بسم الله الحمن الرحيم
يمثل المسلمون في الصين أقلية بالمقياس العددي، فهم لا يتجاوزون ثلاثين مليون نسمة من مجموع مليار وثلاثمائة مليون هم تعداد الشعب الصيني في جمهورية الصين الشعبية. لكن هؤلاء المسلمين لا يعيشون فعلياً باعتبارهم أقلية، وإنما باعتبارهم "صينيين" يشتركون مع الصينيين الآخرين في الوطن، على قاعدة من المواطنة الكاملة،وعلى أساس وحدة الشعب الصيني، ويتمايزون بأنهم يؤمنون بديانة لها شروطها وشعائرها، لا أكثر، كأي أصحاب ديانة أخرى.
يتكون الشعب الصيني من ست وخمسين قومية، منها عشر قوميات تدين بالإسلام، تتواجد بشكل أساسي في شمال البلاد، غير أنهم طبعاً،وباعتبارهم مواطنين، يتواجدون للعيش والعمل في مختلف أرجاء البلاد: شمالها وجنوبها،ولهم في بكين شارع يعيش فيه أكثرهم، اسمه "نيو جي" أي شارع البقر، لأن المسلمين يتمايزون عن الصينيين الآخرين بأكل لحم البقر!
في مختلف أحياء ومناطق بكين، توجد مساجد صغيرة للمسلمين، أما مسجد بكين الكبير فيوجد في "نيو جي"، وهناك تقام صلاة الجمعة بشكل يشبه الصلاة في بلادنا العربية، فتلقى فيها خطبة عادة ما تحث على القيم والأخلاق.أما في المساجد الصغيرة فيكتفي الخطيب بقراءة آية من القرآن على المنبر ثم تقام الصلاة.
الشعب الصيني يحترم معتقدات أصحاب الديانات، لهذا تنتشر الأطعمة الإسلامية التي تحمل شعار "حلال" في الأسواق، فضلاً عن انتشار المطاعم الإسلامية.كما أن هناك صابونا خاصا بالمسلمين، ومعجون أسنان أيضاً! كذلك يحترم الصينيون الأحكام الدينية لأتباع الديانات، سواء ما تعلق بالطعام أو غيره.
الصينيون المسلمون ليسوا كلهم متدينين طبعاً. كثير من المسلمات متزوجات من رجال لا يؤمنون بأي دين. وأكثر المصلين في المساجد من كبار السن، لا الشباب. لكنهم عموماً يعتزون بإسلامهم، ويرحبون بلقاء المسلمين.
وقد سألت أحد الصينيين المسلمين، عمل معنا مترجماً في الحلقة الدراسية التي شاركت فيها في بكين ومدن أخرى، وهو خريج القاهرة منذ أربعين سنة، سألته عما إذا كان المسلمون الصينيون يواجهون أي تمييز بسبب دينهم، فقال ان الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، فالصيني المسلم الذي يعمل موظفاً في الحكومة مثلاً يأخذ مبلغاً رمزياً إضافياً على راتبه الشهري باعتبار أن المسلمين الصينيين يأكلون اللحم أكثر من الآخرين!
بالطبع عانى المسلمون الصينيون من التضييق إبان الثورة الثقافية(1966-1976)، لكن الأمر انتهى بعد ذلك كما أكد أكثر من مسلم صيني تعاملنا معه،فكل شيء اليوم محكوم لقاعدة المواطنة لا غير. والحقيقة أن هذه الحال تثير الإعجاب فعلاً إذا ما قارنّاها بحال الانقسام الطائفي، بل والإقليمي والمناطقي وما هو أصغر منه، الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية.
الشعب الصيني الذي يَعُدّ ملياراً وثلاثمائة مليون يعيش موحداً تحت علم بلاده ويعمل لنهضتها وتقدمها وتمددها في العالم اقتصادياً ودبلوماسياً وسياسياً دون اعتبار للعرق أو الدين، أما بلادنا التي تَعُدّ معظمها بضعة ملايين فإن مجتمعاتها لا تستطيع أن تجتمع يداً واحدة إلا في خطابات المجاملات، أما حين يجد الجد فإن تفتتها يظهر على أسوأ صوره وأبشع ممارساته، ولنا في العراق مثال فقط، يمكن أن ينطبق على أي من بلداننا الأخرى التي تعيش مجتمعاتها حروباً داخلية باردة غير معلنة، إذا ما حدث طارئ لا سمح الله.
هل نستطيع أن نستنتج واحداً من عوامل تقدم الصين ونهضتها؟ بالطبع. إنها قاعدة المواطنة التي يجتمع فيها كل الشعب دون تمييز على حب الوطن وخدمته، بدلاً من قاعدة "تقاسم الوطن" التي تعيشها مجتمعاتنا وبلداننا،وكأن الوطن "كعكة" لكل منا فيها نصيب،وليس لأحدنا من شغل إلا أن يحصل على حصته ويزاحم الآخرين على حصصهم، فيكون الفائز هو من يحصل على الحصة الكبرى، ولا يفوز الوطن بشيء!
