان ومنيرة زريقي وزياد جلال والسوري سهيل جباعي وغيرهم، كانت التجربة الأهم لسليم قبل سفرها مطلع الألفية الثالثة إلى سويسرا واستقرارها هناك.
وتجربة المسرح الشعبي انطلقت بحسب ما توضح سليم بجهود ومبادرة ذاتية منها ومن عبد الرحمن، حتى أنها باعت صيغتها لتحقيق الحلم، واقترض عبد الرحمن من البنك، واستأجروا بيتاً عن أطراف اللويبدة في الجهة القريبة من (كراجات) العبدلي، وهناك حوّلوا البيت القديم إلى مقر مسرحي حقيقي، بصالة نظّارة، وغرف تجهيزات، وحتى منامات للفرق التي كانوا يستضيفونها من العراق وفلسطين ولبنان وغيرها.
ومن رحم المسرح الشعبي ولدت أيضاً فكرة المسرح الجوّال التي جابا خلالها سليم وعبد الرحمن (كانا قد تزوجا قبل ذلك) مختلف محافظات المملكة، في الشمال والجنوب والوسط والشرق والغرب، وصلا الكرك والطفيلة ومعان وإربد وعجلون ومادبا والأغوار والرمثا والزرقاء وباقي المحافظات، وعرضوا فيها بالتعاون مع مركز هيا الثقافي مسرحيات عديدة للأطفال منها «الأميرة والأقزام السبعة» و»الحمار العجيب» وغيرها من المسرحيات التي استندت معظمها في نصوصها إلى القصص العالمية.
وشارك في «الأميرة والأقزام السبعة»، سبعة أقزام فعلا، رافقوا أسرة المسرحية، وعاشوا معها أياماً مليئة بالاختلاف والمعنى خلال تلك التجربة. وهي التجربة التي تؤكد سليم أنها أحدثت في حياتهم تحولا جذرياً، ومنحتهم فرصة التعبير عن أنفسهم وتحقيق ذواتهم.
وتصف سليم تجربة المسرح الشعبي التي تحبها كثيراً بأنها «كانت فكرة شفافة ورومانسية، تصدى لتنفيذها عدد من الحالمين وعشّاق المسرح».
وبعد تجربة المسرح الشعبي، وبموازاتها أحياناً قدمت سليم العديد من العروض، وشاركت بالعديد من المشاريع.
سليم زارت عمّانها هذه الأيام بسبب استضافة مهرجان المسرح الأردني الثامن عشر بدورته الدولية الأولى عرضها المونودراما «سماء خفيفة» إخراج سوزانا ماري فراغة عن نص للشاعر الفلسطيني غسان زقطان أعدته سليم وكيّفته هي والمخرجة مع ظروف العرض. وتعد مسرحية «سماء خفيفة» تجربة جديدة وجريئة على عروض المونودراما التي تمتاز عادة بحيوية أداء الممثل الوحيد فوق الخشبة، وتمثله أكثر من شخصية، وتنويعه بين رفع وتيرة الأداء والصوت، وبين التركيز أحياناً، والتنقل السريع بين تضاريس المنصة في حالات أخرى. وفي «سماء خفيفة» تبنت سليم مسترشدة برؤى المخرجة نمطاً جديداً في فن المونودراما، اعتمد على قوة النص والحضور المقنع للممثلة وقوفاً بأقل الحركات، وبأكثرها إتاحة لباب التأمل والتركيز من قبل فاعلية التلقي. إنه شكل كما تصفه سليم «مختزل وعميق» يسعى لإيصال الفكرة، كما تقول بالاعتماد على «الانفعال الداخلي المدروس». سليم تعلل الاختزال في الحركة أنه جاء في عرضها «سماء خفيفة» لصالح إعطاء «رمزية لهذه الشخصية التي كانت تمثّل في العرض فلسطين بشكل من الأشكال». سليم تكشف أن هذا الشكل من عروض المونودراما هو الأحدث أوروبياً على صعيد رؤى الإخراج وحلوله، وكذلك على صعيد الأداء وتقنياته، وهي لا تعتقد أنه «رائج عربياً»، ومن هنا، تقول سليم «كانت المغامرة وكان التحدي». وترى أن الأسلوب الذي قدّمت فيه المسرحية فتح باباً واسعاً للنقاش والاختلاف وتباين وجهات النظر، وهو ما تراه أمراً حيوياً وصحياً ومطلوباً. وتشير إلى تفهم بعض النقاد الذين شاركوا في الندوة التقييمية للعرض، ودفاعهم عن الطريقة الأدائية التي اختارتها سليم ومخرجة المسرحية، حتى إن بعضهم كما تكشف دافعوا عن العمل بحماسة وثقة. وتعيد التأكيد في سياق متواصل على العمق والهدوء اللذين قُدّم العرض من خلالهما، وهو ما فتح برأيها مساحة واسعة للتخيل لامست وجدان التلقي بشفافية ساحرة ومدهشة.
سليم ترى أن العمل في المسرح هذه الأيام يعد تحدياً ومغامرة كبيرة، وتذهب إلى أنه لن يعود إلى عصره الذهبي، ولن يعود أساسياً في يوم من الأيام. وتبيّن أن ما يمنحها طاقة الاستمرار بأبي الفنون هو إيمانها أن «المسرح يمثّل حركة تغيير اجتماعي»
سليم التي قدّمت في سويسرا العديد من الأعمال قبل «سماء خفيفة» منها «شهرزاد الآن» التي شغلت بموضوع علاقة الشرق بالغرب، حصلت منها العام 2008 من جامعة لوسيرن على بكالوريوس في العلوم الاجتماعية وعلوم التواصل.
وفيها كما تقول تطورت تجربتها، وهي التجربة التي صقلتها قبل سفرها بالعديد من الدورات وورش العمل، والتي إلى ذلك طورتها ميدانياً من خلال عملها متعدد الوجوه والمهام مع فتحي عبد الرحمن في المسرح الشعبي.
وإجمالا إبداع سليم كما توضح لم يقتصر على التمثيل، بل تزامن ذلك مع محاولات في حقل التصميم، وجهود لافتة في الجانب التسويقي الذي تكفّلت به أيام جولات المسرح الجوال، والتصميم أيضاً مما نال نصيباً من محاولاتها، والعلاقات العامة والإدارة ومهارات ومهن ومهام أخرى.
ولدى سليم رغبة الآن بعمل شيء في بلدها الأردن، على سبيل المثال خوض تجربة مشتركة مع ممثلين أو مخرجين أردنيين، وهي إلى ذلك تصبو إلى تقديم عمل تلفزيوني أو سينمائي محلي عربي.
ولكن على أرض الواقع فإن سليم تتحضر فور عودتها إلى سويسرا لعمل جديد يتناول الثقافة العربية الغربية من خلال علاقات حب وارتباط مختلطة: أوروبي أحب أو تزوج عربية أو العكس عربي أحب أو تزوج أوروبية.
