أقـويـاء ينتـزعـون «اللقمـة» بعضلاتهـم
[bor=#ff0000]أقـويـاء ينتـزعـون «اللقمـة» بعضلاتهـم
حسين الحجاجي ـ جدة
أمورهم تسير بالتسامح ولا غضاضة في نفوسهم، يستيقظون قبل الفجر استعدادا ليوم جديد، بحثا عن رزق مختلف عن اليوم السابق. «لا نرفض أي عمل من يأتي لا يغادر إلا ونحن معه، هنا نترقب هل سيأتي أحد، ننتظر إلى قبل الغروب ثم نرحل، أيادينا فارغة أم مليئة». هكذا قالوا وهكذا قلت لهم: يقال إنكم عنيفون وإن لديكم طعاما خاصا، هو سر قوتكم في تهشيم الجبال والصخور، ويقال إنكم تتركون الزوجة تعمل وأنتم قابعون في البيوت، ويردد الناس أن الطفل حالما يولد تضعون الزيت عليه ثم تتركونه في شمس الظهيرة. فماذا قالوا: إنهم أولئك الرجال من الأفارقة المشهورون بتهشيم الجبال وتحطيم الصخر بأياديهم.
أمام أحد المنازل والمشارف على الطريق العام جنوبي جدة كان مجلسهم، يترقبون كل يوم من يأتي ويطلب استخدامهم في إزالة صخرة تعترض مشروعا معماريا أو خزان ماء أو إزالة عمارة وهدمها، عدتهم مساحة وعتلة وفأس وذراع صلبة وصحة وعافية، لا أكثر ولا أقل، وبهذه العدة البسيطة يحددون المدة التي يمكن أن يستغرقونها في إزالة هذا الجبل أو تلك العمارة مهما كان ارتفاعها.
حسين إبراهيم التشادي (51 عاما) لم يكن الأكبر سنا، لكنه كان المتحدث لطيبة حواره ونفسيته المليئة تفاؤلا رغم شقاء حياتهم ومعيشتهم، قال: منذ أن كان عمري (20) كل شيء لدي نظامي ولا أحب مخالفة النظام لأنني أطلب رزقا حلالا، القليل عندي كثير طالما من عرق (الجبين) من أعطاني بعد عملي شكرته ومن رفض تركته لا أشتكي ولا أصرخ عليه.
قاطعته : وهل حدث هذا الموقف؟
ابتسم ثم قال: جاء رجل وطلب منا أن (نكسر) صخرة كبيرة في وسط البيت ليبني مكانها خزانا للماء، عملنا فيها ثمانية عشر يوما حتى أزلناها، وعندما طلبنا أن يحاسبنا ظل يماطل يوما بعد الآخر فتركناه لضميره، لذلك يأتي صاحب العمل نذهب معه، «نشوف الشغل» وبعدها نتفق على الأجرة إن اتفقنا بدأنا العمل بلا خوف، وإن اختلفنا عدنا، لكن غالبا ما نتفق ولا أذكر أننا اختلفنا من أجل الأجرة.
تدخل العم عبدالرحمن آدم أحمد (67 عاما) وقال «نحن لا نريد مشاكل، نقوم بالعمل كما يطلب صاحبه، ولا نأخذ أجرة لا نستحقها، فنحن مجموعة نعمل كفريق أحيانا يكون العمل كبير علينا، فنحضر أناسا يساعدونا ونعمل (بالعتلة)، وهي حديدة طويلة تمسك باليد من أجل تكسير الصخور أو الحيطان و(الفأس والكريك)، نستيقظ قبل الفجر ونتناول الفطور ولا يمكن لأحد منا أن يأتي للعمل بدون الفطور.
قاطعته قائلا: مما يتكون؟
هنا تدخل داود جبريل (35 عاما) قائلا: تريد أن تعرف (سر أكلنا) صدقني ليس هناك سر، طعامنا بسيط، فالفطور عبارة عن (المديدة) وهي من دقيق الدخن، بعد ذلك نأكل أي شيء من الطعام، أما في المساء فلا بد من العصيدة وهي من دقيق البر أو القمح، أما الغداء فنأكل أي شيء.
عاد (حسين إبراهيم) قائلا: طعامنا عادي وبسيط لكننا لا نترك أية وجبة.
قلت له: يقال بأنكم كأزواج لا تعملون وتتركون مهمة العمل للزوجة، ولهذا تغادر البيت صباحا، للبحث عن الرزق.
قاطعني عبدالرحمن قائلا: هذا غير صحيح فنحن لا نرضى بهذا أبدا، والرجل عليه أن يعمل وعليه أن يدفع إيجار البيت، وهو الذي يأتي بالرزق من العمل، أما إذا أرادت الزوجة أن تساعد فنحن لا نمنعها لكن لا نأخذ شيئا مما تأتي به، وأنا لدي زوجتان واحدة هنا والأخرى في البلاد، ومع ذلك أصرف عليهن بالتساوي.
تدخل (حسين إبراهيم) وقال: أنا كذلك عندي زوجتان كلهن هنا ولا مشكلة في العيش في بيت واحد ولا توجد مشاكل.
قلت: يقال بأن سر الصحة والقوة لديكم يعود إلى أن المولود لديكم تدهنه أمه بالزيت ثم تضعه تحت الشمس في الظهيرة.
قال حسين إبراهيم: هذا التصرف يقتل الطفل (كيف يتحمل الطفل الصغير حرارة الشمس، فهذا كلام غريب).
قلت: ما أكبر عمل قمتم به جميعا وأكبر مبلغ حصلتم عليه؟
رد عبدالرحمن آدم، أكبر مبلغ كان 500 ريال عن عمل استمر ثلاثة أسابيع، وهذا العمل لا يأتي منه الكثير لكن البركة في القليل.
وماذا لو مرض أحدكم أو توفي هل تساعدون أسرته؟
رد داود جبريل قائلا: لا نترك أي شخص فلو أصيب أثناء العمل أو مرض، فنحن نعمل نيابة عنه ثم إذا استلمنا (أتعابنا) نعطيه حصته كما لو كان معنا، ولو توفي نهتم بشؤون أسرته مثلما لو لم يمت، أما عن أقل مبلغ قال عبدالرحمن آدم، خمسة ريالات أو عشرة كأن نحمل أكياسا من السيارة.
وما العمل الذي يعتبر شاقا؟
رد حسين إبراهيم، قائلا: العمل بركة ولا يوجد عمل شاق وغير شاق، المهم أن تعمل.
وماذا لو مرض ابنك أين تذهب به؟
قال عبد الرحمن آدم: للمستشفى، وإن لم تكن لدينا نقود نتركه بين يدي الله وهو أرحم به منا، إن شاء تركه وإن شاء أخذه.[/bor]
