صناع الفن السابع: Orson Welles اورسون ويلز
صناع الفن السابع: Orson Welles اورسون ويلز
http://www.alrai.com/img/178500/178674.jpg
إنه اليوم أسطورة وكالأساطير تختلف فيه التفسيرات بذلك يقدم نجيب محفوظ إحدى شخصياته في رواية المرايا، وكذلك حالة أورسون ويلز المخرج الذي قفز إلى قمة السينما الأمريكية ثم وكالأساطير الإغريقية مضى بصمت وبكثير من المرارة إلى أوروبا يبحث عن متفرجين يمتلكون القدرة على تفهم نزقه وشططه في التعامل مع السينما التي يصنعها، الأكثر ترجيحا أنه احترق بالغرور ولكنه أيضا وصل إلى السؤال التراجيدي الذي جعله يلبس عباءة دون كيشوت ويواجه تعسف شركات الإنتاج العملاقة في هوليود ليتحول من طفل السينما الأمريكية المدلل إلى طفلها المنبوذ ولكنه لم ينسحب دون أن يترك علامة فارقة في تاريخ السينما تمثلت في أفضل الأفلام على الإطلاق وباعتراف الجميع إذا تعلق الأمر بالناحية الفنية إنه المواطن كين أو الوجه الآخر لصاحب الألف وجه أورسون ويلز.
ولد جورج أورسون ويلز في السادس من أيار سنة 1915 في ولاية ويسكنسون وكوالده المتعدد المواهب والذي انتهى بصورة تراجيدية هو الآخر بعد حياة حافلة بدأت حياة جورج تعطي مفاجأتها على التوالي منذ طفولته، ليصبح بعد انتقاله إلى مدينة شيكاغو مشروع متشرد يهوى الموسيقى كوالده الذي كان بالإضافة إلى عمله بالتجارة والصناعة عازفا ماهرا للبيانو، ووجد ويلز نفسه مضطرا للتعامل مع ظروفه الصعبة في العاشرة من عمره وواصل الدراسة في مدرسة عادية حتى الخامسة عشر من عمره، وأهلته موهبته للالتحاق بأقل من نصف فرصة في أحد المسارح المحلية قبل أن يتوجه للعمل الإذاعي الذي حقق شهرته الكبيرة في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين حيث عمل على استغلال صوته الرخيم والقوي في تقديم معالجة إذاعية لرواية H. G. Wells حرب العوالم ويصبح نتيجة أحد الأخطاء أحد أشهر الشخصيات في الولايات المتحدة نتيجة حالة الرعب التي انتابت مئات الآلاف من الأمريكيين عندما تناسى أن ينوه ببدء البرنامج ليبدو أن المحطة تذيع بيانا بمهاجمة كائنات فضائية لكوكب الأرض بصورة فعلية، والأغلب من خلال قراءة شخصية ويلز أنه تعمد أن يتناسى التنويه ببدء البرنامج بصورة طبيعية.
في سنة 1938 بدأت علاقة ويلز مع السينما مع فيلم Too Much Johnson ولكن فرصته الأهم أتت مع شركة RKO بعد أن حصل على عرض بوظيفة مراقب فني يعمل على النصوص واختيار الطاقم والمشاهد وغير ذلك ومنذ ذلك التاريخ بدأت علاقة ويلز بالسينما والتي أتت ببداية قوية أثمرت بعد سنتين من فتح خزانة الأوسكار لتضم ويلز إلى قائمة الشرف عن فيلمه المواطن كين الذي أنتجه ويلز في ظل إمكانيات متواضعة للغاية اضطرته للاستعانة بأصدقائه لأداء أدوار الفيلم مدركا أن تعويله في الأساس على سيناريو الفيلم الذي يعد مرجعا لكتاب السيناريو في العالم وأيضا القصة المليئة بالتراجيديا التي روت قصة الصعود والانهيار أحد كبار الصحفيين البراغماتيين الذي يسعون لتحقيق المجد بأي ثمن ودون أي وازع أخلاقي ويتورط في سبيل ذلك في في دائرة من الفساد تدفعه للموت وحيدا وهو يحاول البحث عن معنى أبسط المفردات في حياته، بصورة أخرى هي قصة البرعم الذي سحق منذ البداية ومضى في نموه العشوائي العدواني في مجتمع مستعد لرعاية البذور الفاسدة أصلا، بطبيعة الحال لم ينجح المواطن كين على مستوى الجمهور، وأعيد الاعتبار للفيلم بأثر رجعي حيث يفتخر الكثيرون بأنهم شاهدوا الفيلم واستطاعوا الإحاطة بكل رموزه وأسراره فالفيلم يقبل الكثير من التأويلات ويستوعب الكثير من النظريات التي تعمد ويلز أن يتركها في كل مشهد كفخ للمتفرج.
أثبتت الأفلام القليلة التي تلت المواطن كين أن ويلز ليس المخرج المناسب لتحقيق أهم معايير النجاح في هوليود وهي الأرباح ليجد نفسه في حالة صراع مع شركات الإنتاج نتيجة تمسكه برؤيته الخاصة أولا في كتابة السيناريو وثانيا في طريقة صناعة الفيلم السينمائي وأشرت ضآلة الايرادات على ضرورة ترويض الهاملت الذي يسكن ويلز فأصر ويلز أن يتحول إلى شكسبير السينما الأمريكية فعاد إلى حياة الصعلكة التي اعتادها في شوارع شيكاغو وأصبح يتطفل على زملائه لإيجاد بعض الأدوار التمثيلية، فبالإضافة إلى اسمه كمخرج المواطن كين فإن ويلز يعد واحدا من أكثر ممثلي الأربعينيات وربما القرن العشرين كله تمكنا وقدرة على أداء الشخصيات المعقدة وربما لو اكتفى فقط بالتمثيل وانصرف عن الإخراج لحقق نجاحا كبيرا وتصالح مع المال الذي مثل عنصرا مهما فكل ما كان يجنيه من أموال يذهب إلى مشروعاته في صناعة الأفلام.
أتى فشل فيلم سيدة من شنغهاي في سنة 1948 برغم كل عوامل النجاح التي تبدت أيضا بأثر رجعي مثل المواطن كين إلى قراره بهجرة أمريكا إلى القارة الأوروبية، ففي وجهة نظره لم يعد من الممكن التعويل على الجمهور الأمريكي الذي انصرف عن الفيلم لأن بطلته المحبوبة ريتا هيوارث تموت في أحداث الفيلم، ذهب ويلز إلى أوروبا ليبحث عن جمهور أكثر نضجا بعيد عن المراهقة.
في بداية الخمسينيات كانت أوروبا توفر كل ما يحتاجه ويلز من حرية قياسا بأمريكا المتزمتة سياسيا وأخلاقيا في تلك المرحلة، واستمر ويلز في التمثيل بحضوره المميز ليمول مشروعاته في الإخراج دون أن يتوقف عند حسابات الربح والخسارة وتبدأ أيضا تجربته الرائعة مع أعمال شكسبير حيث قدم ماكبث في سنة 1948 وعطيل في سنة 1952 ليحصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان بفيلم متواضع للغاية من الناحية المادية ولكنه بالغ الثراء من الناحية الفنية، النجاحات الأوروبية و إصرار الممثل الطاغي الشعبية تشارلتون هيستون أعادا ويلز إلى هوليوود ليصنع واحدا من أفضل أفلام السينما الأمريكية وهو لمسة شر حيث استطاع ويلز أن يوظف جميع طاقات هيستون وأن يسانده ليخرجه من صورة النجم الوسيم وينزع عليه رداء الممثل المتمكن، بما لم يجعل هيستون يندم على ذلك برغم أن أداء ويلز كممثل في دور الشرطي الفاسد الذي يطبق القانون على مزاجه الشخصي وضمن ما يخدم مصالحه قبل كل شيء اختطف الأضواء من هيستون.
الفيلم الذي كان يفترض أن يكون تجاريا للغاية تحول إلى أحد الأفلام العميقة في تاريخ السينما وأصبح يعتبر بمثابة صرخة الإدانة ضد الفاشية والاستبداد ولكن الخلافات حول الصورة النهائية للفيلم دفعت ويلز للعودة إلى أوروبا، فالدقائق التي حذفت من الفيلم لترشيقه لدى المشاهدين والاستفادة من شعبية هيستون، ولكن هوليوود أيضا ندمت بصورة متأخرة فأعدت المشاهد المحذوفة للفيلم وفق الرؤية الأصلية لويلز الذي كان غادر الدنيا كلها.
السنوات الأخيرة لم تكن السنوات الأفضل في حياة ويلز فقلت أعماله بصورة كبيرة واقتصرت على معالجات فنية لمسرحيات شكسبير وبدأ يعاني من السمنة المفرطة والضغط حتى أصيب بنوبة قلبية في سنة 1985 غادر على أثرها الحياة في 10 تشرين أول 1985 تاركا وراءه صخبا كبيرا ولغطا لا ينتهي ومتاهة من التفسيرات الشخصية والفنية لمسيرة ليست حافلة بالمعنى المتعارف عليه ولكنها مؤثرة إلى أبعد الحدود.
