من صفات طالب العلم النجيب(1)
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
أقدم بين يدي أبنائي الطلبة بعض النصائح ، التي هي صفات لطالب العلم النجيب ؛ آملا منهم أن يتصفوا بها وأن يصبوا إليها . مؤملا فيهم الخير والمجد والسؤدد إن شاء الله :
1. يدرك وظيفته في هذا السن : الطالب النجيب يدرك إدراكا تاما أن وظيفته الأساسية في سنه هذا هي : ( طلب العلم ) فعليه أن يقوم بوظيفته ومهنته خير قيام ، فهو في هذا السن موظف في طلب العلم وعليه أن ينجز الواجبات المناطة بمهنته بأفضل شكل ؛ لذا لا تراه يلهو مع اللاهين ، ولا في الشارع مقيم ، ولا دائم الخروج والزيارات , ولا يجلس أمام التلفاز فينفق ساعات عمره أمامه ، ولا يكثر من الجلسات الفارغة التي يضيع فيها وقته باللهو والعبث والسخرية والغيبة والنميمة .... , ولا ينظر إلى من هو أكبر منه سنا في خروجه للزيارات الاجتماعية والقيام بالأعمال والواجبات ؛ لاختلاف الوظيفتين . لذا ترى طالب العلم النجيب دائما مع : كتبه وأوراقه ، فتجده جالسا على مكتبه ، قارئا كتابه ، متصفحا دوسيته ، دارسا ملخصات أستاذه ، مدونا ملاحظات معلمه ، كاتبا واجباته .
2. إدراك فضل العلم:الطالب النجيب يعلم علم اليقين أن العلم نور والجهل ظلمات بعضها فوق بعض . والنور يبدد الظلمات ،) أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ( ) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ( . واعلم يا بني أن العز تحت ثوب العلم ، وإن العلم نور وضياء يشرق على صاحبه فيلبسه حلله ، و يدل الناسَ على صاحبه كتاجر المسك لا يخفى مكانه .
اطلب العلم ولا تـكســـــل فما أبعد الخير على أهل الكســــل
في ازدياد العلم إرغام العـــدا وجمال العلم إصلاح العمــــل
لا تقل قد ذهبت أربابــــــــــه كل من سار على الدرب وصــل
3. اغتنام زهرة العمر في طلب العلم : اعلم أُخي أن ساعات العمر هي أنفس ما عني بحفظه ، فنحن نعيش في زمن محدود ، وحياتنا مقسمة تقسيما محدودا : صِبا فشباب فكهوله فشيخوخة . ولكل قسم عمل خاص لا يليق أن يعمل في غيره ، كالزرع إذا فات أوانه لم يصح أن يزرع في غيره .فالصبا إذا فات فات أبدا،والشباب إذا مر مر أبدا،والزمن المفقود لا يعود أبدا . واعلم أخي أن العلم في الصغر كالنقش في الحجر ؛ حيث يكون الصبي أصفى ذهنا وأقوى ذاكرة وأنشط استيعابا.خلافا للكبير الذي أشغلته الهموم وأتعبته الأعمال وأرهقته الواجبات، فشتان بين هذا وذاك .
بادر الفرصة واحذر فواتها فبلوغ العز في نيل الفـرص
فابتدر مسعاك واعلم أن من بادر الصيدَ مع الفجر قَنَص
ولقد وردت عدة أحاديث تحث على تعليم الأولاد في سن مبكر ،كان صلى الله عليه وسلم يستغل مرحلة الطفولة للتعليم ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عباس:(.... يا غلام ألا أعلمك كلمات ؟...).
أراني أنسى ما تعلمت في الكبر ولست بناس ما تعلمتُ في الصغر
وما العلم إلا بالتعلم في الصبـــا وما الحلم إلا بالتحلم في الكبــر
ولو فُلق القلب المعلَّم في الصبـا لأصبح فيه العلم كالنقش على الحجــر
وما العلم بعد الشيـب إلا تعسـف إذا كَلَّ قلب المرء والسمع والبصر
وما المرء إلا اثنان عقــل ومنطــق فمن فاتـه هــذا وهــذا فقــد دَمَر
الدكتور أنس العمايرة
من صفات طالب العلم النجيب(2)
4. عدم اليأس من استصلاح النفس : إن كل إنسان منا يمتلك قدرات ومواهب كامنة في نفسه ، والفرق بين إنسان وآخر أن البعض يستطيع أن يستغل هذه المواهب والقدرات ويصقلها والبعض تبقى قدراته ومواهبه مغمورة ؛ لأنه لم يحركها ولم يحاول أن يستفيد منها حتى تتلاشى شيئا فشيا ؛ لذلك على كل إنسان منا أن يكون مبادرا ولا يترك نفسه رهينة الظروف , فلا يترك مجالا من المجالات ولا فرصة من الفرص إلا ويستغلها ويستفيد منها . فالطالب النجيب لا ييأس من شيء ، ولا يخضع لصعب ، ولا يقول جبلت على كذا , ولا أستطيع أن أفهم كذا ، والمادة الفلانية لا تفهم ، ومادة كذا صعبة المنال ، لا وألف لا ... بل يعلم أن الدماغ قادر على هضم وفهم واستيعاب كل المواد , واعلم أن الفرق بين الطالب النجيب والطالب الكسول هو التصبر والإصرار . فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم ، والتكرار يعلم الشطار ، ومن شاهد اللآلئ زج بنفسه البحر ، ولن يُدرِك البطال منازل الأبطال، ولا يفرس الليثُ الطالي وهو رابضُ .
لا تقل قد ذهبت أربابــــــــــه كل من سار على الدرب وصــل
5. الجد والمثابرة : الطالب النجيب يعلم أنه إذا لم يَعْرق جبينه في طلب العلم لم يصل إلى غايته ؛ لذا أطلب منكم أن تكونوا طلاب علم وبحث ومعرفة ، تدرسون وتجدون لتنالوا العلم والخير والبركة ، وتبذرون لتحصدوا الدقيق النافع ، واعلموا أنه لا يمكن لكم أن تستفيدوا من العلم إلا بالمثابرة .واعلم يا طالب العلم أن الأزهار متاحة للجميع ، لكن النحل وحده يستطيع أن يصنع منها العسل ، واعلم أن الراحة لا تدرك بالراحة ، ولا يُنال العلم حتى يسيلَ العرق ويعظُم الجهد والنصب والأرق ، ومن يخطب الحسناء لم يغْلِه المهرُ ، ودون الشهد إبر النحل ، وبقْدر العنا تُنال المنى ، ولا يُدْرَك الشرف إلا بالكلف ، ولم يُجعل التبر حْل الفتا حتى أُهين وحتى كسر ، ولا تُطلب السلعة الغالية بالثمن التافه .
والمجـــد لا يشـــرى بقول كـــاذب إن كنت تبغي المجد يوما فانصب
ولذة الراحة لا تُنال بالراحة، والجنة حفت بالمكارة، ولا يدرك السادة من لزم الوسادة ، ومن آثر الراحة فاتته الراحة .
6. الصبر والمصابرة : فبالصبر ينال الصابر مراده ويحصل على مطلوبه , وبالصبر تتفجر ينابيع النجاح ، فمن أراد أن يصل إلى ذرى المجد فعليه بالصبر .
وقل من جد في أمر تطلبه واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
لذا عليك أيها الطالب أن تصبر على المكاره ثم تصبر على انتظار النتائج ولا تعجل , فاصبر على صعوبة المواد ، واصبر على كثرة المواد وازدحامها ، واصبر على رهبة الامتحان ، واصبر على النتائج السيئة - إن وجدت – واصبر على سوء خلق معلمك ، واصبر على سهر الليالي ، واصبر على الاستيقاظ المبكر , واصبر على الخروج إلى المدرسة في البرد القارص والشتاء الغامر . فبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين ، وقد حث الله على الصبر وأثنى على أهله فقال :) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ({الزمر : 10} ) وبشر الصابرين ({ البقرة : 127} وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ومن يصبر يصبره الله ) ( رواه البخاري 3/265 ومسلم برقم : 1053) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :( وجدنا خير عيشنا بالصبر ، وأفضل عيش أدركناه بالصبر ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريما ) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( الصبر مطية لا تكبو) وقال الحسن : ( الصبر كنز من كنوز الخير ، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ) وقال بعض السلف : ( من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهل ، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة ) .فإذا :عليك أن توطن نفسك على الصبر،وأن تتجرع مرارته لتذوق حلاوته وصدق الشاعر حين قال :
والصبر مثل اسمه مر مذاقه لكن عواقبه أحلى من العسل
الدكتور أنس العمايرة
من صفات طالب العلم النجيب(3)
7. عدم التخاذل والرخاوة:إياك إياك أن تتخاذل عن دروسك ، وتتراخى وتتهرب من واجباتك ؛ فإن ذلك يؤدي بك إلى التراجع السريع عن موكب النجباء الأوائل ، فكم من طالب كان من الأوائل في صفة وفجأة تراجع تراجعا عجيبا مدهشا بسبب التخاذل عن الدروس والرخاوة عن الواجبات .
الطالب السبّاق في طلب العـــلا أَبــــداً تـــراه محبــــرا ومنقبــــا
لا يــرى في الليــل خـارج داره وتــــراه ينهض للدروس مبكـرا
8. الجدية وعدم المزاح : طالب العلم النجيب يعي أهمية الوقت وأهمية العلم ، لذا يتصف بصفة الجدية ليس في حياته مجال للمزاح ، حياته كلها جدية في مدرسته وفي بيته وفي الشارع وفي السوق ... ؛ مما يكسبه احترام الناس وتقدير أساتذته ، وحب أهله . ذلك بعكس اللامبالاة والمزاح الذي يخل بالمروءة ،
ويسقط الهيبة ، فالمزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب
9. استشعار المسؤولية : فعليك يا طالب العلم النجيب أن تروض نفسك على تحمل المسؤولية ، وأن لا تتهرب من وظيفتك التي وكلت إليك ( أقصد وظيفتك كطالب علم ) وأن لا تلقي اللائمة على غيرك - من مدرس أو مدرسة أو بيت- للتهرب من مسؤولياتك ، وأن لا تأتي بالأعذار للتخلص من الواجبات ، أو تختلق الأسباب لتتنصل من النتائج السيئة ؛ فأنت مسؤول أمام الله Y عن علمك ووقتك يقول النبي e : ( كلكم راع وكلكم مسؤون عن رعيته ) { رواه البخاري برقم 893 ، و مسلم برقم 1829} .
10. الحرص على الاستفادة : الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها ، فلا تستهن بأحد من معلميك ، ولا تقل هذا الأستاذ ليس عنده علم ، فلن تعدم منه فكرة لطيفة ، أو مبدأ جديدا ، أو معلومة مفيدة ، أو تجربة حياة ، فالنجيب يحرص على الإفادة من كل أحد ، فيستفيد الأدب والأخلاق الحميدة من أهلها ، ويستفيد حسن السمت من الأتقياء ، والرجولة من أهل المروءات ، والعلم من أهل العلم , بل إنه يستفيد من الحمقى وسيئي الأخلاق ؛ وذلك بأن يستشعر قبح فعالهم ، ويتجنب كل ما يفضي إلى التخلق بأخلاقهم ، بل إن العاقل يستفيد حتى من الحيوانات . سئل أحدهم ممن تعلمت الحرص ؟ قال : من النملة , وسئل آخر ممن تعلمت عزة النفس ؟ فقال : من الأسد لو جهده الجوع ما أكل من فريسة غيره ، وهكذا .... .
11. تقييد العلم بالكتابة : لا تكسل عن كتابة كل ما تسمعه من أستاذك , ولا تقل هذه الفكرة أعلمها ، أو هذه الفائدة قديمة . بل احرص على تقيد ما تسمعه من غير معلميك أيضا ، وذلك بحمل دفتر جيب فتكتب نفيس ما تسمع وصدق الشاعر حين قال :
العلم صيد والــكتـــابـــة قَيـْدُه قيّد صيودك بالحبال الواثقه
فمن الحماقة أن تصيد غزالـةً وتتركها بين الخلائق طالقه
الدكتور : أنس العمايرة