مَرافىءُ المُتَوَسّط .. لَعنَةٌ لِضفافِ .. عِنّابةُ؛ مَرفأ الجَمَالِ والآلام.. والأباطرةِ المُغامرين

نتابع ... أخبار الرأي

وَلِأنَّ المُتَوَسّطَ كلُّ هذا وغيره، سنحاولُ هنا في (مَرافىءِ المُتَوَسّط ..) تَتَبُّعَ رحلةَ تنقّلِ الزمانِ والإنسانِ في مرافئهِ،
إذا ما استطعنا إلى «هِمّةِ ..» تلك المرافىءِ سبيلا ..

محمد رفيع

عنّابةُ، مرفأُ الجمَل الجزائريّ على المتوسّط . يطوي في رماله تاريخ آلهة الجَمال، وآلآم القدّيسين، ومغامرات الأباطرة. وفي كلّ طالع شمس، تهوي شمسُ عنّابة على ذلك الرمل، غير آبهةٍ بما تحت الرمل من كنوز وتاريخ ومخاطر ..!
هي أقدار المدن المطلّة على البحار.. يسيل لها لُعابُ الغزاة والمحاربين دوماً. فتتبدّل الأسماء بتبدّل ‹›المنتصرين..››: بونة، هيبو ريجيوس، أي هيبو الملكية، إلى عنّابة. قدّيسون يلوذون بالمرافئ، فيمنحونها أسماءهم.. وأباطرة يقهرون المدن، فتعلَقُ أسماءهم على أبوابها، وما هي إلا جولة محارب أخرى، حتّى تسقط الأسماء، وتبقى المدن، يجاورها بحرٌ، لا يعترف إلا بأنفاس الآلهة..!؟

حقائق
- عنابة، هي إحدى مدن الجزائر، الواقعة على ساحل المتوسط في الشمال الشرقي للساحل الجزائري. وهي عاصمة لولاية عنّابة، ولها مرفأ يعتبر من اهم مرافئ المتوسط، كما انها، من حيث الأهمية، تعد رابع مدن الجزائر.
- أسّس المدينة في الأصل فينيقيون، قادمون من مدينة صور اللبنانية، وذلك في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقد عرفت المدينة قديما بأسماء: بونة، وهيبو. وقد أعطت المدينة اسمها للخليج، الذي كانت تقع عليه، حيث عرف باسم (هيبونينسيس رجبان)، وفي فترة لاحقة أسماها الرومان (هيبو ريجيوس).
- تحالفت مدينة عنّابة (هيبو) مع قرطاج، واتّصلت بها بسهولة لقربها الجغرافي منها، وبذلك أصبحت من المدن الفينيقية المهمّة جداً. وأصبحت المدينة من المقرّات الرئيسية للملوك النوميديين، وقد ُمنحت استقلالا بعد الحروب الفينيقية في الأعوام (264-146ق.م)، فأطلق الرومان عليها لقب (ريجيوس)، بمعنى (الملكي).
- سمّاها العرب باسم ‹›عنابة››، نسبة الى أشجار العنّاب، التي تكثر فيها، حيث فتحها العرب في أواخر القرن السابع الميلادي.
- كانت عنابة (هيبو)، في القرون الثلاثة الأولى للميلاد من أغنى المدن الإفريقية الرومانية، حيث كان ميناؤها ينسب للإلهة (أفروديت). وقد حصلت المدينة في بداية العهد الروماني على (حقوق جزئية في المواطنة الرومانية)، ثم منحت بعد ذلك (حقوق المواطنة الرومانية الكاملة، كمستعمرة رومانية)، أي حقوقا كولينالية.
- وفي القرنين الرابع والخامس الميلاديين، أصبحت المدينة مركزاً للفكر المسيحي، حيث عاش فيها أحد أبرز الشخصيات الدينية المسيحية وهو (القديس أوغسطين 354-430م)، الذي كان أسقفا لها منذ أواخر القرن الرابع، وتحوّل إلى رمز من رموز المدينة.
- ينتمي إلى عنّابة (هيبو ريجوس القديمة) سبعة قديسيين مسيحيين، ومنهم ثيوجينس وفيدينتيوس، الذين ماتا شهيدين حسب النصوص الكنسية، والقديس ليونتيوس فاليريوس، بالإضافة إلى القديس اوغسطين نفسه الذي عرفت هيبو ريجوس في عهده وجود ثلاثة أديرة مسيحية في الأبرشية (الأسقفية) داخل الدير الأسقفي. كما عقدت في المدينة آيام أوغسطين ثلاث مجامع مسيحية في الأعوام 393م، 395م و 426 م.
- مدينة (هيبو)، أي عنّابة، تعرّضت إلى حصار طويل، من قبل (الوندال)، في النصف الأوّل من القرن الخامس الميلادي، استمر نحو عام ونصف العام، ثم سقطت في أيديهم عام 431م، وبعدها أصبحت المدينة من أملاك البيزنطيين، أي في النصف الأوّل من القرن السادس الميلادي، في عهد الإمبراطور (جوستنيان). حيث بقيت كذلك إلى أن فتحها العرب المسلمون أواخر القرن السابع الميلادي.
- يعود مسجد (سيدي بومروان)، الموجود في عنابة، إلى القرن الحادي عشر الميلادي، إضافة إلى وجود عدد من الأديرة والآثار الرومانية.
- في العام 1830، احتلها الفرنسيون لفترة قصيرة، ثم عادوا إليها بعد عامين، أما المدينة الجديدة، فيعود تاريخ إنشائها إلى العام 1870م.
- لمدينة عنّابه الجزائريّة عدّة معالم تاريخية وآثار، منها آثار (هيبون) المعروفة محليا بـ (لالة بونة)، والموجودة بين تلال في الضاحية الجنوبية للمدينة. وهي تضمّ آثارا رومانية، منها ساحة تسمّى الفوروم، حيث تعدّ أقدم وأوسع ما اكتشف إلى الآن. كما توجد بقايا مسرح ومدرّجات اوركسترا، بالإضافة إلى تماثيل وقبور، كتماثيل؛ (هاكيوس، اسكولاب، أفروديت أيون، إله السَنة، آلهة الحب، القديس اوغستين).
- كما توجد في المدينة كنيسة كاثوليكية من العهد الإستعماري (بازليك السلام)، تقع على ربوة هيبون المشرفة على المدينة الأثرية، حاملة الإسم نفسه. وقد سعى القديس دبيش إلى تأسيس هذه الكنيسة، بتشجيع من أسقف الجزائر لافيجري. وأحضر بعض رفات القديس أوغستين إلى عنابة سنة 1842م، لتدفن في المكان المخصّص لها. كما رمّم الكنيسة، التي كانت منهارة، سنة 1881م وجرى أول قداس فيها سنة 1886م، ليوضع بها تمثال من البرونز للقديس أوغستين.
- في متحف هيبون يوجد مجموعة من الآثار، منها تماثيل وأواني فضية ونحاسية ولوحات من الفسيفساء، لمختلف الحقبات التاريخية التي مرّت بها المدينة.
- مسجد (سيدي بومروان) أحد معالم عنّابة، تأسّس قبل أكثر من عشرة قرون. حيث بدأ تصميمه أواخر النصف الثاني من القرن الرابع للهجرة، وتمّ بناؤه سنة 425ه في عهد الدولة الزيرية، إبّان حكم المعزّ بن باديس الصنهاجي، وتحت إشراف المهندس الأندلسي أبو ليث البوني، وهو من طراز أندلسي قام بناؤه على ركائز اسطوانية.
- كان المسجد يؤدّي أدوارا متميزة، توزّعت بين العلم وردّ الهجمات الآتية من شمال البحر المتوسط، حيث كان بمثابة مؤسسة علمية دينية وحربية. وقد سمّي بمسجد أبي مروان نسبة إلى عبد الملك بن مروان بن علي الأزدري المولود بإشبيلية، والذي قام بإنجاز أول جامعة دينية بالمسجد قدمت فيها العلوم العسكرية والدينية، وقد كان في وقت مضى يضمّ في جنباته السفلى ما يسمّى بحديقة الرباط، والتي كانت بمثابة ناد للضباط في البحرية، وبعد الإحتلال الفرنسي سنة 1830، حوّل إلى مستشفى، وقد أضيف إلى بنائه الأصلي طابق علوي، كما تمّ فصل حديقة الرباط عن الجامع.
- وقد تعرّض المسجد لأضرار بالغة، وتمّ إغلاقة سنة 1994 بعد انفجار باخرة السلاح (نجمة الإسكندرية) في الميناء، والتي أضرّت بمباني المدينة القديمة المطلّة على الميناء، ليعاد ترميمه وافتتاحه لاحقا.
- تُشبّهُ أحياء مدينة عنّابة بأحياء القصبّة بالجزائر العاصمة، و تحتوي على العديد من البيوت الكبيرة، وبها ساحات وحدائق وقاعات واسعة، ولا تزال شاهدة على الذوق المعماري، ودرجة الرقيّ والتحضّر لسكان المدينة، ففيها تبرز بوضوح مسحة العمران الأندلسي الأصيل. أما الصناعة التقليدية في عنّابة، فلها القسط الوافر في كلّ ركن من البيت العنّابي، ومنها؛ صناعة الخزف والفخار والجلود والطرابيش والزرابي والنقش على الخشب، بالإضافة إلى اللباس التقليدي، الذي تتميّز به المرأة العنّابية؛ كالقندورة الفرقاني، إذ لا يخلو بيت عنّابي واحد منها على الأقلّ.
- تحتضن المدينة عدّة مهرجانات وطنية وأخرى دولية، منها؛ مهرجان اللباس التقليدي والفنون الشعبية، مهرجان هيبون، مهرجان الأغنية المالوفية، وإحياء الذكرى السنوية لرحيل أحد أعمدة الفن العنّابي الشيخ حسّان العنّابي، مهرجان أغنية الروك، مهرجان الأغنية البدوية القصبة، ومهرجان أغنية الراب، وأمسيات أخرى يتمتع بها أهل عنّابة حتى في ساعات متأخرة من الليل.
- وبحكم موقع عنّابة الجغرافي الممتاز، وتربّعها على شريط ساحلي بحري، وبواجهة تقدر بحوالي 80 كلم، تتّسم بتنوع تضاريسها، ما جعلها مقصداً للسياح، للتمتّع بأشعة الشمس، وصفاء المياه والإسترخاء على رمالها الذهبية. فالشمس فيها تشرق باكراً، وينعكس جمالها على المدينة عند المغيب؛ حيث الأرض خضراء بغطاء نباتي متنوّع، وسماء ملوّنة بزرقة مياه البحر الدافئة، إذ كان وما يزال المكان حلم كلّ سائح لجمال مرفأ عنّابة، وخصوصاً شاطئ (سانكلو).
- وصفها الدكتور والكاتب الجزائري عز الدين ميهوبي، بقوله: (عنّابه، مدينة كلما امتدّت في الزمن كلما زادت صغرا وطفولة حسناء.
- ويضمّ الساحل العنّابي خمسة عشر شاطئا للسباحة والاستجمام، تتميّز بروعتها وجمالها ومن أهم هذه الشواطئ؛ المنظر الجميل ،خروبة ، رفاس زهوان، إضافة إلى الشاطئ المتميز (لافونتان رومان). كما تحتوي عنّابة على مرافق سياحية كثيرة.

منقول عن الرأي الاردنيه