-
رواية يوميات عمر وسارة
رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الاولى
قــالت ســارة:
كلما تحدثني أمي عن زواج أحد الأقارب أو القريبات وعن الجهاز الكبير الذي رأته عند فرش المنزل الجديد تثور ثائرتي وأصاب بالحموضة من شدة الغيظ، فوالديّ قد أصرا على توفير نصف مرتبي من أجل ذلك الزوج الذي قد يأتي يوما أو لا يأتي.
ولكن ما دخلي أنا بكل هذا؟ إذا أرادوا أن يزوجوني فليدفعوا هم وليس أنا. لماذا لا يسمح لي بالتصرف بالمرتب كيفما أشاء. أنا مثلا أريد التوفير لشراء سيارة في خلال خمس سنوات.
وكبداية أريد أموالا لتعلم القيادة والحصول على الرخصة، وكذلك أريد إكمال دراساتي العليا. أنا أريد نصف المرتب الذي يِؤخذ مني “غصبا واقتدارا”. ثم من هذا الذي يستحق أن أحرم من نصف مرتبي بسببه. حاجة تغيظ!
أنا لن أصرف قرشا برغبتي على شخص لا أعرفه يدخل في حياتي فجأة متوقعا أن أصبح خادمه المطيع، “بلا جواز بلا نيلة!!!”
قــال عمــر:
تحسدني أختي لكوني رجلا أستطيع أن أختار لنفسي وأن أقرر متى أتزوج، في حين أنها كفتاة تضطر لانتظار الفارس المنتظر وليس بيدها حيلة.
ولكنها لا تدري كم الأعباء الملقاة على كاهلي لكي أفكر في الزواج. بالتأكيد أحلم أن أمسك يوما ما بيد فتاة –هي زوجتي- ونسير على الكورنيش وهي تتسلى بأكل الترمس الذي يزيد بطنها المنتفخ من الحمل انتفاخا.
ولكن من أين لي بالمال الذي يجعلني أتقدم لخطبة أي فتاة؟ وكذلك فإني لا أريد أي فتاة..
كيف أعرف أن هذه الفتاة التي سأتقدم لها ستكون مريحة في صحبتها؟ فبالرغم من صغر سني واشتياقي إلى متع الزواج المعروفة، فإني أدرك تماما أنه بعد أيام قلائل سيكون ما يهمني أكثر هو طيبة زوجتي وخفة دمها واستمتاعي بحديثها. فأنا أعرف أصدقاء قد تزوجوا وكانوا يتصلون بالشلة قبل مرور الأسبوع الأول على زواجهم، وذلك لأنهم قد شعروا بالملل. ملل!!! وهم مازالوا في بداية البداية، إذاً ماذا سيفعلون بعد عام أو عامين؟ “بلا جواز بلا نيلة!!!”
قــالت ســارة:
منذ أسبوع ألمحت لي أمي بأن إحدى صديقاتها لديها ابن يكبرني بثلاث سنوات، يعمل كمهندس كمبيوتر في إحدى الشركات الخاصة. وهي تعرف أنه شاب مؤدب ووسيم وسيزورنا هو وأهله ليشربوا معنا الشاي يوم الخميس القادم.
كنت أظن أني سأثور ولن أرضى بفكرة الزواج الآن. فأنا أريد أن أبني مستقبلي، فهذا ليس فعلا يقتصر على الرجال فقط، ولكن لا أدري ما الذي أسكتني؟ لعله الفضول لمقابلة شخص يريد الزواج بي. لا أدري.
اتصلت بصديقتي المقربة وأخبرتها، فضحكت ودعت لي بالتوفيق وأكدت عليّ أن أصلي صلاة الاستخارة، ففعلت بمجرد أن أنهيت مكالمتي معها. وظللت في حالة قلق طوال الأسبوع وكنت أبكي يوميا في التليفون وأنا أحدث صديقتي وأنا أتخيل قصصا مأساوية إذا لم يعجبني العريس وأجبرني والدي على الزواج منه، وكيف سأعيش في بؤس، وكانت صديقتي تضحك مني وتقول إني أستبق الأحداث، وإني “نكدية”، ولكن القلق كان يؤلم قلبي، ومر الأسبوع سريعا. واليوم هو الخميس المنتظر.. وربنا يستر.
قــال عمــر:
منذ شهر أخبرتني أمي عن صديقة معها في العمل عندها فتاة جميلة تصغرني بثلاثة أعوام، وهي تعمل في إحدى الشركات. ووالدها رجل طيب ومحترم. فأخبرتها بأني لا أملك حاليا ما يعينني على مصاريف الزواج، وأن كل ما ادخرته خلال سنين عملي هو سبعة ألاف جنيه. طمأنتني أمي وأخبرتني بأن والدي سيساعدني، وأن هذه هي سنة الحياة. فجدي كذلك قد ساعد أبي عندما تزوج من أمي وعاشا أولى سنوات زواجهما في إحدى الغرف ببيت جدي الواسع إلى أن وسّع الله على أبي واشترى هذه الشقة.
ولكني لم أكن أريد العيش في بيت والدي، وكان رد أمي أن أمامي الحل في أخذ شقة إيجار جديد. ولما كنت أشعر بالاكتئاب منذ فترة لشعوري بالعجز عن الزواج في وقت قريب، فقد استمعت لحديث أمي المتفائل ووعودها بمساعدة أبي الأسطورية. وتوكلت على الله وصليت الاستخارة. واتفقنا على مقابلة العروس في بيت أهلها يوم الخميس القادم، وكاد التوتر يقتلني، فقد خشيت أن لا تعجبني العروس، وكم سيكون الموقف وقتها محرجا عندما أرفضها بعد أن ذهبنا إلى بيتهم!! ربنا يستر
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الثانية
يدخل “عمر” مطأطئ الرأس ويسلّم على حمى وحماة المستقبل و ..
دعونا من التفاصيل ولنقفز للحظة الحاسمة مع دخول سارة ..
قـالت ســارة:
دخلتُ الصالون وقد تعلقت عيناي بالسجادة وحاولت استجماع شجاعتي لأبدو طبيعية إلا أنني كنت في أسوأ حالات خجلي الذى لم أعهده من قبل. لمحت لون بذلته البيج وحذائه البني، ثم قادتني أمي فسلمت على والديه ورفعت رأسي لأحييه وأخييييرا رأيته ..أول ما لفت نظري كان عينيه وابتسامته، أو بالأحرى مشروع ابتسامة.. يبدو أنه كان غارقا في الخجل هو الآخر فلم يكن يعرف هل يبتسم أم يبدو جادا، أما عيناه .. فكانتا صافيتين! وكان نظره لا يستقر على شيء حتى أني ظننت أنه ربما يكون أحول ..
وكادت الفكرة تجعلني أضحك، وفجأة احمر وجهه و .. و .. وكان وسيما حتى في خجله هذا، فابتسمت وجلست ولاحظت أنه يتمتم بشيء ما، أو لعله “يبلع ريقه” فقد مد يده بعد ذلك وتناول كأس العصير ليشرب منه ..
قــال عمــر:
جلست على كرسي منفرد في الصالون، بينما احتل والداي الكنبة، وجلس والد العروس على الكرسي المجاور لجهة أبي، بينما ذهبت والدتها لغرفة داخلية ثم خرجت تتبعها سارة ..
ورأيتها جميلة ..
وكأني رأيت هذا الجمال من قبل وأعرفه، وذهب عني توتري في لحظة وانشرح قلبي لها. لا أقول إنه حب من أول نظرة، ولكن شيئا ما جعلني أشعر أني لن أتركها لأحد غيري. لم أستطع منع نفسي من التمتمة بـ”الحمد لله”، ونظرت إليها فظننت أنها تغالب ضحكة تكاد تخرج منها فعاد إليّ توتري لظني أنها رأت شيئا بي يثير الضحك، إلا أنها ابتسمت وجلست فحمدت الله ثانية وتناولت كوب العصير من أمامي فقد جف ريقى ..
قـالت ســارة:
بدأ والدي يحدّث عمر عن عمله وعن الشركة التي يعمل بها وظهر أن أبي يعرف أحد المهندسين بتلك الشركة، حيث كانوا زملاء دراسة، وأوصى أبي عمر بأن يسلم له على صديقه القديم ويذكره بصاحبه عامر عبد المحسن ..
وتحدث عمي مع أبي عن وضع شركات القطاع الخاص، بينما بدأت طنط في الحديث معي عن عملي وعن طبيعة دراستي، ولاحظت أثناء ذلك أن عمر يسترق النظر إليّ كل دقيقة فتملكتني بجاحة غريبة ونظرت له في عينيه بينما كان ينظر إليّ،
وظننت للحظة أن روحه ستخرج من فمه، فقد فوجئ بعينيّ في عينيه فثبت وجهه وتحرك فمه وكأنه سيقول شيئا ما إلا أنه لم يصدر أي صوت ولم ينقذه سوى أن وجه له أبي سؤالا عن شيء ما في شركته فالتفت إليه، وشعرت أنه بالكاد استرجع روحه التي تدلى نصفها من فمه وانفجرت في ضحكة في داخلي وأحسست بأنه ظريف ولكنه خجول أكثر من اللازم ..
قــال عمــر:
حاولت أن أفتح أي موضوع مع سارة إلا أن عقلي “قفش” وانعقد لساني .. ووجدت أمي تفتح مواضيع عديدة مع سارة وشعرت بغبائي لعدم تذكري لأي من هذه الموضوعات أو محاولتي لالتقاط خيط الكلام من أمي. وظللت أرقبها وهي تتحدث مع أمي، نصف عقلي يتابع حديث أبي وعمي ونصفه الآخر منشغل بـسارة نفسها، حتى إني لا أكاد أعي ما تتحدث عنه مع أمي ..
كانت لها ضحكة جميلة كما أن بروفيل وجهها الذي أستطيع أن أراه فقط من مكاني بدا جذابا و .. فجأة رفعت عينيها نحوي وضبطتني وأنا أنظر إليها، حاولت أن أتحدث وأبدأ أي حوار معها إلا أن الكلام لم يخرج من فمي. شعرت بأن منظري مضحكا، إلا أنها عادت للكلام مع أمي وقد احمر وجهها ..
–يبدو أنها شعرت بالخجل–
ووجه إليّ والدها سؤالا ما فالتفت إليه، إلا أني كنت أريد الحديث معها فأنا لم آتِ لكي أخطب عمي!!
قـالت ســارة:
يبدو أن والدته أرادت “جرّه” إلى الحديث فقالت له: دي سارة طلعت بتقرا الجرنال اللي طالع جديد وعاجبك يا عمر، بس ماجابتش العدد بتاع الأسبوع ده، ماتقول لها كان مكتوب فيه إيه
فنظرت إليه وفتح فمه إلا أنه أصدر أصواتا هذه المرة وسألني عمن أتابع مقالاتهم في الجريدة، فأخبرته وبدأ حديثه واكتشفت أنه متحدث جيد بل و “رغاي” أحيانا، فقد ظل يخبرني عن تفاصيل كل مقال ويعلق عليه ويسألني عن تعليقي، ثم يعيد ما قاله بطريقة أخرى ثم يتذكر شيئا آخر قرأه فيتحدث عنه، وانتهزت أنا فرصة حديثه لأستطلعه بشكل مفصل ..
كان نحيفا ويبدو أنه متوسط الطول وهو جالس ولكن .. أعجبني شكل يديه فقد كانتا كيدي عازف بيانو، أصابع طويلة وأظافر قصيرة، وكانت رموشه طويلة وعيناه بنيتين و … وبدأت أثرثر معه أنا الأخرى ..
قــال عمــر:
عطفت عليّ ماما أخيرا وألقت إليّ بطرف خيط لأدخل في حديثها مع سارة. سألتني عن جريدة أقرأها وكذلك سارة، وأنها لم تقرأ العدد الأخير منها، فانتهزت الفرصة وظللت أحكي لها عن المقالات وكل شيء تذكرته، فقد كانت تلك فرصتي لأنظر لها “براحتي” كان كل شيء بها جميلاً، صوتها وجلستها ويداها الصغيرتان وعيناها الضاحكتان دائما وتعليقاتها التي أثارت ضحكي كثيراً
كان حوارنا بعيداً تماماً عن الرومانسية ولكن “نص العمى ولا العمى كله” على الأقل انحلت عقدة لسانينا وعيوننا ..
قـالت ســارة:
كانت الجلسة مجرد جلسة تعارف بالطبع إلا أن أبي وعمي قد انسجما تماماً. وبدا على الجميع السعادة، ونظر إليّ عمر وهو خارج وقال لي بصوت هادئ ظل يرن في أذني: “أشوفك قريب يا سارة” ..
قــال عمــر:
نزلت أصفر وأغني وركبت السيارة وأنا في قمة النشوة .. سألتني أمي عن رأيي، فقال لها أبي إن عليها أن تترك لي فرصة للتفكير والاستخارة. أما أنا فلم أرد ولكني توقفت عند أول بائع جرائد وجدته ونزلت لأشتري عددين من الجريدة التي نقرأها أنا وسارة
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الثالثة
قـالت ســارة:
تفكير .. تفكير .. وقلق شدييييييييد ..
دخلت غرفتي بعد ذهاب عمر وأهله وغيرت ثيابي وخبأت نفسي تحت الأغطية حتى لا تأتي أمي وتسألني عن رأيي ..
لا أنكر أن شيئا ما تحرك في قلبي، بل إن صوته المنخفض وهو يقول: “أشوفك قريب يا سارة” قد دغدغ أحاسيسي ..
أريد أن أقول إنه يعجبني وإني موافقة ولكن ما أدراني برأيه هو؟ وكذلك ما أدراني بأن مشاعري هذه ليست لحظية؟
ربما عمر هذا ليس جيدا كما يبدو .. إنه ليس طويلا كما كنت أرغب .. صحيح أنه أطول مني ولكن ..
هل يمكنني أن أقضي باقي عمري مع “عمر”؟ هل هو المقدر لي أم لا؟
يا رب ارحمني من الصداع .. غداً أصلي صلاة استخارة مرة أخرى، وربنا يقدم ما فيه الخير ..
قــال عمــر:
نمت مباشرة بعد عودتي من عند بيت سارة، فكرت في صوت ضحكتها قبل نومي مباشرة إلا أن التوتر الذي أصابني طوال اليوم جعلني مرهقاً ونمت فوراً ..
في اليوم التالي استيقظت وصليت الفجر والاستخارة ونمت ساعة قبل الذهاب إلى عملي .. لم أرَ مناما أو أي شيء وإن كنت لا أعتقد في موضوع المنام .. ما يهم أني أشعر بارتياح عام للموضوع ..
في العمل تذكرت أني لم أحصل على رقم تليفون سارة، أردت محادثتها .. سآخذ رقمها من أمي ولكن هل يصح أن أتصل بها ونحن حتى لم نقرأ الفاتحة بعد؟
سأتحدث مع أمي في هذا الموضوع عند رجوعي للمنزل ..
أثناء فترة الراحة تذكرت أنني بقراري الزواج من سارة أحكم على نفسي بالعيش معها للأبد .. إنها جميلة ويبدو أنها طيبة، ولكن هل يمكن أن يكون بها عيوب خفية لا أستطيع تحملها؟ كنت سأجعل أبي يتصل اليوم بأهلها لتحديد موعد قراءة الفاتحة، ولكنني أحتاج أن أعرفها أكثر، ربما تكون بخيلة أو .. سليطة اللسان .. لا .. لا يبدو أنها قد تنطق يوما بكلمة سيئة ..
أصابني الصداع من كثرة التفكير وشعرت بأن أذنيّ قد سخنتا بشدة .. يارب اهدِني ..
قـالت ســارة:
يبدو أن هذا الموضوع سيجعلني أستهلك كميات كبيرة من الـ”سفن أب”، فالحموضة لا تريد أن تذهب .. أفكر طوال الوقت في الموضوع ..
هل أقبل؟
هل أرفض؟
ولماذا أرفض؟ هل سيقبلني عمر؟؟ .. أم؟
قد يكون به عيوب شديدة القبح وهو يخفيها بهذا المظهر الجميل .. ربما يكون من الذين يضربون النساء، ولكن لا .. يبدو أنه محترم .. ووالده كذلك رجل محترم وخلوق.. لا يمكن أن يكون كذلك .. هل يمكن أن يكون “بصباص”؟ ولكنه خجول .. ربما يمثل؟
آآآآآآآه الحموضة هتقتلني .. مش عارفة أقول إيه لماما لما تسألني عن رأيي ..
خايفة أوافق وبعدين عمر مايردش يبقى شكلي وحش .. وكمان خايفه أوافق وبعدين عمر يطلع شخص سيئ .. إن أهلي متحمسون له وبهذا إذا ظهر أنه شرير سأقول لهم إنهم هم الذين وافقوا عليه من البداية ..
يا ترى عمر وأهله هيتكلموا إمتى؟
قــال عمــر:
وصلت البيت وأنا منهك ولم تكن لدي شهية للطعام فذهبت للنوم ..
استيقظت بعد المغرب فصليت وجلست مع والدي في الصالة .. أخفض أبي صوت قناة الجزيرة التي لايتابع غيرها هي وقناة العربية للأخبار .. التفت لي وسألني عن حالي فحمدت الله، ودار بيننا هذا الحوار ..
بابا: نويت على إيه إن شاء الله؟
أنا: مش عارف، كنت متحمس بس دلوقتي قلقان ..
بابا: طبيعي جدا.. إنت مش استخرت؟
أنا: مرتين ..
بابا: وحاسس بإيه؟
أنا: مش عارف ..
ضحك أبي وقال: عادي برضه .. أنا ساعة ما اتقدمت لأمك عقلي شتّ من التفكير ..
تدخلت أمي: ماتصدقهوش ده حفي عشان أنا أوافق ..
أكّد أبي كلامها ضاحكاً وقال: شوف يابني البنت كويسة وأهلها طيبين وإن كنت خايف من حاجات ممكن تظهر في المستقبل، فإنت استخرت وإذا كان الموضوع خير هيمشي وإن ماكانش الأمور هتخلص لوحدها .. شوف إنت مبدئيا حاسس بإيه تجاهها؟
أنا: هي عاجباني وأنا مرتاح لها بس ..
بابا: من غير بس، شعورك المبدئي كويس، احنا نقرا الفاتحة مع الناس وبعدها تشوفها وتتكلم معاها عند أهلها كام مرة، ولو زاد ارتياحك ليها نكمل ونعمل الخطوبة اللي برضه هتكون فترة اختبار بينكم .. وإن ماحصلش توفيق يبقى كل اللي يجيبه ربنا كويس، ولا رأيك إيه؟
أراحني كلام أبي ووافقت عليه ..
بابا: يبقى اتصل بقى بـ”عمار” واسأله إمتى هنعرف رأيهم؟
أنا: رأيهم؟ أنا حسبتك هتحدد ميعاد الفاتحة ..
ضحك أبي وقال: ليه هو إنت مادام وافقت يبقى العروسة وافقت؟
عرفت بعد اتصال أبي بأهل سارة أنهم طلبوا أسبوعا لإبداء رأيهم .. وعاد إليّ توتري، فأنا قد أبديت رأيي المبدئي في اليوم التالي مباشرة، لماذا تحتاج هي إلى أسبوع؟ أهي محتارة لهذه الدرجة؟ ألم تعجب بي كما أعجبت بها؟
حاولت أمي طمأنتي بالحديث عن أن الفتيات يأخذن وقتا أطول من الرجال في إبداء رأيهن، وأن أهلها يجب أن يسألوا عني، فسألتها غاضباً: ألا يجب أن أسأل عنها وعن أهلها أنا الآخر؟
ردت أمي بأنها تعرف أهلها جيداً، وإذا أردت يمكنني أن أتحرى عنها هي بنفسي ..
فسألتها: كيف؟
فقالت روح ليها الشغل .. وتركتني أمي لحيرتي وقلقي ..
قـالت ســارة:
اتصل أهل عمر ليعرفوا رأينا وتنفست أناالصعداء؛ فمعنى اتصالهم أن عمر وافق عليّ ويريد أن يعرف رأيي .. انزاح من على قلبي هم ثقيل .. كنت مرعوبة من فكرة أني أعجبت به وهو قد لا يعجب بي، على الرغم من كلمته: أشوفك قريب يا سارة ..
بعد جلسة طويلة مع أمي قررت الموافقة على قراءة الفاتحة لكي أستطيع أن أراه عدة مرات قبل أن أوافق على الخطوبة .. ولكن أبي قرر تأجيل إخبارهم بقراري إلى أن يذهب إلى عمل عمر ويسأل عنه .. وسمعت من أمي خطة أبي لمعرفة كل شيء عن عمر من زملائه ورؤسائه في العمل، بل وجيرانه كذلك .. فأبي رجل طيب وهادئ ولم أتوقع أن يتحول إلى المحقق “كولومبو” من أجلي ..
قارب الأسبوع على نهايته وأشعر (قليلا) بأني أريد أن أرى عمر.
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الرابعة
قـالت ســارة:
تحرى كولمبو (أبي سابقا) عن عمر فوجد أن سيرته ممتازة بين جميع معارفه، ومن ثم اتصل أبي بعمي وأخبره عن موافقته، واتفقا على قراءة الفاتحة يوم الإثنين القادم، وظل أبي يتحدث مع عمي على التليفون قرابة نصف الساعة ،حيث إن كليهما يهتم بمشاهدة القنوات الإخبارية وكانا يتناقشان حول برنامج ما ..
يبدو أن علاقة أبي بعمي ستتوطد قبل أن تتوطد معرفتي بـعمر.!
أخبرني أبي بعد إنهاء المكالمة أن عمي وطنط وعمر يسلمون عليّ ..
شعرت بالاشتياق لرؤية عمر مرة أخرى، إلا أنه ـ بالطبع ـ لن يكون بيننا أي اتصال قبل قراءة الفاتحة ..
قــال عمــر:
لم أحاول التحري عن سارة لأني أولاً ارتحت لها، وثانيا أمي تعرفها وتعرف والدتها، وثالثاً أنا ماعرفش ازاي أتحرى عن حد .. ولكني ـ للحق ـ فكرت أن أذهب لأراها وهي خارجة من عملها فقد شعرت بأني بحاجة لأن أراها .. شيء ما جعل قلقي يزول من جهة موافقتها عليّ أم لا.. فأنا أظن أني تركت لديها انطباعا جيداً ..
وجاء الخميس موعد رد عائلة سارة علينا، وجلست بجوار أبي وهو يرد على تليفون عمي .. ظلا يتحدثان في بداية المكالمة عن برنامج سياسي ما وأنا جالس على الشوك في انتظار الجواب .. وأخيراً سمعت أبي يضحك ويحمد الله ويحدثه عن سعادته بالنسب المرتقب بيننا، فالتقطت أنفاسي وخرجت إلى البلكونة ..
كنت أشعر شعوراً غريباً وكأن كل شيء يبرق أمامي ..
أحسست أني أريد أن أحضن العالم كله وأقبـّله. كنت أعرف أني سأبدأ مشروع حياة وأني سأكافح من أجل تجهيز نفسي، إلا أن هذا الشعور الغامر بالسعادة أنساني أي قلق .. وسألت نفسي: كم سأنتظر لأقف مثل هذه الوقفة مع سارة في بلكونة منزلنا؟
قـالت ســارة:
هل يُعقل أن أحب شخصاً رأيته لمرة واحدة؟ أم أن هذا الشعور بقبوله الشديد ناتج عن صلاة الاستخارة؟ هل الله يعطيني إشارة بأن عمر لي وأنا له؟ أنتظر يوم قراءة الفاتحة بسعادةٍ شديدة. ولم أعد أعاني من الحموضة .. الحمد لله ..
يوم قراءة الفاتحة
قــال عمــر:
جاء الإثنين الغالي، احترت في الهدية التي يجب أن أقدمها لـسارة .. أخبرتني أمي بأنه يمكن أن أشتري لها خاتما لقراءة الفاتحة، وأخبرتني أنها يمكن أن تنزل وتختاره لي ولكني أخبرتها أني سأشتريه بنفسي ..
ذهبت إلى الصائغ ولم أكن أعرف مقاس إصبع سارة إلا أني حاولت التخمين قياساً على حجم يديها .. كنت أريد خاتماً مميزاً ..
فكرت بأن يكون خاتماً ذا فص مثل خواتم الزواج التي أراها في الأفلام الأجنبية، إلا أني وجدت خاتماً عليه فراشة تبدو وكأنها حقيقية .. لا أدري لماذا ذكرتني الفراشة بسارة، فدعوت دعاء الاستخارة واشتريت الخاتم .. يا رب يعجبها ..
قـالت ســارة:
لا أدري ماذا يجب عليّ أن أرتدي في قراءة الفاتحة. هذه المرة كنت أريد أن أبدو متألقة ..
بعد تفكير ومحادثات مع صديقتي ومع ماما ومع المرآة اخترت طقماً لبني اللون، ووضعت بروشاً على هيئة فراشة يشبك الطرحة مع البلوزة ..
يا ترى عمر بيحب اللون اللبني؟
يا رب .. يا رب .. يا رب خلّيني فرحانة النهارده ..
قــال عمــر:
أحضرت علبة شيكولاتة ونحن في طريقنا إلى بيت سارة .. في هذه المرة كان معي أولاد عمي في سيارتنا وكذلك أختي. بينما كان أبي وأمي في سيارة عمي وزوجته يلحقون بنا ..
في هذه المرة ظل أولاد عمي يثرثرون معي وظللنا نضحك طوال الطريق ونحن نسمع ليلة من عمري لـعمرو دياب (“أنقلها مع التحفـّظ (*~*) .. تعليق أدمن البيج (^_^)) ..
عندما دخلت منزل سارة هذه المرة كنت أكثر راحة .. كان المنزل مزدحما نسبيا عن المرة السابقة حيث حضرت خالة سارة وزوجها وأعمامها الثلاثة .. عندما دخلت كانت سارة تكلم أحد أعمامها في ممر يطل على الصالون، التفتت ورأتني وأنا أتجه صوب الصالون فابتسمت لي وابتسمت لها .. كانت ترتدي طقما لبني اللون يجعلها تبدو جميلة كالسماء. واتسعت ابتسامتي حينما لاحظت أنها تضع بروشا على شكل فراشة ..
قـالت ســارة:
دخل عمر هذه المرة فجأة فقد ظننت أن أبي يفتح الباب لزوج خالتي الذي وقف على السلم ليدخن سيجارة، حيث إن أمي لا تسمح بالتدخين داخل المنزل، وكان أبي واقفاً على الباب يتحدث مع زوج خالتي، وصديقه في نفس الوقت حتى يهون عليه وقفة السلم. ولكني استدرت لأجد عمر أمامي يبتسم ويحمل علبة شيكولاتة .. لقد زادت معزته في قلبي لما أتى لي بالشيكولاتة ..
بعد أن قدمنا الجاتوه والحاجة الساقعة، تحدث أبي مع عمي وتعرف الجميع على بعضهم البعض وسألني عمر عن حالي ..
كان الجو مزدحما هذه المرة، ولكن عمر كان هادئا ومازالت لديه عادة اختلاس النظر إليّ ..
في وسط كل هذا وجدت أبي وعمي يقولان: نقرا الفاتحة بقى .. رفع الجميع أيديهم ليقرءوا الفاتحة ونظرت تجاه عمر فوجدته بالطبع ينظر لي وقرأنا الفاتحة وأعيننا متشابكة .. وشعرت وكأني خارج كل زحام الصالون وكأن جسدي كله قد تخدّر ..
قــال عمــر:
قرأتُ الفاتحة وسارة تجلس في عيوني، تجرأت هذه المرة ونظرت إليها بثبات أثناء قراءة الفاتحة، ولم تبتعد عني بعينيها .. أخرجتُ الخاتم وقدمته لـسارة التي ضحكت وقالت والدتها: إنت كنت عارف إن سارة هتلبس بروش على شكل فراشة ولا إيه؟
ولكني لم أكن أعرف، أنا حتى لم أعرف رقم تليفونها وخفت أن يظن عمي أني اتصلت بها من ورائه .. فأنكرت على الفور فضحكت سارة وضحك الجميع .. وشاركتهم الضحك
قـالت ســارة:
لم أصدق نفسي عندما رأيت الخاتم، فقد كان جميلا جداً .. فأنا أحب الفراشات بشدة ..
لقد أتى لي عمر بشيكولاتة وفراشة من ذهب .. يبدو أنني سأحب هذا الفتى ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الخامسة
قـالت ســارة:
لا أصدق أنه قد تمت قراءة فاتحتي بالرغم من أني قرأتها معهم وإن كنت لم أعِ منها سوى “الحمد لله”.. كنت أنظر إلى خاتم الفراشة على يدي باستغراب .. لقد امتلكت عدة خواتم ولكني لم أشعر بهذه المعاني التي أحملها من قبل ..
أشعر أن عمر وضع علامة عليّ تشير إلى أني أصبحت له ولكن .. لكن عمر لا يحمل أي علامة تشير إلى أنه أصبح لي .. ربما أقوم بعمل علامة في وجهه عندما يزورنا في المرة القادمة!! أم أنه قد يعتبر ذلك فظاظة مني؟!
يا ربي لا أستطيع أن أكون جادة حتى عند التفكير في مستقبلي .. لكني لم أرَه سوى مرتين وادبست ووافقت على قراءة الفاتحة ..
كل هذا بسبب حماس أبي له وألفته السريعة مع والده ..
آه ياعمر .. قلبي بيرفرف لما بافكر فيه، وبالرغم من ذلك فمازلت أشعر بالقلق بسبب موافقتنا السريعة .. إلا أن أمي أخبرتني أن الفاتحة مجرد ربط كلام ليتسنى لي لقاء عمر عدة مرات حتى أوافق على إتمام الخطوبة ..
أنتظر مكالمة عمر على التليفون ولا أدري كيف سأبدأ أي حوار معه؟
قـال عمــر:
الغريب أني لا أشعر بشيء مختلف لكوني أصبحت (قاري فاتحة) لم أتعرف على سارة بشكل عميق، وإن كنت أشعر بشيء لا أستطيع وصفه يثير البهجة في قلبي كلما مرت على بالي، وما أكثر المرات التي تمر فيها على بالي، بل إنها بالأحرى تسكن حاليا في بالي ..
المفترض أني سأتصل بها لتتوطد معرفتنا قبل إعلان الخطوبة وهذا ما يثير توتري فأنا في العادة “دمي خفيف” وكثير الكلام، ولكن أخاف أن يجعلني التوتر أخرس كما حدث في لقائنا الأول .. أخاف أن أبدو سخيفا وثقيل الظل، فالبنات لا تحب ثقيلي الظل ..
كيف أستطيع أن أظهر جمال شخصيتي الرائعة في حديثي معها؟!
” افتح عليّ يا رب”
قـالت ســارة:
المفروض إنه يتصل بالتليفون على البيت، لأننا لسه ماعرفناش موبايلات بعض .. الواحد محرج شوية، مش علشان هاكلمه، فأنا بعون الله أكلم الأسد ـ وهو في القفص طبعاً ـ بس المشكلة هي وجود بابا .. كيف سأحدث “راجل” في وجود بابا؟!
هو صحيح راجل طيب .. لكن .. المشكلة الحقيقية هي كيف سأتحدث مع عمر؟
لا أريده حديثا عادياً، أريد أن أستخرج منه كل أسرار شخصيته وأعرف عيوبه، وأريده أن يعرفني جيداً، فهو لم يعرف سوى سارة الهادئة الخجولة ..
سأتصل بإحدى صديقاتي المخطوبات لعلها تفيدني في اختيار موضوعات للحوار .. ووقعت القرعة على “فاطمة” المخطوبة الأزلية منذ كنا في الصف الأول الجامعي وحتى الآن .. وقد انفجرت فاطمة في الضحك عندما عرفت طلبي منها وقالت لي ساخرة: عايزة تعرفي كل ده من أول مكالمة؟ يا بنتي إنتي يادوبك في مرحلة النحنحة .. إنتي وهو هتتنحنحوا على بعض! قدامك شوية حلوين عقبال ما تعدي مرحلة وش القفص، ده أنا يا اللي مخطوبة بقالي سنين لسه باشوف العجب من “حسن” يا بنتي إنتي دخلت مشوار المليون خطوة وإنت يادوبك في أول خطوة .. طبعا ارتفعت معنوياتي جدا بعد مكالمة فاطمة ..
قـال عمــر:
رجعت من الشغل واتغديت ونمت وصحيت والمفروض أكلم سارة، اتصلت بالرقم وأنا بادعي إنها هي اللي ترد .. وبالطبع ردت والدتها ..أنا عارف حظي .. فسلمت عليها وسألت عن عمي وسألتني هي عن والدي ووالدتي ..
ثم سادت لحظة صمت محرجة .. حيث تنتظر هي أن أطلب الحديث مع سارة، بينما أنتظر أنا أن تتفضل هي من نفسها بندائها. تنحنحت مرتين وأخذت نفسا عميقا و… قبل أن أنطق قالت هي: طيب هناديلك سارة ..
تألمت أذناي حينما انطلق صوت موسيقى الانتظار المزعج والمفاجئ، ثم انتهت الموسيقى وسمعت خروشة ثم صوت سارة ..
سارة: السلام عليكم ..
أنا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
سارة: ازيك يا عمر؟
أنا: الحمد لله .. ازيك إنت؟
سارة: الحمد لله، وبابا وماما عاملين إيه؟
أنا: الحمد لله ..
سارة: وإخواتك؟
أنا: الحمد لله ..
سارة: إنت بتختم الصلاة يا عمر؟
أنا (بدهشة): لأ .. ليه؟
سارة: أصلك مابتقولش غير الحمد لله، فحسبتك بتسبح بعد الصلاة ولا حاجة ..
فهمت الدعابة وضحكت بشدة، وبدأت أسألها هي الأخرى عن أحوالها وعن عملها وكذلك تحدثت هي و… استمرت المكالمة 66 دقيقة ..
والحق أني لم أرد إنهاء المكالمة، إلا أني لاحظت أن والدتها دخلت إليها ووجهت إليها الكلام، فخشيت أن أسبب لها الحرج وأخبرتها بأني سأحدثها غداً .. وبالطبع كانت المكالمة وكأنها مع واحد صاحبي وبخاصة أنها لا تكف عن السخرية وإطلاق النكات، مما جعلني أبادلها الضحك ..
وبالتالي لم تكن المكالمة رومانسية على الإطلاق، ولكنى استطعت أن أستجمع شجاعتي وأن أقول لها: هتوحشيني قوي لحد بكره .. وقفلت الخط سريعاً وكأن والدتها ستجذبني من ملابسي من خلال السماعة ..
قـالت ســارة:
لم أتخيل أن تسير المكالمة مع عمر” على هذا النحو .. كنت أغسل المواعين في المطبخ، بينما أفكر أنه لو اتصل الآن سيكون شيئاً شاعرياً جداً أن أتلقى أول مكالمة من خطيبي وأنا أقف على الحوض ..
وبالفعل اتصل عمر أثناء غسيلي للبراد .. بدى محرجا في بداية الحديث ولكني كسرت الجليد وضاحكته، واتضح لي بعد ذلك أثناء المكالمة أنه “واد دمه خفيف”، وبالطبع هذا ليس تقليلا من شأنه، فهو يبدو رجلا حتى في هزاره ..
وبعد تبادل الحديث وتبادل أرقام الموبايلات .. حيث أخبرتني أمي قبل المكالمة بأنه يمكنني تبادل أرقام الموبايل معه .. بعد كل هذه الثرثرة أنهى مكالمته بجملة تختلف عن جو الشقاوة الذي ساد المحادثة وقال لي برقة إنه سيفتقدني ..
يا ربي دايماً ينهي كلامه بجملة تخلي قلبي يتهز .. يبدو أنها صارت عادة لديه … وقاطعت أمي تأملاتي الرومانسية بعد المكالمة ـ وكم تعددت مقاطعتها لي أثناء المكالمة! ـ وقالت لي: إيه كل الضحك ده يا سارة؟ هو إنت بتكلمي “فاطمة” ولاّ “مروة” .. مش تعقلي شوية؟!!
ظننتها في البداية ستتحدث عن طول وقت المكالمة ولكنها أحرجتني بحديثها عن كثرة ضحكي، هل يمكن أن يظن عمر أني أضحك أكثر من اللازم؟ لكنه كان يضحك هو الآخر
يووووووه هو كل شوية قلق ..
رن .. رن .. رن .. وفرحني ..
قـالت ســارة:
في العادة تعبر الأغاني عن المشاعر، ولكن هذه المرة عبّر إعلان خطوط تليفون عن مشاعري ..
“رن .. رن .. رن .. رن .. وفرحني”
يشدو بها كاظم الساهر وأنشز أنا بها طوال اليوم مع رنات عمر الكثيرة على الموبايل ..
أمس، بعد أن انتهيت من أولى مكالماتي معه أرسل لي رسالة بها دعاء جميل: اللهم لي أحبة أتذكرهم كلما نبض الفؤاد وحن، وأدعو لهم كلما دنا ليل الظلام وجن .. إلهي ظلل أحبتي بالغيوم وأبعد عنهم كدر الدنيا والهموم .. أدخلنا الله جميعا من باب الريان وأعتق رقابنا من النار ..
رسالة دينية وإن كانت تبدأ بـ”أحبة”، واخدين بالكم؟
أما اليوم فقد رن عليّ 8 مرات حتى الآن، أما بالنسبة لي فقد رننت له مرة واحدة .. لا أدري لماذا .. “تُـقل” كما يقال ..
للحق أشعر بالخجل من أن أرن عليه كثيراً .. ولكني فرحانة أوي برناته .. بالطبع أنا في عملي وزميلاتي يلاحظن أني أبتسم بلا داع مرات عديدة ..
أبتسم عندما أتذكره ..
وأبتسم عندما يرن ..
وأبتسم عندما لا يرن ..
“باين عليَ اتجننت” ..
آآآآآه لو تدوم سعادتي هذه للأبد ..
وصلتني رسالة جديدة من عمر، جعلتني لا أتمالك نفسي من الضحك و (اضطررت) بعدها أن أرن عليه مرتين ..
كانت الرسالة تقول: كده مش حلو .. لا رنة .. ولا ألو .. ولا علينا تسألوا .. طب حتى رنة واقفلوا ..
فكرت أن أرسل له رسالة حتى لا يظن أني بخيلة ولا أريد أن أضيع رصيدي ..
احترت هل أرسل له رسالة دينية أم رسالة ضاحكة .. في النهاية قررت الرد على رسالته كالتالي: قلت للطير المسافر وصل سلامي للغاليين .. قال لي: سواق أهلك أنا؟!
قـال عمــر:
بعد أن اضطررت لإنهاء حديثي مع سارة قمت بحفظ رقم تليفونها المحمول على تليفوني على الفور .. أحببت أن أظهر لها اهتمامي! ومشاعر أخرى بالطبع، فأرسلت لها رسالة تحمل دعاء “للأحبة” .. لم تقم بالرن عليّ فظننت أنها لم تقرأ الرسالة بعد ..
في اليوم التالي قمت بالرن عليها مرات عديدة ولكنها لم تجبني سوى برنة واحدة .. بصراحة غضبت ..
“هي مش معبراني ليه؟”
كان هذا السؤال ينغزني وكأنه شوكة ..
سألني زميلي في العمل عن سر تجهمي، لم أخبره بالسبب .. لا أعتقد أنه يصح أن أتحدث عن مشاكلي مع خطيبتي مع أحد .. ولكن ..
مع منتصف اليوم لم أستطع أن أتحمل تجاهلها، فكرت أن أحدثها على الموبايل ولكن كرامتي “نقحت” عليّ .. لم أجد سوى أحمد .. صديقي الحميم والذي خطب منذ عدة أشهر لأتحدث معه .. وأحمد يعمل معي في نفس الشركة ولكن في قسم آخر .. رننت عليه، ففهم أني أريده وتقابلنا في كافيتيريا الشركة كالعادة ..
وجدني مغتاظاً فقال: أهلا .. مش بدري على فردة الشراب المقلوبة دي؟! أخبرته بالموضوع فضحك وأجابني: مشكلتك يا عمر إنك أبيض يا ورد .. بس هي مش مشكلة قوي يعني .. باين إن سارة كمان أبيض يا ورد زيك .. إنت عمال ترن ترن على البنت عشان دي أول مرة تعرف بنات وعايز تحس إنك بترن وبيترن عليك، وسارة غالبا مش متعودة على الكلام ده ومحرجة ترن عليك كتير .. ياسلااااام ..
نزل عليّ كلام أحمد كالبلسم وغضبت من نفسي لأني غضبت من سارة .. وكان أحمد نعم العون حتى إنه بعث لي رسالة لعلاج هذه الحالة .. كما قال .. وقمت أنا بإرسالها لسارة .. وعدت للتحليق فوق السحاب عندما ردت عليَ سارة هذه المرة برنتين ورسالة دمها خفيف ..
قـالت ســارة:
أربع رسائل في يوم واحد .. كتير برضه! الواد ده ماشي بموبايل خط ولاّ بيزنس ولا إيه؟
هو صحيح إني فرحانة جداً بكل هذا الاهتمام .. لكن هي دي المشكلة .. أنا باخاف لما بافرح قوي .. باشعر إن فيه حاجة غلط!!
ماسورة الرسائل اللي انفجرت دي مش مطمناني أخاف أن يكون عمر حالماً أكثر من اللازم .. قد يبدو كلامي غريباً ولكني أحب الرجل الراسي، أريد رجلا يساندني على أرض الواقع .. لا أحب الرجال المغرقين في الرومانسية ..
قـال عمــر:
لم يتهمني يوما أحد بالرومانسية، ولكني مع سارة أخاف أن يكون هذا عيباً ..
لست قاسي القلب بالطبع ولكني لا أجد أن الكلام الرومانسي الكثير يعني شيئاً .. أشعر أني أحبها وغالبا ما سيزداد هذا الحب مع الأيام ولكني لا أحب كلمة “أحبك” التي تتكرر كثيرا بين الأولاد والبنات .. ولكني أخاف أن يجعل ذلك سارة تكرهني ولذا قررت أن أكون رومانسيا معها في رسائل الموبايل ..
أرسلت لها كل رسائل الحب التي وجدتها ذلك اليوم، وكانت أربع رسائل .. أربع رسائل في يوم واحد ..
“كتير.. مش كده؟”
أدركت هذا عندما وصلت للمنزل مساء .. قد تراني سارة الآن “مدلوقا”. ولكن .. لا ..هي لا تفكر بهذه الطريقة ..
أو .. ربما هي تفكر بهذه الطريقة ..
لاحول ولا قوة إلا بالله .. كنت قد قررت أن أتصرف بمثالية في هذه العلاقة ولكن ها أنا وقد بدأت بخطأ .. أفففف
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة السادسة
قــالت ســارة:
مكالمة أخرى مع عمر على تليفون البيت .. هذه المرة اتصل أثناء مشاهدتي لمسلسل الرعب الأجنبي الذي أتابعه بشغف، ما علينا سأشاهده في الإعادة ..
وجدته طبيعيا ..
أعني ليس حالما غارقا في الرومانسية كما أوحت لي الرسائل .. ارتاح قلبي لذلك، فأنا لا أحب الرجال معسولي اللسان .. حدثته عن مشاكل في عملي وأسدى لي بعض النصائح المفيدة، بجانب بعض النصائح غير المفيدة ـ ولكني لم أخبره بذلك بالطبع ـ إلا أنني ذهلت وزاد إعجابي به عندما حدثني حول الإحتلال في العراق ووضع الإنتخابات الفلسطينية .. إنه يعرف ما يتحدث عنه وله أراء خاصة رائعة ولا يدعي معرفته بكل شيء، مثل الذين يتحدثون وكأنهم كانوا مع بوش لحظة إعلان الحرب ..
أعجبتني سعة اطلاعه، وإن كنت أحبطت قليلاً عندما عرفت أنه لا يهتم بالكرة، وأنا التي كنت أحلم بأن أذهب أخيرا للإستاد لأشاهد المباريات من هناك بعد زواجي. إلا أني ـ للحق ـ إحترمته .. فأنا لا أتخيله يجلس مثلي أمام التليفزيون يكيل السباب للاعبي الفريق المنافس والحكم الظالم دائماً ..
في وسط الحديث تطرقتُ إلى موضوع الرسائل .. فسكت قليلا ثم قال بلهجة شديدة الرقـّة والعذوبة: زودتها شوية .. مش كده؟!
ولم أتمالك نفسي من الضحك ..
أحيانا ينتاب الشخص نوبة غباء يندم عليها كثيراً فيما بعد .. وكانت هذه إحدى نوبات غبائي ..
كيف يكون هذا هو ردّ فعلي على هذه الرقة؟!! بالتأكيد سيظن أني بليدة المشاعر ..
ارتبك قليلا بعد ضحكتي الغبية ثم تجنب الحديث عن رسائله، وشكرني على رسالتي وأثنى على خفة دمي الذي كان يغلي في هذه اللحظة من شدة غيظي من نفسي ومن ردود فعلي الغبية ..
“انا ح اجى لكم بكرة شوية يا سارة”
قالها عمر لي في التليفون فرديت باستغراب: ليه؟!
وطبعا كان رد غريب جدا فقلت له بسرعة: تشرف طبعاً ..
وقفلت التليفون وأنا سعيدة جداً اني ح اشوف عمر بكرة لأول مرة من قراءة الفاتحة ..
الظاهر إنـّه واحشني .. لا الحقيقة مش الظاهر، أنا فعلاً نفسى أشوفه ..
قـال عمــر:
ردّ فعل سارة غريب جداً، ياترى هى مش عاوزة تشوفنى فعلاً علشان كده اتخضت؟ ممكن تكون حست إنها اتسرعت فى الخطوبة مثلاً!
طب ايه المطب ده؟!
دى هى واحشاني فعلاً .. ح يبقي شكلي إيه لو قابلتني ببرود؟! بس هى كانت طول المكالمة سعيدة ..
اوِوف .. البنات دي عاوزة خريطة علشان الواحد يفهمهم .. أحسن أصلي ركعتين وأنام علشان عندي شغل بدري ..
قــالت ســارة:
عملت ماسك زبادى بالعسل قبل ما أنام مع إن بشرتى مش محتاجة، بس إستعداد نفسى للقاء عمر المنتظر ..
ماما دخلت لقتني ملزقة كده، قالت لي: مالك يا سارة؟ قلت لها: أصل عمر جاي بكرة يا ماما ..
خرجتْ من الأوضة (يعني الغرفة) وهي بتقول: يا حول الله يارب ..
غسلت وشي من الماسك وغمضت عيني وطفيت النور بس ما جاليش نوم خالص .. ايه القلق ده؟ أحاسيس ملخبطة جداً ..
جوايا فرحانة إني ح اشوفه وفى نفس الوقت سؤال بيزنّ في عقلي: خلاص هو ده الإنسان اللى ح أكمل معاه حياتي كلها لحد ما أعجّز زي ماما وبابا؟ ده أنا تقريباً ما اعرفوش!! بس هو مؤدب وطيب .. ماهو كلهم بيكونوا كده في الأول!!! على رأي صديقاتي ذوات الخبرة في الارتباط ..
حطيت المخدة على دماغي علشان أهرب من التفكير وأنام ..
قـال عمــر:
ياااااه ده أنا تقريباً ما نمتش خالص، وحاسس بصداع رهيب، وعندي شغل بعد نص ساعة .. آدي اللي خدناه من الخطوبة ..
ما أنا كنت حر نفسي وأخر رواقة .. كل القلق ده ولسه قراءة فاتحة، امال لما أخلف 5 ولا 6 عيال ح اعمل إيه؟! أكيد ح اكون مت من زمان ..
قــالت ســارة:
قمت من النوم بعد ما صحيت ييجى ميت مرة، وعندي حموضة كبيرة .. شربت سفن أب على الريق وطبعاً كانت فاتتني صلاة الفجر من النوم المتقطع .. اتوضيت وصليت، شعرت بهدوء واستعدت فرحتى بلقاء عمر النهاردة ..
يارب فرّحنى النهاردة يارب ..
قـال عمــر:
تالت فنجان قهوة باشربه، والصداع ابتدى يروح شوية ..
آه لو سارة تديني حتى رنة تعرفني انها عاوزة تشوفني هى كمان .. فضلت ماسك الموبيل وسرحان لحد ما فوقت على صوت زميلي بيقول : يابختك يا عم، تلاقي العروسة صبّحت عليك ييجي ميت مرة .. تيجي مراتى تشوف عمرها ما بتتصل بي إلا لو كارثة حصلت .. ده انا حاطط لها تون سرينة إسعاف .. ههههههه ..
رميت الموبيل وقلت الصيت ولا الغنى!! يلاّ بقى يا سارة ربنا يهديكي ..
قــالت ســارة:
الوقت بيعدى بسرعة كدة ليه؟ الساعة 4 وعمر جاى الساعة 8 .. طب ح البس إيه؟ وح نقعد فين؟ مش معقول نقعد لوحدنا في الصالون، حرام طبعاُ، وكمان أنا اتكسف جداً .. لا أكيد كل العيلة ح تقعد على قلبنا ..
طب حنتكلم فى إيه ؟ .. التليفون بيسهّل الموضوع لكن وجهاً لوجه دي صعبة شوية .. ياااه إيه القلق ده كله؟
ماما بتبص لي من بعيد وعينيها بتضحك علي وبتقول فى سرها البنت اتجننت ..
قمت استحميت واسترخيت شوية وقعدت أنشف شعرى بالسشوار وأعمله كذا تسريحة، مع إنه مش ح يشوفه لأني ح اكون لابسة الحجاب طبعاً، بس عاوزة أحس إني جميلة النهاردة، ونفسي أشوف ده فى عينيه ..
قـال عمــر:
ياترى ح اجيب إيه معايا وأنا رايح؟ آخد شيكولاتة؟ ولا أبقى رومانسى واخد ورد؟
طب أنا نفسي أشترى هدية لسارة تفكرنا دايماً باليوم ده .. أشترى لها ايه؟
قعدت أفكر وأنا في العربية وراجع من شغلي لحد ما لقيت محل هدايا .. دخلت و جبت بوكية ورد أنيق، ودورت على هدية سارة .. احترت شوية وبعدين لقيت دبدوب ضخم أبيض حاضن قلب أحمر .. كان ضخم جداً وغالي جداً كمان!!! لكن تخيلت فرحتها بيه .. يارب يعجبك يا سارة ..
قــالت ســارة:
ارتديت عباءة مغربي جميلة مطرّزة بالقصب أهداها لي خالي من الخليج، لم أرتدي تايير (لا أدري ما معنى هذه الكلمة (*~*) تعليق الأدمن) أو ما شابه، مش عارفة ليه .. يمكن كنت عاوزة أحس أني لا أستقبل ضيف غريب بل من أهل البيت ..
وضعت مكياج خفيف جداً، مجرد إنه يظهر وجهي نضر لا أكثر .. ولفّيت الطرحة بطريقة جديدة زادتني أناقة .. ونظرت فى المراية ووجدت بريق جميل فى عيني لم أره من قبل .. يارب اسعد كل البنات زيي .. وأفقت من سرحانى على صوت جرس الباب وصوت أمى بيقول: عمر جه يا سارة ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة السابعة
قــالت ســارة:
“إزيك يا سارة؟ ياه ما شاء الله ..”
قالها عمر بتلقائية كبيرة وهو يسلم علي جعلت إخوتي يبتسمون وأنا وجهي إحمر من الخجل فقد فوجئت أن يمدحني هكذا أمام الجميع!! لكنني كنت سعيدة جداً بهذه الجرأة أو التلقائية .. لا أدري! ومددت يدي أسلم عليه .. وأكيد لاحظ ارتعاش يدي وارتباكي .. ياااه فعلاً التليفون أرحم من اللخبطة دي ..
قــال عمــر:
بجد فوجئت بجمال سارة اليوم، وجهها نضر وملامحها تنطق بالجاذبية والجمال، رغم انها لا تضع ماكياج والحمد لله .. لم استطع ان أخفي سعادتي عندما رأيت وجهها مرة ثانية، والمرة دي أشعر أنها ملكي فازدادت جمالاً في عيني .. لكن أكيد والدتها وأخواتها بيقولوا على مدلوق جداً ..
لأ .. إمسك نفسك شوية يا سي عمر، ما تكسفناش ..
قــالت ســارة:
الله .. عمر بجد رقيق جداً .. جايب ورد معاه، كنت خايفة يجيب فاكهة بقى وبطيخة والفيلم ده ..
ونظرت إلى الهدية الكبيرة فى ورقها اللامع وفرحت إنه فكر يشتري لي هدية .. ده يدل إنه إنسان كريم ورقيق .. الحمد لله ..
يارب تفضل كده يا عمر .. يا ترى ح نقعد فين؟ أكيد مش لوحدنا طبعاً ..
طيب أقعد فى الكرسي اللي جنبه ولا بعيد؟! .. طب بابا موجود، ازاي أقعد جنب عمر في وجود بابا؟
ياسلام على الهنا .. بابا حسم الحدوتة وقال: تعالى أقعد جنبي هنا يا عمر ..
قــال عمــر:
يا سلام على الهنا، ح أقعد جنب حمايا العزيز .. أهي دي فيها ساعتين قناة الجزيرة، وساعتين عن مستوى الزمالك المنحدر، وبعدها أكيد ح اكون استأذنت وروّحت .. يا خسارة الورد والهدية!!
الحمد لله سارة قعدت في الكرسي المقابل لنا أنا وعمي .. لا أدري هل حمايا لاحظ انى أختلس النظرات الى وجهها؟
بجد وجهها يحمل ملامح طفولية تنم عن الشقاوة وخفة الدم، وأيضا جاذبية كبيرة تجعلك لا تمل النظر لها .. وكنت غير منتبه إلى كلام حمايا المطول غصب عني، وأرد فقط بـ: طبعاً طبعاً يا عمي .. فعلاً فعلاً يا عمي .. ايوة فعلاً يا سارة!!!
وانتبهت الى خطأي واحمر وجهي من الخجل، ولاحظ عمي هذا وضحك وقال لي: ده إنت مش معايا أنا .. يا سيدي طب لما أسيبكم تتكلموا شوية وأقوم أتكلم فى التليفون ..
قــالت ســارة:
ضحكت جداً على عمر، وفرحت بصراحة أن بابا قام، وقعدت جنب عمر .. ولاحظت سعادته بهذا وقال لي مباشرة: “ازيك يا سارة؟ افتقدتك جداً من المرة اللي فاتت ..”
يااه .. كلمة الافتقاد دي كبيرة أوي .. أحلى بكتير من وحشتينى .. كان نفسي أقول له وأنا كمان، لكن اتكسفت جداً .. أول مرة أحس انى بنوتة بقى وبتكسف!! دول كانوا مسمينى فى العيلة الكابتن من كتر تهريجي ..
الظاهر إني ح أكتشف سارة جديدة خالص ما عرفتهاش قبل كده ..
قــال عمــر:
أنا جبت لك هدية يا سارة يارب تعجبك .. بتحبي الدباديب؟
فوجئت أن سارة نطت من مكانها وحضنت الدبدوب وقبلته ونيمته فى حضنها وقالت بسعاد طفولية: الله ده تحفة يا عمر بجد يجنن ..
فرحت جداً برد فعلها الطفولى الجميل، ورغم أن الجميع كانوا حولنا إلا أنني كنت لا أشعر إلا بي وبها فقط ..
يارب ما تتغيريش ياسارة وتفضلى لذيذة كده على طول .. مش عارف ليه ساعتها كنت عاوز أقول لكل العالم ان هذه الطفلة الجميلة طفلتي أنا ..
قــالت ســارة:
ايه الجنان ده؟ .. أكيد ح يقول عليّ عيّلة دلوقتي ..
طب ماهو اللي غلطان، كان لازم يجيب دبدوب يعني؟ ده أنا باموت فيهم .. يوووووه هو أنا لازم أفضل محتارة على طول؟
لازم يتعود علي زي ما أنا!! بس كل صديقاتي قالوا لي اتقلي واعملي فيها الراسية العاقلة .. وماما بتبص لى من بعيد نفسها تقتلني!! بس عمر فيه فى عينيه نظرة حنان جميلة بتخلينى أطلّع كل اللي جوايا بدون أي تصنّع .. وده اللي مخليني معجبه بيه ..
قــال عمــر:
ياااه انا نسيت كل الموجودين ونسيت الوقت معقول بقى لنا ساعتين بنتكلم؟
انا نسيت اني ضيف ولازم ما أقعدش كتير أوي كده!!! بجد كلام سارة لذيذ جداً وحبل الكلام بيننا ممتد إلى مالا نهاية بدون أى تكلف .. ولاحظت انها قارئة جيدة مش روشة طحن زي بقية البنات، ومخها أبيض .. ودي حاجة عاجباني فيها جداً .. بتحسسني إني قاعد مع ألف بنت؛ صديقة وأخت وزميلة وطفلة وأنثى وقريبة ووووو حبيبة ..
قــالت ســارة:
عمر مشي من شوية وبجد انا مرتاحة جداً دلوقتي ..
حسيت إني سعيدة لأننا على درجة كبيرة من التفاهم .. أو على الأقل فيه ناس باحس انى مخنوقة منهم بسرعة لكن مع عمر لأ ..
دايماً باحس إني على طبيعتي وعاوزة أقول له كل اللي جوايا بدون زواق، ومش محتاجة أتكلف أي حاجة علشان أعجبه .. ومتهيألي دى حاجة كبيرة ووو… قطع تفكيري صوت أختي: “أبيه عمر على التليفون” .. هوّ لحق وصل؟!!! نطيت رفعت السماعة وأنا طايرة من الفرح : الو أيوة يا عمر انت وصلت؟
عمر: لا باتكلم من عند البقال!! .. أيوة وصلت طبعاً .. أنا كنت سايق على 120 علشان أوصل بسرعة وأكمل كلامي معاكي .. دي ماما اتخضت وانا باجري على اوضتي علشان أكلمك ..
أنا: ممممممم ..
عمر: ساكتة ليه؟
أنا: مش عارفة أقول إيه؟ أنا بجد فرحانة وقلقانة ومبسوطة وخايفة وووو ..
عمر: إيه الكوكتيل الجامد ده؟ طب فرحانة ومبسوطة علشان أنا شبه أحمد السقا ماشي .. لكن…
أنا: ياعم قول يا باسط، أحمد السقا؟ ههههههههههه ..
عمر: كده يا سارة؟ الله يسامحك .. طب أديني ضحكتك يا ستي، قولي لي خايفة من إيه؟
أنا: خايفة إننا بنقرب لبعض بسرعة أوي، وأنا ما ليش تجارب قبل كده .. فخايفة أكون فرحانة بس بفكرة الحب والإرتباط، ومش قادرة أقيّم الموضوع صح واطلع غلطانة فى الآخر ..
عمر: ما تخافيش من أي حاجة في الدنيا طول ما انا جنبك يا غالية ..
أنا: ياااه يا عمر، بجد انت اللي غالي .. “في سري طبعاً” (^_^)
عمر: سارة سامعاني؟
أنا: ايوة ..
عمر: بصي يا ستي، انتي بتعدي الشارع وفيه عربيات؟
أنا: طبعاً ..
عمر: بتدخلي مبنى ما دخلتهوش قبل كده علشان تخلصي مصلحة ليكي؟
أنا: أكيد ..
عمر: بتركبي تاكسي لوحدك؟
أنا: أيوة أيوة .. إيه الأسئلة العجيبة دي كلها؟
عمر: طب ليه مش خايفة وإنتي بتعدي الشارع عربية تخبطك لا قدر الله؟ يبقى نبطل نعدي شوارع أحسن .. ولا وإنتي داخلة مبنى غريب يحصل لك حاجة .. ولا في التاكسى تتخطفي مثلاً؟ يا سارة لو خفنا من كل حاجة عمرنا ما ح نعمل حاجة أبداً .. وبعدين إحنا واخدين الطريق الشرعي أمام الله وأمام الناس، ونيتنا إحنا الاتنين إننا نرضي الله فى الحلال .. يبقى الخوف والفشل ح ييجوا منين؟
أنا: أنا خايفة من اختلاف الشخصيات يا عمر يكون سبب الفشل ..
عمر: بصي يا سارة، أكبر غلط كل البنات بترتكبه انها تتجوز واحد بشخصية معينة وتحلم انها تخلق منه شخصية مختلفة 180 درجة .. مفروض إننا نحب الانسان بمميزاته وعيوبه .. ونتقبله كما هو، ونحبه زى ماهوّ ..
أنا: مش بيقولوا مراية الحب عامية؟
عمر: دى مراية الحب مفتّحة ولها عشر عيون .. بقى أنا مش ح اشوف الانسان اللي بحبه؟ أمال ح اشوف مين يعني؟ يعني انا دلوقتي مش شايفك؟
أنا: ياااااااه أول مرة .. يعني انت بتحبنى يا عمر؟؟؟؟ .. “برضه في سري” (^_^)
عمر:سارة انتى فين؟
أنا: أنا سامعاك .. إنت عارف يا عمر أكتر حاجة بتعجبنى فيك إيه؟
عمر: غير إني شبه أحمد السقا؟
أنا: ههههه برضه مصمم؟ ماشى يا سيدي .. لا بجد، باحس إني باكلم حد من صديقاتي مش خطيبي .. يعني حاسة إن الصداقة بيننا بتكبر كل يوم ودى حاجة مفرحاني جداً ..
عمر: على فكرة ده نفس إحساسي أنا كمان .. عارفة ياسارة، مهم جداً إن الأزواج يكونوا أصدقاء .. ده بيخلى التفاهم بينهم كبير جداً ..
أنا: إنت عارف ياعمر، الزواج عامل زى بيت من 3 أدوار؛ الدور الأول الإعجاب والإنبهار والرغبة الشديدة، والدور التاني الحب، والدور التالت الصداقة .. فلو غبار الزمن والتعود والمشاكل طمس الدورين الأول والتانى لا يمكن ح يوصل للتالت أبداً ..
عمر: أنا بجد لقيت كنز لما لقيتك يا سارة .. إنتي بجد مليتي عليّ الدنيا، أنا حاسس إني مش محتاج حد تاني من الدنيا .. الحمد لله يارب ..
أنا: ربنا يخليك لي ياعمر ..
عمر: أنا لي عندك طلب ياسارة، ياريت نخلي حفلة خطوبتنا والشبكة نكتب فيها الكتاب كمان إيه رأيك؟
أنا: كتب كتاب!! بسرعة كده؟!!!
عمر: بصي ياسارة ما تتخضيش .. خدي وقتك وفكري .. بس انا مش عاوز أغضب ربنا في حاجة .. جوايا كلام كتير مش قادر أقوله ليكي .. ونفسي نخرج لوحدنا نشوف العالم مع بعض بعيونا احنا بس، ونخلق ذكريات خاصة بينا احنا الاتنين .. وما تفتكريش إني كده بأقيّدك أو بألزمك بحاجة، لا .. يوم ما تحبي تبعديني من حياتك ح ابعد بدون قيود ..
أنا: ايوة بس ..
عمر: بصي ياسارة .. ربنا هو اللي جمعنا وأعطانا نعمة كبيرة إننا قرّبنا لبعض بفضله وحده، فمش معقول إننا نشكر النعمة دي بأننا نعمل معصية .. صدقيني لو أرضيناه ح يرضينا .. بصي فكري براحتك وردي عليّ .. معلش طولت عليكي، أنا بجد آسف، الوقت معاكي بيعدى من غير ما أحس .. حاسيبك ترتاحي دلوقتي .. خلي بالك من نفسك ..
أنا: تصبح على خير ..
عمر: تصبحي على خير يا ملاكي ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الثامنة
قــالت ســارة:
يارب اليوم ده يعدّي على خير!! إمبارح زارنا عمر ووالده ووالدته وكانت زيارة جميلة ..
أهل عمر فرحانين بيّا جداً وقعدوا مع ماما وبابا وهات يا كلام .. وأنا وعمر انتهزناها فرصة طبعاً وأخدنا جنب بعيد وإديناها رغي وتهريج لحد ما لقينا صوت الكلام بين الآباء انخفض والوجوه اتوترت شوية، وواضح إن فيه مشكلة في الجو وكل اللي سمعناه أنا وعمر شوية كلمات زي: لا لا ده قليل أوى! .. و لا ده كده حرام!.. وحاجات زي كده .. حاولنا نفهم فيه إيه مفيش فايدة لحد ما والد عمر ووالدته استأذنوا فجأة بدون سابق انذار!! وعمر حصّلهم بسرعة وأنا واقفة فاتحة بوقّي ومش فاهمة حاجة خالص .. سألت ماما عن اللي حصل ماردتش علي، وسمعتها بتقول وهي ماشية: ابتدينا بقى النكد ده إيه وجع القلب ده؟
ما شاء الله ربنا يستر ..
قــال عمــر:
“أنا مش فاهم حاجة خالص أقدر أعرف فيه إيه؟”
قلتها لأمي وأبي وإحنا فى العربية إعتراضاً مني على نزولهم المفاجىء من بيت سارة، ردت عليّ ماما وقالت لي: مش عاجبهم يا سيدى إننا نجيب شبكة بـ 7 تلاف جنيه، قال عاوزين شبكة بـ 10 تلاف .. قال هو حد لاقي عرسان فى الزمن ده؟
رد عليها بابا: إنتى كبّرتي الموضوع وقلبتيه فصال وأحرجتينا مع الناس ليه كده؟ حسيت بخجل وارتباك كبير .. يا خبر أبيض، دلوقتي سارة تقول علينا ايه؟
قلتها فى سرّي ولم أستطع نطق كلمة لأني لا أجرؤ حتى على الإعتراض لأنهم هم من سيدفعون ثمن الشبكة .. آه ياربي لو كان المال مالي كنت جبت لها كنوز الدنيا .. يا ترى يا سارة بتفكرى فى إيه دلوقت؟؟؟
قــالت ســارة:
النهاردة رايحين نشتري الشبكة ..
ربنا يستر .. البداية لا تبشّر بخير ..
أنا عن نفسي مش مشكلة عندي الشبكة، وأصلاً لا أحب الذهب وأفضّل عليه الفضة، لكن المشكلة الحقيقية إنو يكون الناس دي بخلاء .. دي تبقى كارثة .. طب وعمر رد فعله ح يكون إيه؟
يا ترى حيفضل ساكت؟ وح يوافق على كلام أهله بدون إعتراض؟
أفقت من أفكارى وماما بتفتح لي باب العربية وبتصرخ فيّ وتقولّي: يالاّ يا بنتي محل الجواهرجي أهوه، والناس مستنيانا جوه ..
قــال عمــر:
ياااه .. أول مرّة أبقى خايف وأنا بشوف سارة .. أنا بجد خايف أحسن تحصل مشكلة وأنا مش في إيدي حاجة أصلاً ..
مديت إيدي وسلّمت على الجميع .. سارة شكلها لم تنم جيداً .. وواضح على وجهها الإرهاق وفى عينيها نظرة تساؤل وانتظار .. ولاحظت علامات تحفز وعصبية على وجه حمايا وحماتي ومثلهم على وجه أبي وأمي .. دي الحرب العالمية التالتة ح تقوم ..
ربنا يستر .. ياااااااارب ..
قــالت ســارة:
أنا مش عاوزة دهب ولا مشاكل .. أنا عاوزة الموقف ده يعدّي وأروّح وخلاص .. ده الجواز ده كله توتر وحواديت ..
حمايا قال لي: إختارى ياعروسة إلي يعجبك .. وأنا أصلاً مش باعرف أقدّر قيمة الدهب كويس، وخصوصاً إنه نار الأيام دي ..
مددت يدي على طقم دهب أبيض على شكل ضفيرة وفيه فصوص كثيرة، وقلت حلو ده .. امتعضت حماتي وقالت: لا لا لا .. الدهب الابيض مصنعيته غالية أوي والفصوص بتخسر لما تحبّي تبيعيه ..
بصيت لعمر لقيته ساكت تماماً .. إتضايقت بس قلت عندها حق أشوف حاجة تانية ..
اختارت لي ماما طقم آخر وقبل ما ألمسه حماتي العزيزة قالت: لا لا لا ده شكله تقيل وغالي جداً .. إحنا ما اتفقناش على كده .. وعمر لا ينطق بكلمة ..
اتضايقت جداً.. كان نفسي يقول لها سيبيها تختار اللي هيّ عاوزاه لكنه صامت تماماً ..
همّت ماما بالكلام لكن بابا منعها كي لا يزيد الجو اشتعالاً، وقال لي اختاري حاجة تانية ياسارة ..
اخترت واحد تاني لم يعجبنى لكن علشان أخلص وخلاص وبعد معرفة ثمنه إعترضَت وقالت: لا برضه غالي، إنت رأيك إيه يا عمر؟
قلتها له وكلّي ترقّب لما سيقول .. رد عليّ وهو يتحاشي النظر اليّ: اللي تتفقوا عليه أنا موافق عليه ..
ياااه .. هو ده اللى ربنا قدّرك عليه؟!!
أمال إمتى ح تدافع عني؟ قلتها في سري وكي لا أبكي أو أنفجر فى وجهه قلت لحماتي: إختاري إنتي يا طنط اللي يعجبك ..
وبالفعل إختارت طقم يناسب المبلغ المقدس تماماً، ووافقت ماما تحت ضغط نظرات بابا النارية .. ولم أنظر إلى الطقم وتركتهم يكتبون الفاتورة، وجلست في صالون بعيد فى المحل وأنا أقاوم البكاء والإنفجار من موقف عمر السلبي في أول إحتكاك حقيقي .. ورأيته قادم يبتسم ويقول لي: مبروك عليكي الشبكة ياعروسة .. ردّيت عليه والكلمات تخرج من فمى مثل الرصاص: مبروك عليك إنت .. أنا مش عاوزاها ولا عاوزاك!!!!
في اليــوم التــالي
قــالت ســارة:
لم أردّ على مكالمات عمر المستمرة، وجعلت الموبيل سايلنت، وجلست فى غرفتي أبكى باستمرار من موقف عمر السلبي ..
هل سأتزوج رجل بدون شخصية؟ هل حماتي العزيزة هي من ستتحكم في حياتي؟ ومن يجبرني على هذا؟ هل هذا موقف عارض أم أن هذه هي الحياة المنتظرة معه؟ يارب أنا في حيرة، دلّني ماذا أفعل .. ومسحت دموعي عندما نادت عليّ ماما: يا سارة عمر هنا تعالي بسرعة ..
قــال عمــر:
جلست فى الصالون في إنتظار سارة وأنا لا أجد كلاماً أقوله لها .. شكلي بجد وحش جداً ..
هي عندها حق .. لكن لمّا في أول مشكلة بيننا تقول لي أنا مش عاوزاك، إزاي الحياة ح تستمر بعد كده؟!!
كان ممكن تعاتبني أو حتى تتخانق معايا بيني وبينها، لكن تبيعني كده على طول؟ كده برضه يا سارة تتخلي عني علشان الفلوس؟
قــالت ســارة:
دخلت على عمر وسلمت عليه فى فتور وطلبت من ماما وبابا إنهم يتركوني أتحدث معه بدون مقاطعة، علشان ماما كانت ناوية تطلّع كل غضبها فيه ..
دخلتُ الصالون بدون ولا كلمة، وتوقعت ان يعتذر لي عمّا حدث فوجئت به يقول لي بغضب: إنتي مش بتردّي على تليفوناتي ليه؟ وكمان تقوليلي أنا مش عاوزاك!! كل ده علشان الفلوس ياسارة؟
فوجئت برد فعله الغاضب .. هوّ كمان اللي زعلان؟! .. ده بدل ما يصالحني؟!!
فلوس إيه اللي بتتكلم عليها يا عمر؟ .. إنت حتى مش حاسس أنا زعلانة من إيه؟ .. أنا زعلانة لأني كنت راسمة لك صورة جميلة في خيالي وفجأة لقيت واحد تاني أنا ما اعرفوش .. إنسان مش بيدافع عني في وقت أنا محتاجالك فيه .. لقيتك خايف تقول ولا كلمة ولو حتى انك تراضيني والسلام .. وكل ده وتقولّي فلوس؟
رد بغضب أشد وعصبية مخيفة: برضه ده مش مبرّر إنـّك تقولي إنـّك مش عاوزة الشبكة ومش عاوزاني ..
فوجئت بغضبه الشديد وعصبيته الكبيرة، وأحسست بخوف منه لأول مرة .. ولم أجد ما أقوله فانفجرت في بكاء مرير ..
فوجدته يخفض من صوته وتلين ملامحه وتتحول إلى رقة شديدة وحنان كبير وكأنه أب يخاطب طفلته الصغيرة الباكية: أنا آسف جداً يا سارة .. أرجوكي ما تبكيش .. دموعك غالية عليّ جداً .. خلاص بقى أنا غلطان .. أرجوكي كفاية أنا مش قادر أستحمل .. أنا فعلاً جرحتك ووضعتك فى موقف محرج، بس والله غصب عني .. أرجوكي يا سارة عاقبيني بأي عقاب إلا إنـّك تبكي .. أنا ضعيف جداً أمام دموعك .. خلاص بقى انا آسف آسف آسف .. مليون آسف ..
هدئت قليلاً من كلماته الرقيقة وإحساسه بالذنب، وشعرت بحنانه الكبير الذي أحاطني بدفئه وقلت له بصوت متقطع: كان ممكن يا عمر تنبهني قبل ما نشتري حاجة بالموقف، وأنا عمري ما كنت ح أحرجك واختار حاجة غالية ابداً .. لكن لما ألاقيك حتى مش بتتكلم ده فعلا صعب عليّ .. أنا طول عمري راسمة فى خيالي صورة للرجل إنه حنان واحتواء وقوة شخصية، أنا ممكن أتنازل عن أي ماديات، لكن الصفات دي لا يمكن أقدر ..
رد عمر وقال: أنا آسف جداً .. بس بجد ما تظلمِنيش .. أنا عمر شخصيتي ما كانت ضعيفة، وعمر والدتي ما اتحكمت فيّ ابداً .. أنا كمان فوجئت بموقفها وعاتبتها عليه في البيت، لكن أنا مفيش في إيدي حاجة، هم من سيشترون، وأخجل أن أطلب المزيد، وأخجل أيضا أن أحرج أمي أمام الناس .. لكن أوعدك الف وعد إننا سنتشارك ونتفق على كل خطوة أنا وإنتي بس قبل تدخل الأهل .. وعمرى ما ح أتخلى عنك ولا أزعلك أبداً أبداً خلاص اتفقنا؟
إبتسمت من رقته وصراحته وقلت من بين دموعي: خلاص إتفقنا .. وأنا آسفة أنا كمان لو كنت جرحتك ..
نظر عمر إلى عينيّ مباشرة وقال: لما قلتيلي أنا مش عاوزاك حسّيت إن الدنيا خلاص إنتهت، وإني معقول ح أعيش من غيرك؟!! وإني مش قادر أفكر ولا أتكلم ولا أنام .. أرجوكي يا سارة أوعي تقوليها تاني ولا حتى وإنتي زعلانة .. وإن كان على الشبكة يا ستي أنا لو كانت دي فلوسي كنت جبت لك جواهر الدنيا كلها ورميتها تحت إيديكي ولا إني أشوف دموعك الغالية دي تاني ..
أنا: خلاص ياعمر أنا بجد مقدرة موقفك، ومفيش مشكلة خلاص ..
عمـر: لا يا ستي فيه مشكلة ومشكلة كبيرة كمان ..
أنا: إييييييييييييييييه تاااااااااااني؟؟؟؟؟؟؟؟
عمـر: المشكلة دلوقتي يا ستي إني لاحظت إنك بتبقي زي القمر بعد البكاء، فأنا ح أضطر ـ غصب عني والله ـ إني أنكد عليكي يومياً .. حالياً وبعد ما نتجوز يمكن نوصل للقسم علشان أشوف عنيكي الجميلة دي بالصفاء والجمال ده ..
أنا: يا خبر إيه ده كله؟ لا إنت أسهل تقول لي أعيّط إمتى وانا اعيّط من غير نكد ولا أقسام ..
عمـر: لسه فيه مشكلة كمان ..
أنا: يارب استر إيه كمان؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عمـر: بصي بقى يا ستي، أنا إتخذت قرار لا رجعة فيه ولا جدال ولا حتى استعطافات .. إن حفلة خطوبتنا تكون بعد إسبوعين علشان تلبسي دبلتي للأبد وأقول لكل الناس القمر ده ملكي أنا .. وأكتب على قلبي لوحة مكتوب فيها: “قلب مسكون بأجمل ملاك للأبد” .. قلتي إيه يا حبيبتي؟
أنا: موافقة يا سى السيد ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة التاسعة
قــالت ســارة:
“آدي آخرة اللي يسمع كلام العيال .. معقول نلحق نجهّز كل حاجة في الكام يوم دول؟ الله يسامحك يا سارة” ..
هذه كانت عينة صغيرة من القذائف التي تنهال على رأسي كل دقيقة من أمي وأبي بعد ما أقنعتهم بكل وسائل الزنّ والإلحاح المعروفة عند البنات أن تكون حفلة خطوبتنا أنا وعمر بعد أسبوعين .. يعني أكسر كلام سي السيد؟!!
وبعد صاعقة المفاجأة التي هبطت على رأس أمي وأبي من الميعاد المفاجىء العيالي على حد وصفهم، وبعد الرجاء المتواصل من جانبي، وافقوا على مضض على أن تكون الحفلة في بيتنا على الضيق تجمع الأسرتين فقط .. وأعجبني الحل ده جداً، لأني أصلاً لا أحب حفلات الخطوبة في الأماكن العامة، لأن العروسين لا يكونوا يربطهم شيء وفي بداية التعارف .. يبقى ليه نفرّج الدنيا كلها علينا؟ .. مش يمكن ما يحصلش نصيب؟؟؟
قــال عمــر:
“الخطوبة فى البيت؟ .. ليه بقى إن شاء الله هو احنا عندنا كام عمر؟ .. ما ينفعش الكلام ده أبداً ..”
هذه كانت عينة صغيرة من القنابل التي كانت تلقيها أمي على أذني عندما علمت بموضوع حفلة الخطوبة المنزلية .. ولما كنت لا أريد أن تتكرر مأساة الشبكة مرة أخرى، أخبرت أمي أنني أنا وسارة متفقين على هذا، ولا داعي أبداً أن تفتح هذا الموضوع معهم .. وبعد إلحاح كبير جداً وافقت على مضض، مشيرة إلى أنني من دلوقتي ح امشى ورا كلام الست هانم .. طبعاً عملت نفسي مش سامع ولا عارف مين هيّ الست هانم المذكورة!!
قــالت ســارة:
بجد أنا مجنونة إني وافقت عمر .. طب هو ح يشتري بدلة فى نص ساعة؟ طب وأنا ح اعمل إيه فى الفستان؟ ده حدوتة كبيرة جداً ..
وللأسف لم أجد في الجاهز شيء يناسبني بعدما تطوعت صديقة مقاتلة لي أن تلف معي على المحلات .. وبعد 3 أيام متواصلة من اللف المتواصل وبعد ما أصابنا كساح وشلل رباعي من كتر المشي توصلنا إلى نتيجة رائعة مفادها أن كل ملابس السواريهات الآن مصممة للسباحة وليس للحفلات .. ما شاء الله كله عريان جداً جداً وكأن الطبيعي جداً ان البنات تلبس الكوارث دي!!! .. وكل ما كنت أسأل على شىء يصلح للمحجبات كانت البائعة تخرج لي شيء ملائم تماماً لماما أو لحماتي العزيزة، لكن شيء شبابى محتشم لاااا يمكن .. ليييييه مااااعرفش؟
قــال عمــر:
“والله وبقيت عريس يا واد يا عمر” .. قالها صديقي وأنا أقيس البدلة الفاخرة التى اشتريتها بتحويشة العمر، وجدناها في المحل الذى أتعامل معه دوماً .. بس لسه الكرافتة .. قال البائع إنها موجودة في الدور التاني من المحل .. ياااه لسه ح اطلع؟ .. ده مفيش اسانسير .. الظاهر الجواز ده كله ارهاااااااق ..
قــالت ســارة:
“خلاص بقى كفاية عياط موتّي نفسك يا بنتي، خلاص فصّلي الفستان ويارب صاحبة الاتيليية ترضى تخلّصه بسرعة”
قالتها لي ماما بعد ساعتين من البكاء المتواصل وأنا أحكي لها رحلتي الفاشلة اليومية بين المحلات، وقد تورمت أصابع قدمي وأصبحت فى حجم الكورة الشراب .. وأكيد صديقتي ح تقطع علاقتها بيّ بعد العذاب اللي وريتهولها والكساح الذي أصابها .. لا و ح اتفرس إني اتصلت بعمر لقيته صاحي من النوم تعبان علشان نزل اشترى البدلة في نص ساعة زي ماتوقعت ..
لا صحيح بجد الرجالة دول بيتعبوا ..
قــال عمــر:
انا مش عارف سارة مكبّرة موضوع الفستان ليه؟ .. ما أي حاجة وخلاص .. صحيح البنات دول فاضيين ورايقين أوي .. وبعدين ح تفصله أخيراً، وما رضيتش تقولّي لونه إيه علشان المفاجأة ..
ربنا يستر ويليق على البدلة أحسن يبقى شكلنا آخر بيئة .. بجد البنات دول عليهم تقاليع عجب ..
قــالت ســارة:
أمامي ألف مجلة أختار منها الموديل، وفي الآخر رميت كل المجلات وأخرجت قلم وورقة وقعدت أرسم مليون تصميم وكلهم طلعوا وحشين جداً .. ياربي ليه البنات على طول تعبانين فى كل حاجة من الصغيرة للكبيرة؟
انا ح اسيب صاحبة الأتيلييه تختار حاجة مناسبة ليّ وخلاص .. هو يعني فرح الأميرة ديانا؟؟ .. قلتها فى سري وهي تجلس أمامي من عشر ساعات تنتظر اختياري النهائي، وهي ح تطقّ مني .. وبعد طول عذاب “اختارَنا” الموديل أنا وهي وتنفستْ الصعداء وهي تكاد تطردني من المحل وتقول بابتسامة طهقانة: والفرح إمتى ان شاء الله يا عروسة؟ .. رديت وأنا أكاد أجري من أمامها من رد فعلها المتوقع: “بعد عشر أيام” .. وكان الرد: “إييييييه!!! مووووش مممكن ابداااا” ..
قــال عمــر:
ح أضطر أسيب ذقني ما احلقهاش اليومين دول، ولا شعري كمان حسب تعليمات الكوافير، وأستحمل التريقة من أصحابي والعيلة عندنا .. يالاّ أهو الواحد لازم يضحّي ويتعب علشان يتجوّز ..
قــالت ســارة:
خلّصت كل أنواع الماسكات والسنفرة والكريمات المعروفة والمجهولة، وأي واحدة كانت بتقترح عليّا وصفة للبشرة أو الإيدين أجرّبها فوراً .. وأصبحت غرفتي عبارة عن مطبخ به أعاجيب الدنيا السبعتاشر من قشر خوخ .. بياض بيض .. جلسرين وليمون .. زبادي وعسل .. وأي شىء أجده فى التلاجة عند ماما أنقض عليه فوراً وأجري عليه تجاربي الجهنمية ..
انا عاوزة أعرف كل البنات بيتعذبوا العذاب ده ولاّ انا بس اللي لاسعة؟!! بس كله يهون علشان خاطر عيونك يا عمر ..
ترتيبات يوم الخطوبة
قــالت ســارة:
أكاد أفتح عيوني بالعافية وأغالب النوم بقوة وأنا جالسة عند الكوافيرة .. إمبارح سهرت فى الأتيليه علشان أخلّص الفستان .. وكانت خناقة كبيرة بيني وبين عمر على الموبيل لما لقاني الساعة 11 لسه مارجعتش البيت، رغم إن ماما كانت معايا وبابا وصلنا بالعربية الساعة 12 ونصف، بعد ما خلص الفستان أخيييييييراً .. ورغم كده عمر كان بيتخانق بمعدل كل ربع ساعة .. ويقولّي خلاص إللي خلص من الفستان كفاية، ومش مهم الباقي وكفاية تأخير ..
يعنى اخده بكم آه وكم لأ ؟!! .. يالاّ أهو تغيير برضه ..
طب أنا ذنبي ايه في كل الدوشة دي؟ .. هو زعلان منى ليه؟ .. وعلشان اليوم ما يقلبش نكد أرسلت له رسالة قبل ما أروح للكوافير قلتله: أنا آسفة على تأخير إمبارح .. أنا نفسي أكون جميلة علشان أليق بيك النهاردة ..
وطبعا اتصل بي فورا وكان فى منتهى الرقة .. آه من عقل الرجالة ..!
قــال عمــر:
رسالة سارة الجميلة إمتصت كل غضبي .. فعلاً سارة ذكية جداً وبتعرف إمتى توقف المشكلة بيني وبينها .. أنا مش مصدق إن النهاردة ح ابقى عريس بجد!! .. أصحابي كل شوية يكلموني و يبعتولي مسجات ملخصها كلها: بكرة تندم يا جميل ..
معقول الجواز يبقى خنقة وجحيم زي ما بيقولوا؟ .. لا أعتقد .. لأن أنا وسارة متوافقين فى الشخصية وطريقة التفكير و… والمشاعر كمان .. يبقى الفشل ح ييجي منين؟
قمت توضئت وصليت ركعتين قضاء حاجة أن يوفقنا الله أنا وسارة طول العمر ..
قــالت ســارة:
أنا بجد خلاص ح انفجر .. من 4 ساعات وأنا عند الكوافيرة ولا أفعل شىء .. المحل فيه 7 عرايس غيري!! .. بجد كأننا في سيرك .. الحرارة عالية جداً .. والعرايس كلهم متوترين وخايفين يتأخروا عن ميعادهم، وكلهم بيتحايلوا على الكوافيرة علشان تخلّصهم كلهم مع بعض .. ازاي ما أعرفش ..
عملتْ لي ماسك أول ما جيت الصبح، وعملت شعري رغم اني ح أغطيه!! .. يعني باختصار لسه ما عملتش حاجة خالص، والساعة 4 وعمر حييجى الساعة 7 ..
كلمني عمر وسألني: عملتي إيه؟
قلت له: ولا حاجة خالص .. وصوتي مخنوق بالبكاء ..
قال لي: ولا يهمك، إنتي قمر من غير حاجة .. طيب أكلتي حاجة ياسارة؟
رديت باستغراب: أكل؟! .. يعني إيه الكلمة الغريبة دي؟
قــال عمــر:
سارة عاملة زي الأطفال .. لازم حد يتحايل عليها علشان تاكل .. اتصلتْ بمطعم بيتزا وأعطيته عنوان الكوافيرة كي يرسل لها طعام .. ورأتني أمى وأنا أرتب هذا وكادت أن تنطق بعصبية جملة بها: “ست الحسن” كالمعتاد ..
ولأول مرة أرى في عينيها نظرة تشبه الغيرة .. وبدل أن أعاتبها وتقلب نكد كالعادة أخذتها فى حضني وقلتلها: عارفة يا ماما انا باحب سارة ليه؟ .. علشان نسخة منك .. بس انتي الأصل يا جميل والباقي تقليد .. فوجئت بضحكتها الصافية وهي تضمني ليها وتدعو لي بالسعادة مع سارة ..
ياااااخبر .. ماما بتغير عليّ؟؟؟
قــالت ســارة:
“بيتزا للآنسة سارة .. العريس باعتهالك”
دوت الجملة فى مركز التجميل كالرصاصة، وصاحبَتها همسات وضحكات مكتومة من بقية العرايس معناها: شايفة عريسها بيحبها ازاي؟
غرقت فى الخجل من نظرات الجميع .. وفتحتها وأنا اتذوق أغلى وألذ بيتزا أكلتها فى حياتي ..
بجد من يقولون أن الحب أهم ما في الحياة لا يعرفون شيئاً .. أهم ما فيها هو الحنان ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة العاشرة
قــال عمــر:
الساعة 6 وأنا عند الكوافير الرجالي .. خلاص خلّصت كل شىء .. واديتها جل على شعري والبرفان الجامد جداً، ولبست البدلة وكله تمام .. إيه الشياكة دي يا واد يا عمر؟
صديقي ذهب يزيّن العربية وسيأتي بعد نصف ساعة كي نأخذ سارة من الكوافير الساعة 7 تماماً، مش عاوز أتأخر عليها أحسن تزعل مني ..
قــالت ســارة:
“ياستي أنا ميعادي كمان ساعة ولسه ما عملتش حاجة خالص!!”
قلتها للكوافيرة وأنا أكاد أبكي .. ردت عليّ ببرود كبير معتادة عليه: لسه 3 عرايس وبعدين إنتي!! ما تقلقيش ياعروسة .. يالهوي، 3 عرايس؟!!!!!!!!!!! .. ده انا ح أخلص الساعة 12 ان شاء الله!! وصوت الموبيل لا يتوقف عن الرنين من عمر وماما ..
الكل بيستعجلني وكأن الذنب ذنبي .. ارتديت الفستان ومن عصبيتي جزء صغير منه اتقطع من الذيل .. آه فعلاً هذا ما ينقصني الآن .. انطلقت صديقتي تبحث في المحلات المجاورة عن إبرة وخيط بلون الفستان وكأنها تبحث عن إبرة في كوم قش .. وأخيراً جاءت وحاولنا محاولات مستميتة ألا يظهر هذا العيب .. يارب استر يارب ..
قــال عمــر:
الساعة 8 ونصف وأنا واقف أمام مركز التجميل انا وأصدقائي وبعض من أهل سارة .. همّ بيعملوا إيه جوة بالضبط؟
ولاحظت وجود عدة سيارات مزينة وعرسان مثلي والجميع منتظر الفرج وكأننا فى كرنفال .. وكل ما تخرج عروسة من الكوافير الجميع يجري عليها .. ثم يفوز واحد بها ويتنفس الصعداء والباقي يعودون يجرون أذيال الخيبة!!! وسارة لا ترد على الموبيل ابداً ..
قــالت ســارة:
أخيرا حنّت عليّ الكوافيرة وبدأتْ في تجهيزي، والغريب أني لم استغرق معها نصف ساعة، والساعة أصبحت 9 ونصف .. ونظرت إلى وجهي فى المراة بعد كل هذا التعب، وجدت الفستان أنيق للغاية .. ووجهي لم أره بهذا الصفاء من قبل .. خلاص بقيت عروسة؟؟
يارب أعجب عمر وكل الناس .. بس عمر أهم من كل الدنيا طبعاً ..
قــال عمــر:
تسمّرت من مكاني عندما رأيت سارة تخرج من مركز التجميل ونسيت الإنتظار الطويل والمكالمات الغاضبة من أهلي وأهلها على كل هذا التأخير .. نسيت الدنيا كلها عندما رأيتها تتألق في فستان رائع من اللون الأزرق الصافي المشغول برقة بخيوط فضية خلابة .. ووجهها لم أرْ أجمل منه فى حياتي وكأن كل نساء الدنيا تجمعت في امرأة واحدة ..
جريت إليها وهمست لها: “بحبك يا سارة” ..
حفلـة الخطوبـة
قــالت ســارة:
جالسة أنا بجوار عمر وأشعر بمشاعر غريبة كلها متناقضة؛ فرحة وخوف وقلق وترقب ..
أول مرة أكون محط أنظار الجميع لدرجة التحديق فى كل تفاصيل مظهري .. هو شعور جميل ولكنه يدعو للقلق .. ولكن لا يهم ..
المهم أني أعجبت عمر وأنه سعيد بي جداً وحماني من نظرات الغضب التي هاجمتني عتاباً لي على تأخيري ..
المنزل مزيّن بزينات واضواء رقيقة .. متى زينوه هكذا؟!! وأفراد الأسرتين موجودين والجميع سعيد والزغاريد لا تتوقف، ماعدا حماتي العزيزة بالطبع .. قبّلتني ببرود ولامتني على تأخري ولاحظت أنها طوال الوقت تهمس فى أذن ماما بكلمات غريبة .. آه لا أريد ما يعكر صفوي الآن فلتقل ما تريد ..
أنا وعمر معاً والدنيا كلها ملكنا وحدنا ..
قــال عمــر:
سارة فاتنة هذه الليلة .. كم أحب هذه البنت الجميلة الشقية التي دخلت حياتي فجأة بدون سابق إنذار فقلبتها رأساً على عقب .. وفي أسابيع قليلة أصبحت تملك مفاتيح القلب وتطرق أبواب الروح وتتسلل إلى أركان عقلي فتحتلـّه كما يتسرب الماء الصافي إلى الأرض الجافة فيرويها .. أصبحتْ أهم إنسانة لي في هذه الدنيا ..
هل سنعيش معا سويا للأبد؟ .. آه كم اتمنى هذا ..
وهل من الممكن أن يتحول هذا الحب إلى مشاعر الملل والرتابة في الزواج؟
وكيف يقرر الإنسان فجأة أن يكمل حياته كلها مع إنسان واحد لم يعرفه إلا منذ أيام قليلة؟ .. إنـّه أمر صعب لو كان بيد الإنسان .. من المؤكد أن مباركة الله للزواج هى ما تيسر هذا، وأنـّه سبحانه وتعالى هو من يؤلف بين القلوب فيجعل الغريب حبيباً ..
قــالت ســارة:
الحمد لله أنى أصريت على تأجيل كتب الكتاب لفترة .. لا أتخيّل أن يعقد قراني اليوم على إنسان لم اره سوى من أسابيع قليلة ..
صحيح أنـّني أحببت عمر ومقتنعة به، ولكن لا أستطيع حاليا تقبل فكرة الإرتباط الأبدي بهذه السرعة ..
الموسيقى تنساب بقوة، والزغاريد تحيط بنا من كل مكان .. شعوري لا أعرف كيف أصفه ..
فعلاً البنت لا تكتمل وترتوي إلا فى وجود رجل يحبها ..
حانت لحظة شرب الشربات .. يارب عمر لا يسكب على فستاني منه كما أسمع كثيراً ..
الحمد لله سقاني بسلام .. حان دوري لأسقيه أنا الأخرى ..
أخ وقعت قطرات على قميصه الناصع ورمقني بغضب شديد وصرخ فيّ: “مش تخلّي بالك يا سارة؟”
قــال عمــر:
أخخخ .. ماذا فعلت؟!! .. الجو تكهرب فجأة من صرختي الغاضبة في سارة، والجميع صمت ونظر لسارة التي تكاد تبكي من شدة الخجل والإحراج .. لماذا تهوّرت هكذا؟ أكيد سارة ح تزعل .. وعندها حق ..
انا آسف يا سارة .. بجد آسف ..
سارة لا ترد عليّ وتتظاهر بالتشاغل مع صديقاتها اللاتي أدركن الموقف وتجمعن حولها يضحكون كي يخففوا عنها الإحراج ..
لازم أبطل العصبية والتهور .. أصبح لي شريك في حياتي الآن قد لا يتقبل كل تصرفاتي ..
خلاص يا سارة أنا آسف بقى ..
قــالت ســارة:
“أنا آسف يا سارة !!؟”
يا سلام بعد ما أهنتني أمام الناس؟!! .. لماذا لم تمسك أعصابك أمام هذا الخطأ الغير مقصود؟! .. هل هذا هو طبعك؟ لا يمكن أن أتحمله، ولابدّ أن تكون خلافتنا بيننا وحدنا، لا أن يكون الجميع طرفاً بها .. بجد يا عمر لن أتنازل عن هذا أبداً ..
قلت هذا كله لعمر وأنا أرسم إبتسامة زائفة أمام الناس كي لا يلاحظوا الخناقة الدائرة بيننا .. وبادرني عمر بالإعتذار وعدم تكرار هذا .. وأخذت وقت كي أظهر طبيعية ..
وحان وقت ارتداء الشبكة وأصريت أن تلبسني إياها والدة عمر .. من ناحية هو لم يصبح زوجي، ومن ناحية أخرى أنا لسه زعلانة منه ..
قــال عمــر:
يا سلام ماما هيّ اللي ح تلبّس سارة الشبكة؟ إيه الهنا ده؟ يالا يبقى القميص والشبكة .. طب مين ح يلبّسني الدبلة بتاعتي؟ .. البوّاب؟!!
ألبست ماما سارة الطقم الذهبي ثم أوقفْتها بإشارة من يدي، وأخذت دبلة سارة واقتربت منها ورجوتها وهمست لها: علشان خاطري يا سارة أنا نفسي أظل أتذكر هذه اللحظة وأنا أضع إسمي حول أصبعك للأبد .. أرجوكي علشان خاطري .. لن ألمس يدك أساساً ..
ألف مبروك يا حبيبتي ..
قــالت ســارة:
حبيبتي؟
اول مرة أسمعها منك يا عمر .. والله انت اللي…
الله الدبلة شكلها جميل جداً في إصبعي .. أجمل من أيّ خاتم امتلكته فى حياتي .. وكفاية إن عليها إسم عمر كي تكون أغلى دبلة فى الوجود ..
ألبسته بدوري دبلته المحفور عليها إسمي ونحن نطير سوياً فى دنيا خاصة بنا .. ونسمع موسيقى تعزفها قلوبنا ونخطو خطواتنا الأولى نحو دنيانا الجديدة .. دنيا محفور على بابها إسمينا فقط: سارة وعمر
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الحادية عشر
قــالت ســارة:
إستقرت حياتي أنا وعمر بعد الخطوبة الرسمية وشعرنا سوياً باستقرار نفسي كبير .. أصبح لكل منا شريك يستريح على شاطئه ويلقي على كتفه همومه .. أصبحت لا أخجل من وجود رجل فى حياتي ..أكلمه على الملأ أمام أبي وأخوتي وأتحدث عن آراءه وأفكاره وأستشهد بها بدون خجل .. وهل يخجل المحامي عندما يستشهد بمواد القانون؟ .. وإن كان الأمر لا يخلو من المشاحنات والخلافات البسيطة التي تزداد بعصبية عمر التي تشتعل سريعاً وتخبو سريعاً .. ولكنني أخاف كثيراً من هذه العصبية والتسرع في ردّ الفعل الخاطىء له فى أحيان كثيرة .. ومما يزيد عصبيته عنادي الطفولي الذى هو من أبرز عيوبي للأسف ..
قـال عمــر:
شعور جميل أن يكون لك صديق وحبيب في حياتك تتبادل معه الأخبار والأوجاع والضحكات .. أشعر أنني قبل معرفتي بسارة لم أكن موجوداً في هذه الحياة .. أشعر معها وكأنني طفل صغير يعود سريعاً في نهاية يومه ليقصّ على أمـّه كل ما حدث له فى يومه .. أحبّ ردودها التلقائية وضحكاتها البريئة وخوفها الطفولي عندما يرتفع صوتي في عصبية، ولا أطيق غضبها مني وأبادر دوما لمصالحتها ..
كم أحب وجودك معي يا سارة ..
قــالت ســارة:
لاحظت أن أكثر أوقات خلافنا أنا وعمر هي عند عودتي من عملي فى الرابعة .. ولو اتصل بي ووجدني نائمة أو رددت عليه في تعب يختلق أي مشكلة تافهة ويغضب عليها ..
هل يغار عمر من عملي؟ أم من انشغالي عنه لمدة ساعات في اليوم؟ ..
رغم أنني أحادثه من عملي تليفونياً وأصلاً عملي من الثامنة حتى الرابعة زي ناس كثيرين جداً .. أمّال لو كنت طبيبة وأبات في المستشفى كان عمل ايه؟ .. أكيد كان انتحر ..
راودتني شكوك حول الموضوع ده واشتكيت لأمي فقالت لي: طبيعة الرجل دوماً أنانية، لا يريد أن يشغلك عنه أحد أخر حتى لو كان عملك ونجاحك .. إستحملي يا بنتي ولا تفتحي معه هذا الموضوع حتى يفتحه هو .. ولم أنتظر طويلا حتى جاء يوم وكلمني فى التليفون بعد عملي كالمعتاد، وكنت ح أموت وأنام ساعة، فكنت أرد عليه سريعاً، فلاحظ ذلك وقال لي مباشرة : سارة إنتي الشغل ده مهم عندك أوي؟
قلت: يعني إيه مهم يا عمر؟ هوّ يعني فستان آخده ولا أسيبه؟ ده شغلي ونجاحي .. وبعدين قصدك إيه؟
رد عليّ بحدة: قصدي إنـّك ياريت تسيبيه بعد الزواج وياريت من دلوقتي ..
رددت عليه بذهول: بتقول إيه يا عمر ليه ده كله؟ هوّ شغلي مضايقك في إيه بس؟
قال: أنا ما أحبش مراتي تشتغل وترجع البيت الساعة خمسة وتتبهدل فى المواصلات .. علشان إيه ده كله؟
قلت له في صوت عالٍ بعض الشيء: طيّب ما قلتش ده ليه قبل الخطوبة؟ وإتقدمت ليّ ليه أصلا وانت عارف إني باشتغل؟
فوجىء عمر من رد فعلي الهجومي وكأنه كان يتوقع الطاعة المطلقة: يعني لو كنت قلت لك ده قبل الخطوبة كنتي ما وافقتيش عليّ؟
رددت بعناد وبتسرع: طبعاً ..
صمت عمر وتألم من ردي القاسي ولم يرد ..
حاولت تهدئة الجو قبل أن تثور ثائرته وقلت له: ياعمر من فضلك إفهمني .. ليه دايماً الرجل أول ما يشوف بنت وتعجبه يعجبه نشاطها ونجاحها فى العمل وطموحها وثقافتها ويتقرب لها من الجانب ده .. ولمّا خلاص تصبح ملكه يسعى جاهداً أن يجعلها صورة من جدته لا تخرج ولا تعمل ولا تبدي أى آراء إلا من خلاله؟ .. ثم بعد هذا يشتكي من تغيرها بعد الزواج؟!!
رد عمر: أنا مش عاوز أخليكي زي جدتي ولا حاجة .. أنا بس مش عاوزك تشتغلي .. فيها حاجة دي؟
فقلت أنا: كان مفروض تكون صريح معايا أول ما اتقابلنا وتقول لي الكلام ده وأنا اللي أقرر حياتي ح تكون إزاي معاك، وإما أوافق أو أرفض .. لكن إنت كده بتضعني أمام الأمر الواقع ..
رد بعصبية كبيرة: يعني أنا خدعتك يا سارة؟ .. قصدك كده؟
حاولت تهدئته فقلت له: يا سيدي ولا خدعتني ولا حاجة .. طب إنت إيه اللي مضايقك من شغلي؟
قال: تقدري تقوليلي لما نتجوّز ح تراعي البيت إزاي وإنتي بترجعي المغرب؟ .. ولما نخلّف ح تسيبي البيبي فين الوقت ده كله؟
رددت عليه: هوّ أنا أوّل إنسانة في الكون بتشتغل؟ .. أكيد كل دي حياة ملايين السيدات مش أنا بس؟
قال بضيق: أهو أنا باتضايق من عنادك ده يا سارة ..
إستفزتني الكلمة فقلت: ده مش عند .. ده حق ليّ إني أكون ناجحة .. المفروض وجودنا في حياة بعض يخلّينا إحنا الإتنين ناجحين، مش واحد ينجح والتاني يكون مجرد ظل باهت للآخر وخلاص ..
قال بعصبية: يعني إنتي مش عاوزة تسمعي كلامي؟
رددت بعناد كبير: اسمع كلامك لما يكون فيه منطق .. لكن لما يكون تحكّم وخلاص وفرض رأي، فأنا آسفة .. مش ح اقدر أسيب شغلي بدون مبررات كافية ..
قال: ده آخر كلام عندك؟
أحسست أن كلمته دي بداية مشكلة كبيرة، ومع ذلك رددت بعناد كبير: أيوة ..
وانتهت المناقشة بقوله: خلاص إنتي اللي اخترتي يا سارة ..
بعـد أيـّـام
قــالت ســارة:
أول مرة نتخاصم أنا وعمر من يوم ما اتخطبنا .. اتخانقنا كتير لكن كنا بنتصالح سريعاُ .. والحق يقال كان هو دائماً من يبادر بصلحي حتى لو كنت أنا المخطئة ..
إحساس البعد سيء جداً .. شعرت أن أيام الخصام القصيرة مرت كأنها شهور طويلة ..
لم يحادثني فى التليفون، ولم يرسل لي رسالة، ولا حتى رنّة من الموبايل .. وأنا كرامتي منعتني أن أبدأ أنا بالحديث ..
لماذا يضغط عليّ بهذا الأسلوب كي يرغمني على التنازل عن مستقبلي .. وهل هذا آخر تنازل أم أن سلسلة التنازلات لن تنتهي؟
انا لا أعرف وجه تصميمه على تركى العمل .. وهل وأنا تعديت الخامسة والعشرين آخذ مصروفي من أبي مثل الأطفال؟ .. ومتى أنضج وأتعلم الإستقلالية إذن؟ .. فى سن الستين؟
يبدو أن الرجل يريد من زوجته أن تكون تابعاُ له بلا أي شخصية ..
كده يا عمر هنت عليك؟!!
قـال عمــر:
كده يا سارة هنت عليكي؟!!
لم تفكر أن تتصل بي ولا مرّة حتى ولو من باب الإطمئنان عليّ .. أنا الذى عوّدتها على هذا الأسلوب .. في كلّ مرة نختلف أبادر أنا بمصالحتها حتى لو كانت هي المخطئة .. أنا بجد دلـّعتها كتير وممكن تظن إنها متحكمة فيّ بهذا الأسلوب أو أن شخصيتي ضعيفة .. لا أنا مش ح أسأل عليها المرة دي، مع إني ح اتجنن وأسمع صوتها .. بس هيّ لازم تسمع كلامي وتطيعني بلا نقاش!! .. وبرضه مش ح اتصل ..
قــالت ســارة:
درجة حرارتي إرتفعت من الإنفلونزا وأشعر بصداع رهيب ألزمني الفراش .. يبدو أن هذا مرض نفسي زي ما بيقولوا .. ووجدتها حجة مقنعة كي أبكي براحتي وأتحجّج بالصداع ..
لاحظت أمي أن عمر لا يتصل ولا يأتي منذ أسبوع، فسألتني عن السببن فتحججت بحجج واهية ..
فقالت لي: أسألي عنه إنتي يا سارة .. الراجل بيحب دائماً أن يشعر باهتمام كبير مثل الطفل تماماً .. فرفضت بشدة .. ففهمتْ أن هناك مشكلة، ولم تلح عليّ في معرفة الأسباب .. وخرجت من غرفتي وتركتني أنام .. وبعد قليل سمعت صوتها يتحدث في التليفون مع حماتي العزيزة، وتجتهد أن تجعل الحديث عادياً جداً، وختمته بخبر هام جداً من أجله كان كل هذا الاتصال وهو: أن سارة عيانة جداً جداً .. ونايمة ياعيني في السرير درجة حرارتها 60 ..
تابعت الحديث وابتسمت من حنيّة أمي ورقّتها .. تريد أن تصالحنا أنا وعمر بدون أن تتطفل أو تتدخّل .. يا حبيبتى يا ماما، بس لو عمر ما اتصلش برضه بعد ما يعرف إنى تعبانة، يبقى…..
معقول؟ معقول يا عمر؟!!
قـال عمــر:
سارة تعبانة؟ يا حبيبتى يا سارة؟
علشان كده ما اتصلتش بيّ .. وأنا ظلمتها ..
لازم أروح لها حالاً .. أهو المرض جه حجة كويسة علشان أروح بسبب مقنع، أصلي خلاص بجد مش قادر على البعد والخصام الرهيب ده ..
قــالت ســارة:
“كده يا عمر ولا حتى رسالة؟”
قلتها لنفسي وأنا لا أنزل عيني من على الموبيل، وكأنني اخاف لو أبعدت عينى عنه لن أسمعه لو رن ..
منتظرة إتصال عمر الذى لا يأتي .. يبدو أنـّه فعلاً قاسي ويرغمني بكل الطرق أن أتنازل عن كل شىء حتى يضغط عليّ وأنا مريضة .. لا يمكن أكلمه بعد اليوم .. ولا أعتقد أنـّني سأكمل الخطوبة أصلاً .. بجد مش عاوزاه و…. صوت ماما يرن في أذني: عمر جه يا سارة ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الثانية عشر
قـال عمــر:
نسيتُ كل خلافي مع سارة وزعلي منها عندما رأيتها وهي متعبة محمرّة العينين مرهقة كأنها لم تنم من سنين وهتفت بها في قلق كبير أول ما رأيتها: ألف سلامة عليكي .. إن شا الله أنا وإنتي لأ ..
ردّت عليّ: بعد الشر عنك يا عمر، أنا الحمد لله بخير ..
همستُ بالكلمات فى صوت خفيض: أول ما عرفت إنـّك تعبانة جيت جري .. خلي بالك من نفسك يا سارة، إنتي دلوقتي مش بتاعتك لوحدك .. لا بتاعتي أنا كمان ..
سارة: ……..!؟
أنا: انتي زعلانة مني؟
سارة: ……..!؟
أنا: خلاص بقى حقك عليّ .. أنا فعلاً أخدت الموضوع بعصبية شوية، بس أنا خايف عليكي مش أكتر ..
سارة: كان ممكن نتناقش فى الموضوع بهدوء ومن غير ما حد يفرض سيطرته ولا يحاول يلغي شخصية الطرف التاني ..
أنا: طيب لو قلت لك علشان خاطري فكري في موضوع الشغل ده تاني .. هتقولي إيه؟
سارة: أقول خاطرك غالي عليّ جداً .. وإني بالأسلوب ده فعلا ممكن أفكر في حل وسط .. مثلاً إني بعد الزواج أدور على شغل مواعيده بدري عن كده .. في حضانة مثلاً .. علشان البيت والبيبي .. موافق؟
أنا: موافق جداً .. و ح نسميه إيه؟
سارة: مين؟
أنا: البيبي؟
سارة: ……..!؟
قــالت ســارة:
الأيام تمر سريعة جداً، لا أصدق أن مر على خطوبتنا 4 أشهر أنا وعمر، وخاصة عندما بدأنا في المأساة المسماة جهاز العروسة .. أو “الشوار” زي ما فيه ناس بيسموه .. وكلا الإسمين إسم على مسمى .. فسموه جهاز لأنه بيجهز على كل طاقتك المادية والجسدية والمعنوية .. والشوار لأنك بتدخلي فى مشاورات وخناقات رهيبة بتنتهي غالباً بحروب ..
لا أدري لماذا كل هذه التعقيدات التي يضعونها في طريق تجهيز عش الزوجية، وخاصة مستلزمات العروسة المسماة ظلماً وافتراءاً: الرفايع .. على إعتبار إنها أشياء بسيطة لا تذكر من رفعها!! وهي في الأصل تقايل مش رفايع..!!
بجد العروسة مطلوب منها جبال من الأشياء التي أكاد أجزم أن ربعها فقط الذي يستخدم فى الواقع، والباقي يرص فقط في النيش والدواليب لزوم المنظرة فقط ..
الآن فقط عرفت لماذا كان أبي وأمي يصرّون أن أدّخر نصف مرتبي لجهازي .. قال وأنا كنت زعلانة .. ياريتهم إدخروه كله علشان المليون طلب اللي ورايا ..
(ملاحظة من أدمن البيج: هذا في مصر، أما في بلدي فلا يطلب من العروس تجهيز أي شيء، فالعريس مطالب بكلّ شيء بدءاً من كأس الماء وانتهاءاً بثلاجة المطبخ، فعندنا فعلاً نسميه “إجهاز” على طاقة العريس المادية والجسدية والمعنوية بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى (*~*))
قـال عمــر:
يا بخت العروسة !!! إيه الظلم الرهيب اللى واقع على العريس ده؟ مطلوب منه يشترى أو يؤجر شقة ويجهزها على الاقل 3 غرف، ده غير الأجهزة الكهربائية والفرح والشبكة… الخ الخ الخ… ليه ده كله؟
ما أنا كنت سلطان زماني .. والعروسة تجيب شوية رفايع وتقول أنها جهّزت؟!! والله حرام ..
سارة رفضت رفض تام أن نسكن مع أبي وأمي، وبصراحة معاها حق .. كيف نشعر أنا وهي أن لنا مملكتنا المستقلة وعشّنا الدافيء؟!
لكن الشقق الإيجار الجديد إيجارها نااااااااااار .. والتمليك طبعا من عاشر المستحيلات..!!! .. ربنا يستر ونلاقي شقة إيجارها معقول وتكون مناسبة ..
الحمد لله إن سارة ما وافقتش على ترك الشغل، كان زمانا كل أول شهر وافقين على باب الحسين أو السيدة .. طبعا مفهوم بنعمل إيه!!
قــالت ســارة:
إيه لزوم إن الواحد يجيب من كل حاجة نسختين؛ واحد للاستعمال والتانية منظرة؟!!
يعنى طقم صيني للإستعمال وسرفيس ماركة غالية جداً يبقى محنط في النيش؟!! ومعالق للإستعمال وأخرى في حقيبة دبلوماسية براقة سعرها فلكي!! هددتني أمى لو لمستها ستبلغ عني البوليس.!!!
وأغلب الظن أن الحاجات دي سأستعملها لما خطيب بنتي كمان 30 سنة ييجي يزورنا!! .. ده غير ألف طقم مثل طقم للشربات، وطقم للتورتة، وآخر للكاكاو، وآخر للآيس كريم، وآخر للخشاف .. مش عارفة خشاف إيه ده؟
مش ممكن المنظرة دى كلها .. ويقولوا البنات بيعنّسوا ليه؟ أكيد من قائمة المتفجرات التي تنفجر فى وجة أي اثنين بيفكروا مجرد تفكير فى الإرتباط الحلال .. رغم إن أمي أخبرتني أنها فى زواجها كانت لا تملك أيّاً من الاجهزة الكهربائية غير البوتجاز ومن عملها هي، وأبي أحضروا الغسالة العادية ثم الثلاجة، ولم يفكروا في التليفزيون إلا بعد سنين، رغم أنهما هما الإثنين من عائلات محترمة، ولكن كانت النظرة للزواج عملية و بسيطة، ولا وجة للمقارنات الفارغة بين أي بيت والآخر .. وأنا رأيي عندما يبني الإثنين عشـّهما سيكون من المستحيل أن يفرّطوا فيه أبداً .. لكن الآن نرى حالات طلاق بعد شهور، لأن العروسين وجدوا منزلاً جاهزاً من كل شىء، حتى التكييف والدش، ولم يتعبوا فيه لحظة .. فلماذا يتحملوا كي يظل هذا المنزل قائماً؟؟
قـال عمــر:
ياااااسلااااااام .. معارض الموبيليا في مصر معمولة علشان العريس الّلي في الخمسين ربيعاً .. الحجرة الواحدة المعقولة محتاجة إني أوفر مرتبي لمدة عشر شهور متواصلة على الأقل بدون أكل ولا شرب ولو أمكن بدون ما أنام .. لا حل إذن إلا ان ننفذ الحجرات عند نجار شاطر، وبالطبع أبي هو من سيدفع .. طيب ومن أهله لا يستطيعون مساعدته كيف يتزوج؟ .. وكيف يقي نفسه من الوقوع فى الخطأ وفي دائرة الحرام؟ معادلة مستحيلة الحل، وتزداد تعقيداً بطلبات الأهل المغالى فيها ..
ورغم إني مهندس وخريج إحدى كليات القمة وأعمل عشر ساعات يومياً ومع ذلك لا أستطيع تزويج نفسي .. واضح أن زماننا هذا ليس لنا ..
قــالت ســارة:
لا يمكن أشتري مفرش للسرير ليوم الزفاف بـ700 جنيه من أجل يوم واحد، الناس يتفرجوا عليه وخلاص يترمي ..!!!
بجد ربنا يحاسبنا على هذا التبذير وح نُسأل عليه يوم القيامة .. ولأول مرة أنتصر فى معركتي مع أمي وأصررت على عدم شرائه واستبداله بمفرش بسيط جداً بمائة وخمسين جنيه فقط .. ولم أستجب لتهديدات أمي أن حماتي لن يفوتها هذا و… و… و… فلتقل ما تريد، هذا منزلي أنا وليس أي أحد، ولو تركت نفسى خائفة من تعليقات كل الناس لن أتزوج إلا بعد أن أبلغ من العمر أرذله!! .. وبرضه لن أرضي أحد ..
قارنت بين مجلة نسائية قديمة إشتريتها من سور الأزبكية يرجع تاريخها لأواخر الستينات زمن تحقيق الأحلام، وبين مجلة حديثة نسائية برضه .. وجدت في القديمة باب كامل إسمه المنزل السعيد، وكله أفكار عملية رائعة عن فرش المنزل وتجميله بأبسط التكاليف، وكيفيه الإستغناء عن أشياء كثيرة لا لزوم لها .. وبجد الصور في غاية الرقة والعملية والبساطة .. والمجلة الحديثة تتحدث عن الفورفورجيه في غرفة النوم .. وكيفية تلميع الباركية .. ومزايا التكييف السبليت عن الشباك في منزل العروسين .. يبدو أنهم يتحدثون عن عرائس من القمر وعرسان من المريخ ..
يـوم الـزفـاف
وأخيراً جاء اليوم المنتظر .. اليوم الذي تتوقف فيه عقارب الساعة وتبدأ دورة جديدة غامضة .. اليوم الذي تصمت فيه الكلمات وتتحدث القلوب وتتوحد .. اليوم الذي يشهد فيه الله وهو خير شاهداً على ارتباط شابين رباطاً وثيقاً وميثاقاً غليظاً كما أسماه القرآن ..
يوم الزفاف؛ كل ما كان محرماً يصبح حلالاً بكلمة الله .. كل ما كان مجهولاً غامضاً يصبح سهل المنال .. يوم تتغير وجوه الأحبة ونفارق وجوهاً عاشرناها سنوات طوال، ونعشق وجوهاً أخرى ونسكن منازل جديدة غامضة، لا نعرف ماذا ينتظرنا بها السعادة أم الشقاء ..
الفتاة التى طالما خجلت من وجود أخيها أو أبيها معها في منزلها تصبح زوجة وأنثى مكتملة الانوثة، لها رجل لا تخجل معه من شيء .. تشاركه أفراحه .. وأحزانه .. وكلماته .. وغضبه .. وحنانه .. ومشاعره .. وتهدهده كطفلها البكر .. وتربت على كتفه اذا غضب .. ويلقي على صدرها كل همومه واسراره .. ومع هذه الأسرار والأحلام ينمو البيت الصغير وتكبر جدرانه وتمتد جذوره في أرض الواقع، ليصبح هذا البيت القلعة الحصينة التي يرفض الزوجان المساس بها من أي غريب .. ويصبح البيت الجديد أحب مكان على الأرض يأوي الحبيبين .. أفكار كثيرة تدور اليوم في عقل العروسين سارة وعمر بلا تفرقة اليوم، لأنهما اصبحا كياناً واحداً ..
سارة جالسة تضيء جمالاً بفستانها الأبيض الملائكي الذي يحمل كل أسرار العذارى، وغموض الأنثى ودلالها .. وعمر المكتمل الأناقة فى بدلته السوداء والذي يشعر باكتمال رجولته لأنه أخيراً سيكتمل وجوده فى هذا العالم باقترانه بنصف روحه وأنثى حياته سارة .. وقلوب الجميع خاشعة من فرط السعادة والدعاء لله أن يكلل هذا الإرتباط ببركته ورضاه سبحانه وتعالى .. وآذان الجميع متعلقة بشفاة المأذون الذي يتلو آيات المودة والرحمة ويقول خطبة الزواج ويتوقف عند آية: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}، ليوصي بها عمر أن الرجل يأخذ زوجته أميرة من منزل أهلها ويعقد معهم ميثاقاً غليظاً بألا يجعلها أسيرة فى منزله .. فلا ينسى هذا العهد أبداً ويوصيه بأخلاق الرسول مع زوجاته .. ثم يوصي سارة أن تجعل زوجها قرّة عينها ووطنها الذي لا ترضى عنه بديلاً .. وتلمع العيون سعادة وخشوعا عندما يعلن المأذون أنهما الآن زوجين أمام الله وأمام العالم ..
وتبكي سارة، فيقترب منها عمر ويلمس يدها لأول مرّة ويقبّلها ويعدها ألا تبكي أبداً مادام هو حياً على هذه الارض .. فتبتسم وترتعش من لمسة يد زوجها الحبيب وتقول: فلنعقد الآن قراننا بنفسنا .. وتهمس له: زوّجتك نفسي على سنة الله ورسوله، وعلى مذهب الامام ابي حنيفة النعمان وعلى الصداق المسمى بيننا .. فيهمس لها: وأنا قبلت زواجك يا زوجتي وحبيبتي وسكني وداري وجنّتي .. وقرّة قلبي ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الثالثة عشر
يوم الزفاف
قــالت ســارة:
أخيراً أصبحتُ في شقتي، عشّي الصغير، إحساس جميل أن يكون للبنت بيت خاص اختارت فيه كل ركن وكل جزء على ذوقها الخاص، تفعل فيه ما تريد وتشعر بالفعل أنها ملكة متوّجة ..
أخيراً إنتهت الترتيبات والمشاوير والسهر والخناقات من أجل فرش هذا العش الرائع الصغير ..
أخيراً انتهى ضجيج الفرح وتفحص المعازيم فيّ كأنـّني هابطة من المريخ، وكل واحدة من عواجيز الفرح تمصمص شفايفها وتقول: مش كانت بنتي أحسن؟
تعبت جداً من حمل الفستان الثقيل والحذاء الضيق .. سبحان الله .. هوّ كل أحذية العرايس بتكون ضيّقة ليه؟
وأخيراً أخيراً ح اكون لوحدي ..
إيه ده .. صوت عمر بيقول: “مدام عمر اجمع عندي بالخطوة السريعة” ..
مدام؟ .. انا يا بيه؟
عمـر: إيه يا ستي سرحانة في إيه ده كله؟ .. هو علشان مفيش حد فى جمالك النهاردة يبقى خلاص؟ .. لا يا هانم أنا لما أنده عليكي تيجي قبل ما أنده مفهوم؟ .. وبعدين فين القطة علشان أدبحهالك؟
سـارة: انت عاوز تاكل قطط النهاردة ولا إيه؟ .. لو دبحتها ح اطبخهالك فوراً ..
عمـر: تطبخيها ؟!! .. بنات آخر زمن .. يعني مش خايفة مني؟
سـارة: لا مش خايفة.. أنا فرحانة جداً .. وإنت؟
عمـر: أنا أسعد إنسان في الدنيا .. أول مرة بنتكلم أنا وإنتي من غير ألف محرم وعزول في بيتنا .. بجد البيت جميل أوي .. ذوقك طلع يجنن يا سارة لما كل حاجة إتفرشت .. وأجمل ما فيه إن حبيبتي فيه ..
لا لا .. مفيش كسوف خالص .. خلّصنا الحدوتة دي .. شوفي أنا باقول علشان ربنا يكرمنا في حياتنا نصلي أنا وإنتي ركعتين نبدأ بيهم حياتنا علشان ربنا يبارك لنا كل خطوة .. ماشي؟
سـارة: ماشي يا حبييبي ..
عمـر: حبيبي؟!! .. لا يا ستي قومي غيّري هدومك واتوضى أحسن كده مش مصلّيين خالص ..
قــالت ســارة:
قمت ودخلت حجرة النوم .. ولا أدري عندما دخلتها لماذا ارتجفت؟؟
الله يسامح كل البنات اللي رعّبونا لما اتجوزوا .. ليه يعني هيّ حرب؟ .. أنا مش ح افكر فى حاجة علشان ما اديهاش عياط من أولها ..
يا خبر .. إيه كل الجيبونات اللي في الفستان دي، أنا كنت شايلة حديد زي المصارعين مش فستان .. لازم يعذبوا البنات فى كل شىء .. والله حرام الغلب ده ..
غيّرت الفستان باعجوبة وارتديت عباءة جميلة مطرّزة ولم أجرؤ أن أرتدي الطقم الذى أوصتني أمي ان أرتديه .. العالم دي بتهرّج أكيد ..
وتوضئت في حمام غرفة النوم، وأزلت ماكياج الفرح وأسدلت شعري ليراه عمر لأول مرة، وخرجت له لأجده غيّر البدلة وارتدى البيجاما التي أوصاني العالم كله أن أهديها له، وكأن الجوازة ستفشل لو لم تُهدي العروس عريسها بيجاما يوم الزفاف وسيُكتب الخبر فى الصفحة الاولى!!
وجدته ينظر لي نظرة كلها إعجاب وحب واستقبلني مهللاً: أنا عرفت دلوقت ليه الحجاب فُرِض .. لو كنتي بتخرجي بشعرك الجميل ده كانت حصلت مظاهرة .. يالاّ يا ستي نصلي أحسن كده مش ح ينفع خالص ..
وصليتُ وراء زوجى لأول مرة وأحسست إحساس رائع أن زوجي الإمام وأن الله شاهد علينا ونحن نبتهل بين يديه أن يرزقنا السعادة والتوفيق .. ودعا عمر دعاء طويل وأمّنت عليه وأنا أدعو من قلبي أن يحقق الله كل كلمة فيه، وأن يكون زوجي الحبيب حبيباً طوال العمر وألاّ يفرقنا إلاّ الموت وألا يدخل الشيطان بيننا ابداً ..
وأنهينا الصلاة وجلسنا واحتضن عمر يدي فى يده لأول مرة، فارتجفت وظهر عليّ ارتباكي وصاحبني خوفي واسترجعت كل الحكايات المفزعة التى سمعتها من أغلب البنات .. وواضح أن خوفي كان ظاهر .. وكأن عمر قرأ أفكارى فوجدته يحنو عليّ ويقول: إيه يا سارة الرعب ده كله .. إيه يا حبيبتي هيّ حرب؟ .. ما تخافيش من أي حاجة خالص وسيبك من الأوهام دي وحواديت البنات الفارغة .. لو كانت الإرتباط مفزع كده ما كانش الإسلام سمى الليلة دي ليلة البناء .. يعنى الزوجين بيبنوا حياتهم فى الليلة دي .. وكان سماها ليلة الحرب العالمية .. مش كده؟ .. وياستي علشان تطمني أنا عاوز أتكلم معاكي وأستمتع إن أنا وإنتي لوحدنا لأول مرة، وبعدين كل حاجة تيجي على مهلها ..
أحسست بجبل أزيح من فوق صدري وشكرت تفهم عمر ورقته المتناهية ..
وتحدثنا طويلاً طويلاً كأني طوال عمري لم أتحدث .. وكان أعذب حديث شعرت به في حياتي .. أتكلم مع زوجي وحبيبي وفتحت له قلبي وسقط حاجز الخجل مني وأخرجت كنز المشاعر التي كنت أخبؤها من يوم أن تشكلتُ أنثى إلى اليوم، وأعطيتها إلى الرجل الذي ارتبطت به ..
ووقتها عرفت عظمة الإسلام فى تحريم العلاقات المحرمة .. وإلا كيف تشعر الفتاة بهذا الشلال من المشاعر الفياضة البكر لو كانت ألقت مشاعرها لهذا وذاك، ووصلت إلى زوجها وهى مليئة بمرارات التجارب الفاشلة؟
وشيئا فشيئا سقطت الرهبة و الحواجز بيننا، وتحدثت القلوب والعيون و… سكتت شهرزاد عن الكلام المباح ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الرابعة عشر
قــالت ســارة:
استيقظتُ من نومي وأنا لا أدري أين أنا، وأخذتُ أتفحص المكان بدقة وأنا أبحث عن حجرتي القديمة فلا أجدها، ووجدت عمر نائم على السرير فانتفضت وكدت أصرخ فى وجهه .. ثم تذكرت كل شيء .. وأخذت أضحك في سرّي وأنا أتذكر أمي وهي تقول لي: إنتي يا سارة لما بتصحي من النوم ممكن تطلبي البوليس للّي قدامك عقبال ما تعرفي إنتي فين!!
عندها حق، لازم أتخلص من العادة دي، مش كل يوم ح أصحى الراجل مفزوع كده ..
وأفقت لأجد أن جرس التليفون يرنّ منذ فترة وخرجت على أطراف أصابعي حتى لا أوقظ عمر .. ووجدتها ماما كما توقعت .. الحمد لله أنها لم تكن حماتي ..
ماما: صباح الخير يا ست العرايس .. صباحيّة مباركة ..
أنا: صباح النور يا حبيبتي ..
ماما: أنا ما نمتش خالص قلقانة عليكي ..
أنا: الحمد لله كويسة ..
ـ آه لو الامهات تبطل القلق ده ـ
ماما: طيب يا سارة إحنا ح نيجيلك بعد الظهر شوية ..
أنا: تنوّري يا ماما ..
طبعاً ماما أُحبطت من ردي .. خلاص فعلاً حاسة إن لي حياة مستقلّة وأني لست في حاجة إني أقول كل شيء لماما .. وبعدين عاوزة ماما تتعود على الوضع ده علشان ما يحصلش مشاكل بعد كده ..
وضعت السماعة لأجد التليفون يرنّ مرة أخرى ـ واضح ان تليفوننا هو الوحيد في مصر ـ لأجد مكالمة مشابهة من حماتي وإنهم برضه ح ييجوا بعد الضهر .. والدعوة عامة وحتبقى لمّة ..
إستيقظ عمر وهو يبتسم ويقول: صباح الفل يا حبيبتي، أهو ده الصباح ولاّ بلاش .. بجد ملكة حتى وإنتي صاحية من النوم ..
إبتسمتُ له وقلت أسدّ نِفسه بسرعة، فأخبرته إن كل العالم ح ييجيلنا بعد الظهر، يعني بعد ساعة تقريباً ..
ووجدته يقول: يا ستي يشرّفوا، بس بجد المفروض إن الأهل يسيبوا العرايس شوية ياخدوا على الوضع الجديد وعلى الحياة الجديدة، مش هجوم كده من أولها .. ماهمّ لسه سايبنّا من كام ساعة .. حيكون حصل لنا إيه يعني؟ .. وبعدين أنا ما نمتش طول الليل من شخيرك يا سارة ..
شخيري !!!؟
وكان ردي أن قذفته بكل مخدات الأنتريه، ولقّنته درسا لا ينساه فى احترام حرمه المصون اللي هيّ أنا ..
عمـر: يا ساتر يا رب ده إنتي شرّانية أوي .. الواحد ما يعرفش يهزّر معاكي شوية؟
أنا: لا يا سيدي ما عندناش رجالة يهزروا .. يالاّ تعالى نشوف ح نقدم للجماعة إيه ..
ودخلنا المطبخ وأعددنا ما سنقدمه للضيوف، وأعدنا ترتيب المنزل علشان الناس اللي ح تيجي تتفرّج على الفرش الجديد .. وغيّرت ملابسي وارتديت طقم جديد وحذاء بكعب عالي لأول مرة، وربنا يستر وأعرف أمشي فيه ..
وخلاص بقى ح اعيش في دور المدام .. وجدت الباب بيرن ووجدت الأسرتين سوا مش عارفة ازاي؟
لقيت نفسي مفروض أستقبل حوالي 18 فرد مرة واحدة .. ليه كده بس؟
ما علينا .. المشكلة الأزلية إن الناس اللي بتيجي بتتفرّج على كل الشقة حتى المطبخ .. يعني المفروض إن أول ما الناس يشربوا حاجة أغسل الكاسات فوراً علشان الفرجة تبقى كاملة .. وهكذا لقيت نفسي تحولت إلى نحلة مكوكية أشيل وأحط وأغسل وأفرّج الزباين، أقصد الضيوف، على الشقة حتة حتة .. ومش عارفة ليه العروسة بتفتح النيش والدواليب وكل الفرش وكل الأطقم لكل واحد ييجي؟؟ .. فعلاً حرب .. المفروض الضيوف ييجوا يقعدوا في الصالون فترة بسيطة ويلقوا نظرة سريعة على الفرش ويباركوا ويمشوا وخلاص، وبلاش التفتيش الذاتي ده .. لكن تقول إيه الواحد كان إتجوز فى الصين أحسن ..
قــال عمــر:
إيه الشغلانة دي؟ .. ده بيت أبويا ما كانش زحمة كده .. الناس دي ح تمشي إمتى؟
أنا تعبت .. وسارة ياعيني ما قعدتش لحظة .. ولمّا جيت أشيل معاها الصواني ماما قالت لي: يعني عمرك ما ساعدتني في البيت يا عمر!!
الحمد لله إن سارة كانت في المطبخ، مش ناقصين نكد ..
قــالت ســارة:
وأخيراً أخيراً مشيوا وأنا اكاد أبكي من التعب، لأني اصلاً لسه تعبانة من مجهود الفرح .. حرام الظلم ده ..
وجدت ماما تميل علي وهيّ ماشية وتقول لي: خلي بالك من نفسك يا سارة وماتتعبيش نفسك (مش عارفة ازاي؟) .. وعلى فكرة خالك وخالتك وأولادهم جايين لكم بعد العصر شوية .. وعمة عمر وجوزها وأولادها جايين بالليل!!!!
حرااااااااااااااااااااااااام
قــالت ســارة:
يااااااااااه .. دي فعلاً حرب .. إيه كل المهنئين دول، أنا حاسة إني كنت عانس مثلاً ومصر كلها مش مصدقة إنى اتجوزت فجايين يتأكدوا بنفسهم أحسن تطلع إشاعة ..
ضيوف ضيوف ضيوف طول النهار والليل، ومفروض أكون طول الوقت مستعدة ولابسة لبس في منتهى الشياكة وكعب عالي، حتى لو لطعونا ساعتين تلاتة مش مهم .. كعادة المصريين يقولوا لك: حنعدي عليك آخر النهار .. الكلمة دي بتثير جنوني .. يعني الساعة كام؟!! وطبعاً لازم البيت يبقى مفيش فيه ذرة تراب أو طبق في الحوض طوال اليوم، علشان حملة التفتيش الذاتية، وتكون النتيجة إننا مش عارفين نخرج ولا نتفسح ولا حتى الواحد يقعد على راحته .. حاجة تفلق ..
قــال عمــر:
هو الجواز ح يطلع مقلب ولا إيه يا رجالة؟!! أنا حاسس إني في الصين الشعبية .. رجالة وستات والكارثة في الأطفال اللي مش بيحلى لهم أكل الشيكولاتة ومسح إيديهم إلا فى الصالون اللي الواحد دافع فيه دم قلبه .. واللي يفرس أكتر موضوع الهدايا ده .. كل واحد جت له هدية مش عاجباه ييجي ويديهالنا، وطبعا إحنا كمان مش محتاجينها وقليل جداً الهدايا النقدية .. الواحد بقى على الحديدة من مصاريف الجواز والفرح وقلنا ح تفرج من نقوط الفرح يقوموا يدوها هدايا مالهاش لازمة؟ ده الواحد كده مش ح يعرف يعمل منظر في شهر العسل ولا إيه؟ ومش ح اعرف أفسح سارة في مكان كويس؟! شكلها كده ح ترسي على شقة خالي في اسكندرية مع سلفة أبويـّة لا ترد .. وربنا يستر وما تحصلش مشاكل ..
قــالت ســارة:
نقعت رجلي في ماء وملح من كتر الوقوف وأخذت قرص مسكن وأنا أعاني من علامات “كساح مبكر” .. ونزعت فيشة التليفون كي لا يتصل أحد آخر ويتحفني بالخبر الميمون: إنه جاي في السكة .. وأغمضت عيني ..
وجدت عمر يضع يده على جبيني ويقول لي: سلامتك يا حبيبتى من التعب .. معلش أنا ح اريحك حالاً .. يالاّ قومي رتبي الشنط ح نسافر حالاً ..
رددت كالملسوعة: إيه .. أقوم؟!! .. وكمان نسافر؟!!! حرام عليك أنا ح اموت خلااااااااااص .. أنا مش ح اتحرك أبداً من هنا ..
عمـر: يا حبيبتى مفيش حل تاني .. أنا خلاص ح اتجنن من كتر الدوشة .. لازم نهرب من هنا ونستمتع بشهر العسل .. إنتي ناسية إننا ح نرجع شغلنا بعد أسبوع؟
أنا: طيب والفلوس يا عمر؟
عمـر: ولا يهمك يا حبيبتي، جوزك اتصرّف .. جيب السبع ما يخلاش ..
أنا: طيب والناس اللي عمّالة تيجي دي، حيتجي ما تلاقيناش؟
عمـر: أحسن .. يبقوا يقعدوا مع البواب .. والله ده أنا مسافر مخصوص علشان أهرب منهم ونكون أنا وانتي بس في الدنيا ..
أنا: طيب مش أستأذن ماما وبابا الأول؟
!!!!!!!!!!!!!!!!!
فنظر إليّ عمر بغضب هائل وقال لي: قومي دلوقتي يا سارة حضري الشنط حالاً حنسافر بعد ساعة قبل ما أفقد أعصابي ..
فانتفضتُ من أمامه لأحضر الشنط فوراً وأنا لا أعرف ما الذي أغضبه إلى هذا الحد .. علشان قلت أستأذن بابا؟ طيب ما أنا لسه مش واخده على دور المدام ده.!!! واضح إني متجوزة أسد وأنا مش واخدة بالي!!.
وفي السيارة أخدت بالي إني أول مرة أركب مع عمر لوحدنا .. كان إحساس رائع، والأجمل إني تركته هو يقود الدفة ويوجهنا إلى حيث يشاء .. إحساس جميل بإلقاء المسؤولية على الرجل وإنتي تنعمي بالراحة والاطمئنان .. سبحان الله، حتى القوامة للرجل التي تغضب منها النساء، ما أجمله من إحساس ..
وأغمضت عيني ونمت .. واستيقظت لأجد نسيم الإسكندرية الرائع وعمر يوقظني كطفلة صغيرة ويقول لي: قومي بقى يا عروسة .. وصلنا شقة خالي اللي حكيت لك عنها ..
وصعدنا الشقة ووجدتها صغيرة لكن مشرقة وجميلة، وأخذ عمر يفرجني على جميع الغرف وخرجنا البلكونة لنستمتع بمنظر البحر الرائع، ولكني وجدت فتاة جميلة وجذابة ذات شعر حريري وقوام ممشوق في مثل سني تقريباً فى البلكونة المجاورة لنا تماماً .. صاحت عندما رأت عمر وقالت بدلال كبير: حمد الله على السلامة يا عمر، مش كنت تقول لي إنك جاي؟!! كده أنا زعلانة منـّك .. ثم انتبهتْ أخيراً إلى “الحشرة” الموجودة بجواره ـ اللي هي أنا ـ وقالت بتساؤل ممزوج بغضب: مين دي يا عمر؟!!!
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الخامسة عشر
قــالت ســارة:
وقفتُ أرتجف من الغضب والدهشة والحيرة من هذه التي جاءت لتهدم أحلامي في السعادة، وتحادث حبيبي بكل هذا الدلال، والذي يحمل في طيّاته الكثير من الذكريات المشتركة بينهما .. من أولها كده ياربي؟
لا أقدر حتى على المواجهة .. أشعر أن كلامي سيكون صراخاً .. وأنا لا أحب أن تسمع الآنسة المبجّلة الملاصقة لنا أنني أتشاجر معه بسببها، فهي هكذا ستشعر بانتصار ..
نظرتُ لعمر نظرة ناريّة تحمل غضب العمر كله، وتركته ودخلت لحجرة النوم ووجهي مشتعل من الغضب، وأخذت أغرز اظافري في الوسادة حتى كادت أن تتمزق من ضغط يدي (يا مصيبتك يا عمر (*~*)) وأنا أغالب الدموع بشدة .. فتبعني عمر ووضع يده برقة على كتفي وقال لي بكل براءة: مالك يا سارة فيه حاجة؟
فنظرتُ إليه نظرة نارية أخرى وأزحت يده من على كتفي وصرخت فيه: وكمان بتسأل مالِك؟ .. أنا اللي عاوزة أعرف مين الهانم دي، وازاي تكلمك بالدلع ده كله؟ .. وإيه اللي كان بينك وبينها، أو يمكن لحد دلوقتي كمان؟
رد باستنكار: لحد دلوقتي؟ حاسبي يا سارة إنتي كده بتغلطي ..
قلت بعصبية: طب يا سيدى ما تزعلش .. إيه اللي كان بينك وبينها؟! يالا احكيلي أنا نفسي أشوف فيلم رومانسي من زمان .. وأوعى تقولي مفيش حاجة .. من فضلك أنا مش طفلة قدامك ..
رد برفق كأنه خائف عليّ أن أموت من فرط ثورتي: طيب ممكن تهدّي نفسك علشان نعرف نتفاهم؟
رددت وأنا أرتجف: مش ح اهدى إلا لما تقول لي كان فيه حاجة ولاّ لأ؟
صمتَ طويلا قبل أن يجيب بصوت لا يُسمع: أيوة كان فيه!!!!!!
انهرتُ عندما سمعت هذه الكلمة الكريهة وتمنيت ساعتها لو كان كذب عليّ أو أنكر أو فبرك لي أي حكاية .. وأنا كي أُرضي غروري الأنثوي سأبتلعها .. لكن أن يعترف أمامي هكذا…!!
ولم أستطع أن أواصل التفكير أكثر، فانهارت دموعي بلا توقف ..
أخذني عمر بين أحضانه وهو يهدهدني كطفل صغير يرفض النوم وقال لي: الحمد لله .. أنا عرفت دلوقتي حاجتين؛ إنـّك مجنونة، وعرفت إنـّك بتحبيني جداً .. وإلا ايه لازمة الجنان اللي انتي عاملاه ده؟
وهممت ان أرد ولكن أغلق فمي بيده وهو يقول: بصّي ياسارة، لغة الصراخ دي مش ح توصّل لحاجة أبداً، أنا ح أقول لك على كل حاجة بس لما تهدي الأول خلاص؟
مسحتُ دموعي كالأطفال وأنا أقول: إتفضل إحكي، بس إياك تكدب ..
مسح دموعى هو أيضاً برفق وقال لي: يا حبيبتي ما كنت كذبت من الأول وخلصت من الفيلم ده وضحكت عليكي وخلاص .. بصي يا ست: إنتي عارفة إن دي شقة خالي من زمان جداً .. ومن واحنا أطفال واحنا بنيجي نصيـّف هنا، وساعات نقضي بالشهرين هنا .. وإنتي شايفة إن الشقق لازقة في بعض، وطبيعي جداً ح يكون لينا علاقة بالجيران .. وشيرين يا ستي بنت الدكتور محمود جارنا، خريجة ألسن وخريجة مدارس لغات، وبنت مثقفة وجميلة زي ما انتي شفتي ..
قلتً بعصبية: من فضلك بلاش الغزل ده قدامي .. إنتوا متفقين عليّ ولا إيه؟
فقال لي: لا ياحبيبتي ده إنتي حبي وعمري كله والله .. المهم أنا يا ستي حسيت في فترة من الفترات إني ميّال لها، وهيّ كمان بادلتني نفس الشعور، بس عمري ما حسيت إنه حب مكتمل .. كل ما كنت آجي آخد خطوة أرجع خطوتين .. حتى إني لم أصارحها أبداً بحبي لأني ما اتأكدتش أبداً من مشاعري تجاهها، ولم تُشعرني هي أبداً بالاستقرار ..
لا أدري لماذا وقتها بعدت الغيرة الحارقة قليلاً .. وشعرتُ أني أُحادث صديقا يقص عليّ مشكلة وليس زوجي .. وسألته: ليه؟ كانت إيه المشكلة بينكم؟
قال: المشكلة كانت جرأتها الشديدة، وأنها دائما مقتحمة وتكلم أي شاب أو رجل بمنتهى البساطة والود، ولو ما كنتش عارف أخلاقها وتربيتها وأسرتها كنت شكّيت في أخلاقها .. ولكن تكويني كرجل شرقي متديّن ماقدرتش إني أقبل وضع زي ده، وكلمتها عدة مرات ولكن بلا فائدة، فثقافتها وطريقة دراستها وتربيتها المميزة تجعلها شديدة الثقة بنفسها حتى لا ترى أنّ حاجز الحياء فى الفتاة له مبرر .. وهكذا أخذت قرار نهائي بالابتعاد، وخاصة أنني لم أكلمها في شيء صريح عن مشاعري، وابتعدت عن هذه الشقة لمدة عامين حتى لا أراها .. ودخلتها فقط فى شهر العسل اللي حبيبتي عاوزة تقلبه غم.!!
هدئتْ دموعى وأنا أشعر بحرارة صدق كلامه، لأنه لم يكن مضطراً أن يخبرني كلّ هذه التفاصيل لو لم يكن صادقاً، وسألته: طيب يعني حبيتها بجد؟
أجاب بسرعة: لا والله .. بجد كان مجرد إنجذاب مش حب .. وإلا كنت اتغاضيت عن عيوبها وخطبتها .. أنا ما حبتش في حياتي إلا مجنونة واحدة، عمّالة تعيّط زي الأطفال ..
سألته: أمال بتكلّمك كده ليه زي ماتكون مراتك وقفشتك مع واحدة تانية؟
رد عليّ قائلاً: يا حبيبتي ماهي أسلوبها كده .. أعملّها إيه يعني؟ .. خلاص بقى يا سارة هو احنا نخلص من الضيوف تطلع لنا الست هانم دي؟ .. سبحان الله ده أنا سمعت عن شهر العسل ده حواديت الف ليلة وليلة .. واضح إنك أخدت مقلب ياواد يا عمر .. يا ريتك كنت اتجوزت شيري ..
اغتظت من الكلمة فقلت: شيري؟! طيب روح لها بقى يا خويا خليها تنفعك ..
وأخذتُ أدفعه خارج الحجرة وأغلقتُ الباب على نفسي من الداخل وأنا أشعر أن جبل قد أزيح من على صدري وأني ضخمت الموضوع بغباء قبل أن أعرف الحقيقة .. كم هي قاسية الغيرة، وكم أعشق هذا الرجل الأسمر بجنون ..
وفي الخارج كان عمر يدق على الباب وينادي: إفتحى يا سارة الله يهديكي .. يا بنتي افتحي أنا تعبت .. طيب علشان خاطري ده الضيوف أهون يا شيخة .. يا مجنونة إفتحي ..
طيب يا سارة خلاص براحتك أنا ح انزل شوية .. بس خلّي بالك الأوضة اللي انتي فيها دي كان دايماً فيها فار!!! .. باي يا حبيبتي بقى ..
وطبعا فتحت الباب كالملسوعة وأنا اصرخ: فاااااااااار؟ .. وأجرى كي ألحق عمر قبل أن يتركني مع الفار وحدي نقضي شهر العسل سوياً!! وخطوت خطوة واحدة .. وجدت نفسى بين ذراعيه وهو يضحك، ولم أستطع الهرب ولا الكلام… وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة السادسة عشرة
قــال عمــر:
الحمد لله إني لم أتزوج واحدة مجنونة تخنقني بغيرتها وخناقها وعصبيتها .. فعلاً الثقافة والقراءة بتفرق جداً في عقلية البنت .. لو كانت سارة واحدة دماغها فاضية من بتوع الموضة والأغاني وخلاص كانت قلبت دماغي على حكاية شيرين وقلبت بوزها 6 سنين، وكل ما ح نشوف واحدة حلوة ح تبصّلي زي المخبرين في قسم البوليس لما بيصطادوا مجرم وهاتك يا تحقيق .. بجد لو كانت عملت كده ما كنتش ح احكيلها حاجة أبداً بعد كده وأريّح دماغي وخلاص .. ربنا يهديكي يا سارة وتفضلي عاقلة كده ..
قــالت ســارة:
منظر البحر ساحر والأحلى إني مع حبيبي ولا أخاف أن يراني أحد، بل بالعكس أتمنى أن يعرف جميع الموجودين على الشاطىء أني عروسة في شهر العسل من فرط سعادتي وإحساسي بالراحة .. مر عليّ أجمل أسبوع في حياتي كله، فسح وخروج وسهر وحب في حب .. مش عاوزة أبعد عن عمر ولا ثانية .. فعلا لازم يسموه شهر عسل، قصدي أسبوع عسل، بس يا خسارة ده آخر يوم ونعود إلى القاهرة غداً ..
نظرت إلى عمر فوجدته شارد يفكر .. ياترى بتفكر في مين يا عمر؟ .. في شيرين؟
مش معقول .. كفاية تفاهة بقى يا سارة وإياكي تفتحي الموضوع ده أبداً .. أنا ما صدقت إني كسبت نقطة وخليته يثق فيّ كصديقة عاقلة قبل ما أكون زوجة غيورة، بس بجد كنت ح اموت من الغيرة .. بس يعني لو صرخت وبوّزت وخاصمته ح اخليه ينسى أي واحدة ومايبصش لواحدة غيري؟ مش ممكن طبعا ده ح يبعد عني أكتر ..
لا ياسي عمر ده أنا ح اكون قدامك ووراك وجنبك وفي كل مكان حتى تحت جلدك ..
ده أنا عاملة لك حتة خطة الليلة دي، مش ح تخليك تفتكر لا بشيرين ولا سعدية، وتحلف إن مفيش فى الدنيا بنت غيري .. بس استنى عليّا ..
قــال عمــر:
المصاريف خرمت خالص يا واد يا عمر!! .. وباين علينا ح نقعد قدام المرسى أبو العباس نكمل الأسبوع .. فطار وغدا وعشا برة البيت ده غير الفسح!! ماشاء الله على الشحاتة المتوقعة .. الحمد لله إن العربية فيها بنزين ترجّعنا مصر بكرة إن شاء الله، وراجع جري على بيت السيد الوالد طبعا علشان منحة أبوية تانية .. حاجة تكسف بجد .. بس الحقيقة كان أسبوع يجنن كان نفسي يبقى شهر .. دول العزاب دول غلابة يا عم .. قال ويقول لك محلاها عيشة الحرية ..
قــالت ســارة:
أنا: إيه يا سي عمر أنا ح اموت من الجوع وانت آخر طناش .. إيه خير؟. . إنت ح تصوم الستة البيض من النهاردة؟
عمــر: يا ساتر يارب، مش أنا لسه يا بنتي مفطّرك من 8 ساعات!؟ .. ده انتي ح تاكلينا لما نروّح ..
أنا: ياباي على الغلاسة .. يابني ح اموت من الجوع، والناس اللي جنبنا دول ما بطّلوش أكل من ساعة ما وصلوا .. وحتى الست صعِبت عليها لما لقيتنا مدينها ترمس ولب من ساعة ماجينا، قامت عزمت عليّ بطبق محشي وانت بتصلى العصر .. بس أنا عملت فيها العروسة الشيك وقلت لها ميرسي ياطنط .. يا خسارة المحشي ..
عمــر: محشي؟!! .. ياريتك جبتيلنا طبقين .. دي الفلوس اللي معانا يادوب تأكّلنا كشري، واحتمال مفيش عشا كمان .. لازم يخلوا العرايس يطبخوا في شهر العسل علشان العرسان ما تشحتش ياحبيبتي ..
أنا: طيب ح نموت من الجوع ولا إيه النظام؟ .. فهّمني علشان أروح الحق طنط بتاعة المحشي بسرعة .. دول دخلوا في المسقعة ..
عمــر: لا يا ستي آخر وجبة ح ناكلها هنا وأمري إلى الله .. ح نروح ناكل في مطعم قريب من البيت، وبعدين بالليل فيه ناس قرايبنا هنا إبنهم عمل حادثة وح اضطر أروح أشوفه شوية .. تحبي تيجي معايا ولا بتخافي من المستشفيات؟
أنا: لا باخاف .. روح إنت .. وبعدين عاوزة أحضر الشنط وأنام بدري النهاردة .. معلش يا عمر لو جيت ولقيتني نايمة ما تصحّنيش علشان خاطري ..
عمـر: ياسلام؟ .. لا والله؟ كده يا سارة .. وتسيبيني أسهر لوحدي؟
أنا: معلش يا عمر بجد تعبانة وعاوزة أنام بدري .. الظاهر ح اخد دور برد .. ما تزعلش علشان خاطري ..
عمـر: لا يا حبيبتي خلاص .. أنا عاوزك ترتاحي .. بس افتكريها ..
قــالت ســارة:
اخيراً عمر مشي وراح المشوار بتاعه .. قدامي حوالي 3 ساعات علشان أرتّب أجمل ليلة ح يعيشها في عمره ..
رتبت الشنط بسرعة جداً وكلمت حلواني مشهور في اسكندرية لأؤكد حجز تورتة حجزتها من امبارح على شكل قلب احمر ومكتوب عليها اسمينا انا وعمر وعليها كلمة: إلى حبيبي .. أحبك ..
ثم أخرجت صندوق المفاجآت اللي كنت محضراه من القاهرة واللي رفضت أن يطلع عليه أحد حتى أمي .. وأخرجت منه مجموعة من الشموع الحمراء والوردية ووزعتها فى جميع أنحاء المنزل .. لن أوقدها إلا عندما يأتي حبيبي .. ومجموعة من الورود المجفّفة جميلة الشكل نثرتها على الأرضية بشكل أسهم تشير الى غرفة نومنا .. ثم مجموعة من البطاقات الوردية والملونة التي كتبت عليها عبارات غرامية إليه ووزعتها فى كل المنزل بشكل مرتب ومتسلسل .. ثم دخلت الحمام وأخذت شاور سريع .. ثم ملأت البانيو بماء ساخن ورغاوي صابون منعشة لعمر عندما يأتي، ونثرت فوق المياة مجموعة من القلوب الحمراء الطافية .. وكتبت على مراية الحمام بالروج بخط صغير: كان أجمل أسبوع عسل فى العالم ياحبيبي ..
ثم دخلت الى حجرة النوم ورتبتها ورشيت معطر جو لم أستخدمه من قبل ولم أنسى الشموع طبعاً .. ثم ارتديت طقم جديد ساحر كنت أخفيه .. ورشيت عطر رائع، وجلست أضع الماكياج بدقة شديدة وكأني سأتزوج مرة أخرى هذه الليلة .. هكذا سينسى أي إمراة اخرى سواي وليس بالنكد .. يارب ارضى عنا ..
عمر بيركن سيارته تحت المنزل، الحمد لله إننا فى الدور الخامس، أمامي وقت لبقية الخطة .. وضعت التورتة في الصالة وحولها الشموع ليراها أول ما يدخل .. ورتبت البطاقات وأغلقت أنوار الشقة كلها وتركت باب الشقة مفتوح قليلاً ودخلت أختبىء في غرفتي ..
قــال عمــر:
إيه يا سارة ده انتي نمتي وسبتي الباب مفتوح؟ .. ايه ده النور مقطوع ولا إيه؟ .. سارة .. إنتي فين؟
إيه ده إيه ده، أنا مش مصدق عيني .. الله الله لا يمكن أنا اكيد فى حلم .. سارة إنتي فين؟
إيه التورتة الرهيبة دي؟ .. يااااااااااااااه ده انا حاسس إني ملك .. ساااااااااارة ..
وإيه الكروت اللي على الأرض دي؟
أول واحد مكتوب فيه: لو كنت بتدوّر عليّا اتبع الأسهم ..
آآه ده فيه أسهم بالورود على الأرض كمان .. إيه الرقة دي؟
والكارت اللي بعده مكتوب عليه: حد يمشي ورا الأسهم برضه؟ .. إمشى ورا قلبك يا حبيبي وانت تلاقيني ..
ودخلتُ الحمام وجدته مجهز لملك أو أمير .. بجد بجد بحبك يا سارة .. إنتي فين يا حبيبتي..؟ أكيد هنا في أوضتنا ..
كمان كارت على باب الحجرة مكتوب عليه: أنا بعشق أحلى رجل في الدنيا .. هو إنت ..
وفتحتُ الحجرة لأجد سارة تنتظرنى في أجمل صورة ممكن أن أتخيلها .. أميرة نائمة وسط الشموع والورود ..
هل ممكن أن تُرضي زوجة رجلها وتسعده بهذا الشكل إلا زوجتي الرائعة و… سكت شهريار هذه المرة عن الكلام المباح ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة السابعة عشرة
قــالت ســارة:
“أنا بس عاوز أعرف إشتريتي كل الحاجات دي إمتى، ولحقتي ترتّبي كل ده إزاي؟” قالها لي عمر ونحن في السيارة عائدين إلى القاهرة .. قالها وهو يشعر بالفخر الرجولي أن زوجته أعدّت له ليلة من ألف ليلة من أجله هو فقط ..
رديت عليه بدلال وأنا أغالب النوم بشدة: ده سر المهنة يا سيدي .. المهم تكون سعيد وراضي عني ..
“ربنا يخليكي ليّ يا حبيبتي .. ويارب تفضلي كده على طول .. وأنا كمان محضرلك مفاجأة، ماما اتصلت وقالت إنها عازمانا على الغداء دلوقتي حالا أول ما نوصل” ..
ياااااااااااسلااام على المفاجأت الحلوة!! .. إيه الهنا ده؟ .. بداية تفرح بصحيح!! .. ده وقته يا ربي؟!! الواحد يستعد لوصلة حرق دم محترمة ..
ردّدت هذا في سري بالطبع ويبدو أن علامات خيبة الأمل كانت ظاهرة على وجهي، فسألني عمر: مالك يا سارة؟ إنتي مش مبسوطة ولاّ إيه من المفاجأة؟
رددت بسرعة: لأ ازاي، ده أنا ح اطير من الفرحة دي، طنط وحشتني جداً .. بس كنت قولـّي علشان ألبس طقم حلو أروح بيه ..
رد عليّ عمر: إنتي كده قمر، وبعدين ماما مش بتهتم بالحاجات دي خالص ..
وأخيراً وصلنا لبيت حماتي العامر، وبعد الترحيب الرهيب بعمر كأنه راجع من الحجاز حالاً على جمل، ثم بعد ساعة سلمت عليّ بفتور: أهلا يا سارة، أخبارك إيه؟ ..
وشـّك نوّر على الجهاز أوي ..
ثم رمقتني بنظرة متفحـّصة من فوق لتحت وقالت بامتعاض: إنتي مش جايبة هدوم حلوة في الجهاز ولا إيه يا سارة؟
ذبت من الخجل من قذيفتها القوية وقلت في سري: مش بتاخد بالها خالص خالص!! الله يسامحك يا عمر ..
وهممت أن أرد ولكن أنقذني عمر بسرعة ورد عليها: دي سارة عندها هدوم تجنن يا ماما .. بس احنا جايين من السفر عليكي على طول، وكنت عاملها مفاجأة ليها ..
لم يعجبها بالطبع دفاع عمر عنـّي فردت بفتور: طيب يا سيدي السفرة جاهزة .. أوعى تكون نسيت أكل أمك خلاص ..
وجلسنا نأكل وهي منهمكة في الحديث مع عمر بشوق شديد، وتحكي له كلّ ما حدث في الأسبوع اليتيم الذي قضيناه بعيداً عنها وكأنه كان عاماً كاملاً .. وكل فترة طويلة تتذكر إن فيه شيء معاهم على السفرة فتلقي لي كلمة أو كلمتين ثم تواصل حديثها الدافيء مع حبيبها الأوحد إبنها الوحيد الحبيب ..
دعوت الله في سرّي أن تنتهي هذه العزومة سريعاً كي أصل شقتي وأفرغ حقائبي وأناااااااااااااااااام .. لأني تقريباً لم أنم أمس مع السفر وإرهاقه .. وبينما أنا في أفكاري رن موبايلي ووجدتها أمي وطرت إلى البلكونة لأرد عليها ..
ماما: ألو يا ست العرايس، نموسيتك كحلي .. أنا مش عاوزة أكلمك من الصبح علشان ما أقلقكوش يا حبيبتي .. يا ترى ح ترجعوا إمتى؟
رددت ببراءة : لا ما احنا وصلنا من ساعتين يا ماما، ما تقلقيش ..
ماما: طيب يا حبيبتي أسيبك ترتبي شنطك وترتاحي شوية وأكلمك بعدين ..
أنا: لا يا ماما أنا مش في شقتي .. أنا عند حماتي ..
ماما: حماتك؟!! يا سلام.!! جاية جري من اسكندرية عليها!! ..ولا حتى هان عليكي تعدّي على أمك ولو خمس دقايق؟! متشكرة يا سارة .. ربنا يخليهالك، ماهو خلاص الجواز بينسّي الأهل .. ألف شكر يا بنتي .. مع السلامة ..
أنا: إستني بس يا ماما .. يا ماما .. يا ماما .. ياربي، أعمل إيه في الحدوتة دي؟!! .. هو عمر السبب فى المشكلة دي، كان لازم يقول لي من امبارح أقوم امهّد لماما علشان ما تزعلش مني كده ..
فاجأني عمر من خلفي وهو يهمس لي: إيه شهرزاد قاعدة لوحدها ليه؟ .. وحشتيني ..
رددت بعنف: بلا شهرزاد بلا نيلة! .. إنت عملتلي مشكلة كبيرة مع ماما يا سيدي ..
عمر: مشكلة؟ .. ليه يا بنتي هو أنا شفتها أصلاً؟
أنا: زعلتْ يا سيدي لما قلت لها إننا هنا، وافتكرتني نسيتها وبافضّل آجي بيتكم هنا قبل ما أروح أسلـّم عليها .. كان مفروض تقولّي من امبارح يا عمر أقوم أعرف أتصرف ..
عمر: يا سارة ما أنا قلت لك إني أنا نفسي إتفاجأت، وماما كلمتني الصبح قبل ما نسافر مباشرة .. وبعدين يا ستي ولا تزعلي نروح لها دلوقتي ونصالحها حالاً .. هو أنا عندى كام أم سارة؟!
رميت نفسي في حضنه وأنا أهتف: ربنا يخليك ليّ يا حبيبي ..
وطبعا دخلت حماتي علينا وهتفت باستنكار: خلاص مش قادرين على فراق بعض؟! .. طيب الظاهر إن أنا اللي عزول وأطلع منها ..
فضممت أمه إلى صدري هي الأخرى وأنا أقول لها: ده إنتي الخير والبركة يا حبيبتي .. وأنا أهمس في سري: يا ربي على صغر عقل الستات والغيرة اللي تنقط .. لأ والهنا إن أمي كمان بتغير ..
طيب يا طنط معلش، إحنا مضطرين نمشي علشان لسه ح نعدي على ماما نسلم عليها .. قلتها ببساطة وندمت عليها من رد فعل حماتي الغاضب: تمشوا؟!!. هو أنا لحقت أقعد معاكم؟ .. هو انتو جايين تقضية واجب وخلاص؟!!. الظاهر إن أنا فارضة نفسي عليكم .. طيب يالا ماتعطلوش نفسكم ..
نظر إليّ عمر بغضب وكأنه يقول لي فتحتي بقك إنتي ليه؟ .. وأخذ يهدأ من أمـّه ويبرر لها إنه لابد أن ينام بدري، لأن بكرة وراه أشياء كثيرة إلخ إلخ إلخ….
وأخيييييييييراً جداً انتهت الزيارة، واستعدينا للمعركة الثانية في بيت ماما ..
في السيارة قال لي عمر بهدوء: بصي يا سارة ماتزعليش من ماما، وأنا كمان مش ح أزعل من والدتك لو عملت حاجة .. كل واحدة فيهم فجأة فلذة كبدها إتخطف منها من إنسان غريب، فلازم فترة يعاملوا فيها الغريب ده بحذر، ويمكن غلاسة، لحد ما يبدأوا يحبوه فعلاً ويتأقلموا على الوضع الجديد .. ولازم نكون إحنا الشباب أعقل وصدرنا أوسع .. بس أوعي تعرضي نفسك لماما، يعني أي حاجة خليني أنا أقولها وكأنها فكرتي أنا علشان تتقبلها .. ونفس الشيء مع والدتك، علشان نقلل الخساير بقدر المستطاع .. ماشي ياقمر؟
رديت عليه وقلت: خلاص يا حبيبي اتفقنا .. وفي سري قلت: ده الجواز ده عاوز نفس طويييييييييييييييييل ودماغ كبيرة جداً .. ربنا يستر ..
قــال عمــر:
أنا ذنبي إيه في الحرب دي يا ربي؟ كان مالي أنا ومال الجواز وشغل الحموات ده .. يا ربي ساعتين من لوي البوز من حماتي المصونة، وتبريرات طويلة عريضة من سارة ومنّي حتى ملّيت في الآخر .. أمّال لو كنا قتلنا قتيل كانت ماما وحماتي عملوا فينا إيه؟
بجد كنت مفروس من حماتي، وسارة عمالة تراضيها وتصالحها، وكنت ح اعمل مشكلة بس قلت يا واد مش من أولها كده إعقل ربنا يهديك .. يارب الواحد يفضل محتفظ بأعصابه على طول وما يعملش مصايب ..
فكرت في كل هذا وأنا أقود السيارة إلى منزلنا أنا وسارة، وأنا أقاوم النوم باستماتة بعد الحرب العالمية التاسعة اللي كنا فيها .. والتفتّ إلى سارة ووجدتها قد نامت بالفعل من شدة الإرهاق الجسدي والعصبي ..
وصلنا البيت ولم أشأ أن أوقظ سارة إلا لما أفرّغ الحقائب من السيارة أولاً .. وأوصلتها إلى الأسانسير ثم أيقظت سارة بهدوء وكعادتها إتنفضت وصرخت: إنت مين؟ وإنت خاطفنى ولا إيه؟ يااااعوماااااااااار ..
وقبل أن تكمل إستغاثتها الدولية برجال المطافي وتفرج علينا الشارع ويفتكروني خاطفها حطيت إيدي على فمها وانتظرت أن تتعرف عليّ، والحمد لله أخيراً فاقت وعرفتني وسألتني سؤال أغرب من الخيال: إيه ده عمر؟ إيه اللي جابنا في الحتة المقطوعة دي؟!!! أنا ح اموت من التعب .. لو رسمولي مخدة على الحيطة ح انام فوراً!! عاوزة أنام حالاً علشان بكرة الجمعة وبعده السبت حنرجع على شغلنا أنا وإنت، يعني بكرة يوم كله شغل وتجهيز أكل للأسبوع كله وتوضيب الشقة، وأكيد ح نتعب بكرة أوي ..
قلت: ح نتعب؟ إيه الكلمة الغريبة دي؟ وأنا مالي أنا؟
ردت سـارة: مالك ازاي؟ مش إحنا اتفقنا نتشارك في كل حاجة؟
أنا: ياسلام؟ اتفقنا أخرّط لك البصل وأمسح الأرض؟ إيه يا بنتي الأوهام دي؟
سارة: أوهام!!! يا سلام .. هو لما تساعدني تبقى عايش في الوهم؟ أمّال أنا حبيبتك إزاي؟
أنا: يا ستي حبيبتي وروحي كمان، لكن اللي إنتي بتقوليه ده أنا ما أقدرش عليه أبداً، ولا يمكن ح يحصل، وده آخر كلام عندي فى الموضوع ده ..
سـارة: كده يا عمر؟
أنا: أيوة كده، وياريت ننام بقى قبل ما نتخانق ..
سـارة: هو احنا لسه ما اتخانقناش؟!!. طيب تصبح على خير ..
أنا: ……!!؟
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة الثامنة عشرة
قــالت ســارة:
يااااا سلام على رواقة الرجالة، بعد الغداء أخبرني عمر إنه نازل يقابل أصحابه، وبعدين ح يعدي على والدته وحيتأخر، ولما أخبرته إني ح اعمل أكل الأسبوع نظر لي باستغراب وقال لي: طيب، مع السلاااااااامة ..
بجد أنا زعلانة منه .. طيب يا عمر لما ترجع ..
قــال عمــر:
لازم سارة تتعوّد إن كلامي يتنفّذ ولما أقول مش ح اساعد يبقي خلاص .. لازم تتعود على كده ويبقي هو ده نظام الحياة بيننا .. ح تزعل شوية في الأول وبعدين خلاص ح تتعود .. مع إن مش هاين عليّ زعلها ..
طيب أكلمها على الموبايل بعد شوية؟!. لا .. إجمد بقي يا عمر، لو اتعودت إنك تساعدها في كل حاجة حيبقي حق مكتسب، ولو ما عملتوش حنروح النيابة !!.. لا وعلى إيه، تزعل شوية وخلاص ..
قــالت ســارة:
طيب أنا مفروض أعمل إيه دلوقتي بالضبط؟ أنا الأول أرتّب الشقة لأن التراب من قفلتها أسبوع يترسم عليه خرايط .. ولسه ح افضّي الشنط، وأغسل الهدوم اللي كانت معانا في اسكندرية، وبعدين أطبخ كذا صنف أشيلهم في الفريزر علشان يكفّوا الأسبوع كله .. يارب يخليكي لينا يا ماما كنتي شايلة الهم ده كله عني، وأنا كنت أتنّح قدام التليفزيون ولاّ أرغي في التليفون وخلاص .. والأهم إن معلوماتي عن الطبيخ محتاجة مترجم يفك رموزها الهيروغليفية .. ربنا يستر ..
طيب أنا أحط اللحمة تتسلق الأول علشان بتاخد وقت، وبعدين أشغّل الغسالة .. بس لازم ألبس جوانتي علشان ريحة البصل، علشان عمر لما ييجي .. ولا ليه .. خلّيه يشم البصل .. مش هو اللي سابني في الحرب دي .. يستحمل بقى ..
هي اللحمة شكلها غريب كده ليه؟ .. طيب مش مهم .. أعمل إيه تاني؟ مسقعة؟ ياسلام، ده أنا باموت فيها، بس عمري ما شفت ماما بتعملها إزاي؟ هي فيها باذنجان وحاجات تانية غريبة …… يامااااااااما الحقيني ..
وجريت كلمتها على التليفون وقعدت تهزّأ فيّا الأول إنها ياما قالتلي أتعلم ومفيش فايدة إلخ إلخ إلخ ..
المهم إنها قالت لي الطريقة مع استخدام ألفاظ غريبة؛ تعملي اللحمة ع الصاج الأول!!!.. أجيب منين صاج دلوقتي ياماما؟ وطبعا يصحب هذا وابل من التريقة والدعاء لعمر بالصبر على ما ابتلاه .. وطالت المكالمة ساعتين وماما تشرح لي كأن كلامها كله طبيعي ومفهوم، وأنا من كتر التريقة اللي خدتها لم أسأل عن أشياء كثيرة، وقلت أعتمد على خيالي الخاص .. وتوكلت على الله وبدأت المعركة الحقيقية؛ أضرب الطماطم؟ لا أسلق المكرونة الاول!! طيب أقطع البطاطس شرايح ولا قطع؟!!. أنا باقول مثلثات وخلاص ..
إيه حدوتة الملوخية دي لازم أقعد أخرطها ساعتين؟ .. لا حأهريها في الكبة وخلاص، بس مش عارفة اتكورت كورة صلبة في قاع الحلة كده ليه؟
صينية البطاطس وضعتها في الفرن مباشرة، بس حاسة إني نسيت حاجة فيها .. هيّ ليه لسه صلبة رغم إن بقالها ساعة ونصف في الفرن والقاع إتحرق ومع ذلك لسه ناشفة؟!!!
ياربي إيه الوقعة دي، كان مالي أنا؟!!.. مانا كنت أميرة زماني وآخر رواقة .. خلاص اللي اتعمل اتعمل .. طيب لو عمر اتكلم؟؟!!!!
ييييييييييييييييه .. أنا نسيت الغسيل .. طلعت البلكونة أنشره وقعدت أفتكر إيه بيتنشر الأول وإيه اللي ورا؟ طيب إيه من رجله وإيه من قفاه؟ إيه الفيلم ده.!؟؟
دول الستات دول ناس رايقة، ما كله ح ينشف وخلاص .. ولاحظت وجود سيدة أروبة في البلكونة تراقبني كي ترى العروس الميمونة اللي هي أنا ح تنشر إزاي؟.. ولا همّني من نظراتها وعملت كرنفال من الهدوم؛ أبيض على أحمر على أخضر واديله .. المهم ينشفوا وخلاص ..
ورجعت للكارثة الموجودة في المطبخ وتذوقت ما طبخته وصرخت: ياللهول .. على رأي يوسف وهبي .. طيب والحل؟
فتحت الفريزر لأجد ماما حبيبتي وكأنها عارفة المصيبة اللي ح أعملها حاطّة كمية كبيرة من أكياس الهامبورجر والدجاج النصف مقلي والطبخات السريعة .. الحمد لله كنت ح أطلّق وأنا لسه في شهر العسل ..
يااااخبر، ده عمر بيرن على الموبيل، إذن هو في الطريق، وطبعاً ملابسي لا توصف من القنابل اللي كنت باعملها في المطبخ .. كرنفال من البصل والثوم والزيت .. لمّيت الكوارث اللي عملتها ووضعتها في الثلاجة وجريت على الحمام وأزلت اثار العدوان وغيرت ملابسي .. أمال هم بييجوا في التليفزيون بيطبخوا وكأنهم رايحين سهرة ليه؟
ودخل عمر وبسرعة أظهرتُ البوز المتين على غلاسته معايا قبل ما ينزل وانتظرت أن يأتي يصالحني كالمعتاد ولا فائدة .. ثم لاحظت أنه متعب ويتنفس بصعوبة، فجريت عليه أنا وقلت له: مالك يا حبيبي .. إنت تعبان؟.. وأخذت أمسح له عرقه وأسقيه الماء وأنا أكاد أبكي وأقول له: ان شا الله أنا وإنت لأ يا حبيبي .. وأنا ممسكة يده الضعيفة ..
وفجأة .. اشتدت قبضته عليّ، وجذبني إليه، وضحك بقوة وقال: لما انتي بتموتي فيّا كده ما تكشّريش أبداً في وشـّي .. اتفقنا؟
قــالت ســارة:
استيقظت منتفضة على رنين المنبه المزعج وإعلانه الساعة السادسة والنصف صباحاً، وشعرت بألم في كل جسدي فأنا لم أنم سوى ساعتين بعد صلاة الفجر التي صليناها أنا وعمر .. واليوم هو أول يوم نعود فيه إلى لعمل .. وطبعا عمر ولا على باله، فعمله قريب من منزلنا الجديد، تقريبا ربع ساعة بالسيارة، أما انا فيبعد حوالي ساعة وربع في أفضل الظروف، ولم أكن أشعر بهذا قبلاً بل كان قريباً من منزل أبي وأمي، أما الآن فلازم ألف الكرة الأرضية علشان أوصل عملي ..
والأسوأ أن عمر لن يستطيع توصيلي لأن جهة عملي وجهة عمله مختلفتان تماماً، فلو أوصلني أولاً فسيصل هو إلى عمله بعد أذان الظهر، وسيرفدوه بإذن الله ونشحت على باب السيدة بعد أسبوع على الأكثر .. إذن لا مفر من حرب المواصلات الرهيبة أن أخوضها وحدي ولا أستطيع حتى الشكوى، لأن عمر من البداية غير موافق على عملي، ولكني أصريت، فلا أستطيع حتى التنفس بكلمة واحدة ..
الحمد لله أنا لا أفطر، يعني ح ألبس بسررررعة جداً وأجري لألحق بالميكروباص الشيك جداً، لعلي أصل في موعدي في أول يوم، مش ضروري كرامتي تتبعتر من المدير وأنا عروسة كده ..
إرتديت ملابسي على عجل وأخّرت إيقاظ عمر إلى آخر لحظة كي ينام قليلاً .. وبعد إتمام ملابسي وارتدائي الطرحة والشنطة كمان إقتربت منه وقبلته في جبينه وهمست له: صباح الخير يا حبيبي .. إصحى بقي كفاية كسل .. رد عمر متثائباً وقال: صباح الفل يا حبيبتي .. إيه ده إنتي لبستي بسرعة كده؟ كان نفسي أوصلك، بس بعون الله لما نلف القاهرة كل يوم حنترفد أنا وإنتي جماعة ..
أنا: ولا يهمك يا حبيبي أنا قدها وقدود .. على فكرة حتوحشني لحد ما أرجع .. يالا مع السلامة أحسن كده اتأخرت ..
عمـر: وانتي أكتر يا حبيبتي بس امتي لحقتي تحضري الفطار؟ انتي صحيتي امتي على كده؟
أنا: فطار؟!!! إيه الكلمة الغريبة دي؟ ما انت عارف إني مش بافطر يا حبيبي؟!! وبعدين مفيش وقت خالص ..
فرد بعناد: بس أنا بقي بفطر وخصوصا قبل ما أروح الشغل، لازم أفطر فطار متين علشان مش باكل برة وبأفضل عليه لحد ما أرجع .. والدتي كانت معوّداني على كده ..
رديت في سري وأنا أنظر للساعة: الله يسامحك يا حماتي، أي حاجة حلوة تبقي من ناحيتك على طول! طيب والفطار المتين ده يبقي إيه يا سيدي؟
عمر: عادي زي كل الناس؛ بيض مسلوق أو عجة، وطبق فول بالزبدة، ولانشون، وجبنة، وزيتون، وزبادي، وطبق خضار كبير؛ خيار وطماطم وخس متقطعين شرايح رفيعة خالص .. وطبعاً كوباية حليب، وبعدها شاي وخلاص ..
أنا: يا خبر أبيض، ده لو كل الناس بتفطر كده ممكن تحصل مجاعة في البلد .. وبعدين اللي إنت بتقوله ده عاوزله ساعة على الأقل، وأنا متأخرة يا عمر ..
رد بعناد أكبر: ما أنا قلت الشغل مش ح ييجي منه غير وجع القلب .. يعني إنتي عاوزاني أنزل من غير فطار يا سارة؟!!
أنا: لأ إزاي؟ .. أترفد أنا في داهية علشان تفطر الفطار المتين يا سيدي .. قلتها في سري طبعاً، وأنا أكاد أبكي وأنا متجهة إلى المطبخ لإعداد وليمة الفطار لسي السيد ..
توجهت إلى المطبخ وأنا أجري مثل البهلوان، أضع البيض على النار، وأقطع الخيار، وأخرج الجبنة من الثلاجة، وأسخن الفول ووووو… مش ممكن كل ده حياكله .. أبداً .. ده أنا طول عمري باتريق على المسلسلات التي تجعل جميع الأسرة صباحاً يجتمعون على مائدة الإفطار وعليها عشرة أصناف على الأقل، وكان بيستفزني جداً طبق البيض المسلوق الموضوع به 40 بيضة، والشاي لابد أن يكون مقدم في طقم كامل؛ البراد والسكرية وخلافه .. يعني لازم الزوجة علشان تعمل الهيصة دي كلها تبتدي تحضر الفطار من أذان الفجر تقريباً، أو ما تنامش أسهل وخلاص، علشان الباشا يفطر الفطار المتين ..
أخيييييراً .. إنتهيت ووضعت الأطباق على السفرة وكان الباشا بيقرأ الجريدة بمنتهي الرواقة، وصببت الشاي فصرخ وأنا أصبه: لا يا سارة، أنا قلت لك الحليب الأول وبعدين الشاي ..
فنظرت إلى ساعة يدي وجدتها الثامنة إلا ثلث، فكدت أبكي، ولم أرد أن أبدأ اليوم بخناقة، فرديت عليه من تحت أسناني: معلش يا عمر، فيه شاي تاني كتير .. أنا نازلة بقى أصلي اتأخرت جداً جداً ..
رد وقال: طيب يا حبيبتي إفطري الأول ..
قلت: حبيبتك؟!!! طيب باااااااااااي ..
ونزلت من العمارة وانا أجري تقريباً، وأكيد البواب قال يا عيني دي العروسة الجديدة الظاهر واخدة علقة على الصبح وهربت من العريس ..
مشيت مسافة طويلة حتى موقف الميكروباص لأن الميزانية لا تسمح بتاكسي بالطبع!! وانتظرت طويلاً حتى وجدت مكان فاضي، وركبت وسرحت في الطريق وأنا أفكر أن هذه هي البداية الجادة للزواج، لابد فيها من تعب وإرهاق ومسئولية كبيرة ..
الله يكون في عونك يا ماما طول عمرها بتشتغل وعمرها ما أشعرتنا بأي تقصير ..
أنا كان مالي ومال الحدوتة دي؟ ما كنت مريّحة دماغي، ولا فطار متين لا مواصلات ولا بهدلة .. بس إيه البديل؟ الوحدة؟! الصمت؟! الفراغ والاكتئاب؟! .. العنوسة بكلمة أشمل؟ .. لا طبعاً، مهما بذلنا من جهد في دائرة الزواج أفضل بكثير جداً من الراحة خارجه .. ربنا يخليك لي يا عمر وتفطر كل يوم .. بس ربنا يستر من المدير وغلاسته ..
قــال عمــر:
“أهلاااااا يا سي عمر .. إيه يا عم جاي في ميعادك تمام .. ألف مبروك يا عريس، أيوة كده وشك نوّر على الجواز!!! يالا يا سي عمر إحكي لنا كل حاجة بالتفصيل!! ولا أقول لك بلاش، إنت إيه رأيك الجواز حلو ولا زي ما بنسمع من الرجالة؟”
كان هذا إستقبال زميلي في العمل لي .. فرددت عليه قائلاً: يا سيدي الله يبارك فيك، والله الجواز ده أكبر نعمة للرجل، واللي يقول غير كده يبقي جاحد للنعمة بصراحة ..
قال زميلي: ياعم ياعم، طيب يا سيدي ربنا يسعدك، لما نشوف رأيك إيه بعد سنتين ..
قــالت ســارة:
“ألف مبروك يا عروسة، ناموسيتك كحلي .. متأخرة ساعة بحالها .. طبعاً يا ستي مين قدك، ده انتي حتى شكلك ما نمتيش كويس .. طبعا يا ست العرايس ربنا يسعدك .. يالاّ بقي إحكي لنا كل حاجة بالتفصيل الممل .. إلاّ صحيح يا سارة العريس لازم يحضّر الفطار لعروسته بنفسه؟”
كان هذا استقبال زميلتي لي .. فرددت عليها قائلةً: أيوة طبعاً، لازم يحضر لها فطار متين كل يوم!!!!
وطبعاً إستدعاني المدير، وأخذت كم لا بأس به من الكلام البارد على تأخيري، وتلميح على إن لو كان الجواز حيغيّرني يبقي أقعد في بيتنا أسهل أقشّر بصل ..
قــال عمــر:
يا حبيبتي يا سارة وحشتيني الكام ساعة دول .. لمّا أبعت لها رسالة علشان تعرف إني بافكر فيها ..
“يا تري يا قمر بتفكر فيـّا زي ما بافكر فيكي؟؟”
فردتْ على الفور: “أنا كمان بافكر فيك يا حبيبي، وقلقانة عليك من طن الأكل المتين اللي أكلته الصبح .. ربنا يستر وماتاكلنيش وأنا نايمة” ..
قــالت ســارة:
أخيراً إنتهى اليوم، الساعة الثالثة وعمر ينتهي من عمله في الخامسة .. ياااااااارب ألحق أوصل بسرعة وأحضـّر الغداء ..
ورجعت في نفس رحلة العذاب الصباحية في المواصلات، ولكن مع الحر والرطوبة، ما شاء الله ما أقدرش أوصف شعوري ..
وصلت بيتي الساعة 4 وتلت تقريباً، يعني ساعة وعمر جاي، وأنا أكاد أقع من التعب وقلـّة النوم .. طيب ياربي ح ألحق آخد حمام من الحر الفظيع ده؟ ولاّ أجهز الغداء؟ ولا أرتب البيت؟.. فسيادته لم يرفع حتى أطباق معركة الفطار الصباحية ..
لم أعرف ماذا أفعل، فوقفت في منتصف الصالة وصرخت: تعاااااالي لي يااااااااااامامااااااااااااا ……..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة التاسعة عشرة
قــالت ســارة:
أخذت أجري في الشقة كالهاربة من حكم قضائي وأنا أحاول جاهدة أن أنهي تنظيف الشقة وتجهيز الغداء وتغيير ملابسي، ومفروض كمان أتزين وأقابله بابتسامة كبيرة .. طيب بجد إزاي وإمتى؟ .. إزاي تجتمع رواقة شهرزاد مع واحدة بتشتغل 8 ساعات، ويتحرق دمها بمعدل كل ربع ساعة، وبترجع بيتها محشورة في المواصلات زي قفص الطماطم؟!! طيب هو كمان ذنبه إيه يرجع يلاقيني مكشرة وتعبانة ومتوترة؟! ماهي أكيد ح تقلب بخناقة .. طيب أعمل إيه ياربي؟
خلاص يبقي الأهم فالمهم .. أنا أهم حاجة أعملها دلوقتي إني أغيّر هدومي العجيبة دي، وألبس طقم جميل بسرعة، وأضع ماكياج خفيف .. وأي حاجة تانية تتأجّل ..
كانت دايما والدتي تقولي أن الرجل لا يحب أن يضيع الأوقات الجميلة!!! يعني لو دخل البيت ولاقاكي عاملة وليمة طعام رهيبة موت، بس شعرك مضروب في الخلاّط، وريحتك بصل، وهدومك مبقّعة، ومش طايقة حد يكلمك، غالباً حيتصل بالبوليس أو يطفش من سكات!!! لكن لو جه ولاقاكي زي القمر ومشتاقة ليه والأكل يا حبيبي النهاردة فول وبيض حيبقي على قلبه زي العسل .. خلاص ح أجرب وأشوف ..
وبالفعل هدّيت نفسي تماماً ووضعت الأكل في الفرن كي يسخن وعملت الأرز سريعاً وشربت كوب شاي بمنتهى الرواقة، ولااااااا كأن في حااااجة خااااالص، ثم دخلت الحمام وأخذت شاور سريع وارتديت طقم رائع، ووضعت ماكياج وتعطرت، وبدأت في ترتيب المنزل .. و بعد 5 دقائق جاء عمر، وكنت لا أزال أزيل اثار الفطار المتين!!! ولم أفعل شيء آخر ..
دخل عمر، فجريت عليه واحتضنته وقلت له: وحشتني يا حبيبي ..
فرد عليّ وقد سرّ من استقبالي الدافىء: وانتي كمان يا حبيبتي .. إيه الجمال ده؟ معقول إنتي راجعة من الشغل من شوية؟ ..
أوعى تكون زوغت يا جميل ..
أنا: لا ما زوغتش .. بس أنا زعلانة منك، ما تكلمنيش لو سمحت ..
عمر: ليه بس عملت إيه؟
رديت عليه بدلال: كده تبعت لي رسالة واحدة، وما تكلمنيش غير مرتين بس؟؟ لا يا سيدي أنا ما ينفعنيش القسوة دي ..
فرد بسعادة من كلامي ولهفتي عليه: والله لو عليّ ما كنت نزلت من البيت وسيبتك .. ده انتي وحشتيني جداً .. إيه ده .. هو لسه الفطار مكانه .. معقول؟
برطمت في سري: و هوّ يعني أنا اللي فطرت وسبته؟!! .. يعني الفليبينية اللي هيّ أنا ح تقطع نفسها؟ وكدت أرد بعصبية، ولكني وجدت أنها ح تقلب بغم فرددت بدلال: ما حبيبي هو اللي فطر وسابه، والله أنا كنت لسه ح أشيله ليك بس علشان ما اتعبكش خاااااااااالص ..
عمر: هو صحيح أنا متعود إني ما أعملش حاجة في البيت خالص قبل الجواز، بس علشان خاطرك ح أشيله المرة دي .. بس ما تتعوديش على كده ..
رديت عليه بدلال أكبر: وفيها إيه لما أتعود؟ هو حرام لما حبيبي يدلعني ويريحني؟ ده إنت كده تثبت لي إنك بتحبني بجد، ومش عاوز حبيبتك تتعب ..
رد بنفاذ صبر: يا ستي هو الحب عندك إني أكنس وأغسل الحلل؟
أنا: وإنت الحب عندك إنـّك ترتاح وترمي كل الحمل على أكتافي أنا؟ .. يعني ازاي أكون بحب إنسان وألاقيه تعبان جداً وماأحاولش إني أساعده بأبسط مساعدة؟
عمر: يا حبيبتي أنا برجع تعبان وعاوز أرتاح، ومش معقول أشتغل جوة البيت كمان ..
أنا: يا حبيبي يعني إنت بتشتغل أكثر من الرسول عليه الصلاة والسلام اللي كان قائد أمة بحالها؟
عمر: عليه الصلاة والسلام .. لا طبعاً، وأنا آجي جنبه إيه؟
أنا: طيب يا سيدي الرسول عليه الصلاة والسلام كان بيعمل عمل أهل البيت طول ماهو موجود معاهم، يعني بيساعدهم .. شوفت بقي يا سي السيد؟
وأحب أن ينهي الحوار عندما وجد نفسه سينهزم، وقال بنفاذ صبر: طيب طيب يا سارة، سيبيني أغيّر هدومي علشان آكل وأنام شوية ..
وأحسست أن الموضوع ح يقلب بحرب وأنا لسه في بداية حدوتة جوزك على ما تعوديه!! .. فابتسمت وقلت له برقـّة: طيب يا حبيبي قدامك 3 دقايق تغير فيهم هدومك علشان أكتر من كده حتوحشني، ويمكن أبلـّغ البوليس ولا حاجة ..
فابتسم لي بغرور ولم يرد ..
يا عيني على عقل الرجالة ..
حضّرت الأكل سريعا وأنا أدعي في سري أن يعجبه، وإن كنت أشك في ده .. بس ربنا يستر .. والحمد لله الهامبورجر موجود برضه، علشان الجيران ما يسمعوش صوتنا ويقولوا العروسة الجديدة بتنضرب علقة سخنة ..
وجلسنا سوياً حول الأكل وحاولت حماية نفسي سريعاً من العلقة المتوقعة فقلت له: دي أول أكلة يا حبيبي أعملها لك بإيدي وأنا عارفة إني لسه باتعلم الطبيخ، بس كفاية إني عملتها لأحلى راجل في الدنيا علشان تبقى تجنن، مش كده؟
رد عليّ وقال: ربنا يخليكي لي يا حبيبتي، أنا مش قد الدلع ده كله .. ثم تذوق صينية البطاطس وكله أمل في الحياة، وفي ثواني ظهرت على وجهه ملامح واحد يبحث عن رقم بوليس النجدة ..
ورديت بمنتهى الإستهبال: إيه يا حبيبي، رأيك إيه؟
فرد بإحراج من مقدمة الدلع الجامدة: تسلم إيدك يا حبيبتي!!! بس هي مختلفة شوية عن اللي انا متعوّد عليها!!!!!!
فرديت ببراءة الأطفال: ميرسي يا حبيبي، بالهنا والشفا ..
قــال عمــر:
ياسلام يا واد يا عمر .. أوّل مرة أشوف البطاطس ليها طعم السبانخ المخلوطة بالذرة!! .. والرز شبه كورة القدم خماسية الأضلاع .. أكلتين كمان من دول وييجي لي كساح .. بس معقول أزعلها وهي عمالة تدلّع فيّ كده؟!!
ياااللا، ما احنا ياما أكلنا أكل حلو .. إدّيها هامبورجر واعمل نفسك من طنطا ..
قــالت ســارة:
الحمد لله عدّت على خير .. طيب لما أشوف ح يشيل معايا الأطباق ولا ح يستندل كالمعتاد، فقلت: عمر ممكن تشيل معايا الأطباق لو سمحت؟
عمر: يوووه يا سارة، كفاية طلبات أرجوكي ..
فرديت بمسكنة: طيب آسفة إني ضايقتك!! ومشيت بانكسار مفتعل وأنا أحمل الأطباق، فما هي إلا لحظة واحدة وقام طبعاً وقال لي: خليكي إنتي يا حبيبتي أنا حاشيلهم .. وإنتي إرتاحي ..
ضحكت في سري من طيبته وأكملت خطـّتي بعدما فرغ من الأطباق، وقلت بدلال كبير: طيب يا حبييي أدخل إنت نام شوية وأنا ح اغسل الأطباق، هو أنا كنت عاوزة أتكلم معاك شوية قبل ما تنام، بس مش مهم أنا ح أغسل الأطباق لوووحدي، وإنت أدخل أرتاح .. بس تعرف إنت واحشني وكنت عاوزة أتكلم معاك وأحكي لك على اللي حصل كله النهاردة .. بس يوم تاني بقي ..
عمر: لا يا سارة يا حبيبتي، سيبي الأطباق مش مهم، وتعالي نقعد مع بعض شوية ..
أنا: أسيبها؟ لا يمكن أبداً أبداً أبداً ..
عمر: طيب يا حبيبتي أنا ح اساعدك وأغسلهم معاكي .. ما تهونيش عليّ ..
أنا: إنت أحلى زوج في الدنيا دي كلها .. وبجد وحشتني ..
قــال عمــر:
أخيرا جه يوم الجمعة .. يوم الإجازة .. مفيش صحيان بدري ولا جري على الشغل ..
ياحبيبتي يا سارة، نايمة زي الملاك .. تعبتْ جداً الأسبو ع ده .. بس أكيد ح تتعوّد وحيبقي الموضوع أسهل عليها، وأنا كمان بقيت أساعدها شوية، بس علشان بحبها ..
فرصة والدنيا لسه هادية أقوم أقعد لوحدي شوية، وأقرأ الجرايد على رواقة، وأشرب كوباية شاي موزونة، ومش ضروري فطار النهاردة .. الله، الشقة شكلها جميل أوي ..
الصبح الشمس داخلة من الشبابيك والستائر الحرير معطيه نعومة ورقة للبيت .. كل البيت ده بتاعي أنا؟! ده أنا طول عمري لي أوضة واحدة في بيت والدي وكنت باعتبرها مملكتي الخاصة، وناقص أكتب عليها ممنوع الإقتراب أو التصوير!! .. فجأة ألاقي لي شقة كاملة جميلة زي دي وأنا راجل البيت؟؟! إحساس رائع باكتمال الرجولة .. يارب يديمه علينا ..
وجلستُ أقرا الجرائد في روقان وهدوء حتى مر الوقت وباقي ساعة على صلاة الجمعة .. فرصة أقرأ سورة الكهف قبل أن أنشغل في أي حاجة تانية ..
قــالت ســارة:
أول مرة أصحى براحتي من أسبوووووع كامل مش مفزوعة من صوت المنبة الجبار .. صحيح الستات مفروض يقعدوا في البيت بس علشان يناموا براحتهم ..
ايه ده عمر فين؟ الراجل طفش ولا إيه؟ باضحك جداً لما أشوف في التليفزيون واحدة صاحية من النوم وقبل ما تفتح عينيها تتحسس مكان نوم جوزها كأنها بتدوّر على فردة شراب مثلاً! طيب ما تفتح عينيها أسهل وح تكتشف إن المذكور فلسع من بدري؟ تلاقيه طلع نام في الصالة ولاّ بيتكلم في التليفون .. لأ مفيش وقت دي صلاة الجمعة قربت .. واقتربت لأشاهد منظر جميل طالما حلمت به قبل زواجي؛ وجدت عمر يجلس تحت شباك الصالة وممسكاً بالمصحف ويقرأ في خشوع بصوت رخيم وتجويد سليم حتى أنه لم يشعر بوجودي .. إقتربت لأجلس بجواره أستمع إليه .. ولكني وجدت نفسي لا شعوريا أجلس تحت أقدامه، فليس الرجل الغني أو الوسيم هو من تعشقه المرأة، ولكنه الرجل الذي يخشى الله ..
جلست على الأرض أستمع لسورة الكهف وكأني أسمعها لأول مرة .. سعدتُ من صوته الرخيم وخشوعه وأحاط بنا هدوء واطمئنان وكأن الملائكة يباركون اجتماعنا .. وأنا اختلس النظر لوجهه وهو يقرأ لأستمتع بملامحه الخاشعة وأشكر الله على نعمته التي أنعمها عليّ، حتى انتهى من القراءة وجذبني من يدي لأجلس بجواره وسألني: ليه يا حبيبتي قعدتي على الأرض؟ .. ده انتي تقعدي جوّه عيني ..
أنا: لا يا حبيبي، حسيت إنـّك كبير أوي وإنت في حالة الخشوع دي، ما قدرتش أقعد جنبك ..
عمر: ياااه، إنتي مكبرة الموضوع، ربنا بس يتقبل .. وإنتي متعودة على قراءة سورة الكهف كل جمعة؟
أنا: بصراحة، ساعات ساعات، مش دايماً ..
عمر: لا يا حبيبتي، إن شاء الله نقرأها دايماً سوا .. وبعدين خليكي شطورة واسمعي كلام عمو عمر علشان أديكي الهدية اللي جبتهالك إمبارح ..
نطّيت بسرعة: إيه ده هدية؟ كده وساكت من امبارح يا غلس؟
عمر: أصلهم مش هدية واحدة، دول اتنين ..
أنا: كمان؟ كفاية غلاسة بقى .. يالا مش قادرة استنى ..
رد بمكر ذو مغزى: طيب تدفعي كام؟
فهمت مقصده وقلت له: مش عاوزة منك حاجة ..
ضحك وقال: طيب خلاص خلاص، أنا باضحك معاكي .. شوفي يا ستي دول أهم هديتين حتاخديهم في حياتك .. أول واحدة إتفضلي ياستّي .. تاتاتاتاتاتاتاتاتا ..
وفتحت لفة الهدية البرّاقة ثم صرخت بخيبة أمل: يااااااااااااااسلام .. حصالة؟!!!!!!!!!! لا والله وجاي على نفسك كده ليه؟!! ودي أحط فيها مصروف البيت ولا أحوش لبنتك اللي في خامسة ابتدائي؟
عمر: ياساتر يارب .. إستني شوية، إيه ده مدفع رشاش؟ إستني لما أفهمك حتعملي بيها إيه.
أنا: إتفضل يا عم الموفِّر ..
تجاوز عن التريقة ورد بصبر: دي يا ستي أنا وإنتي ح نحوش فيها كل يوم أي مبلغ، إن شا الله جنيه واحد .. أي فلوس والسلام، ونيجي آخر الأسبوع يوم الجمعة نفتح الحصالة ونتصدق بالمبلغ ده .. وبكده نكون كل يوم بنطلع صدقة حتى لو كانت بسيطة .. وممنوع إنه يعدي يوم من غير أي صدقة، حتى لو مش حناكل اليوم ده .. وبكد حنلاقي بركة في دخلنا غير عادية .. فهمتي يا حبيبتي؟
رديت بانبهار وسعادة بالغة: يا خبر، إيه الفكرة الروعة دي؟ جبتها منين دي؟
عمر: يعني موافقة ؟ .. طيب نيجي للهدية التانية .. شوفي يا حبيبة قلبي، ده مصحف مجزء لـ30 جزء .. حتيجي على الدرجين بتوع البوفيه وترمي كل الكوارث اللي فيهم وتفضّيهم خالص وتحطي أجزاء المصحف في الدرج اليمين .. وكل يوم أنا وإنتي كل واحد منا يأخد جزء محدد ويقراه .. ولما يخلصه سواء في يوم أو كذا يوم يحطه في الدرج الشمال وياخد جزء جديد، وهكذا لحد ما الدرج الشمال يتملي خالص، نعرف إن أنا وإنتي ختمنا المصحف مرة .. وبعد كده نرجعه تاني للدرج اليمين، وهكذا على طول .. إيه رأيك؟
أنا: بجد مش عارفة أرد وأقول إيه غير إني أشكر ربنا إنه أهداني بيك ..
عمر: بصي يا سارة، الحب مش بيستمر بين الزوجين بالكلام الحلو ولا بالفلوس ولا حتى بالأولاد .. لكن بيستمر بطاعة ربنا وبركته لهم .. وإحنا عاوزين بيتنا ده بيت طائع لله علشان ربنا يبارك لنا في حياتنا وأولادنا اللي جايين إن شاء الله ..
أنا: ربنا يكرمك ويخليك لي يارب، وتفضل كده على طول ..
عمر: ياااااااااااه، ده أنا كده ح أتأخر على الصلاة .. يالاّ بقى مع السلامة .. على فكرة ح اخرج مع اصحابي شوية بعد الصلاة وح أرجع على الغداء ..
أنا: طيب ما تنساش تدعيلي .. مع السلامة ..
خرج حبيبي وأانا أودعه وأشكر الله على أن أهداني هذا الزوج .. ثم توضئت وصليت الظهر وجلست أقرأ سورة الكهف، ووعدت نفسي ألاّ أقطعها أبدا في أي يوم جمعة ..
ثم اخرجت محتويات درجين البوفيه ورصيت بالدرج الأيمن كل الأجزاء، وبدأت بأول جزء وسجّلت تاريخ هذه الختمة في ورقة صغيرة كي نعلم متى سننتهي منها .. ثم جلست أقرأ القران لفترة طويلة ..
ثم قمت لتحضير الغداء والذي كان لحسن الحظ معونة إنسانية من ماما بعدما حكيت لها مأساتي مع الأكل، وإن ممكن أتطلّق وانا في شهر العسل من الكوارث اللي باعملها .. فالظاهر خافت إني أرجعلهم وهمّ ما صدقوا يخلصوا مني!!!! فطبخت لي كام صنف تحفة .. ربنا يخليكي لي يا مشرفاني ..
أريد أن يكون هذا اليوم جميلاً لأكافيء عمر على هداياه الرائعة .. أعددت الغداء وجمّلت السفرة بورود، ورششت معطر جو هادىء، وبدلت ملابسي لأرتدي عباءة ناعمة، وتركت شعري منسدلاً على كتفي وتعطرت، وطلبت عمر فأخبرني أنه مع أصحابه .. طيب وبعدين؟
رنيت عليه ثانية فلم يرد .. أرسلت له رسالة: تعالى بقى يا عمر، إنت اتأخرت أوي .. برضه لم يرد ..
أرسلت رسالة ثانية: يا سيدي كفاية تقل، بجد وحشتنا .. لم يرد ..
فأرسلت له الضربة القاضية: خلاص يا حبيبي خليك براحتك، بس شهرزاد كان نفسها تشوفك أوي .. خلاص بقى تدخل تنام أحسن ..
وطبعاً كما توقعت جاء بعد دقائق معدودة .. وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح تاااااااااااااااني .
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة العشرون
قــالت ســارة:
معقوووول مر شهرين على زواجي أنا وعمر؟
مرو بسرعة جداً .. حياة جديدة في المسؤولية والمشاركة والمشاعر، في كل شيء .. حتى أصدقائي اللي كنت بارغي معاهم بالساعات في التليفون أصبحت لا أراهم ألا نادراً، ولو تكلمنا في التليفون يكون حديثاً سريعاً لألحق كلّ الأشغال اللي ورايا،
وشقتي الجديدة أصبحت مملكتي بجد، وبعد ما كنت أنظف حجرتي في بيت ماما بالعافية وبعد استدعاء البوليس أصبحت لا أطيق أن أري منزلي غير مرتب، وأتخانق مع عمر لو رمي ملابسه أو كتبه كالمعتاد .. رغم أن كتبي وأشيائي الخاصة زمان كانت محتاجة خريطة للوصول لها!!! لكنه هو الحب الذي يجمعك بمكان تشعرين أنـّه ملكك وحدك تكونين فيه على راحتك وتفعلين ما تشائين ..
حتى أن منزل والدي اضطررت أن أبيت فيه ليلة عندما مرضت أمي، بجد لم أستطع النوم، مش عارفة إزاي مش هو نفسه السرير اللي نمت عليه أكثر من عشرين سنة!! إحساس لا يعلم تفسيره إلا الله الذي يريد لنا أن نعمر بيوتاً وبيوتاً حتى نعمر الأرض جميعاً ..
وانا وعمر ومتفاهمين جداً لكن لا يخلو الأمر من غلاسة وتحكم في أشياء تافهة كي يثبت لنفسه أنه سي السيد، ولا أعلق عليها وأجعلها تمر كي لا تصبح كارثة .. شيء واحد هو ما يحيرني ويضايقني فعلا بإستثناء حماتي طبعاً(!!) وهو مصاريف البيت، لا أعرف ماذا يمكن أن يفعل شابان يعملان عملاً شاقاً يومياً كي يوفرا مصاريف الإيجار والأكل والدواء والخروج والمجاملات الخ الخ الخ …؟!.. طبعا يحتاجان إلى معجزة من السماء كي تحل لهم لغز الأسعار .. وأصبحت بعد أن كنت أصرف مرتبي على العطور والكريمات والمجلات، أصبحت أبحث 10 ساعات قبل أن اشتري زيت الطعام كي أعرف أي نوع أوفر!.. وأصبحت أفاصل مع أي بائع رغم إني كنت باقول لماما دايماً إن ده تصرف بيئة!!! وأصبحت أحمل هم أي مناسبة غير معمول حسابها مثل فرح أو خلافه نضطر آسفين ان نجامل أصحاب المناسبة فيه لأن ده معناه أن بقية الشهر ح نقضيه تونة وجبنة ..
ولكن ليس هذا ما يضايقني فقط، ولكن تصرف عمر الغريب تجاه مصروف البيت هو ما يضايقني جداً ..
وهو أنه لا يخصص مبلغ معين لمصروف البيت، وأنا أساعده فيه ونصرف منه سوياً .. لا .. هو يدفع الايجار وبعض الأشياء الأخرى وأنا عندما أقبض مرتبي أسارع لأنفقه كلـّه تقريباً على خزين المنزل من سكر وزيت وخضار ولحوم وخلافه، وهو متقبل ده عادي وبدون مشاكل .. حتى إني طلبت منه مرّة مبلغ كي أشتري شيء للمنزل فرد عليّ ببساطة: ما إنتي معاكي فلوس يا سارة!! هي خلصت؟!!
طبعاً إتضايقت جداً من رد فعله ده .. هل المفروض أن أنهي مرتبي كاملاً ثم بعد هذا هو يساعد!!! الغريب في الأمر أنه غير بخيل، أبداً بل بالعكس لا ينفق على نفسه تقريباً إلا الضروري جداً، ولكن ما يضايقني أنه معتبر مساعدتي في المنزل أمر مفروغ منه وفرض عليّ .. وتحملت هذا الأمر رغم ضيقي منه، أنا أحب أن أصرف على منزلي ولكن بإرادتي وليس فرضاً عليّ .. حتى جاء يوم رجعت من العمل وانتظرته بعد الغداء وقلت له: شفت يا عمر النهاردة بعد الشغل نزلت أنا ووحدة صاحبتي المحلات اللي جنب شغلي، كانت عاوزة تشتري شوية حاجات ..
قال: طيب يا حبيبتي وإيه المشكلة؟
أنا: لا أبداً، لقيت شنطة تحفة نازلة في التخفيض من 70 جنية إلى 50 بس، واشتريتها على طول .. تتصور دي جلد طبيعي ..
فرد بعصبية: إشتريتيها؟ وما قلتيش لي ليه قبل ما تشتريها؟
فاستغربت من رد فعله وقلت: عادي يعني يا عمر، يعني ح اطلبك أقول لك على حاجة هايفة كده؟
قال: خمسين جنية حاجة هايفة؟
أنا: يعني إنت زعلان من المبلغ ولا من إني ما قلتش لك؟
عمـر: الإتنين .. كان لازم تستأذني مني الأول ..
فرددت عليه وقد بدأ صوتي يعلو: عمر إنت بتقول إيه؟ .. دي فلوسي .. أنا ما خدتش منك حاجة علشان الزعل ده كله ..
فصرخ بغضب: فلوسك؟ يعني إيه فلوسك؟ يعني أخرس أنا ولا إيه؟
أنا: أنا ماقلتش كده .. بس ازاي يعني أستأذن قبل ما أصرف أي حاجة؟
عمـر: أنا ياستي معقد نفسياً خلاص .. مش باحب إن مراتي تمسك فلوس وتزعق فيّ وتقول فلوسي ومالكش دعوة والكلام ده ..
أنا: ياسلام .. واشمعني الكلام ده مش بيتقال لما باجيب حاجة للبيت .. ليه مش بتقولي إستأذني؟ ولا علشان دي حاجة ليّ أنا؟
عمـر: دي ضروريات للبيت مش ممكن نستغنى عنها .. إنما الشنطة بتاعتك دلع ..
أنا: والله أدلـّع نفسي مش مشكلة .. وبعدين الضروريات دي مسئوليتك إنت، وأنا إن كنت باساعد في البيت ده مش فرض عليّ ..
قال بعصبيـة: والله أنا قلت من أيام الخطوبة تسيبي الشغل علشان وجع الدماغ ده وإنتي ما سمعتيش الكلام .. واللي كنت خايف منه حصل .. بقيتي بتعلي صوتك عليّ وتقولي فلوسي أنا ..
أنا: هو إنت يا تحبسني في البيت يا تتحكم في كل مليم؟ ده إنت فعلاً معقد على كده ..
إنتفض من مكانه والغضب يتطاير من عينيه وأمسك ذراعي بعنف وصرخ في: أنا معقد؟!! .. طيب أنا ح أوريكي العقد اللي بجد، من بكرة مفيش شغل، ولما أشوف كلامي ح يمشي ولا لأ؟
إرتعبت من نبرته المخيفة وضغطه الرهيب على ذراعي والقسوة التي يتحدث بها فارتجفت، وانهمرت دموعي بلا توقف .. فلانت نبرته قليلاً وزفر بقوة وقال: طيب بتعيطي ليه دلوقتي؟ مانتي كمان زعقتي وجننتيني ..
أنا: ……………؟؟
عمـر: كده ياسارة توصلي حاجة هايفة لحد كده؟ خلاص بقي حقك عليّ ما تزعليش ..
فرددت من بين دموعي: لا مش حاجة هايفة .. ده ربنا قال ذمة مالية منفصلة للمرأة، تيجي انت وتقولي استأذن؟
عمـر: والله أنا عارف ده بس مش قادر أطبقه .. ما أقدرش أستحمل إن مراتي تقولي دي فلوسي وإنت مالكش لازمة .. طيب اعمل إيه؟
أنا: ما اعرفش والله تعمل إيه؟
عمـر: طيب إنتي شايفة إني بخيل ولاّ باصرف على نفسي حاجة؟ ولا إنتي بتطلبي مني حاجة ومش باجيبها؟
فرددت وأنا أمسح دموعي: لأ .. أمّال إيه الفيلم ده طيب؟
قال: أنا يا ستي ما بحبش الست اللي بتعمل كده .. وبعدين أنا مش عاوزك تدفعي حاجة في البيت تاني علشان مش كل شوية تقولي باساعدك باساعدك ..
قلت: بقي أنا باعمل كده؟ الله يسامحك .. وبعدين هو انتا يعني أحسن من الرسول عليه الصلاة والسلام اللي كان بيتاجر للسيدة خديجة في مالها وهي زوجته ولا يخجل من أن يعلن إن ده مال زوجته؟ وفين؟ في قريش عز التعصب والجهل؟
عمـر: ياستي أنا ما اقدرش أوصل للمنزلة دي .. ولو الموضوع ده ح يجيب مشاكل ح أقعدك من الشغل فعلاً ..
أنا: من فضلك يا عمر ما تكبرش الموضوع كده .. أنا فعلا زعلانة منك جداً ومستغربة تفكيرك جداً ..
عمـر: حقك عليّ إني انفعلت عليكي، إنتي عارفة قد إيه بحبـّك .. لكن مش ح أقبل أبداً إني أكون على الرف أو حاجة تحصل في بيتي من غير موافقتي، حتى ولو حاجة هايفة؟
أنا: ………….؟؟
مرّت أيام وأنا وعمر متخاصمين .. يعني بنتكلم في الضروريات بس .. لكن من جوايا أنا زعلانة منه جداً من عصبيته وموقفه الغريب وتفكيره الأغرب .. المشكلة إني متأكدة إنه مش بخيل ولا طمعان فيّ .. بس مش قادرة أفسر تفكيره لحد دلوقتي .. تحكم والسلام؟! .. ولاّ خوف من الفلوس إنها تقويني فأبعد عنه؟!! وكأن اللي رابط أي زوجة بزوجها هي إنه بيصرف عليها فقط .. ولو هيّ معاها فلوس حتقدر تعيش من غيره وتسيبه بسهولة!! بجد حاجة تجنن!! طيب وستات البيوت بيطلّقوا ليه لما هي الحكاية كده؟ .. مش معقول التفكير المقلوب ده ..
عمر حاول يصالحني لكني لم أستطع أبداً .. لأني حاسة إن الصورة اللي كانت في خيالى إتهزت لأن موضوع الفلوس بين الزوجين ده حساس جداً، ودايما الزوجة بتكون راسمة لزوجها وحبيبها صورة الفارس النبيل الذي لا يتكلم قط في المال، لأن ده شيء بينقص من قدره كرجل، ودائماً تدور في عقلي عبارة الافلام الشهيرة: أنا برضه أمد إيدي لفلوس واحدة ست؟؟؟ .. فأصبح الأمر مقترن بالرجولة في نظري ..
ولكن ظروف المعيشة البشعة الآن غيرت من شكل الصورة وجعلت الرجل مضطراً لعمل زوجته ومساعدتها له، والزوجة أيضا تقبلت هذا و تسعد عندما تفعله .. ولكن للأسف لم يتخلى الرجل عن الصورة القديمة في خياله بأنه صاحب المال والآمر الناهي الأوحد .. فأصبح يعذّب زوجته بحملين؛ حمل المشاركة وحمل التحكم ..
قــال عمــر:
سارة وحشة أوي وهي زعلانة .. صحيح هي لم تقصـّر في أي حق من حقوقي في البيت، وأجد طعامي وملابسي وكل شيء مرتـّب وترد عليّ عندما أسألها عن أي شيء .. ولكن روحها المرحة الدافئة والحيوية التي تنطق من عينيها والتي تجعلني أذوب فيها إختفت!! وحل محلها لوح زجاج بارد لا يعبر عن أي شيء ..
حاولت مصالحتها بلا جدوي .. ياربي أعمل ايه؟ بس أنا كمان مش قادر أنفذ اللي هي عاوزاه!! يعني إيه أكون قاعد في البيت ألاقيها داخلة وشارية غسالة مثلاً وتقولي وإنت مالك؟ دي فلوسي، أقعد كمل الشاي اللي بتشربه وخليك في حالك!!
معقول أستحمل كده؟ ولو كنت فوّت حكاية الشنطة كان حيبقي ده العادي .. أنا مش طمعان في فلوسها أبداً لكني مضطر لمساعدتها في البيت علشان ما نزورش السيدة أنا وهيّ كل يوم جمعة .. بس أعمل إيه .. تحت هدومي الكاجوال لسه فيه صدري جدي الصعيدي .. مش قادر أتقبل الموضوع خالص .. وهيّ كمان معذورة، وشكلي وحش قدامها .. برضه أنا انفعلت بصورة غبية!! ومش قادر أعيش من غير دفء عينيها وحنيتها .. طيب ما هي مش عاوزة تصالحني .. أعمل إيه؟؟ .. شغّل التفانين يا واد يا عمر دي سارة حبيبتك ..
قــالت ســارة:
ذهبت إلى عملي كالمعتاد وأنا ماليش نفس لأي حاجة في الدنيا، وطبعاً كان باين على وشي جداً فكل واحدة ظريفة تيجي تسألني بحشرية: إيه إبتدينا نكد الجواز ولا إيه؟؟؟ قلنا كده قالوا اطلعوا من البلد ..
انا مش عارفة كل واحد ما بيحطش لسانه جوة بقه ليه؟ .. يا سااااتر ..
خلاص الساعة 2 كلها ساعة وأروّح .. موبايلي بيرن .. إيه ده؟ ده عمر .. خير؟
أنا: ألو أيوة يا عمر؟
فرد بصوت أقلقني: أيوة يا سارة، إزيك يا حبيبتي؟ إنتي كويسة؟
قلت: الحمد لله .. فيه إيه يا عمر؟
عمـر: مفيش حاجة، بس ح اعدي عليكي بعد ساعة .. إستأذنت من شغلي بدري وح أجيلك .. إستنيني ..
أنا: إيه فيه إيه؟ .. إنت رعبتني كده؟
فرد بغموض: لما آجي ح تعرفي!! مع السلامة ..
يارب سترك يارب .. دي أوّل مرة يعملها .. أكيد بابا تعب وهو مش عاوز يقول لي .. ولا ماما؟!! لا بجد حرام كده .. حاولت الإتصال به ألف مرّة بلا جدوى .. لا يرد، مما أكـّد شكي بأن مصيبة قد حصلت .. يارب أستر يارب ..
وأخيييييراً جاء بعدما أصبحت على وشك الإنهيار .. ولكنـّي وجدته في قمـّة الشياكة مرتدياً القميص المفضـّل عندي وكمان البرفان اللي باموت فيه!! إيه ده؟ طبعا لو كانت والدته هي اللي تعبانة كان جه بالبيجاما!!! لا وكمان رايق وعمّال يسلم على زمايلي ويوصيهم عليّ!! لا بجد .. لو ما قالش فيه إيه ح اخبطه بحاجة في دماغه حالاً ..
وأخيراً سلم عليّ بحرارة وهمس في أذني: وحشتيني .. وأخذني وانصرفنا .. وزميلاتي لسان حالهن يقول: جتنا نيلة في حظنا الهباب ..
وفي السيارة كان ح يغمي على من شدة القلق وسألته: أبوس إيدك قولي فيه إيه، أنا خلاص ح أموت .. ماما ولا بابا اللي تعبانين؟
فرد بلهجة المحقق كونان: إطـّمني همّ بخير، أنا واخدك لمشوار مهم جداً وما تسأليش على أي حاجة دلوقتي لحد ما نوصل ..
فخف قلقي قليلاً وإن لم يختفي تماماً .. ولكني راقبت ملامح الغموض المرسومة على وجهه وهي ممزوجة بوسامته الظاهرة اليوم .. فلاحظ أني أراقبه فسألني: إيه وحشتك؟ .. فلم أرد ومديت البوز المتين .. وأغمضت عيني، ولكنـّي رأيت صورته ما زالت مرسومة بداخلها ..
ياه الظاهر إني نمت شوية .. إيه ده؟ أنا فين؟ في الجنة؟ وأفقت لأجد القاهرة كلها تحت مستوى قدمي في منظر خلاب وجو رائع ونسيم يداعب المشاعر .. وعمر ينظر لي بحنان ويقول لي: صح النوم .. يالاّ انزلي بسرعة ..
سألته: إيه ده إحنا فين؟
رد قائلاً: في المقطـّم يا حبيبتي .. مش كان نفسك تشوفيه من زمان؟
قلت: هو ده المشوار المهم؟؟ ح نعمل إيه هنا؟
قـال: هشششششششش .. كفاية أسئلة وتعالي ..
ومشيت وراءه وأنا أبعد يده التي تحاول الإمساك بيدي والبوز مازال موجوداً ..
ودخلنا إلى كافيتريا لم أرى في جمالها من قبل .. كل حوائطها مستبدلة بزجاج دائري كي تري القاهرة من كل أركانها، وكل الأضواء أستبدلت بشموع تعطي الجو رومانسية وسحر غامض .. وأخذني الى طاولة بعيدة وجلسنا، وأنا لا أستطيع النطق بعد ما رأيته .. ونظر إلى عيني مباشرة وقال لي ثانية: وحشتيني ..
أنا: …………..؟
عمـر: بحبك ..
أنا: ……..؟
عمـر: مش عاوزة تردي عليّ؟ طيب أنا آسف ..
أنا: خلاص يا عمر، أنا مش زعلانة .. أنا نسيت الموضوع خلاص ..
قـال: واضح جداً بدليل البرود اللي بتعامليني بيه .. ياريتك خاصمتيني .. لكن إنتي إستعملتي أسلوب ذكي جداً ما قصرتيش في أي حاجة .. ولما أكلمك بتردي عادي .. لكن إنتي في دنيا وأنا في دنيا تانية .. ودي حاجة ممكن تموتني .. فين سارة حبيبتي؟
قلت: أيوة حبيبتك أوي .. بدليل إنـّك مش عاوزني أشتري لنفسي حاجة، ولازم أرفع صباعي وأستأذن قبل ما أشتري حاجة ..
قـال: يا حبيبتي أنا نفسي أجيب لك كنوز الدنيا وأحطهم تحت رجليكي .. بس إنتي عارفة الظروف .. وأنا مش عاوز أتحكم فيكي ولا حاجة .. دي حاجة نفسية جوايا بتخليني عاوز أعرف كل حاجة بتعمليها، وتحسسيني إنك مش بتعملي حاجة إلا لما أعرفها الأول ..
قلت: بس دي حاجة تخنق ..
قال: بصي يا سارة .. أنا بخيل؟
رديت: لا ..
قـال: عيني زايغة؟
رديت: لا ..
قـال: بأعامل أهلك وحش؟
رديت: لا ..
قـال: بأعاملك إنتي وحش قدام الناس أو حتى بيننا؟
رديت برضه: لا ..
قـال: مش عارف ربنا كويس؟
قلت: الحمد لله ..
قـال: طيب يا ستي إعتبري موضوع الفلوس ده عيب فيّ وخديني على قد عقلي فيه وريحيني .. وأنا اوعدك إني عمري ما ح أحرمك من حاجة أبداً بس عرّفيني الأول .. إتفقنا؟
إنكسفت جداً من إني أريده كاملاً بلا عيوب .. من تكبيري الموضوع بالشكل ده ..
ورددت عليه: إتفقنا يا حبيبي ..
قال وابتسامة فرحة تملأ وجهه: الله أكبر .. أول مرة تنطقيها من أسبوع .. أيوة كده خلي الشمس تطلع يا شيخة ..
قلت: خلاص بقى .. فرجت علينا الناس ..
قال: طيب غمضي عينكي، أنا جـِبت لك هدية .. بس ما تتعوديش على كده أحسن ح نشحت بالشكل ده!! إتفضلي يا ستي ..
فتحت العلبة التي قدمها وهتفت: الله .. إيه الصندل الجميل ده؟
قال: ده يا ستي علشان يليق على الشنطة اللي إشتريتيها .. بس زي ما إتفقنا ح تعرفيني الأول على أي حاجة .. خلاص يا حبيبتي؟
رددّت بكسوف: خلاص يا شهريار ..
فردّ بلهفة: شهريار؟!!! الله أكبر ..
ثم نظر لي وقال: سارة إنتي لازمك الغدا هنا أوي؟ .. ولاّ ممكن نروّح دلوقتي؟!!!
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة واحد وعشرون
قــال عمــر:
مر على زواجنا 6 أشهر تقريباً .. الحمد لله مرّوا على خير .. لكن لا أعرف ما هذا الإحساس الذي أشعر به .. إحساس بالاعتياد والتعوّد والركود .. لا رغبة لدي كي أفعل شيء جديد .. بمعنى آخر ما أشعر به هو الملل .. الملل من كل شيء في حياتي الجديدة ..
هذا لا يعني أنـّني لم أعد أحب سارة، بل بالعكس أشعر أنـني أحبها أكثر من زمان بعد ما عاشرتها، وعرفت رقـّة طبعها، واستحمالها لتقلبات طباعي، وصبرها على ظروفنا المادية الصعبة .. ولكن إحساسي من ناحيتها تبدل .. هذا التوهج الذي كنت أشعر به في مشاعري تجاهها فتر .. كنت عندما أسمع صوتها في التليفون يدق قلبي، وتشعر كل خلية من خلاياي بالسعادة .. ولكن الآن مكالماتنا التليفونية عندما نبتعد عن بعض سريعة قصيرة لإبلاغ أمر هام أو طلب ضروري أن أشتريه ..
لم أعد متلهف للقائها مثل زمان، وكيف أتلهف وأنا أراها طوال اليوم أمامي!!
أصبح حديثنا اليومي أقل من زمان، عندما كنا نتحدث طوال الليل حتى نفاجيء بخيوط الفجر تداعب وجوهنا بدون أن نشعر؟؟ والآن ملل ملل ملل ..
ولكني لا أتصور حياتي لحظة بدونها .. وأشعر أنها صديقتي التي أعود سريعاً لأقص عليها كل ما حدث في يومي، فهي تمتاز بصفة لا توجد عند 95% من بنات حواء وهي فن الإستماع بدون لوم ولا تريقة .. حتى لو كانت متأكدة أني مخطىء فهي تلفت نظري بهدوء بعد فترة من الحديث كي لا تشعرني بخطأي مثل الطفل الصغير وتمسك اللّيْ الخرزانة زي الأطفال!! ولا تقول الجملة الخالدة التي تقود أي رجل للجنون: ماهو لو كنت سمعت كلامي ما كانش حصل كل ده ..
طيب لماذا أشعر بكل هذا الملل؟!! ولماذا فتر إحساسي بها كحبيبة وفتاة أحلامي؟
أعرف أني أظلمها معي عندما تراني أقل تلهفاً عليها، وأرد عليها أحيانا في اقتضاب .. أرى اللوم في عينيها بدون أن تصرح بشيء .. ولا تلومني في شيء .. ولكن أعمل إيه؟؟!!!!
قــالت ســارة:
مش عارفة عمر متغيّر من ناحيتي ليه؟ أنا بأحاول أرضيه بكل الطرق ولا أهمل في منظري أبداً، وكل طلباته أوامر .. طيب حصل إيه؟
هو صحيح مش بيتخانق معايا بس مش عمر بتاع زمان .. أشعر إنه زهقان من كل حاجة فى الدنيا حتى مني ..
طيب أعمل إيه؟ وكل يوم أسأله السؤالين الخالدين: فيه حاجة يا عمر؟ .. و: زعلان منى فى حاجة يا عمر ؟ .. والاجابة واحدة: لااااااااا ..
طيب أرجّعه إزاي زي الأول وأرجـّع أحاديثنا الطوييييلة تاني إزاي؟
هو ده بقي الملل الزوجي اللي بيقولوا عليه؟ .. وده الخرس الزوجي اللي بيصيب الأزواج وأعراضه سرحان وبحلقة في السقف؟ .. والرد على أي سؤال باشارة مبهمة لا تعني شيء، والفرجة على ماتشات الكورة حتى لو كان فريق جزر القمر هو اللي بيلعب ..
مرة قرأت أن تحريك بحيرة الزواج من الركود مسئولية الزوجة .. يعني جت على دي ومش حتكون مسئوليتها؟ .. ماهي كل حاجة على دماغها لوحدها ..
طيب تعمل إيه الزوجة؟ .. تعمل أراجوز علشان ترضي زوجها؟ بجد حرام كل حاجة عليها .. يا إما يقولوا دي منكدة عليه عيشته ومزهّقاه في الدنيا .. خلاص هو حر .. بقى مش عاوز يتكلم هو حر .. بس أنا مش عاجباني الحياة بالشكل ده .. وأنا كمان ح يتنقل لي إحساس البرود ده .. ودي عيشة بق؟!!
طيب حاحاول أفكر في طريقة .. وراك وراك يا عمر ح تروح مني فين؟
-
“إيه يا سارة انتي مش رايحة الشغل النهاردة ولا إيه؟” .. قالها عمر، فتصنعت الإعياء وأنا أرد عليه: لا تعبانة شوية وأخدت النهاردة أجازة يا حبيبي ..
عمر: ألف سلامة عليكي .. تحبي نروح لدكتور؟
رديت: لا دكتور إيه؟ ده الظاهر شوية برد .. ح أنام شوية وآخد كوباية ليمون وأبقي كويسة إن شاء الله .. وأنا قلت لماما تبعت لي الشغالة بتاعتها تساعدني، أصلي مش قادرة أعمل حاجة خالص ..
عمر: ما تقلّقنيش عليكي يا حبيبتي .. تحبي آخد إجازة أنا كمان؟
رديت بسرعة وقلت: لا يا حبيبي .. أنا ح ابقي كويسة، ما تتعبش نفسك مع ألف سلامة .. كح كح كح ..
وتركني وهو قلقان عليّ بجد .. آه لو لم أكن أعلم أنـّه يحبني أكثر من أي إنسان في الكون كنت قتلت نفسي!! لكن هو الإعتياد على الشيء الذي يفقدك بهجته والسعادة به، وهل معقول أن الإنسان يظل يشعر بالساعة التي يرتديها كل ثانية وكل دقيقة؟ كان سيصاب حتما بالجنون والإنهيار العصبي .. إنه لا يشعر بها إلا عندما ينظر لها بعد فترة من تركه لها، وأنا سأجعل عمر يراني من جديد ..
في التاسعة صباحا جاءت الشغالة وكان ورانا أنا وهي شغل كثير جداً .. كنت أريد تغيير نظام البيت كله حتى يشعر عمر أنه في عالم جديد، ولكن الموضوع ليس سهلاً، ولكن علشان عيون عمر كله يهون ..
غيرت مكان الصالون ونقلته مكان الأنتريه ليكون بجوار البلكونة بجوار الهواء الطلق .. مش مهم الضيف يتهووا، المهم إحنا .. وغيرت مكان التليفزيون ووضعت اتنين من كراسي الأنتريه متلاصقين بعد أن كانوا كل واحد في اتجاه كي نجلس عليهم أنا وعمر ..
طبعا السفرة لم أجرؤ على تحريكها لأنها تحتاج بلدوزر بشري يحركها .. أكيد اللي بيعملوا الفرش دول من كوكب المريخ أو فاكرين إن العريس هرقليز والعروسة زينة!!! لكني غيرت الفضيّات الموجودة في النيش بأخرى لامعة، وأضفت لها تحف صغيرة كانت مركونة .. وأخرجت مفرش سفرة جديد لم أستخدمه من قبل وفرشته ووضعت فازة كبيرة بها ورود أكثر إشراقاً ..
وحجرة نومنا غيّرت ترتيب كل جزء بها .. السرير مكان الدولاب، والتسريحة مكان الشوفنيرة، وفرشت مفرش يوم الدخلة الذي لم أستخدمه إلا لأيام معدودة وعلقت صورة زفافنا الكبيرة التي رفض عمر تعليقها في الصالون .. ووعدني بتعليقها في غرفتنا وطبعا نسي أو كسل .. الحمد لله الشغالة موجودة تعيش حياتها هيّ وتعلقها على راحتها ..
وأيضا مجموعة من صورنا أيام شهر العسل وضعتها في برواز ووضعتها على الكومدينو ليراها قبل النوم .. الله الله أعطت الغرفة شكل رائع .. أكيد ح يعجب عمر ..
وأخيرا حجرة عمر التي يعمل بها مشاريعه الهندسية، لم أرد ان أغير من طابعها الرجالي فكان يحتفظ فيها بسريره القديم أيام العزوبية ودولابه الصغير قبل أن يتزوج، والآن يضع به أوراقه وكتبه .. وده طبعا لأننا لم نملك وقت الجهاز أن نشتري حجرة معيشة أو حجرة أطفال جديدة فكان هذا هو الحل .. طيب أعمل فيها إيه؟
بعد أن قمنا بتنظيفها فكرت في فكرة جديدة، وهي أن أغير كل الصور العائلية التي يضعها في براويز على مكتبه بصور أعز أصدقائه الشباب، وأخرجت الألبوم سريعاً وأخرجت صور أفضل 5 أصدقاء له ووضعتها بشكل بارز له، وطبعاً سيدهش من هذاويقول مراتي إتجننت!!!.. لأن الزوجة بعد زواجها بتحاول بشتى الطرق أن تبعد زوجها عن أصدقائه القدامى كي تظل وحدها معه، ولا تعرف أنها بهذا بتخنقه ليهرب منها ويذهب لهم أكثر من الأول ..
خلاص أخييييراً أنهينا المعركة الحربية وأصبحت الشقة مختلفة تماما وازدادت جمالاً .. ومشيت الشغالة وهي أكيد بتدعي عليّ وعلى جناني الرسمي ..
وبعد أن أنهيت كل شيء في الشقة إرتديت ملابسي ونزلت بسرعة للكوافيرة اللي في نفس الشارع، والتي قلّت زياراتي لها للأسف توفيرا للنفقات، وأصبحت أعمل شعري في البيت وخلاص!! وقبل أن أدخل لها إشتريت جريدتنا المفضلة أنا وعمر ـ فاكرينها؟ ـ والتي كنا نقرأها أيام الخطوبة ونتناقش في كل مقالاتها، ولغبائي لم أعد أشتريها بعد الزواج .. له حق يزهق مني .. طيب ح نجيب كلام نتكلمه منين؟ لازم أحداث جديدة نتكلم فيها علشان أجذب إنتباهه لي ..
وطلبت من الكوافيرة أن تقص شعري قصة جديدة وهو ما كنت أرفضه دوماً تمسكا مني بشعري الطويل وتسريحتي التقليدية .. فقصـّت لي قصـّة جديدة جعلت خصلات شعري متدرجة ومحيطة بوجهي، فأظهرت إستدراته وزادتني جمالاً .. واقترحت عليّ تلوين بعض الخصلات به فخفت ورفضت .. ثم بعد إلحاح منها وافقت وتركتها تعمل .. وأنا أقرأ في الجريدة وإذا بعمر يتصل بي على الموبيل .. ياخبر .. كده المفاجأة حتبوظ لو سمع دوشة الكوافيرة ..
فجريت على الحمام وأغلقت بابه عليّ بإحكام، ورديت عليه متصنعة الإعياء، وطلبت منه أن يحضر أكل معاه لأني مش قادرة أعمل حاجة خاااااااالص!!! والحمد لله لم يلاحظ شيء، بل بالعكس إزداد قلقا عليّ وندما إنه سابني وأنا تعبانة ..
ورجعت للكوافيرة وجدتها بتصرخ لأن الصبغة مازالت على شعري .. بس الحمد لله ربنا ستر ولم يطلع اللون بنفسجي!!! بل بالعكس في صورته النهائية كانت النتيجة مبهرة، لم أعرف نفسي بجد في المرآة .. الله يكون في عونك يا عم عمر على اللي ح تشوفه ..
ورجعت البيت وأنا أشعر أني امرأة جديدة، وبيتي هو الآخر جديد، وأشعر بانتعاش جميل .. وارتديت طقم كنت أرتديه أيام الخطوبة!! وتزينت وأدرت موسيقى ناعمة في أنحاء المنزل ..
جلستُ في انتظاره، وكما توقعت جاء قبل ميعاده بنصف ساعة، وأول ما فتح الباب ورأي التغيير المدمـّر عاد خطوتين للخلف، واتلخبط وكاد يرجع ويصرخ في العمارة: شقتي إتسرقت يا جدعااااااااان ..
ثم دخل وظلّ صامتاً للحظات وهو يقلب نظره بين الفرش وبيني وهو لا ينطق إلا كلمة واحدة: إيه ده .. إيه ده؟
ثم أخيرا نظر إليّ بإعجاب كبير جداً وقال: يعني مش تعبانة ولا حاجة .. طيب القمر دي مراتي ولا حد تاني يا مدام؟
أنا: ……..؟
وأضاءت ملامح وجهه بالسعادة والحب وهو يهمس لي: يا مجنونة كل ده عملتيه علشاني أنا؟
قلت: طبعاً .. إنت حبيبي، ونفسي أشوفك سعيد معايا .. إن شا الله أهدّ الدنيا علشان تكون راضي عني ..
قال ووجهه يشرق بابتسامة: ربنا يخليكي ليّا طووووووول العمر..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة اثنان وعشرون
قــال عمــر:
ياسلاااام ياسي عمر، الله وبقيت زوج خلاص وبتخاف على كل مليم يحتاجه البيت!! فين أيام الفسح والإنطلاق والمصاريف بدون حساب؟ وكان دايماً والدي يقول لي لما تتحمل المسئولية ح تتغير وتعقل، ولم أكن أصدقه .. خلاص خلصت الأيام دي وخصوصا مع الأسعار التي لا ترحم .. أصبحت لا أفكر إلا في ما يحتاجه المنزل والضروريات؛ مثل الطبيب والميكانيكي والسباك وخلافه ممن يهجمون على جيوبي فيجعلونها بيضاء لامعة من غير سوء ..
بس برضه إحساس غريب إني لما أشتري شيء جديد للمنزل أنا وسارة باشعر بالسعادة على عكس ما كنت متخيل!! كنت أتصور وأنا عازب إن لو مر أسبوع لم أخرج فيه مع أصحابي في فسحة محترمة ممكن يحصل لي حاجة في عقلي .. لكن دلوقتي بأجد لذة كبيرة أن أضيف شيء للبيت حتى لو كان بسيط جداً .. فأشعر بجد إني وقتها رجل البيت .. وخروجي مع أصحابي أصبح في أبسط الأماكن التي لا تكلف الكثير .. وطبعاً أسمع تريقة للصبح إني بأوفر علشان أشتري الجرنال وبطيخة للمدام وانا راجع!!! أمال اللي عندهم أطفال بيعملوا إيه؟ ربنا يستر ..
قــالت ســارة:
يارب يا سميع يا مجيب حقق لي أملي .. أرزقني كما رزقتَ زكريا .. هب لي ذرية صالحة .. اللهم اجعلني أمّاً ..
ناجيت الله كثيرا بعد صلاة العشاء أن يحقق لي أملي ويهب لي طفلاً أسعد به، ويملأ عليّ دنياي أنا وزوجي .. لا أعرف كيف اجتاحني إحساس الأمومة من أول ما تزوجت؟ .. كنت وأنا بنت إحساسي بالأطفال مختلف .. لم يكن عندي صبر طويل معهم .. أحب الطفل وهو يلعب ويضحكن وأول ما يبكي تنقطع الصلة بيني وبينه وأرميه لأمه فوراً .. ماذا حدث؟ سبحان الله القدير .. أحنّ لشيء لم أره!! ونفسي تهفو لأن تجاور دقات قلبه جسدي، وأضمه بين ضلوعي .. كيف حدث هذا الإنقلاب؟ .. يارب يارب هبه لي هبة مباركة من عندك .. قد لا أكون أهلاً لهذه الهدية، ولكنك أهلٌ لهذا العطاء ياسميع يا مجيب ..
أكاد أجن من شدة وطأة هذا الشعور والحنين القاتل لأن أكون أماً، والغريب أن عمر لا يساوره هذا الإحساس مثلي .. بل يحمل خوفاً من مصاريف الأطفال ومسؤوليتهم الكبيرة ..
رغم أنه حنون جداً على الأطفال، يمكن أكثر مني!! كيف هذا؟!! يمكن أنه يذكر ذلك كي لا يجرح مشاعري، أو أنه فعلاً لا يشتاق مثلي هذا الاشتياق الجنوني؟ لا أعرف .. يارب .. يارب ..
وما يجرحني بشدة ويزيد عندي الإحساس أني تأخرت في الحمل هو سؤال الناس الدائم لي: هاااا .. مفيش حاجة حلوة جاية في الطريق؟ .. أول ما أسمع كلمة “هاااا” الكريهة أتجنن .. خلاص السؤال ده أصبحت أهرب منه من الجميع، وكأن الموضوع بيدي وأنا التي لا أريد .. آه لو كل الناس تكون في حالها ..
حتى مكالمات التليفون من خالاتي أو أقارب عمر تكاد كلمة “هاااا” تحل محل ألو .. هو أنا باتدخّل في خصوصيات الناس بهذا الشكل؟ .. يمكن لو لم تكن الأسئلة تحيطني في كل مكان لم يكن الإحساس عندي تضخم بهذا الشكل .. وبعدين هو الحمل بيستخبى إزاي يعني؟! ماهو أكيد لما ح يحصل كل الناس ح تعرف، ولا ح أخرج وأسيب بطني في البيت؟!!
وحماتي ماشاء الله عليها لها دور كبيييييير جداً!!! تحيطني بكمية من العبارات الجارحة التي لا تتوقف، وكأننا متزوجين من عشرة سنين وليس 8 أشهر؟ .. معقول العقل ده؟ .. طول ما إحنا بنزورها، وخصوصا في غياب عمر، تحيطني بعبارات من نوعية:
عيني عليك يا عمر بتموت في الأطفال ..
دي فلانة ماشاء الله حملت من يوم الدخلة ..
ما بتفكريش تروحي لدكتور يا سارة؟
ولم أكن أرد أو أحكي لعمر كي لا يغضب .. ولكن من داخلي كانت تجرحني في أنوثتي دون مراعاة لشعوري وكأنها تسعد بهذا .. وكانت تعلم ميعادي الشهري باليوم، وفي اليوم المنتظر صباحاً تتصل بي كل شهر وتسأل سؤالها المعهود: جاءت؟ .. وأنكسر وأنا أرد بالإيجاب .. فتنهي المكالمة بغضب وتكاد تغلق السماعة في وجهي .. وفي آخر هذه المكالمات القاسية أجهشت في البكاء حتى استيقظ عمر وانتفض لما رآني منهارة بهذا الشكل، وسألني عما بي وهو يقرأ على رأسي آيات من القران كي أهدأ .. فلم أحتمل أن أخفي أكثر من ذلك وحكيت له عما حدث .. فسمعني وهو يكاد يغلي من الغضب، ولكنه كظم غيظه ورد عليّ بحنان: حقك عليّ يا حبيبتي نيابة عن ماما ..
فاقول له: طيب ليه تقول لي الكلام ده؟ .. هيّ دي حاجة في إيدي؟ ولا أنا يعني اللي مانعة الحمل؟
عمـر: معلش يا سارة، ما انتي عارفة ماما بتحبني قد إيه ونفسها تشوف أولادي ..
فصرخت فيه: يعني أنا اللي مش نفسي؟ لا حول ولا قوة إلا بالله .. ده أنا مفيش واحدة قالت لي على نصيحة حريمي إلا وعملتها .. ومفيش فاكهة أو أكل قالوا عليه بيساعد على الحمل إلا وأكلته .. وطول الليل بادعي ربنا .. أعمل إيه تاني بس؟
عمـر: إيه يا بنتي الجنان ده كله؟ هو احنا بقالنا ميت سنة متجوزين؟ ليه كل ده؟
رديت بعصبية: ليييييييييه؟ .. دي الناس كلها متفرّغة تسألني أنا حامل ولا لأ؟ .. كأنه إستجواب أو إتهام بالتقصير مثلاً ..
عمـر: يا حبيبتي دول ناس فاضية، ما تسأليش فيهم .. همّا الناس كده يسألوا البنت أول ما تدخل الجامعة: مفيش عريس ولاّ إيه؟ .. ولما تتخطب: هااا الجواز إمتى عاوزين نفرح بيكم؟ .. وأول ما يجوزوا: مفيش بيبي في السكة؟ .. ولما تجيبي البيبي: يالاّ بقى همتك هاتي له أخ يلعب معاه .. ولما تجيبي الطفل التاني ويتأكدوا تماماً إنـّك غرقتي في المشاكل يسيبوكي غرقانة وما يسألوش عنك تاني!! بالذمة تعملي إعتبار لناس حشرية كده؟
أنا: بس أنا خلاص تعبت بجد تعبت .. عمر أنا عاوزة أروح لدكتور .. أرجوك ..
فرد با ستعجاب: دكتور إيه يا حبيبتي، لسه بدري أوي على الكلام ده ..
أنا: معلش ريّحني ياسيدي أنا تعبانة بجد .. علشان أطّمّن بس مش أكثر ..
عمـر: يا سارة ما تستعجليش رزق الله .. الأطفال دول رزق زي الصحة والمال .. إفرضي يا ستي مش مكتوب لنا نخلف ح نعمل إيه يعني؟
فكدت أنفجر من بروده: طبعاً ما هو الأمومة غريزة لكن الأبوّة بالممارسة .. يعني عمرك ما حتحس باللي أنا حاسة بيه ..
عمـر: يا حبيبتي إحنا سعداء مع بعض والحمد لله .. مستعجلة ليه على المسئولية؟
ففاض بي الكيل وصرخت فيه: يووووووه يا عمر، أرجوك حس بي وتعال نكشف عند الدكتور أنا وإنت ..
وكأني طعنته في رجولته فرد بغضب: وأنا كمان!! ليه؟ أنا كويس ومعنديش مشكلة، أروح ليه بقي؟
أنا: يا سلام يا باشمهندش، سبت إيه للناس العادية .. إيه علاقة ده بالخلفة؟
فرد بعصبية: سارة أنا مش عاوز وجع دماغ .. ده اخر كلام عندي عاوزة تروحي للدكتور إنتي حرة لكن أنا لأ .. لأ .. لأ ..
أنا: ………… .!؟
الدكتورة: إيه يا مدام سارة إنتي بتدلعي علينا ولا إيه؟
أنا: ليه يا دكتورة ؟
الدكتورة: حمل إيه اللي اتأخر؟ إنتي متجوزة يادوب من كام شهر!! ليه الإستعجال ده يا بنتي؟
فردت أمي نيابة عني لما رأت إحمرار وجهي: ما انتي عارفة زن الناس يا دكتورة خلّوها تقلق ..
الدكتورة: بصي يا سارة .. التحاليل اللي قدامي بتقول إنك سليمة مية في المية، ولكن القلق اللي انتي فيه ده ممكن يخلوكي فعلا تتأخري في الحمل .. إهدي واطّمني وسيبي كل حاجة بأمر الله ..
فرددت بخجل: طيّب يعني يا دكتورة مفيش حاجة تعجّل الحمل شوية؟
الدكتورة: انا مش عاوزة ألخبط الهرمونات عندك وأتعبك بجد .. وبعدين زوجك ما عملش التحاليل ليه؟
أنا: ………!؟
الدكتورة: رفض طبعاً كالمعتاد مش كده؟! كل الرجالة في الموضوع ده زي بعض .. الوزير زي الغفير .. قليل أوي اللي بيرضى يكشف وبعد ما تكون مراته اتبهدلت!! ربنا يهدي ..
سألتها: طيب يا دكتورة أعمل إيه؟ أنا خلاص ح اتجنن ..
الدكتورة: هو انتي لو مفلسة وطلبتي من ناس فلوس صدقة وقالوا إنهم حايدوها لك واتأخروا عليكي .. ح تروحي تخبطي على بابهم كل يوم بغالحاح؟
رديت: لأ طبعاً ..
الدكتورة: بس إنتي بتطلبي من ربنا يا سارة مش من الناس .. إلزمي بابه ولن يردك أبداً ..
وخرجت من عند الدكتورة وأنا في قمـّة الإرتياح .. إرتحت جداً نفسياً أن ليس بي عيب يمنع الإنجاب .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. يكفيني هذا الشعور كي أهدأ .. ولن يقلقني أحد بعد الآن ولو سألني أحد سأجيبه: لا تسألني أنا، بل اسأل الله .. لن أقلق أو أتوتر كي لا يؤثر على نفسيتي كما قالت الدكتورة ..
طيب وموقف عمر المتخاذل معي ماذا أفعل معه؟ .. أتشاجر؟ أخاصمه؟
لا لا .. لن أفعل كل هذا كي لا أغضب الله وأنا في أمس الحاجة لرضاه .. ولا أريد أن أعصى الله بغضب عمر مني، لأن ما عند الله لايؤخذ بمعصيته .. أفقت من سرحاني على صوت أمي تقول لي: ما تزعليش يا سارة من عمر .. هم كل الرجالة بياخدوا المواضيع دي بحساسية ..
ففاجأها ردي: لا يا ماما، أزعل ليه يعني؟ هو ده اللي ح يعجّل اللي ربنا كاتبه؟ .. وبعدين أنا ماأقدرش أزعل منه أبداً ..
فردت بغيظ: طيب يا ستي ربنا يخليه ليكي .. أنا الحق عليّ ..
وجاء عمر ليأخذني من عند ماما، وفي السيارة كان يتوقع مني البوز المتين وإني أتخانق أو حتى أبكي، وقصصت عليه ما قالته الدكتورة بكل بساطة وبدون لوم .. فصمت طويلاً وخجل من نفسه وقال لي: أنا آسف يا سارة ..
لم أرد، فواصل الكلام: أنا مش عارف سبتك ليه تروحي للدكتورة مع ماما! بجد أنا غلطان .. حقّك عليّ ..
رديت عليه وقلت: أنا فعلا زعلت منك، لكن قدّرت إنك واخد الموضوع بحساسية .. فخلاص يا سيدي ولا يهمك ..
أسعدته كلماتي فقال: ربنا يخليكي لي يا عمري ويكملك بعقلك .. وأقول لك حاجة، حتى لو خلّفنا مش ح أحب إبننا أكتر منك ..
أنا: ………!؟
ومرّت الأيام التالية وأنا هادئة تماماً وأدعو الله ليلاً ونهاراً وبتضرع وتذلل، ولكن باطمئنان ويقين داخلي أنـّه لن يردني أبداً، ولن يتركني خالية الوفاض .. وأبعدت أعصابي تماماً عن التوتر، وأكثرت كثيراً من الصدقات خلاف صدقات حصالتنا الأسبوعية أنا وعمر ..
وحماتي العزيزة واصلت بالطبع حملاتها الشرسة ضدي، وأنا لا أرد ولا أعيرها أي اهتمام .. حتى فاض بي الكيل من أسئلتها النارية والمستفزة فرددت عليها ذات مرة بهدوء وأدب حتى أغلق هذا الباب نهائياً: واضح يا طنط إن الموضوع ده قالقك أوي، وأنا عارفة إن ده من كتر حبك ليّا!! بس أنا بصراحة مش باحب أتكلم مع حد في خصوصياتي .. ده حتى ماما مش بتتكلم فيه خالص .. تتصوري يا طنط؟
حماتي: ……..!؟
والغريب إن عمر كان جالس في هذا الحوار، ولم يغضب مني كما توقعت!! بل بالعكس إبتسم وغمز لي بعينه وتظاهر إنه يقرأ الجريدة كي لا تقتله أمه ..
وأخيييييييييييراً جاء ميعادي الشهري الذي أنتظره على أحر من الجمر .. والحمد لله لم تتصل حماتي لتسألني سؤالها الشهري المعتاد .. ومر اليوم بطيئاً بطيئاً دون حدوث شيء!! وكل دقيقة أترقب وأدعو ألاّ يحدث .. ومر اليوم التالي وأنا في عملي، ولا أركز إطلاقاً إلا في ترقب ما سيحدث؟ وهل ستتأخر شارة أنوثتي يوماً آخر؟ .. يارب .. يارب .
ومر يومان آخران وأنا أكاد أجن من التوتر الممزوج بفرح غامض .. هل يكون قد حدث؟؟ .. ولاحظ عمر أني لم أنقطع عن الصلاة كالمعتاد، فسألني بترقّب: إيه يا سارة فيه إيه؟ بتصلي ليه؟
ولم أرد أن أخبره إلا لمـّا أتأكد أولاً، فضحكت وقلت له: أصلي أشهرت إسلامي قريب ..
وطبعا لم ينخدع بهزاري، ولكنـّه لم يرد أن يسأل هو الآخر كي لا يصاب بإحباط ..
وعند مرور خمسة أيام لم أطق الإنتظار .. وبدون أن أخبر أحد إشتريت إختبار حمل منزلي و قرأت تعليماته: علامة حمراء واحدة لايوجد حمل، وعلامتان أي يوجد حمل ..
وأجريته ..
ومرت الثواني بطييييييييييئة وأنا أغمض عيني كي لا أرى ..
وأخييراً إمتد اللون الأحمر ببطء ليرسم علامتين ..
علامتين؟!!
يعني أنا .. أنا؟ حااااامل؟
وخرجت من الحمام وهبطت بكامل هيئتي في سجدة شكر طويلة .. وبللت دموعي الشاكرة وجهي .. ولهج صوتي بالدعاء وكل خلية مني ترتعد من فرط السعادة والشكر بهبة الله الغالية التي أودعها جسدي .. كيف أشكر هذه النعمة؟ .. وكيف أصونها؟ .. وكيف أخبر عمر؟ .. وماذا تكون ردة فعله؟ .. وكيف أخبر الجميع؟
أشعر أنـّني أريد أن أصرخ في الشارع وأوقف المارة وأخبرهم: أنااااااا حااااااااااااااامل ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة ثلاثة وعشرون
قــالت ســارة:
مشاعر كثيرة متضاربة تجتاحني .. فرح وسعادة عارمة، وخوف وقلق وتوتر، وضوضاء جميلة تغمر كل مشاعري .. لا أعرف ماذا أفعل؟ .. كيف سأخبر عمر؟ وهل سيفرح؟ أكاد أطير من السعادة، وأرقص من النشوة .. وأخذت أجري في أنحاء الشقة من فرط سعادتي .. أريد أن أفتح كل الشبابيك والأبواب لأصرخ في الجميع أن الله أعطاني رزقاً واسعاً وجعلني أنثى مكتملة الانوثة .. هبطتُ بقوة على الكرسي من كثرة حركاتي الجنونية كما أفعل دائماً وأنا ألهث من السعادة .. وتذكرت أنـّني لست وحدي الآن بل يوجد من يشاركني جسدي ويقتسم خلاياي وأنفاسي معي، ولابد من إحترامه واعطاءه حقه بالكف عن هذه الحركات الصبيانية، وهمست له: عفواً يا صغيري .. سأصبح أماً حنوناً لك من الآن ..
أمسكت التليفون وطلبت أمي، ولم تكد تسمع صوتي وهو يرقص من الفرحة، وقبل أن أقول شيئاً صرخت هي: إنتي حامل يا سارة مش كده؟
فرددت وأنا أضحك: إيه ده هي الجزيرة لحقت ذاعتها؟ عرفتي منين يا جميل؟
ضحكت ماما وردت: ألف ألف مبروك .. هو انتي فاكرة إني مش بأحسب معاكي باليوم ولا إيه؟ بس ما كنتش بأحب أوتّرك في حاجة مالكيش يد فيها .. ألف ألف مبروك يا حبيبتي ..
قلت: الله يبارك فيكي يا ماما ..
ماما طبعاً مانسيتش توصيني: بس خلي بالك من نفسك، وبلاش حركات الجنان بتاعتك والجري والتنطيط ده .. خلاص إعقلي ياسارة ح تبقي أم ..
همستُ في سري إنها لو شافت ماتش الجري بتاعي من لحظات كان أغمى عليها فوراً .. طبعاً طبعاً ياماما، ما تقلقيش ..
كمّلت الوصايا: وخلي بالك من أكلك وحركاتك ونومك .. إلخ إلخ إلخ .. وأخذت أمي تسرد وابلاً من النصائح في شتى المجالات .. حتى نمت منها على السماعة .. إن شاء الله لما أخلف ح أهري إبني نصايح علشان أخلّص تاري .. ولكن للحق بعض النصائح النسائية الخاصة لم أكن أعلم عنها شيئا .. ده أنا كنت ح أبهدل الدنيا .. ربنا يخليكي لي يا ماما ..
وأجريت مكالمة مماثلة مع حماتي لأنها كانت زعلانة من آخر مرة أخبرتها بذوق ألا تتدخل في شؤوني الخاصة .. وللحق هي طارت من الفرحة، وأسلوبها معي كان أسلوب أم بحق .. وأشعرتني بحنانها لأول مرة .. وأنهيت المكالمة وأخذت أحضر الغداء، وفكرت في طريقة أخبر عمر بها .. فكرت طويلاً .. وأخيراً وجدتها ..
جاء عمر واستقبلته بشكل طبيعي جداً وأنا أكاد أنطق له بالسر في كل لحظة .. ولكني تماسكت وأعددت الغداء في هدووووووووء، وجلسنا عادي جدااااااااا .. وبدأ يأكل ..
لاحظ أنـّني وضعت طبقاً وملعقةَ وشوكةَ إضافيين .. فسألني في دهشة: إنتي مزودة طبق ثالث ليه؟ فيه حد جاي؟
فرددت في غموض: أيوة ..
عمر: طيب مش تقولي يا بنتي .. وسايباني آكل كده ..
أنا: لا مش مشكلة، ما هو مش غريب ..
عمر: مين؟ .. ماما ولا بابا ولا حد من إخواتك؟
فرددت بهدوء يفرس: لأ ..
قال وقد نفذ صبره: هو احنا في رمضان ولا حاجة؟ إيه الفوازير دي؟! .. طيب نستنى ولا ناكل؟ أنا ح اموت من الجوع ..
فرددت وأنا أبتسم إبتسامة أودعتها كل أنوثتي: لا ياحبيبي، كل إنت بالهنا والشفا .. ماهو مش معقول أسيبك تستنى 9 شهور ..
فنظر إليّ بدهشة وعدم فهم في البداية .. ثم نظر إليّ بعدم تصديق .. وأخيييييرا نطق وهو غير مصدق: سارة إنتي .. إنتي .. حامل؟
فهززت رأسي بالإيجاب وأنا أتوقع رد فعله أن يقفز من الفرح ويحملني و… و… و… ولكنـّني فوجئت بآخر رد فعل كنت أتوقعه على الإطلاق .. رأيت دموعاً في عينيه لأول مرة في حياتي .. كانت أوّل مرة أراه يبكي .. دموعٌ غزيرة شاكرة مبتهلة .. لا أستطيع تصديق هذا أبداً .. كنت أعتقد أنّ الموضوع لا يشغله مثلي، ولكن واضح أنه كان يخفي انفعالاته كي لا يزيد همـّي .. يا حبيبي يا عمر ..
فقمت من مكاني واحتضنت رأسه، وأخذت أمسح دموعه وأنا أقبـّل رأسه وأبكي أنا الأخرى .. وأخيراً تمالك نفسه وابتسم وقال لي: خلاص بقى إيه الغم ده .. ألف مبروك يا حبيبتي .. كده برضه؟ مش تقوليلي من أول ما دخلت ولاّ تكلميني على الموبيل .. يا قلبك يا شيخة ..
فضحكت وأنا أسأله: يعني فرحان يا حبيبي؟
رد عمر وقال: بجد إحساسي لا يوصف .. يااااه .. ده أنا كنت قلقان بشكل .. وكنت أدعو الله ليلاً ونهاراً .. بس كنت مش بارضى أقولك علشان ما أزودش توترك .. يالاّ ياسارة، قومي إتوضي ح نصلي صلاة شكر جماعة على الهبة العظيمة اللي ربنا وهبهالنا .. (ننبـّه إلى أنـّه لا يوجد في ديننا ما يسمى بـ”صلاة شكر” أما الثابت فهو “سجدة الشكر” .. ويرجى مراجعة الرابطين التاليين لمزيد من التوضيح: حكم صلاة الشكر و صفة سجدة الشكر .. تعليق “مشرف الصفحة”)
وصلينا أنا وهو .. وأخذ يدعو وأنا أؤمن على دعائه، وأرتجف في داخلي من دعاءه العميق المبلل بدموعه الشاكرة المبتهلة، وهو يشكر الله على عطائه الكريم، ويصفنا في الدعاء أنا وهو لأول مرة بالأب والأم، وليس بالزوج والزوجة، ويسأل الله أن يحفظ لنا وليدنا ويشب في طاعة الله ولا يمسه الشيطان أبداً ..
فرغنا من الصلاة، وجلسنا أنا وهو على الأرض على سجادة الصلاة وكأننا لا نريد أن نخرج من روحانية الصلاة والدعاء .. ورأيت عمر يتأملني بحب وهو يهمس لي: ألف مبروك يا حبيبة قلبي .. لو تعرفي غلاوتك زادت عندي ازاي؟
قلت في سعادة: ياسيدي يا سيدي على الحنيّة .. إيه الهنا اللي أنا فيه ده؟
عمر: لا والله صحيح .. دلوقتي أنا حاسس إن أنا وإنتي بقينا عيلة بجد .. بس لازم ياسارة نشكر النعمة الكبيرة دي .. حاولي تحافظي على نفسك وبلاش الجري والتنطيط ده يامدام .. مفهوم؟
أنا: يييييييييييييه، أنا سمعت الفيلم ده من ماما من شوية .. وإيه كمان؟
عمر: بصي يا قمر .. فيه حاجة مطلوبة منك طول فترة الحمل تعمليها علشان إبننا ان شاء الله يكون زي ما بنتمنى ..
أنا: إيه هيّ؟
عمر: عاوزك يا ستي ما تسمّعيش إبني غير قرآن طول فترة الحمل .. أنا قرأت كتير إن ده بيؤثر جداً على نفسية الجنين، وبيخليه بعد كده متعلق جداً بالقران .. عاوزك طول مانتي فاضية تقرأي قرأن وبصوت مسموع علشان يشعر ويتأثر بيه .. عاوزك تختمي المصحف كل شهر لو قدرتي .. إتفقنا؟
بهرني طلبه، فأجبت بدون تردد: اتفقنا ..
أضاف قائلاً: وفيه حاجة كمان .. الحصالة بتاعتنا الخاصة بالصدقات، من النهاردة سنضع للأستاذ فيها نصيب يومي .. مش برضه راجل ولا إيه؟
أنا: آه راجل طبعاً، ده حاليا في حجم الزيتونة، هو فيه حد قده .. ماشي ياسيدي فيه حاجة تاني؟
عمر: لا خلاص .. قومي بقي علشان أفسحك بالمناسبة السعيدة دي وأشتريلك هدية حلوة .. ولا ح تعملي لنا فيها حامل ودايخة والحوارات دي؟
أنا: لا ياعم .. حامل مين إنت بتصدق؟ حالبس في ثواني، بس إنت ماتغيرش رأيك .. حتوديني فين يا أبو العيال؟
ضحك على اللقب وقال: المكان اللي تشاوري عليه يا أم عتريس .. بس الأول أنا كنت ندرت إن لما ربنا يكرمنا بإبننا إن أول مكان نروحه أنا وإنتي وهو يبقي للجامع .. موافقة نروح نصلي ركعتين ونطلع مبلغ صدقة لله؟
أنا: طبعاً موافقة جداً جداً جداً جداً .
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة اربعة وعشرون
قــالت ســارة:
مر أكثر من شهرين على الحمل، إحساس لا يوصف، لا يضاهيه إحساس آخر، كنـّا ونحن صغار نفرح ببعض حبات الفول عندما نزرعها بأيدينا ونراقبها بالساعات وهي تكبر شيئاً فشيئاً، ونغضب عندما يتخلص منها أحد الكبار كالمعتاد وكأنه قتل جزءاً منا .. الآن هذا الإحساس أشعر به، ولكن بداخل جسدي .. نبضٌ صغيرٌ ينمو، خلية خلية بداخلي .. يتنفس من أنفاسي، ويقاسمني الطعام، ويفرح معي ويحزن معي .. رغم أني لا أشعر بحركته بعد، ولا بطني إنتفخت، لكن أشعر به في كل لحظة كياناً داخل كياني .. رغم ما أعانيه من تعب وإرهاق كبير جداً، من دوار مستمر، ورغبة دائمة في النوم الذي لا ينتهي، ورؤية الطعام كالعدو اللدود، وما يصاحب هذا من خناقات مع عمر وماما لي كي آكل رغماً عن أنفي، لأني بقيت اتنين دلوقتبي مش واحد .. لكنـّني أشعر أنـّني أصبحت إنسانة مختلفة في كل شيء .. مزاجي مختلف، أتوتر بسهولة شديدة، أقلق سريعاً، وللأسف أصبحت عصبية لدرجة لم أكن أتخيلها ..
لم أربط بين هذه التغيرات وبين الحمل إلا عندما رأتني صديقتي في العمل أسبب مشكلة لا داعي لها من عصبيتي الزائدة، فأخبرتني أن كثيراً من النساء يؤثر عليهم الحمل مثلي .. وقرأت في هذا الموضوع لأجد بعض حالات تتغير مزاجاتهم وشخصياتهم تماماً في فترة الحمل .. ماشاء الله، أنا أولد من هنا وأروح السراية الصفرا عدل ..
قــال عمــر:
سارة أصبحت عصبية جداً الأيام دي .. لا تطيق كلمة حتى ولو هزار، وتقلب الموضوع خناقة وحدوتة .. وأنا مقدّر تغيرها من الحمل ولا أحاول أن أعقد الموضوع .. وأصدقائي يؤكدون لي أن هذا شيء عادي ويقصون لي حواديت على الجنان الأصلي اللي شافوه على يد زوجاتهم في فترة الحمل .. لكن بجد تعبت، ووحشتني سارة حبيبتي الوديعة التي تغفر لي كل أخطائي وأتمتع بأنوثتها ورقتها .. لكني أعذرها فهذه ليست طباعها الأصلية، ولابد أن أتحملها فهي تحمل إبني الذي أتمناه من الله .. ربنا يهديها قبل ما أتجنن أنا ..
قــالت ســارة:
أنا بجد زهقت من كتر النصايح اللي باسمعها ليل ونهار من جميع البشر ..
لازم تاكلي كذا ..
ولازم تنامي بالطريقة دي ..
ولازم تمشي كده ..
ولازم ولازم ولازم ..
وكأن الحامل دي إنسانة فاقدة العقل ومستنية بنات الصين يقولولها تعمل إيه .. وأكبر مشكلة بتواجهني في الحمل هي شغلي .. أنا كنت قادرة أوفّق بالعافية بين الشغل والبيت، لكن دلوقتي بجد تعبت .. صحتي ضعفت من الحمل، وهي أصلاً ضعيفة، والمشوار المحترم اللي باخده كل يوم يكاد يميتني من كثرة المطبات التي أشعر أنها تسحب روحي معها .. ولكن ماذا أفعل؟
أنا وعمر لا نستطيع أن نستغني عن عملي في الوقت الحاضر من الناحية المادية .. وحتى لو استطعنا فأنا لا أتخيل نفسي ربة منزل؛ أصحى الظهر وأرغي في التليفون في آخر وصفات الطبيخ، وأخبار العيال .. أشعر بالإختناق من مجرد الفكرة .. ولا أريد أن أفكر فيها .. لكني في نفس الوقت خايفة على البيبي وحاسة بالذنب مما أعرضه له .. يارب ساعدني ..
قــال عمــر:
غريبة أول مرة أدخل البيت ولا تستقبلني سارة كالمعتاد .. سارة .. سارة .. إنتي فين يا حبيبتي؟
جاءني صوتها ضعيفاً من حجرة النوم، فطرت إليها وأنا أرتجف من الخوف، فوجدتها مازالت بملابس الخروج شاحبة ولون وجهها يحاكي وجوه الموتى .. جريت عليها وأنا أصرخ: مالك يا سارة فيه إيه؟
فردت بضعف: الحمد لله .. أنا كويسة، ما تقلقش يا عمر ..
قلت بلهفة: كويسة؟ إيه يا حبيبتي ده .. إنتي بتموتي!! إيه اللي حصل؟ ردي عليّ بسرعة؟ ولاّ أقولك، حاجيب ليكي مسكّن وعصير تشربيه الأول، وارفعي رجليكي على المخدات دي علشان تفوقي شوية ..
قــالت ســارة:
أخذتُ الدواء وشربت العصير وشعرت أنـّني أفضل حالاً مما كنت عليه، فشكرت عمر وقلت له: أنا كويسة ما تقلقش ..
قال لي: ألف سلامة عليكي يا حبيبتي .. إيه اللي حصل؟
رديت: مفيش حاجة .. وأنا راجعة من الشغل وراكبة المواصلات السوّاق عمل حادثة وخبط في عربية كانت قدامه، وعمل اهتزاز عنيف في عربيتنا طبعاُ، لدرجة إننا وقعنا من على الكراسي .. وبعدها حسيت إني دخت جداً .. وحسيت بمغص جامد أوي وألم حاد في ظهري من الوقعة .. لكن الحمد لله، أنا كويسة دلوقتي، والبركة في ربنا وبعدين فيك ..
سمعني عمر وأنا أحكي الموضوع بمنتهي البساطة وهو يغلي من الغيظ فرد بعصبية: يعني إيه كويسة؟ كنتي ح تموتي إنتي واللي في بطنك وتقولي كويسة؟!!
قلت بسرعة: ما تكبرش الموضوع يا عمر، مفيش حاجة؟
رد بعصبية: لا طبعاً فيه .. لما تصرّي على شغلك وإنتي كل يوم بتركبي ميت عربية وإنتي حامل يبقي فيه ألف مشكلة .. أنا كام مرة قلتلك بلاش الشغل ده؟ كويس كده لما يحصل لك إجهاض؟
فرددت باستفزاز: يعني إنت خايف على اللي في بطني مش عليّ أنا؟
قال: والله من حقي إني أخاف وأنا شايفك بتستهتري بيه كده .. ده إبني برضه ..
فجننت من رده وصرخت: باستهتر؟ هو أنا كنت رايحة السينما ولا النادي؟ مش الشغل؟ وبعدين مرتبي ده بأعمل بيه إيه؟ باشتري بيه ماكياج وبرفانات؟ ولا كله على البيت وبأساعدك في مصاريفه؟ وفي الآخر تقول لي بتستهتري؟
فصرخ فيّ: هو إنتي كل ما تتكلمي تقولي لي أنا بأصرف وبأساعدك؟ طيب إيه رأيك بقى ده آخر يوم ليكي في الشغل؟
فرددت بعند هائل لا أعرف من أين أتاني: مش ممكن طبعاً ..
فجن من ردي وأصبح انسان آخر: مش ممكن؟!! يعني مش بتسمعي كلامي؟!! طيب يا سارة لما أشوف كلامي ح يتنفذ ولاّ لأ؟ اختاري دلوقتي حالاً .. يا أنا يا الشغل ..
تملّكني الشيطان تماماً وأعماني الغضب وأنا أنفجر فيه بطريقة لم يسمعها مني من قبل: الشغل يا عمر!! إيه رأيك بقى؟ أنا خلاص زهقت من أوامرك وتحكماتك فيّا كانك اشتريتني .. زهقت من حياتي كلها ومش قادرة أستحمل أكثر من كده .. ونفسي أسيب البيت ده اللي أنا حاسة إني جارية فيه مش إنسانة بتحترم طموحها ومستقبلها وأرجع بيت أهلي اللي كنت ملكة فيه ..
رد عمر بذهوووول: إييييييييه؟ بتبيعيني يا سارة؟ وكمان عاوزة تسيبي البيت؟ على العموم إنتي حرة بس إفتكري إنتي اللي بعتيني وأنا مش ح اشتريكي ..
لم أستطع الأنتظار أكثر من هذا وأحسست أن كرامتي ذبحت، فقمت ارتديت طرحتي وخطفت حقيبة يدي وجريت على باب الشقة وعمر ينظر لي، ولكنه صامت لا ينادي عليّ .. فألقيت عليه نظرة أخيرة وتركت بيتي وأغلقت ورائي الباب بعنف ..
لا أعرف حتى الآن كيف وصلت بيت والدي؟ .. أكيد كان كل الشارع بيتفرج عليّا!! وسواق التاكسي اللي ركبت معاه كان رجل عجوز وطيب، أخذ يهدأ فيّا وهو يراني أبكي بحرقة دون أن يعلم بما حدث .. ولكن واضح أن شكلي كان في منتهى التعب والبهدلة .. كده برضه يا عمر أهون عليك أسيب البيت؟ وحتى لا يكلف نفسه أن يبقيني أو يتحايل عليّ .. الله يسامحك ..
واضح إن الحب اللي كان بيقولّي عليه كله كلام في كلام .. خلاص. . أنا كمان ليّا أهل ياخدوا لي حقي علشان يعرف قيمتي ..
قــال عمــر:
حتى الآن لا أستطيع تصديق ما حدث .. سارة تسيب البيت؟ .. وليه ده كله؟!!.. أنا مش شايف إني غلطت في حاجة .. هيّ اللي قعدت تصرخ زي المجانين وتذلّني كل دقيقة إنها بتساعدني في البيت .. دي حاجة خلاص تجنن .. مش قادر أستحمل الذل ده بعد كده .. لا وكمان تبيعني وتختار الشغل، وتسيب البيت، وفاكراني حاجري وراها .. لأ خلّيها .. ولمّا تعرف قيمة بيتها وزوجها ح ترجع لوحدها وغصب عنها كمان ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة خمسة وعشرون
قــالت ســارة:
عندما وصلت لباب بيت والدي أحسست أنـّني أفقت من نوبة الجنون التي كانت تتملكني، وكأن إنسانة أخرى هي التي كانت تتحدث وتصرخ .. أحسست أنـّني هدأت وأفقت، وترددت هل أضرب الجرس أم لا .. معقول .. طيب أرجع؟! وحيبقي شكلي إيه أمام عمر؟!! .. طيب إزاي ح أحكي لماما وبابا وإخواتي والدنيا كلها مشاكلي مع عمر بهذه البساطة؟ بس هو باعني وغروره منعه إنه حتى ينده عليّا .. إنهمرت دموعي ثانية عندما تذكرت هذا ورننت الجرس .. صرخت أمي عندما رأتني في هذا الحال المرعب شاحبة منهكة، عيناي مصبوغة بلون الدم، ووجهي متورم من كثرة البكاء، وقالت: إيه يا سارة يا حبيبتي مالك؟ فيه حاجة حصلت للبيبي؟ .. فقلت في سري: هو كل الناس بتسأل على البيبي وأنا أتحرق؟ .. ولم أستطع الرد، ودخلت البيت وارتميت على أقرب كرسي، وجاء أبي واحتضنني وهو يقرأ على رأسي آيات من القرآن ويهدهدني كالطفلة الصغيرة .. آه لو يعامل كل رجل زوجته كأنها ابنته، لعاشت النساء في الجنة .. وكأنه علم ما بي بدون أن يسأل، فأمر أمي أن تأخذني إلى غرفتي القديمة لأستريح .. هكذا بدون أن يسألني سؤال واحد، بعكس أمي التي انهالت عليّ بالأسئلة من ساعة ما دخلت الشقة ..
ودخلت غرفتي القديمة، وأحسست بغربة أول ما دخلتها .. وللحظة شعرت ببرودة شملتني، واشتقت لدفء شقتي .. كيف أشعر هكذا وهذه هي غرفتي التي ضمتني لأكثر من عشرين عاماً؟!! .. سبحان الله .. وأفقت على صراخ أمي لي: يا سارة وقّعتي قلبي قولي إيه اللي حصل؟ إنتي اتخانقتي إنتي وعمر؟
قلت: أيوة يا ماما .. وسبت له البيت ..
فدقت على صدرها بجزع وقالت لي: ليه كده يا بنتي؟ .. هو فيه واحدة عاقلة تعمل كده؟ طيب أنا متجوزة أبوكي من 25 سنة، عمرك شفتيني سبت له البيت ومشيت؟!
هو ده اللي أنا علّمتهولك؟
فوجئت بموقف أمي المهاجم، وكنت أتخيل أنها ستصب جام غضبها على عمر، واضطررت أن أحكي لها كل شيء .. وانتظرت رد فعلها، فسكتت طويلاً وردت على بهدوء: عاوزة رأيي؟ .. إنتوا الإتنين غلطانين، وإنتي غلطانة أكتر ..
فرددّت بغضب: ليه بقى؟ .. يبقي أنا عاملة حادثة وبأموت وييجي يزعق لي ويهددني كمان؟
قالت ماما: إهدي يا سارة يا حبيبتي .. أنا ح أقول لك إنتي غلطانة ليه .. أولاً علشان سيبتي بيتك .. وثانياً لأنك من أول الحمل وإنتي عصبية جداً ومش بتطيقي كلمة واحدة، فكبرتي الموضوع بدون داعي .. أنا عارفة إن ده غصب عنك، بس لازم تهدي شوية .. وكمان إنـّك كل شوية تقوليله باساعدك باساعدك ودي حاجة تجرح كرامة أي راجل، فعاند معاكي هو كمان ..
قلت أنا: ياسلام .. يعني طلعت أنا اللي غلطانة وعمر باشا هو الغلبان المظلوم ..
قالت ماما: لا يا ستي .. هو كمان غلطان إنـّه عاند معاكي، وإنـّه سابك تنزلي وإنتي زعلانة كده .. بس أنا مش عاوزة أتدخل علشان ما أكبرش الموضوع .. إقعدي ارتاحي شوية، وبعدين إرجعي بيتك علشان الموضوع ما يكبرش ..
فنظرت لها بذهول وقلت: إيه؟ أرجع بيتي كمان؟ .. إنتي اللي بتقولي كده ياماما؟!! يعني عاوزاني أرجعله وكرامتي تتبهدل أكتر من كده؟ طيب أروح فين يا ربي؟ إنتو كمان مش عاوزني في بيت أبويا؟
فنظرت إليّ أمي باشفاق، وكأنها تنظر إلى مجنونة وقالت لي بحنان: طيب يا حببيتي إرتاحي شوية وربنا يحلها من عنده إن شاء الله ..
وارتميت في حضنها وبكيت مرة أخرى ..
قــال عمــر:
البيت وحش أوي من غير سارة .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. ليه كل ده؟ طيب أتصل بيها؟
لا .. مش ممكن .. دي جرحتني وباعتني في لحظة .. وكل شوية تمنّ عليّا إنها بتساعدني .. أنا مش عارف إيه اللي جرى بس ..
طيب أروح لها بيت والدها؟ لا .. ده كده تبقى هيّ اللي غلطت فيّا وأهانتني وكمان أروح أصالحها؟ ده أنا ما أقدرش أبص في عينيها تاني .. خلاص هي اللي سابت البيت يبقى هي اللي ترجعله لوحدها ..
قــالت ســارة:
إستيقظت من نومي المتقطع لأشعر أنـّني لم أنم، وإنما كنت أحارب من أحلامي المزعجة التي رأيتها .. وأول ما استيقظت نظرت على الموبيل لأرى هل عمر إتصل بي أم لا؟ وحزنت عندما لم يحاول الإتصال ولا أرسل حتى رسالة إعتذار ..
ما أصعب أن يجرح الرجل كرامة حبيبته .. والأصعب إنتظارها حتى يرد لها كرامتها ..
ماذا أفعل الآن؟ .. ماذا لو لم يأتي عمر لصلحي؟ هل سأعود وحدي؟ لا يمكن ..
أخيراً عرفت ماما ليه ماكانتش بتسيب البيت مهما زعلت مع والدي، كي لا تضع نفسها في موقفي المحرج ..
وخرجت إلى الصالة لأجد جميع أفراد أسرتي ينظرون اليّ باشفاق، وخجلت من موقفي، وحاول أبي التسرية عنـّي ومداعبتي، ولكنـّني سمعت صوت أمي عالياً تتحدث تلفونياً في الصالون .. فدخلت عليها كالسهم وظننتها تتشاجر مع عمر .. ويا ليتها فعلت، فقد وجدتها تتحدث مع حماتي ..
ياللكارثة .. إنقلب الموضوع لحرائق بالطبع .. واضح إن حماتي تسدد كلمات نارية لأمي، وإنها كالمعتاد تلقي اللوم عليّا ..
كده يا عمر لحقت قلت لها؟!! طيب ما أنا كمان قلت لماما .. اشمعنى هو يعني اللي حيطلع عاقل؟
وأخيراً ألقت أمي السماعة بعنف وهي تغلي من الغضب وتقول: أنا غلطانة اللي كلمتها علشان تهدي الموضوع، دي عاوزة تخرب البيت وخلاص .. قال وبتقول عليكي إنـّك متدلعة ومش مهتمة ببيتك ولا جوزك .. قال وأنا اللي كنت بأقولك إخزي الشيطان وارجعي بيتك .. طيب لو البيه إبنها ماجاش يصالحك ويبوس على راسك كمان عمره ما حيشوفك تاني وحيشوف شغله معايا أنا ..
سألتها: هوّ عمر اللي اشتكي لها مني ولا انتي اللي قلتيلها ياماما؟
ردت: لا يا ستي أنا اللي قلتلها .. هو ما قالش حاجة ..
فرددت بندم وأنا اغالب البكاء: ربنا يخليكي ياماما ..
قــال عمــر:
سألت أمي وأنا أكلمها في التلفون: ليه يا ماما بس تقولي لأم سارة الكلام ده كله؟ هو أنا عمري اشتكيتلك منها؟
ردت وقالت: هو انت من ساعة ما اتجوزت وانت بتحكيلي على حاجة خالص؟ بقى مراتك تغضب وتسييب البيت وأنا ماأعرفش؟ وكمان زعلان إني رديت عليهم؟
قلت: ياماما حضرتك كده كبرتي الموضوع، وإنتي عارفة سارة قد إيه محترمة وبنت ناس .. بس هي الحمل اللي تاعب أعصابها شوية ..
ردت بغضب بالغ من دفاعي عن سارة: أنا اللي كبـّرت الموضوع؟! والمحترمة بنت الناس اللي سابت بيتها وراحت اشتكتك للناس ما كبرتش الموضوع؟
لم أستطع الرد عليها وقلت في سري: كده يا سارة تصغريني قدام الكل؟ .. ورديت على ماما وقلت: ياماما حقك عليّ بس حضرتك كده خلتينا إحنا كمان غلطانين .. وأنا دلوقتي مش عارف أعمل إيه؟
قالت بعنف: روح صالح ست الحسن والجمال بتاعتك .. وأغلقت السماعة في وجهي ..
لا إله إلا الله .. أعمل إيه أنا دلوقتي في المصيبة دي؟ .. العيلتين وقعوا في بعض كل ده من دلعك يا ست سارة ..
بس ماما خلتني لازم أعتذر لها عن كلامها اللي قالته .. كمان لازم ما أوطيش لها علشان تعرف إنها هي اللي غلطانة، وأحاسبها إنها طلّعت أسرارنا للناس ..
طيب أروح ولاّ ما أروحش؟!!
أنا لم أنم لحظة من ساعة ما سابت البيت إمبارح .. وكأنـّها أخذت الحياة معها وتركت البيت قبراً .. خلاص أنا أعمل كلام ماما ده حجة إني أصالحها .. رب ضارة نافعة .. بس برضه حاعرّفها أنا مين ..
قــالت ســارة:
كده يا عمر أهون عليك؟ تسيبني يوم وليلة كاملين من غير ما تسأل عليّا ولو بالتليفون؟ .. وكلام حماتي اللي يحرق الدم ..
بس بجد أنا اللي غلطانة، أهو دلوقتي حماتي مش طايقاني، وماما مش طايقة عمر .. أنا فعلا اللي غلطانة جداً إني سبت بيتي .. ياما مرّت علينا أنا وعمر خناقات أصعب من دي، وكنت بأخاصمه شوية وكان دايماً هو اللي بيصالحني حتى لو أنا اللي غلطانة .. كويس كده الرمية اللي أنا مرمياها دي؟
طيب لو ركبه العند زيادة حاعمل إيه؟ .. أنا عرفت ليه دلوقتي ليه طاعة الزوج ربنا وصـّى عليها لدرجة ألا تسجد المرأة لمخلوق بعد الله إلا لزوجها .. (طبعاً ليس المقصود أن تسجد المرأة لزوجها إنـّما هذا من باب تعظيم حقّ الزوج، والحديث الذي تشير إليه الكاتبة هنا هو قوله صلى الله عليه وسلـّم: ” لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها” [رواه الترمذي. صحيح] تعليقٌ من مشرف الصفحة)
سبحان الله .. ربنا عمل كده علشان يصون كرامة المرأة وليس الرجل وحده، بأن يجعلها مصانة في بيتها ولا تكون ضيفة ثقيلة على الناس، وتنشر أسرارها للجميع .. والله أشعر أنـّني عرّيت نفسي أمام الكل .. وزوجي هو الوحيد ستري وعزي وكرامتي .. حتى الأهل حبـّهم من النوع المدمر، الذي يبحث عن كرامة البنت وليس عن بقاء بيتها .. وأنا كان ممكن أُشعر عمر إنـّه غلطان بألف وسيلة وأنا في بيتي بدون الجنان اللي عملته ده .. هوّ يعني البنت قبل الجواز بتسيب بيت والدها لما تزعل؟ .. يارب سامحني .. لن أفعلها أبداً مهما حدث ..
واخذت أستغفر الله كثيراً وأدعوه أن يحلّ هذا الوضع المعقـّد، حتى جاءت إجابة دعائي أسرع مما توقعت ..
جاءني نداء أختي الصغيرة إليّ مثل نشرة الأخبار: أبيه عمر جه يا أبلة سارة، وحاطط برفان كتير أوي ..
فقفزت من السرير وأنا أشعر أن كل جزء في جسدي يرتعش ويرقص .. يا حبيبي يا عمر، ماقدرش على بعدي .. أحمدك يارب ..
غيّرت ملابسي بسرعة، وغسلت وجهي الذابل من كثرة الدموع، وخرجت بسرعة قبل أن تتشاجر معه أمي ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة ستة وعشرون
قــال عمــر:
خفق قلبي بقوّة عندما رأيت سارة تدخل الصالون، كما كنت أفعل حين أراها أيام الخطوبة .. يا حبيبتي يا سارة، واضح أنـّها لم تنم مثلي، ووجهها متعب جداً .. لن أغضبك أبداً يا حبيبتي ..
وقطعت حبل أفكاري لأسترد وعيي ولأقول للجميع ما نويت عليه: أنا جاي النهاردة علشان أعتذر عن الكلام اللي قالته والدتي ليكم، وأنا باعتذر بالنيابة عنها، لأنـّني لا أقبل المساس بكرامة سارة، لأن كرامتها من كرامتي .. بس أنا جاي علشان كده .. وبعد إذنكم أستأذن لأن عندي مشوار مهم ..
قــالت ســارة:
قفز قلبي بين ضلوعي من الرعب .. ألن يصالحني عمر؟ .. طيب وبعدين؟ ..هل سيمشي حقاً؟
همـّت والدتي أن تلقي عليه مدفعية من العيار الثقيل، وما أن فتحت فمها حتى عرف أبي نيتها وعلم أنها ستشعل الوضع فقاطعها بصوت حازم: إيه يا حجـّة مش حتعملي قهوة للباشمهندس ولا إيه؟ .. ونظر لأمي نظرة نارية جعلها تنسحب في صمت ..
ثم استأذن هو الآخر ليجري مكالمة تليفونية طويييييييييييلة .. ربنا يخليك لي يا بابا ..
نظرت إلى عمر من طرف خفي بشوق .. آه كم أعشق هذا الرجل، وكم كبر في نظري عندما اعتذر عن كلام والدته السخيف .. أنا فعلا غلطانة غلطانة غلطانة ..
وأخيراً تكلـّم عمر ونظر إليّ بعتاب كبير لم أره من قبل: كويس كده إنّ الناس بتتفرج علينا؟ وإنتي اشتكتيني للجميع وأنا لم أحكي حتى لأمي؟
أنا: ………!؟
عمـر: أنا فعلاَ غلطان إني زعـّقت وكبـّرت الموضوع، بس إنتي بعتيني وسبتي البيت، وأنا مش ح انسي ده أبداً ..
رديت عليه هذه المرة: أنا غلطانة فعلاً .. بس أنا متعودة منك أنك تحتويني وتطبطب عليّا .. فجأة لقيتك بتهاجمني وأنا ميتة من التعب .. إتجننت .. أعمل إيه؟ ووالدتك كمان قالت كلام رهيب ..
ردّ بعصبية: خلاص أنا اعتذرت عن كلامها، أعمل إيه أكتر من كده؟ بس لازم تعرفي إني مش ح اسمح بالوضع ده تاني .. لو عاوزة تزعلي مني إبقي إقفلي على نفسك أوضة النوم واعتبري نفسك سبتي البيت
.. مش نفرّج علينا الناس كده؟
رددّت بخجل وقد بدأت دموعي تنساب: خلاص أنا كمان غلطت يا عمر ..
لانت ملامحه برقـّة وقال لي بحنان: طيب إيه لازمة الدموع دي دلوقتي؟ ما تعيّطيش علشان ما تتعبيش يا سارة .. وبعدين كده أهون عليكي وتسيبيني لوحدي؟
فهممت أن أعاتبه ثانية، فدخل والدي وهو يبتسم إبتسامة حنون وكأنه سمعنا، وقال لي: يالاّ يا سارة من غير مطرود، قومي إلبسي هدومك علشان تروحي مع جوزك يا حبيبتي .. ومش عاوزين نشوفكم هنا إلا مع بعض .. مفهوم؟
قــالت ســارة:
وأخيراً دخلتُ بيتي وكأنـّني تركته من عشر سنين .. شعور رائع بالدفء غمرني عندما أحاطتني أركانه .. كم كنت غريبة خارجه، لن أتركه ثانية إن شاء الله ..
والتفت إلى عمر وأنا أتوقع خناقة طويلة، أو أوامر لا حصر لها، لأنه لم ينطق بكلمة في السيارة طوال الطريق، وشكله ينذر بعاصفة لا حدود لها .. ونظرت له صامتة أنتظر ما سيقوله ..
إنتظرت طويلاً حتى رفع رأسه لي أخيراً وقال لي جملة واحدة بحزم رهيب: أنا مش ح أسمح باللي حصل ده إنـّه يتكرر تاني، ولو مش عاوزة تسمعي كلامي بعد كده في أي موضوع يبقى مفيش لازمة نكمل مع بعض .. ثم تركني ودخل غرفته الصغيرة التي تحتوي على سريره القديم وهو شاب، ولم يدخل غرفة نومنا ..
ذهلت من عبارته القاسية، وارتجفت من القلق .. لم أتخيله غاضباً إلى هذا الحد .. لقد اعتدت منه على الغضب ثم الصفاء السريع، ثم يبادر هو لصلحي حتى لو كنت مخطئة .. إعتدت على حنانه حتى تماديت في عنادي، والآن أدفع الثمن ..
لم أجرؤ أن أدخل وراءه وأناقشه، وتركته ليهدأ .. ودخلت غرفة نومي وحاولت النوم قليلاً ولم أستطع، فالغرفة من دونه كأنها غرفة في الأسكيمو .. عرفت الآن لماذا جعل الله الهجر في المضاجع وسيلة لتأديب الزوجة .. ومرّت أيام ونحن على هذا الحال، لا يكلمني إلا كلمات معدودة، ولا ينظر إلى عينيّ وهو يحادثني .. آه ما أقساه من عقاب ..
حاولت مراراً أن أفتح معه الموضوع لأشعره أنـّني أخطأت، وأنـّني كنت متوترة من الحمل، وأنـّني لن أفشي أسرارنا ثانية أبداً .. بلا جدوى ..
كان لا يسمع، ويجعلني أصمت بحزم واضح .. حاولت أن أثنيه عن النوم في غرفة أخرى، بلا فائدة .. وكان يعود يجدني متزينة ومتعطرة، ولكن كأنـّني ألبس طاقية الاخفاء .. ماذا أفعل ياربي؟ .. ومازاد المشكلة أن ماما زعلانة مني لأنـّني رجعت إلى منزلي دون أن أجعلها ترد لي حقي وتقتلّي عمر وأمه .. وطبعاً حماتي لا تتـّصل أبداً، وشعرت أنـّها هي الأخرى زعلانة من عمر ومني طبعاً .. يعني إحنا كده كلنا عاوزين مجلس الأمن يصالحنا مع بعض ..
قــال عمــر:
لابد أن تعلم سارة أنـّني لا أقبل أن تستهين بي، ولابد أن تسمع كلامي .. الظاهر إنـّي دلعتها كتير، وهي اتعودت على كده .. لابد من وقفة حتى تستقيم الأمور ..
بس كده أنا حاسس إني بأقسو عليها جداً .. لا والله .. لا يمكن تكون قسوة .. فالرسول صلى الله عليه وسلم إعتزل زوجاته في المسجد عندما أثقلوا عليه في أمور الغيرة والإختلافات الصغيرة، حتى عادوا إلى سابق عهدهم ..
بس هيّ صعبانة عليّ جداً، ووحشاني جداً جداً .. لااااا .. إجمد ياعمر باشا وكمل دور سي السيد، واستحمل النوم على السرير السفاري الجبار ذو المرتبة الفولاذية لحد ما ربنا يسهـّل ..
قــالت ســارة:
طيب الشغل وأخدت أجازة منه.. وكلام وبأحاول أكلمه .. أعمل إيه تاني؟ .. الظاهر إني غلطت لما صالحته .. خلاص هو حر أنا عملت اللي عليّا .. عاوز يزعل براحته بقى ..
بس هو حبيبي برضه، وبافتكر لما بأكون أنا زعلانة منه بيعمل إيه علشان يصالحني .. يبقى أنا ما أتعـّبش نفسي شوية علشان أصالح حبيب عمري؟ أمال أتعب نفسي علشان مين؟!! .. أعمل إيه .. أعمل إيه؟
واخذت أفكر وأنا ألعب على الكومبيوتر لقطع الوقت حتى يأتي عمر .. ووقعت عيني على الطابعة وأنا ألعب، وفكـّرت أن أكتب له جواب اعتذار وأشرح فيه مشاعري له .. ولكنـّني وجدت فكرة أفضل ..
أخذت أكتب كلمة أنا آسفة بكل اللغات التي أعرفها: آسفة بالعربي، وسوري بالإنجليزي، وباردون بالفرنساوي، وأيّوووه حقك علينا يا جدع بالاسكندراني، ومعلهش بالصعيدي .. وأخذت أطبع من هذه العبارات الكثير، وطبعا لم أنسى أن أكتب عبارات جميلة مثل: والله العظيم بحبك .. و: ما كنتش أعرف إنـّك قاسي كده .. و: طيـّب أهون عليك؟!! .. وكتبت لوحتين كبيرتين علقت واحدة على باب حجرة نومه الصغيرة التي أكرهها وكتبت عليها: ممنوع الدخول .. والأخرى على باب غرفة نومنا معاً وكتبت عليها: الإتجاه إجباري .. وأخذت أعلـّق كل هذه الأوراق في كل مكان .. أكيد حيقول عليّا مجنونة لما يشوف المهرجان ده كله .. بس يمكن الجنان يصلـّح الشرخ اللي حصل بيننا ..
وانتظرت عمر طويلاً حتى جاء .. وطبعا ذُهل من دار النشر اللي أنا عاملاها في البيت .. ونظر إليّ وابتسم ابتسامة عريضة لم أرها من أيام طويلة .. فجريت إليه وتعلقت برقبته كالطفلة الصغيرة، وهمست في أذنه: مش ح اعمل كده تاني .. أنا ما أقدرش أعيش وإنت زعلان مني كده ..
ضمني إليه وقد زال كل غضبه، وجلسنا وقال أخيراً وهو يبتسم: إنتي حتفضلي مجنونة كده على طول؟ كل ده عملتيه علشان تصالحيني؟
قلت بدلال: يعني انت مش زعلان مني .. مش كده؟
قال: أنا مقدرش أزعل منك خلاص .. بس لسـّه فيه نقطة صغيرة؛ موضوع الشغل ده أنا مش ح أرجع في كلامي فيه .. لا يمكن أعرضك للخطر إنتي وإبني تاني .. إنتو الإتنين أغلى حاجة عندي .. إتفقنا؟
هممت بالإعتراض، ولكنـّني لم أستطع، وقلت على مضض: حاضر .. بس أنا ما اتعودتش على قعدة البيت يا عمر .. بجد ح أموت من الملل، وبعدين حنلحـّق على مصاريفنا منين يا حبيبي؟
قال: بصي .. أنا فكـّرت في حل يريحنا كلنا .. بس إدعي ربنا إنـّه يحصل .. فيه واحد عندنا في الشركة كل شغله إنـّه يرد على العملاء من خلال الإيميلات، وإنـّه يجري أبحاث على النت ليحصل على أفضل عروض للشركة، من خلال مقارنة مواقع الشركات الثانية بشركتنا .. يعني كل شغله على الإنترنت .. وكتير ماكانش بييجي ويبعت التقارير دي من البيت .. لأنه بيؤدي المطلوب منه وخلاص، لأن وجوده في الشركة غير ضروري .. هوّ الأيام دي جاي له عقد عمل في الخليج، وبيفكر جدياً إنـّه يوافق عليه .. فلو ده حصل ح أحاول أقنع المدير إنـّه يسلـّم الشغل ده ليكي تعمليه من البيت .. وح أقنعه إنـّك ولا بيل جيتس في زمانه .. هو صحيح راتبها أقل من مرتبك القديم، بس ح تترحمي من بهدلة المواصلات .. قولتي إيه؟ أقول له ولا إنتي مش موافقة؟
رددت بفرح كبير: مش موافقة؟؟!! دي وظيفة تجنـّن .. بس يارب صاحبك يسافر والمدير بتاعك يوافق .. بس مين ح يعلمني الحواديت دي كلها؟ أنا بأعرف أشتغل على الكومبيوتر والنت كويس بس ما أعرفش العملاء والمنافسين والأفلام دي؟ مين اللي ح يعلمني؟
وكان رده جاهز على طول: أنا يا حبيبة قلبي ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة سبعة وعشرون
قــالت ســارة:
بدت صالة منزلنا المتواضع مثل ساحة القتال .. ولكنـّه قتال من نوع خاص هذه المرة .. بدأ بنظرات نارية من حماتي لي .. وأعقبها مصمصة للشفتين، مدعمة بأسلحة دمار شامل من كلمات موجـّهة لي تحرق الدم لأن عمر صالحني ولم يستمع إليها .. وعلى الجانب الآخر من الجبهة كانت أمي تحمل الراية وتوجه مدافعها الرشاشة إلى عمر هذه المرة، لأنه تجرّأ وأغضب القطة الوديعة مغمضة العينين اللي هي أنا .. وكدت أبكي في لحظات كثيرة .. وكاد عمر ينفعل في أوقات أكثر .. ولكنـّنا أخذنا عهداً على أنفسنا قبل أن نعزم الأسرتين على العشاء أنـّنا نبتغي رضا الله من رضاهم، وسنستحمل أي كلمة أو غضب من أحد الطرفين، حتى نمتص شحنة الإنفعال التي تسكن الصدور، وتعود الأمور إلى طبيعتها الأولى ..
وكنت عندما أرى الأمور ستشتعل بين ماما وحماتي أبادر عن الحديث عن البيبي، وكيف أن الحمل متعب جداً، وأنـّني أنام كثيراً جداً ولا أطيق الأكل .. ولكن للأسف كان هذا يأتي بنتيجة عكسية بالطبع مع حماتي لأني: باتدلع على إبنها .. فيغمزني عمر عندما ينقلب وجه أمه من كلامي، وكأنه يقول لي: جيتي تكحليها عميتيها ..
قــال عمــر:
يااااااا ساتر .. أخيراً عدّت السهرة على خير .. دي ولا مفاوضات إسرائيل .. بس كنا يعني حنعمل إيه، حنسيبهم زعلانين مننا؟ المهم إنهم نزلوا هاديين وأحسن من الأول بعد ما فرغوا كل شحنة النكد والعتاب عليّا أنا وسارة .. بس الحمد لله إنهم كده راضيين عننا، علشان ربنا يرضى عننا .. وأحلى حاجة عجبتني موقف الرجال؛ والدي وحمايا من الحدوتة .. أخذوا ركن وقعدوا يلعبوا طاولة، وكل واحد ساب مراته تفرغ قنابلها علينا حتى ترتاح .. واضح إن القنابل دي كانت بتنزل على دماغهم هم فحبوا يرتاحوا شوية ..
قــالت ســارة:
ياااااااااااه ده أنا نمت كتير أوي .. السهرة إمبارح إمتصت كل طاقتي في الإحتمال .. همّ نزلوا من هنا ونمت فوراً بدون مقدمات .. واضح إن عمر نزل الشغل من غير ما يصحيني، وتخلى عن فطاره المتين!! موضوع الحمل ده جه على حساب عمر، وهو كمان حنين جداً وخايف عليّ إني أتعب نفسي في أي حاجة، وأنا طبعا ما صدقت، سايقة الدلع على الآخر، بأستغل الفرصة لآخر نقطة:
“أف دي ريحتها مش حلوة، شيلها بسرعة” .. “لا مش قادرة أطبخ النهاردة هات أكل معاك” .. “سوق بالراحة علشان البيبي” .. “مزاجي مش رايق، عاوزة أخرج حالاً” .. “نفسي في أم الخلول دلوقتي” .. والغريبة إنه مش متضايق ،ومحسسني إني ح أخلف صلاح الدين الأيوبي ولاّ قطز .. وعاطفته ناحيتي أصبحت أعمق وأهدأ .. بيتكلم عني وكأني لست فرد واحد بل عائلته كلها .. اللهم إجمعنا سوياً على حبك ولا تفرقنا أبداً ..
قــال عمــر:
من ساعة ما سارة سابت الشغل والمصاريف بقت نار، ولسه المدير لم يعطي رأي نهائي في موضوع وظيفة الرد على العملاء من خلال الإنترنت، ولسه متخوف من الفكرة .. يارب يوافق علشان يحل أزمتنا دي يارب .. وخلاص تعبت من فكرة الإقتراض من والدي .. أمتى بقى أقدر أعتمد على نفسي وما أحتاجش لحد تاني؟
يارب إفتح لنا أبواب رزقك الحلال، وأغننا من حلالك ..
قــالت ســارة:
رأيت فكرة مشروع ممتاز على الانترنت، يطلبون تصميم هندسي لمدينة ألعاب ترفيهية تعليمية للأطفال .. وصاحب أفضل تصميم سيأخذ مكافأة سخية، وأيضاً سيعيّن المستشار الهندسي للشركة .. وهي شركة مقاولات متعددة الجنسيات، وراتبها أضعاف ما يتقاضاه عمر ..
عرضت عليه الفكرة فعجبته جداً، وأمضى ساعات على موقع الشركة وهو متحمس جداً لاقترابه من حلمه بالخروج من دوامة عمله الروتيني إلى دائرة الإبداع التي يتمناها، وكان مميز جداً بها في كليته، ولا تتيحها له شركته .. وكان يقضي الساعات يشرح لي أفكار المشروع وأحلامه لو أخذوه هو في هذه الوظيفة الرائعة، وكيف ستتحول حياتنا الى شيء آخر ..
وفجأة وجدته فقد حماسه وانكسر، ولا يتحدث في الموضوع ولا يدخل إلى موقع الشركة .. وعندما سألته عما حدث أجابني بإحباط: خلاص يا سارة، واضح إن الموضوع ده مش لينا ..
قلـت: ليه ياحبيبـي التشاؤم ده؟ إيه اللي حصل ده؟ .. إنت كنت متحمس جداً ..
قـال: لما حسبتها لقيت إنهم عاوزين تأمين لدخول المشروع، حوالي 5 آلاف جنية .. وكمان أنا ح أحتاج معدات تصميم وأدوات ومراجع بمبلغ كبير .. حنجيب ده كله منين؟
قلـت: ياسيدي ربنا يحلها من عنده .. بس بلاش الإحباط ده كله ..
فرد بيأس وانكسار: وبعدين يا ستي يعني هم ح يسيبوا كل الناس اللي متقدمين وياخدوني أنا؟ يعني أنا أزيد إيه عنهم؟
فرددت بحماس: إنت تزيد عنهم إنـّك عبقري وحسـّاس، وبتشوف الأشياء بمنظور خاص بيك، وإنت بنفسك ياما قلتلي إن زمايلك ومديرك نفسه قالوا إن تصميماتك عبقرية، بس محتاجة تمويل كبير .. وبعدين هو أي واحد من الناس الكبار إبتدا حياته إزاي؟ ماهو أكيد كان صغير زيك كده، بس عنده ثقة في موهبته فكبر بيها .. إنت مش عارف قيمة نفسك يا باشمهندس ولا إيه؟
إنتقل الحماس إليه شيئاً فشيئاً ورد وقال: ياستي ربنا يكرمك، بس أنا حآجي إيه جنب كل الناس اللي حتقدم دي؟ مش معقول ح ياخدوني أنا ..
قلـت: أهي هيّ دي محبطات الأعمال اللي الرسول عليه الصلاة والسلام إستعاذ منها .. ياسيدي إعمل اللي عليك واجتهد، والتوفيق على الله .. وبعدين نسيت سلاح ساحر إسمه الدعاء؟ ده يخليك تهزم أي حد قدامك، وتنتصر عليه كمان ..
إستعاد ثقته بنفسه، وتلون صوته بالأمل، ولمعت عيناه وهو يقول: يعني إنتي شايفة كده؟
فرددت بسعادة: طبعاً .. أنا مؤمنة بموهبتك جداً .. يالاّ توكل على الله وابدأ وابذل كل جهدك، ولن يضيعك الله أبداً .. وبكرة تقول سارة كان عندها حق..
إحتضنني بسعادة وهو يقول: ربنا يخليكي ليّا وتفضلي على طول جنبي كده ..
ثم أبعدني عنه عندما تذكر أمراً يؤرقه: طيب والفلوس حنجيبها منين؟ وإنتي عارفة والدي خلص كل مدخراته على جوازنا ..
فرددت بثقة في الله: ما تخافش .. ربنا ح يحلها من عنده ..
في الصباح بعدما ذهب عمر إلى عمله ذهبت في مشوار سري إلى الجواهرجي، وبعت كلّ شبكتي وذهبي قبل أن أتزوج، ولم أترك إلا دبلة زواجي لأن عليها اسم عمر .. يارب المبلغ ده يكفي المشروع .. أكيد عمر حيرفض في البداية، بس ح احاول أقنعه .. بس يارب ما يعملهاش مشكلة
وفي طريق عودتي أخذت جزءاً بسيطاً من المبلغ واشتريت به لحم ودجاج وخضار وفاكهة يعوضنا عن حياة القحط التي نعيشها منذ تركت عملي .. سأعد لعمر وليمة اليوم ..
وعندما دخل عمر البيت وشم رائحة اللحم الشهي ظن أنـّه أخطأ العنوان، لأنه ترك البيت وليس به إلا معلبات .. ثم عندما تأكد من العنوان صرخ مثل طرزان وقال: في بيتنا لحمة يا رجالة؟!! جبتي منين الممنوعات دي يا مدام؟
بلعت ريقي وأنا أتمتم بالمعوذتين في سري، وأخذته لغرفة النوم ليغير ملابسه أولاً وهمست له: مش ح أقول لك إلا لما تقول لي مبروك الأول ..
رد بإبتسامة كبيرة: مبروك يا ستي، إنتي حامل تاني ولا إيه؟
قلـت: يا غلاستك .. لا ياسيدي .. ح أدخل مشروع كبير أوي مكسبه مضمون جداً ..
قـال بغضب: عاوزة تشتغلي تاني ياسارة؟
رددت بدلال: لا يا سيدي، إنت اللي حتشتغل عندي ..
فعقد جبينه وتململ: سارة أنا تعبان ومش رايق للحواديت دي .. قولي فيه إيه؟
بلعت ريقي هذه المرة بصعوبة وقلت: طيب أنا ح أقولك .. بس إهدى كده وفكر الأول قبل ما ترد .. بص ياحبيبي: أنا بعت كل دهبي علشان أوفرلك الفلوس اللي إنت محتاجها للمشروع بتاعك ..
صرخ بعنف وقد تطايرت كلمات الغضب منه: إييييييييييه؟ عملتي إيه؟ إزاي تعملي كده قبل ما تستأذنيني؟ إنتي بتهرجي؟
وضعت يدي على فمه واستحلفته أن يتركني أشرح له: هو أنا عمري عملت حاجة من غير ما أستأذنك يا عمر؟ بس دي ما كنتش حتوافق أبداً عليها .. كان لازم واحد فينا يتحرك قبل ما الفرصة تضيع مننا .. وأنا ياسيدي مش لازمني الذهب ده في حاجة دلوقتي .. وبكرة لما ربنا يفرجها عليك تجيب لي الماس بداله يا سيدي ..
رد بعصبية: برضه كان لازم تستأذنيني الأول ..
قلـت: حقك عليّا .. أنا آسفة .. بس أنا كمان عاوزة حياتنا تتغير، وعاوزاك تكبر .. ويا سيدي لو كنا جينا من برة مرة لقينا الشقة إتسرقت وفيها كل ذهبي كنا ح نعمل إيه يعني؟ مش ح نستعوض الله؟ إعتبره اتسرق ولا ضاع وخلاص ..
رد بعناد: بس أنا كرامتي ما تسمحش إني آخد فلوس من واحدة ست ..
فحككت رأسي علامة التفكير: يااااااا ربي .. أنا شفت الفيلم ده فين قبل كده؟؟ في أي سينما؟ .. ست مين ياحبيبي؟ ده أنا مراتك .. والخير اللي ح يجيلك ح يجيلي أنا كمان .. وبعدين ماهي السيدة خديجة كانت بتساند الرسول عليه الصلاة والسلام بمالها .. إنت يعني أحسن منه؟
فهدأ ولان لمنطقي وقال باستسلام: لا طبعاً .. بس دي تضحية كبيرة منك يا سارة وأخاف أخذلك ..
إبتسمت وقلت: ولا تضحية ولا حاجة .. هو احنا لما نبني حياتنا نبقى بنضحي؟ وبعدين أنا مؤمنة بموهبتك جداً جداً جداً .. وعندي يقين إن ربنا ح يكرمك .. بس إنت يالاّ أبدأ وبلاش كسل ..
أشرق وجهه بالأمل والحب معاً وهو يضمني إليه ويقول: جميلك ده طوق في رقبتي .. ربنا يقدرني ويوفقني علشان خاطرك إنتي يا حبيبتي ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة ثماني وعشرون
قــالت ســارة:
أخيراً إستلمت عملي الجديد بعد طول إلحاح من عمر على مديره، وبعد أن وافق المدير مقابل تخفيض جزء من الراتب، لأنـّني لن أحضر وسأعمل من البيت .. لكن مش مهم .. عندما أحسب تكاليف المواصلات والشاي والقهوة إلخ إلخ التي كنت أصرفها في عملي القديم أجد أنـّني أنا الكسبانة .. ولكن العمل ليس سهلاً كما كنت أتخيل، فهو يتطلب يقظة دائمة ولباقة كبيرة في طريقة الكتابة والتعامل مع العملاء .. وكنت أظن أنـّني سأستيقظ كما يحلو لي وأعمل وقت ما أريد، ولكني إيميلي الذي صنعته خصيصاً للعمل مفتوح دائماً على إيميل مدير المشروع ليرسل لي الأوامر كل لحظة .. وكان في البداية يكتب لي في كلمات مختصرة ماذا أفعل؛ أرسلي فاكس العمرانية، ولا تنسي كذا، وذكريهم بكذا، وموعد كذا .. وبعد مرور شهر واحد فقط أصبح يخاطبني بالكلمات فقط؛ فاكس العمرانية، ثم ينهي المحادثة ..
خايفة بعد مرور شهر كمان يرسل لي رموز؛ ظ: يعني عملاء السلام .. و ق: يعني عملاء المريخ ..
لكنـّني سعيدة جداً بهذا العمل، وقادرة على القيام بأعمال منزلي في نفس الوقت، فأكون بأسلق اللحمة وأنا بابعت الفاكسات، وبأقشر البطاطس وأنا بأرسل بالعروض للعملاء .. وكمان خفـّف قليلا من ضغط المصروفات علينا .. وخصوصاً أن عمر حالته النفسية والمزاجية صعبة جداً بسبب المشروع الذي يصممه ..
قــال عمــر:
“أنا اللي جبت ده كله لنفسي” ..
تدور هذه العبارة دائماً في بالي وأنا أعمل في التصميم الخاص بالمسابقة .. لماذا أدخلت نفسي في هذه المشكلة؟ ماذا لو لم ينجح التصميم؟ أكون ضيعت ذهب سارة وتحويشة العمر بلا جدوى؟ ..
هذه الفكرة عندما أصل لها أكاد أصاب بالجنون، وتجعلني في غاية العصبية .. والمسكينة سارة تقابل كل نوبات غضبي وعصبيتي الرهيبة بالهدوء والاحتمال .. ولا تكاد تمل من التشجيع .. ولا يتوقف أملها أبداً ..
آه لو أرى الدنيا بنظرتها الطفولية المتفائلة، سأفعل المستحيل ..
ولكن علمي بظروف التعاملات التجارية تجعلني أشك في أنهم سيختارونني أنا وسيأخذون أحد الأسماء اللامعة مسبقاً .. عندما أصل إلى هذه النقطة أكاد أبكي مثل الأطفال، وأترك كلّ العمل وأنزوي وحدي .. ولكن ملاكي الحارس تأتيني لتمسح عني كل الاكتئاب واليأس، وتبث في روح جديدة خلاقة تجعلني أعمل من جديد ..
علمت الآن لماذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم يستعيذ من عجز الرجال، وكنت أتعجب من علاقتها ببقية الدعاء .. إن هذا العجز أصعب من كل شيء .. يارب لا تخذلني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين .. أنت وكيلي يارب وأعلم أنك لن تضيعني ..
قــالت ســارة:
“أنا اللي جبت ده كله لنفسي” ..
أتذكر هذه العبارة كلما همّ عمر بالقاء كوب شاي في وجهي إذا دخلت عليه وهو يعمل .. أو وصوته يهدر كالرعد عندما يجد الملح ناقص في الطعام بعض الشيء .. فأغلي من داخلي، ولكنـّني لا أستطيع أن أظهر غضبي منه، بل بالعكس، أهدئه وأضحك معه بأن المرة القادمة ينبهني قبل أن تنفجر القنابل في صوته كي أغلق الشبابيك أولاً .. فيهدأ ويعتذر عن توتـّره الرهيب .. ولكنـّني أخشى عليه من كل هذا .. وأعلم أن الرجال لا يستطيعون التركيز في أكثر من شيء واحد، بعكس النساء .. ولكنـّني أحياناً أستسلم لليأس أنا الأخرى، ولكنـّني لا أشعره به أبداً، بل أشعره انه أفضل مهندس في العالم، وتصميمه ح يكسر الدنيا ..
والمشكلة أنـّني أحمل كلّ هذا الجبل من المسؤولية وحدي، فلم نخبر أيـّاً من الأسرتين بهذا الموضوع كي لا يضغطوا على أعصاب عمر ويتهمونه بتبديد مدخراتي .. وحتى أمي لاحظت أنـّني لا أرتدي سوي دبلة زواجي، فسألتني عدة مرات عن ذهبي، فكنت أرد بمزاح: هو لسه فيه حد يا ماما بيلبس دهب؟ ده بقي مش ستايل خالص ..
وكانت تبتلع إجاباتي مضطرة، وتنظر لي نظرة ذات مغزى وكأنها تعلم كل شيء ..
يا رب كن معنا .. نحن ضعاف وأنت قوتنا .. نحن خائفون وأنت ملاذنا .. نحن صغار وأنت وكيلنا ..
-
-
“سارة .. سارة .. سارة .. إلحقي يا سارة تعالي بسرعة ..”
قمت من مكاني منتفضة على صوت عمر المدوي والذي يرقص من الفرح وأنا أتساءل: خير خير .. فيه إيه يا حبيبي؟
رد عليّ قائلاً: كلمت سكرتير الشركة الجديدة لأطمئن على الأحوال، فبشرني أنـّهم نظراً لضخامة المشروع سيأخذون أفضل ثلاثة تصاميم، وليس تصميماً واحداً ..
فرقصت من الفرحة وأنا أصرخ: بجد؟!! الحمد لله .. الحمد لله .. كده فرصتك بقت كبيرة أوي ياعمر .. يالا شد حيلك وبلاش كسل ..
فقال بصوت ينفجر حماسة: أيوة فعلاً مفيش وقت خلاص .. والله يا سارة مش عارف من غيرك كنت ح أكمل ازاي .. لو كنت لوحدي كان زماني يئست وسبت الموضوع كله .. ربنا يخليكي ليـّا ..إ نتي استحملتيني كتير أوي ..
فرددت بفخر: بس خليك فاكرها!! يا حبيبي إنت مستهين بناس ربنا وكيلهم؟ إزاي يعني؟ وبعدين إنت بجد عبقري .. وبكرة تقول سارة قالت ..
فهمس لي بنظرة ذات معنى: بجد؟ يعني إنتي شايفة كده؟
ففهمت ماذا يقصد وقلت له بلهجة آمرة: يالا يا سيدي مفيش وقت للدلع، عاوزاك تشتغل زي النار .. يالا إنت لسه قاعد؟ إيه الرجالة اللي ما بتسمعش الكلام دي؟ ولا عاوزني أزعق لك قدام إبنك؟
فوضع يدي على بطني المنتفخة وكأنه يشرك إبننا في الحديث معه: والله إنتوا الإتنين وش الخير عليّ .. وأنا حاعمل المستحيل علشان أسعدكم ..
وتركني وانصرف لعمله .. وتلمست بطني كأنـّني ألمس صغيري وأعتذر له أنـّني إنشغلت عنه .. وأخذت أناجيه وأحكي له عن كل ما يشغلني و كل ما أشعر به تجاهه كما أفعل دائماً .. وكيف لا وهو يشاركني نبضي؟
ترى يا صغيري ماذا سيكتب لنا الله؟
هل سنحقق نجاحا كأسراً ونحقق أحلامنا؟
أم ……..؟
دخلتُ في شهري التاسع، أصعب شهور الحمل على الإطلاق، وأخبرنا الطبيب أنـّني حامل في ذكر .. انتفخ جسدي، وتورمت قدماي، وأصبحت أسير بصعوبة من ثقل الجنين .. سبحان الله .. هل لابد من كل هذا العذاب كي تشعر الأم بغلو إبنها؟
أعتقد أنّ هذا هو السبب .. أتخيل لو لم يكن هناك حمل وتعب رهيب وتذهب الأم إلى المستشفى وبعملية بسيطة مثل اللوز مثلاً تستيقظ لتجد إبنها بجوارها أكيد لن يعجبها وستصرخ في الطبيب: إيه ده؟ ماله أسمر كده؟ لا شوف لي واحد مقلّم ..
لكن عندما ينمو بجوار قلبها يوماً بعد يوم، ويشاركها الأنفاس والطعام والنبض والنوم وكل شيء، أكيد لو خيروها بينه وبين عيونها لاختارته ..
ويا رب صبرني على هذا الجهد .. فلا أكاد آكل أي شيء إلا وشعرت بنار داخل جوفي تحتاج المطافي من ضغط البيبي على المعدة .. ولا أستطيع النوم على ظهري إلا وشعرت بأنفاسي تكاد تختنق من ضغطه على الرئتين .. ولا أستطيع المشي إلا وأشعر أن قدماي المنتفختان تئن من ضغط الباشا عليهما .. طيب أروح فين يارب من هذا الإحتلال لكل جسدي؟ ولكنه أجمل احتلال ..
قــال عمــر:
أووووووووووف .. أخيراً سلّمت المشروع، والنتيجة بعد أيام .. أشعر مثل طلاب الثانوية العامة الذين ينتظرون نتيجة الفيزياء .. يارب يعدي الأيام دي على خير ..
أنا متفائل إن لجنة التحكيم من الأجانب الذين لا مصالح ولا مجاملات لهم في هذا البلد .. فقط الجودة والإتقان هما اللذان سيحددان النتيجة ..
ياااااه لو اختاروا مشروعي أنا سأفعل المعجزات .. سأتصدق بمال كثير، وأعمل صدقة جارية لينا كلـّنا، وسأعوض سارة كل ذهبها الذي باعته، وأكثر كمان .. وسأشتري لها هدية رائعة على صبرها معي .. وبعد الولادة سآخذها هي والبيبي في رحلة في جنوب سيناء لأعوضها الضغط الذي عاشته معي .. ونعيش شهر عسل جديد .. وسأشتري هدايا لأبي وأمي ..
طيب وشركتي القديمة هل سأستقيل منها أم آخذ أجازة فقط حتى تستقر الأمور؟ يااااه معقول كل حياتي تتغير بهذا الشكل؟
يارب كن معي ولا تخذلني أمام أهلي وأمام نفسي يارب يارب ..
قــالت ســارة:
هل مفروض الأم تكون وجدت كنز سليمان قبل أن تشتري لوازم المولود؟ .. ما هذا الغلاء الفاحش؟ .. معقول ببرونة من ماركة معينة تتجاوز ثمنها 50 جنيه؟ وأقل بطانية بـ 70 جنيه؟
وأنا كنت فاكرة الجمعية اللي عملتها من مرتبي، وطبعاً قبضتها الأول، ستكفي وتفيض .. لا وأنا كنت متخيلة إن الأشياء التي أشتريتها طوال الحمل للبيبي هي الأساس وباقي أشياء لا تذكر .. ولكن أتضح أنـّني كنت أشتري تبع إعلانات التليفزيون؛ شاور علشان حمام البيبي .. لوشن مرطب لبشرته الرقيقة .. أيس كاب لشعره .. والحمد لله إني اشتريت كام فانلة وسالوبيتين علشان الواحد يقول الحق ..
كنت أظن أنـّني اشتريت أغلب الأشياء حتى كلمتني أمي في التليفون وسألتني عما اشتريته للمولود، فرديت بمنتهي الثقة: خلاص ياماما، كله تمام .. فاضل حاجات بسيطة أوي ..
ردّت ماما وقالت: ربنا يقومك بالسلامة يا حبيبتي .. طيب اشتريتي 12 فانلة نص كم و12 بكم؟
فرددت باستغراب: ليه يا ماما؟ أنا جبت 3 كت بس ..
فردّت بجزع: تلاتة؟!!.. ده طول النهار حيغير هدومه .. وكمان كت؟ .. يا مفترية في البرد ده؟ طيب جبتي الشايات؟
فصرخت: مين يا فندم؟ يعني إيه الكلمة دي؟ بتوع إيه؟ .. أنا لو أعرف أقول على طول يا بيه؟
فردّت بتأفف: دول بيتلبسوا تحت الهدوم علشان يدفوا صدره يا ستي .. طيب جبتي البافتات؟ وقبل ما تسألي دول علشان لو رجـّع بعد الرضاعة ولا حاجة؟
وأحسست بدوار شديد وخوف من التوبيخ الذي سأسمعه حالاً، فألقيت بإجابتي وبعـّدت السماعة عن أذني كي لا أسمع: لا إن شاء الله مش ح يرجـّع يا ماما .. وبعدين ممكن أستعمل كلينكس ولا حاجة ..
صرخت ماما في وجهي قائلة: ………….!!!؟ (((محذوف للرقابة)))
فخفت على أمي من الذبحة المتوقعة التي ستصيبها من ردودي، فقلت لها: يا ماما هو أنا عندي عشر عيال؟ ح أعرف الكلام الغريب ده منين؟ .. قولي لي أشتري إيه وأنا أكتبه وأجيبه .. يالا قولي ..
فأخذت أمي ترصّ قائمة طويلة عريضة بها ألف طلب وطلب، وكأني سألد حضانة وليس طفلاً واحداً .. وأنا أكاد أبكي من كل هذه الكوارث .. ياترى لو بعت أوضة السفرة سيكفي ثمنها؟
والغريب أنـّها لم تذكر “اللوشن المرطب” ولا “الآيس كاب” اللذين اشتريتهم بالفعل.!!!!
حاولت أن أنهي المكالمة بانتصار على أمي أنها نسيت شيئاً هاماً جداً، وقلت بمنتهي الثقة والفخر: نسيتي يا ماما أهم حاجة .. أنا بقى ما نسيتهمش، واشتريتهم فعلاً: اللوشن والآيس كاب ..
فبدأت أعراض الذبحة تظهر عليها، وقالت لي بصوت واهن: إقفلي يا سارة السكـّة قبل ما أقفل في وشـّك أنا..!!
استيقظتُ من نوم متقطع بعد العصر بقليل، وخرجت لأكمل ختمة القرآن التي بدأتها كي لا تفاجئني الولادة قبل أن أنهيها، لأجد منظر غريب طار له قلبي ..
وجدت عمر نائماً على كنبة الصالة بكامل ملابسه حتى بالحذاء .. ويخفي وجهه بين يديه بإحكام .. والظلام يحيط به من كل جانب .. فأضأت الأنوار .. وتلمست جبينه لأجده غارقاً في عرقه .. وليس نائماً كما ظننت .. ولكنه شارد النظرات لا يريد أن ينظر إلي ..
فجذبت وجهه إلي وصرخت في جزع: عمر إنت تعبان؟ .. مالك فيه إيه؟ .. إنت كويس؟
عمـر: ………!!!؟
أنا: يا عمر رد عليّ أرجوك .. فيه إيه .. أنا أوّل مرة أشوفك كده .. فيه إيه؟
فردّ بصوت واهن لا يكاد يـُسمع: نتيجة المشروع ظهرت ..
ففهمت كلّ شيء بدون أن يكمل .. وفهمت أنهم لم يختاروا مشروعه .. فسقط قلبي في قدمي .. ومادت بي الدنيا ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الحلقة تسعة وعشرون
قــالت ســارة:
لن أنسى تلك اللحظة التي أخبرني فيها عمر بعدم اختيار الشركة لتصميمه .. وقتها تماسكت ولم أنفجر في البكاء كما كنت أتمنى .. واجتهدت أن أخرج صوتي طبيعي وأنا أكمل إجابته: وما اختاروش مشروعك مش كده، طيب وفيها إيه؟ ماهو الإحتمال ده كنا متوقعينه برضه؟ إيه المشكلة؟ فردّ عليّ عمر وكأنـّه كهل عجوز يحمل الدنيا فوق كتفيه: إيه المشكلة؟! إيه البساطة دي؟!! المشكلة إنـّنا خسرنا كل حاجة .. إنتي خسرتي كل ذهبك، وأنا خسرت ثقتي في نفسي، وشكلي أمام الكل، وخسـّرتك معايا كل حاجة ..
فرددت بمرح: الكل مين يا حبيبي؟ أنا بس اللي عارفة الموضوع ده .. وبعدين تفتكر شكلك ح يتهز قدامي من محاولة خسرتها؟ .. ده إنت الدنيا وما فيها يا حبيبي، وفداك دهب العالم كله ..
فلم يستطع النظر إلى عيني، وأشاح وجهه عني كي لا أرى دموع عينيه: أرجوكي يا سارة، إنتي بتزودي إحساسي بالذنب بكلامك ده .. أنا خذلتك وضيعت كل حاجة، وربنا يقدرني وأعوضك .. أنا آسف آسف آسف ..
فأخذت أقرأ آيات القرآن على جبينه كي يهدأ، وأنا أطلب من الله القوة والعون كي لا أنهار مثله .. من يقول عن المرأة أنها أضعف من الرجل؟ .. إنه مطلوب منها أن تكون زوجته وحبيبته وأخته وصديقته وأمه أيضاً .. فهداني الله لفكرة من الممكن أن تهدئه قليلاً، فقلت له: يا ريت كلّ الخسارة تكون في الفلوس .. تخيل لو إنـّك حصل لك حاجة حنعمل إيه أنا وإبنك في الدنيا؟ ربنا يخليك لنا ألف سنة .. أنت لسه بكامل صحتك وفي عز شبابك .. وتستطيع فعل المعجزات .. تخيل لو فقدت هذه الصحة وكسبت المشروع؟ أيهم سيسعدك أكثر؟
فهدأ قليلا لكلامي ولكنه رد بألم وقال لي: أنا آسف يا سارة
.. ولكنك لا تعرفين إحساس الرجل عندما يشعر أنه صغير في عين من يحب .. كان نفسي أفرحك والله ..
فرددت بمكر وبحزن مفتعل: طيب يا عمر أنا ما كنتش عاوزة أقول لك، بس خلاص بقى، الحقيقة الدكتور قال لي أن البيبي ممكن تكون فيه تشوهات ..
نسي كل شيء وصرخ بلهفة: إيه؟ بتقولي إيه؟؟ لا إله إلا الله ..
فضحكت لنجاح خطتي وقلت له: ضحكت عليك .. الولد كويس وزي العفريت، ومطلـّع عيني ياسيدي .. شفت بقي إن المشروع ممكن يتعوض وفيه حاجات تانية لا يمكن تتعوض؟
فرد بإيمان: الحمد لله .. فعلا الشيطان ينسينا النعم الكثيرة التي ننعم بها، ويذكرنا فقط بما فقدنا .. ربنا يخليكي لي إنتي ويحيى ..
تساءلتُ باستغراب: مين يحيى ده يا باشا؟
قـال: إيه رأيك في الإسم ده؟ ده الإسم الوحيد من كل أسماء الكون اللي ربنا عز وجل إختاره بنفسه لنبيه زكريا .. لم نجعل له من قبل سمياً .. وبقية الأسماء من اختيار البشر .. وبعدين قصة سيدنا يحيى تكشف شخصية نورانية تعشقيها من كثرة صفائها، لدرجة إن كل المخلوفات كانت تسبح معه عندما يسبح الله .. وكمان مات شهيداً .. ايه رأيك يا حبيبتي؟
قلت بابتسامة: خلاص موافقة يا أبو يحيى ..
استيقظتُ من نومي وأنا أعاني من آلام متفرقة في كلّ جسدي .. تقريباً لم أنم طوال الليل .. ظللت أتقلب ولم أستطع النوم إلا لدقائق معدودة، كما هو حالي منذ عدة أيام .. وأبكي في كلّ حركة من ثقل جسدي، حتى أنـّني كلّ يوم أتمنى أن ألد في نفس اليوم لأتخلص من هذا العذاب .. سبحان الله، وكأن التعب يزداد في الأيام الأخيرة كي تتغلب الأم على خوفها من الولادة وتتمناها أن تحدث .. آه .. أكاد أموت من الرعب عندما أتخيل هذه الساعات، وأقرأ دوماً سورة الزلزلة، وبعض آيات سور الرعد وفاطر التي تساعد على تيسير الولادة كما قالوا لي .. ولا ترحمني أي واحدة من قريباتي عندما أخبرها بخوفي من الولادة، بل تقصّ على قصصاً مرعبة عن أنها كادت تموت .. والأخرى التي تمزقت من الألم لساعات طويلة .. والثالثة التي كادت تقتل الطبيب والممرضات .. إيه يا جماعة الرعب ده؟ طيب أعمل إيه يعني؟ أفضل حامل على طول ولا أعمل إيه؟
“سارة سارة سارة .. تعالي بسرعة” ..
إيه ده عمر بيصرخ كده ليه؟ .. هرولت إليه، ولكن بسرعة السلحفاة طبعاً، وأنا أهتف: مالك يا عمر خير؟
عمـر: أنا مش مصدق نفسي يا سارة .. بجد مش مصدق ..
أنـا: إيه يا عمر فيه إيه .. أنا ولدت وأنا مش واخدة بالي؟
فأجاب وقلبه يكاد يتوقف من الفرحة: لا .. فاكرة الشركة اللي صممت لها المشروع ولم يختاروه؟
فرددت بتململ وأنا أخشى من فتح هذا الموضوع: مالها؟ عاوزين إيه تاني؟
عمـر: إتصلوا بي وقالوا إن فيه مقابلة النهاردة الساعة 6 مساءاً لأصحاب التصميمات المتميزة اللي ما فازتش، لاختيار مهندسين للتعيين في الشركة بمرتب كبير ..
نسيت تعبي وإرهاقي وهتفت: بجد؟ الحمد لله .. ودي فيها مميزات أحسن من شركتك؟
عمـر: إنتي بتهرّجي؟ .. مفيش مقارنة طبعاً .. دي ضعف الراتب وأكثر .. وكمان بالدولار .. والأهم من كده إن نظام الترقية فيها زي كلّ الشركات متعددة الجنسيات، بالمجهود مش بالأقدمية زي عندنا .. يعني ممكن في خلال شهور أكون مدير تنفيذي مثلاً .. بجد مش مصدق نفسي .. إدعي لي يا وش الخير ..
أنـا: ربنا يكرمك ويوفقك .. إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .. إن شاء الله حيختاروك .. ده رزق يحيى مش وشي أنا .. يالاّ قوم صلي ركعتين قضاء حاجة لله قبل ما تروح واتكل على الله .. ربنا وكيلك ومش ح يضيعك أبداً ..
وانصرف ليصلي ويستعد للخروج وأنا أدعو الله له .. وفجأة شعرت بضربة ألم حادة تشمل جسدي كله وتتركز في منطقة الرحم، وكاد توازني أن يختل من شدة الألم المفاجىء، واستمر دقائق مرّت على كساعات .. ثم اختفى تدريجياً وأنا لا أكاد أستطيع التنفس من شدة الألم، حتى بعد ذهابه ..
وحاولت تناسيه بأن ذهبت لأصلي خلف عمر جماعة كي ندعو الله سوياً أن يكرمنا ويكتب لنا الخير .. وأطال عمر الدعاء بعد الركوع وأنا أؤمن على دعائه بكلّ ذرة في كياني .. ثم سجدنا .. وجاء الألم العاصف مرة أخرى وأنا ساجدة .. يا الله، جسدي يتمزق ولا أقوى حتى على رفع رأسي .. وكتمت صرخة ألم كادت تفلت مني، ودعوت الله وأنا أبكي وأشعر أنـّني ضئيلة ولا أقوى على شيء أمام جند صغير من جنود الجبار؛ ألا وهو الألم .. ولا أعرف كيف نطقت التشهد الأخير، ولكن الألم بدأ في الاختفاء عند نهاية الصلاة .. واستدار عمر إليّ وفزع من شحوب وجهي الرهيب، والعرق المتناثر على وجهي، وسألني بجزع: مالك يا حبيبتي؟ إنتي تعبانة؟ بتولدي ولا إيه؟
لم أشأ أن أخبره كي لا يضيع فرصة عمره ويبقي بجواري: لا يا عمر، ده السجود بس بيتعبني أوي .. بعد كده ح أصلي وأنا قاعدة .. يالا قوم إستعد واتكل على الله ..
قال عمر بإصرار: أرجوكي يا سارة، لو تعبانة قولي وأنا أسيب مواعيد الدنيا علشانك ..
حاولت الإبتسام وأنا أرد عليه: يالاّ بلاش دلع .. لسه أسبوع كامل على ميعاد الولادة .. أنا كويسة خالص وحادخل أنام كمان ..
فصدقني وانصرف وأنا أدعو له .. وما كاد يغلق الباب وراءه حتى عاد الوحش ثانية .. وانهمرت دموعي وكدت أتخلى عن شجاعتي المؤقتة وأناديه كي لا يتركني وحيدة وهذا الألم يفتت كل ذرة في جسدي، وكتمت أنفاسي في وسادة وصرخت بكل قوتي من شدة الألم ..
إنتظرت حتى اختفى، وكلمت أمي وأنا أبكي، وقبل أن أشرح لها أي شيء فهمت أنـّني ألد، وأخبرتني أنـّها ستأتي على الفور مع أبي .. وطلبت مني أن أبدل ملابسي وأحضر حقيبة المولود وأستعد للذهاب الى المستشفى أول ما يوصلوا .. وجريت قبل أن يأتي الإعصار مرة أخرى وبدلت ملابسي، وكنت جهـّزت حقيبة يحيى من قبل ولم أنس الآيس كاب واللوشن .. آه لا أستطيع حتى الإبتسام .. أين أنت يا عمر كي أحتمي بك من الزلزال الذي يأتيني بلا رحمة؟
قــال عمــر:
أين أنتي يا سارة؟ .. ياليتك كنتي معي .. دقائق الإنتظار قاتلة والجميع يبدو على وجوههم علامات القلق الشديد .. ولكن العدد ليس كبيراً .. يارب .. يارب .. يارب ..
قــالت ســارة:
وأخيييييراً وصل ماما وبابا وأنا تكاد روحي تخرج من حلقي من شدة الألم الذي يزداد عنفاً كل مرة وتتقارب نوباته حتى تكاد تلتحم .. وما أن رآني أبي في هذه الحالة حتى أجهش في البكاء، وضمني إليه وكأنـّه يهدهد طفلته الصغيرة التي ستصبح أماً .. أما ماما فكانت متماسكة جداً وكأنها تحولت فجأة إلى طبيبة نساء وهي تسألني عن مدة الألم وتباعد نوباته، وعندما أخبرتها .. قالت لي بهدوء: لسه بدري .. أقعدوا وأنا أعمل لكم شاي .. أصل البكريّة بتطول شوية ..
فكدت أصرخ، ولكن بابا سبقني وصرخ فيها هو: يالاّ على المستشفى بسرعة، يمكن يدوها مسكن ولا يريحوها بأي شكل ..
فردت أمي بسخرية: مسكن.! .. ليه؟ حتعمل اللوز؟ أصل الولادة دي…..
ولم يمهلها أبي عندما رأى نوبة الألم تجيئني بلا رحمة حتى لم أستطع الوقوف على قدمي، فحملني كالطفلة الصغيرة وهرع خارج المنزل وأمي لا تكاد تلاحقه ..
قــال عمــر:
يارب ما هذا الإحساس؟ الله يكون في عونك يا سارة .. أنا أشعر وكأن مستقبلي كله سيولد من هذا المكان كما ستلد هي ابننا .. آه ما أصعبه من شعور .. يالله يا مغيث ..
قــالت ســارة:
يا الله يا مغيث .. يارب أغثني من هذا العذاب ..
علمت الآن لم تمنـّت السيدة مريم الموت قبلاً عندما جاءتها آلام الولادة وهي خير نساء العالمين .. ماذا سأفعل أنا؟ ألا يوجد سبيل لأن يخفت الألم قليلاً؟ قلبي يكاد يتوقف ..
قــال عمــر:
قلبي يكاد يتوقف من القلق عند كل سؤال يسأله لي المدير الأجنبي .. وأتمتم بآيات القرآن وكل الأدعية التي أعرفها .. يارب .. يارب ..
قــالت ســارة:
يارب .. يارب .. أنا خلاص مش عاوزة أولد رجعت في كلامي .. لأ حرام حاموت .. بجد مش قادرة .. طيب ح أولد أمتى؟ ولا مجيب ..
الدكتورة فحصتني وقالت باقي حوالى ساعتين .. إيه؟ ساعتين كاملتين في هذا العذاب؟
الدقيقة تسوي دهر كامل .. يارب مش قادرة خلاص ..
قــال عمــر:
يااااه مش قادر خلاص على هذا الإنتظار المدمر للأعصاب .. المدير يتفحص السيرة الذاتية الخاصة بي بدقة بعد عشرات الأسئلة الدقيقة .. ثم إبتسم أخيراً وأخبرني أن أكون مستعداً للعمل معهم الأسبوع المقبل .. يالله .. يكاد نبضي يتوقف من شدة الفرح .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وطلبت سارة لأبشرها وأشركها سعادتي .. ردّت عليّ والدتها وأخبرتني بأن سارة بتولد في المستشفى ..
يعني كانت تعبانة فعلاً قبل ما أنزل وما رضيتش تقولّي علشان ما أضيعش مقابلة العمل .. وتحملت كل هذا العذاب وحدها من أجلي؟ .. يارب كيف أكافيء هذا الملاك؟!!
أخيراً وصلت المستشفى بعد ما كسرت عشر إشارات واتخانقت مع كل الدنيا علشان يفتحوا لي الطريق، وأكاد أصرخ في وسط الشارع: مراتي بتولد ياااااااااااا عالم .. ووصلت لها لأجدها تحولت إلى كتلة ألم .. والعرق الغزير يغطي جبينها، والمحاليل تخترق كل جسدها، وأبوها يبكي ويتلو القرآن، وأمها تروح وتذهب مع الطبيبة وتأتي لها بأغراضها .. فلم أتمالك نفسي عندما رأيتها، وقبلت يديها أمام الجميع وبكينا سوياً .. وهمست في أذنها بأنـّي عينت في الشركة الجديدة، فحمدت الله في وهن ..
وجاءت الطبيبة تخبرنا أنها ستنقلها إلى غرفة العمليات .. فطلبت أن أكون معها .. ودخلنا وهي تصرخ من الألم العاصف، وأنا أشد على يديها وأهمس في أذنها بكلمات الصبر والتشجيع، وأذكرها بكل لحظاتنا الجميلة التي تشاركناها .. وهي لا تكاد تعي ما أقول .. ولكنـّها تقبض على يدي بكل قوة وكأنـّها تخشى أن أتركها ثانية .. وتمر الدقائق طويلة وأنا وهي نكاد نصبح كياناً واحداً صهره الألم بين يدي الرحمن .. نسأله أن يرزقنا قطعة منا ..
ويمر الوقت ثقيلاً حتى جاءت البشرى .. صوت بكاء إبننا يشقّ الكون وكأنـّه يعلن للعالم وجوده ..
أخذته الطبيبة ولفّته بعناية ووضعته في أحضان سارة وأحضاني .. وأخذنا ننظـر إليه بحنان بالغ وقد زال كلّ ألم سارة عندما رأته .. اخذنا نتلمـّسه غير مصدقين أن رحمة الله وعطاءه تتجسد في هذا الكائن مغمض العينين، جميل الوجة كأنه أحد الملائكة .. وحملته بحرص وتلوت كلمات الآذان والقرآن في أذنيه حتى استكان بين يدي وكأنه يعي نداء خالقه ..
وأخذته سارة وسالت دموعها وهي تتلمس قطعة منها نما بجوار قلبها، وقالت بصوت واهن ولكن سعيد: حلو أوي مش كده يا عمر؟
فرد الأب بداخلي لأول مرة: تبارك الله أحسن الخالقين .. أجمل كائن في الدنيا رأته عيني .. ربنا يخليكوا ليّ إنتي وهو يا أم يحيى .. يا أغلى انسانة ليّا في الوجود ..
-تمت بحمد الله-
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الأولى
قــالت ســارة:
احتضنت يحيى بقوة ونحن عائدون إلى منزلنا وكأنـّني أخاف أن يغيب عن عيني لحظة واحدة .. رفضت كل المحاولات أن يحمله أحد بدلاً مني في السيارة .. أخاف لو تركته أن يتسلل ويدخل داخل رحمي مرة أخرى ..
لا أستطيع أن أبعده عن أحضاني لحظة .. وعندما طلبت الممرضة أن تودعه حجرة الأطفال كي أستريح من إرهاق الولادة رفضت بإصرار وكدت أقتلها .. ورفضت حتى أن ينام فى سريره الصغير في المستشفى، وأصريت أن ينام بجواري، وأفسحت له مكاناً ليكون ملتصقا بي .. ألم يكن ينام بجوار قلبي لأيام وشهور؟! كيف أستطيع فراقه وقلبي أحبه قبل أن تراه عيني؟!!
أجمل طفل رأته عيني .. ولاّ لأني أمّه بأقول كده؟
أمّه؟! سبحان الله .. كيف تحولت في شهور قليلة من فتاة بريئة تستطيع حشو العالم فى جيوبها، وتلمع عيونها بالحيوية والإندفاع والجنون، إلى أم هادئة عاقلة تخشى من نسمة الهواء أن تصيب ولدها؟ .. وتوافق بلا تردد أن تموت هي ولا يخدش إصبع وليدها؟ .. سبحان الله .. لا يمكن أن تتحول الأنثى إلى هذه الدرجة بملء إرادتها .. بل لابد من غريزة ربانية تغزو قلبها بعشق هذا الطفل قبل أن تراه، كي تقبل كل هذا الألم والإرهاق، حتى يشب وليدها رجلاً .. يا الله .. حتى فى عشق المرأة لأطفالها يكون الله ثالثهما ..
قـال عمـر:
والله وبقيت أب يا عم عمر .. إيه ده إزاي يعني؟ .. يعني المفروض أعمل إيه؟
لا أنا بجد لسه متلخبط وحاسس إني إتاخدت على خوانة يا رجالة .. يعنى نخرج من البيت إتنين ونرجع تلاتة؟ .. بس برضه ح أطير من الفرحة .. وكل ما أبص ليحيى أشوفه ملاك جميل نائم فى أحضان أمه التي ترفض أن يحمله غيرها .. وناقص تديهولي على عرض حال دمغة .. بس بجد أنا لو منها وشفت العذاب ده كله لا يمكن أخلى حد يلمسه .. الحمد لله أن الأم هى اللي بتولد مش الأب .. وكفاية العض والخربشة اللي شفتهم من سارة فى الولادة ..
والمشكلة انى مش عارف أشيله خالص .. وحاسس إني بأشيل قطعة كريستال ستنكسر من أي حركة خاطئة .. والكل يصرخ فيّ؛ سارة وأمي وحماتي بألف تحذير: حاسب حتلوح رقبته .. حط ايدك في ظهره .. ما تبوسوش جامد .. دقنك ح تشوكه .. حتى قررت أن أتفرج عليه وهو على ذراع أمه .. يعني لو سمحتلي .. رغم إن أنا اللي دفعت كل التكاليف في المستشفى وخلافه .. كمان إكتشفت إن عبارة: ألف مبروك، واللي جابلك يخليلك .. معناها: إدفع ياسيدى من سكات .. سمعتها ألف مرة من العمال والممرضات في المستشفى حتى توسلت لهم أن نرجع البيت فورررررراً ..
قــالت ســارة:
آه .. واضح إن تأثير المسكن حيبدأ يروح وبدأت أشعر بأن 10 فتوّات إدوني علقة جامدة جداً .. أو إني مشيت من طنطا لأسوان .. آلام في كل جسمي، ولا أريد إلا أن أنام ..
وتركت تحضير الطعام وأمور البيت لأمي وحماتي وأخذت يحيى بجواري وأنا أكاد أتفتت من التعب .. واستغرقت في النوم في لحظات معدودة...... إيه ده هو أنا لحقت أنام؟ ده أنا ما كملتش نصف ساعة؟ ده صوت قطة ده ولا إيه؟.. مين ده؟.. آآآآآه ده يحيى ..
إيه يا حبيبي بس الله يهديك بتعيط ليه؟ .. نفسي أنام ولو ساعتين .. بجد ح أموت من التعب .. يا ماااااااااما الحقيني أعمل إيه؟
وجاءت أمي على صراخي وهي تضحك وتقول: علشان تعرفي الغُلب اللي انتي وريتهولي وانتي صغيرة ..
فرددت وأنا أكاد أبكي: طيب يا ماما خديه دلوقتى علشان أنام واديله رضعة .. وأنا أول ما أصحى ح أعرف كل حاجة على طول ..
رفضت ماما بإصرار وردت عليّ: بلاش دلع، قومي رضعي الولد، ده ميت من الجوع ..
فرددت بتعجب: أرضعه؟! .. إزاي؟ مفيش لبن لسه .. لا لا ما أعرفش .. أتكسف يا ماما ..
فردت وهى تكاد تضربني: تتكسفي من إيه يامجنونة انتي؟ .. يالاّ الولد ح يموت من الجوع .. وبعدين هو لما يرضع يا حبيبتي ربنا حيبعت له رزقه وحييجي اللبن .. يالا بلاش دلع ..
قلت باستسلام: طيب يا ماما .. من فضلك أخرجي وأنا حارضعه ..
خرجت ماما وتركتني مع يحيى .. ضممته إليّ والقمته صدري بأيدي مرتجفة، وأنا أتوقع أن يرفضه أو الاّ يعلم كيف يرضع .. ويا للعجب كأنه غريق وجد قارب النجاة .. وجدته يحرك شفتيه الصغيرتين ويرضع بكل هدوء واطمئنان .. سبحان الله من علمه هذا؟ سبحانك يارب .. من أين سيأتى الحليب؟.. آه .. أشعر بشرايين صدري تتوسع .. وقنواته المغلقة منذ ولدت تتفتح لتستقبل رزق الله من الحليب الطاهر بمجرد أن طلب صغيرى رزقه من الله .. وأخذ يحيى يرضع حتى ارتوى ونام هانئا .. وسالت دموعي وأنا أرى عظمة الله تتجلى فى هذه المعجزة الربانية ..
قـال عمـر:
ممنوع أدخل أوضة النوم علشان سارة ويحيى نايمين فيها .. وماما نامت فى الأوضة التانية .. وحماتي في المطبخ .. طيب أنام فين أنا بقى، عند البواب؟
من أولها كده يا يحيى باشا حنتركن على الرف؟ .. ماشي ياعم .. بس لما تكبر ح أوريك .. خلاص حأنام فى الصالون وأمري لله .. بس فى البرد ده؟! يالا علشان الواحد يقوم عنده كساح ونخلص بقى ..
بس سارة وحشتني .. ويحيى كمان وحشني .. طيب أعمل ايه؟
اتسحبت لأنام بجوارهما في دفء الحجرة، ومشيت على أطراف أصابعي وفتحت الباب بمنتهى الهدوء، لأجد سارة حبيبتي نائمة في بحر عميق من شدة الإرهاق .. وبجوارها الباشا الذي احتل مكاني .. وجدتها فرصة لأدقق في ملامحه، لأجده ورث عيون سارة الجميلة، ولون بشرتها الخمري، وأخذ لون شعري الأسود، وشكل ذقني .. ولمست بشرته الحريرية وأنا أتمنى أن يكبر فوراً لألعب معه وأعرفه أني والده .. وقبّلته بحرص شديد .. ولكن يبدو أنـّني أقلقت منامه، فاستيقظ يبكي .. وحاولت إسكاته فلم أعرف طبعاً .. فصحيت سارة مفزوعة واكتشفت جريمتي وصرخت فيّ: حرام عليك ياعمرررررررررررر ..!
لا أدري لماذا تذكرت فيلم الحفيد؛ والأب يبكي وهو يشتري لوازم الولادة من مغات ودجاج وخلافه وأنا مع حماتي نشتري لوازم البيت والمغات ووو... مع طبعا اللمز واللمز من حماتي إننا مفروض نكون إشترينا كل الحاجات دى قبل الولادة .. وأنا أتحجج بأن سارة ولدت قبل ميعادها، وطبعا لم أقل أننا لم نملك ما نشترى به جناح كتكوت ..
اشترينا كمية من الدجاج تكفى حي شبرا، وطن مغات وحلبة وسكر وعسل وأرز ووو... وكدت أبكي أنا الآخر وأترك حماتي وحدها وأتعلل أن عندي مشوار لليونسكو .. لولا اني وجدتها وقت الحساب تخرج مبلغاً ضخماً وتحاسب هي .. رقصت من السعادة وأنا أقطب جبيني وأقول: ليه كده بس يا طنط؟ طيب لو ما كنتيش تحلفي..!!
قــالت ســارة:
إيه يا جماعة هو أنا وَحش؟ إزاي آكل فرخة كاملة لوحدي؟ وكمان مسلوقة؟! لا بجد حرام ..
لم تجد توسلاتي صدى أمام روسيا وأمريكا؛ أقصد ماما وحماتي ..أخيييرا أجدهم متفقين في شيء منذ زواجي ألا وهو ضرورة جعلي كالدرفيل بعد الولادة من كثرة الطعام .. فأجدني في الصباح مضطرة إلى شرب كوب كبير جداً من المغات الذى تعلوه طبقات من السمن البلدي والمكسرات، والذى يكفي وحده إلى جعلي شبعانة لمدة شهر .. ويتبعه كوب كبير من الحلبة بالعسل الأسود .. مش عارفة ليه .. وكل ما أبدأ بالإعتراض تجتاحني نظرات نارية من الطرفين تجعلني أبتلع الكوب والملعقة أيضاً ..
والمشكلة أنـّني مطالبة بشرب كميات لا نهائية من المغات والحلبة طوال اليوم .. وعندما أرى الكوب الميمون يتجه نحو فمي يكاد لسان حالي يقول: إشربي يا شابة، ماحدش بياكلها بالساهل .. ووقت الغداء أجدني مضطرة إلى أكل فرخة ضخمة في حجم الديك الرومي وحدي .. لا أعرف لماذا؟ ومثلها فى العشاء .. لا أعرف لماذا يظنون أن من تلد لابد أن تتحول إلى فيل بزلومة؟!! .. فينك يا عمر؟!!!
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الثانية
قـال عمـر:
سبحان الله .. نفس الهجوم اللّي هجم علينا بعد الزفاف هجموا تاني بعد الولادة .. الزيارات ليل ونهار، بس المرة دي الوضع مختلف، إن حماتي هي اللي بتقوم بخدمتهم، والنساء يدخلون لسارة في حجرة النوم وأنا أتدبس مع الرجالة فى الصالون .. ولازم الكل يشرب مغات .. ليه؟ .. ولدوا هم كمان؟!!..
بس بصراحة المرّة دي فيه نقوط كتير ليحيى .. إكتشفت إنـّه وش الخير علينا .. كفاية إنهم وافقوا على موضوع شغلي الجديد في نفس يوم ولادة يحيى .. صحيح، سبحان الله .. عمري ما تخيلت معنى الآية: نحن نرزقهم وإياكم بالشكل ده .. يعني ربنا قدم رزق الأطفال على رزق الآباء .. الحمد لله .. ربنا يخليك لينا يا يحيى ..
قــالت ســارة:
"جايبة الوحاشة دى منين يا سارة؟"
كلمة سمعتها من كل من زاروني، واغتظت لها جداً، وكنت أغضب وأكاد أقول محدش يقول على إبني وحش، ده زى القمر .. لكن غمزت لي أمي إن الكل لازم يقول كده علشان لو البيبي تعب ـ لا قدر الله ـ ما نقولش إنهم حسدوه
.. طيب ما يقولوا إنـّه جميل ويقولوا ما شاء الله؟!!..
لا والأغرب إن ماما كانت تأمرني أن أتظاهر بالإعياء الشديد وإني شفت الأهوال في الولادة علشان برضه الحسد .. وكنت أرى نظرة نارية منها لو وجدتني ضحكت بصوت عالي، أو اقترحت الخروج من غرفة النوم للجلوس مع صديقاتي .. فتعيدني هذه النظرة إلى النوم على السرير والتظاهر بالكساح ..
قـال عمـر:
آآآآآخ .. نِفسي الضيوف دول يمشوا علشان أنام شوية .. والبيت محتاج فليبينية علشان يرجع لحالته الطبيعية، وطبعاً علشان حماتي هى اللى ح ترتب البيت، ما ينفعش أطنش ولازم أساعدها .. دي مش سارة علشان أسيبها تعمل كل حاجة وأنا سلطان زماني ..
المشكلة كمان إني بعد حملة الترتيب القاتلة لن أستطيع النوم في غرفة النوم كالمعتاد .. يكفينى سهرة إمبارح والحفلة اللي كان نجمها الأوحد الأستاذ يحيى من سيمفونية صراخ متواصل حتى الفجر، وعزف منفرد من بكاء سارة لفشلها فى إسكاته .. وكنت أنا المتفرج الوحيد فى هذه الحفلة .. وحاولت المساعدة ولكنـّني فشلت بالطبع فأخذت البطانية وسلـّمت أمري لله ونمت في الصالون ..
طيب أنا في أجازة حالياً حتى الأسبوع القادم عندما أبدأ العمل فى الشركة الجديدة، ودول ناس لازم أكون فايق جداً معاهم .. ح أعمل إيه فى الحفلات المسائية للأستاذ؟ ربنا يستر ..
قــالت ســارة:
آآآه .. أخيراً الضيوف مشيوا خلاص .. نفسي أناااااااااام .. أنا بقيت باعتبر النوم ده حاجة كده زى الحلم العربي .. البيه طول النهار نايم وطول الليل صاحي، مش فاهمة ليه؟ .. بجد بأبقى خلاص حارمي نفسي من البلكونة علشان ينام، وبرضه مفيش فايدة .. وطبعاً عمر مش عارفة أصلاً أشوفه من ساعة الولادة .. على طول مطرود من الأوضة .. ياربي هيّ كل الأمهات بيتعذبوا العذاب ده؟.. طيب والأم اللي بتصحى بدري علشان شغلها بتعمل إيه؟ .. آآآآه.. الحفلة ابتدت .. جاية يا يحيى باشا ..
*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
قــالت ســارة:
اليوم الأستاذ يحيى كمّل 6 أيام من عمره الميمون .. والله مروا كأنهم 6 سنين .. على طوووول صاحية طول الليل وطول النهار، مش عارفة أعمل إيه .. حيجيلي إنهيار عصبى من قلة النوم .. وبقيت باتخيل حاجات ماشية على الحيطة، وناس بتكلمنى وأنا بارد ردود غريبة .. هو ليه كل المواليد بيحبوا يسهروا بالليل؟ ولو تكرّم عليّ ونام بيكون لنصف ساعة، ومش عارفة إيه اللي بيحصل ويقوم يعبر عن إستيائه إننا جبناه الدنيا الوحشة دي .. بجد مش لاقية وقت حتى أسرح شعري .. ومش عارفة لما ماما ح تسيبي بعد الأسبوع حاعمل إيه فى شغل البيت والطبيخ والكوارث اللي ورايا؟
المشكلة إني بآخد وقت طويل جداً لحد ما أعرف الباشا بيعيط ليه؟.. بأكون غالبا فى الآخر أنا كمان باعيط معاه .. لكن ماما، ما شاء الله، أول ما تشوفه بيعيط بتتحول إلى أستاذ أطفال في عين شمس وتقولي: عنده مغص .. عاوز ينام .. عاوز حد يزغزغه .. وعمر التشخيص ما بيطلع غلط .. طيب أنا ح أبقى كده إمتى؟.. بعد الطفل العاشر إن شاء الله؟!!
قـال عمـر:
البيت مثل خلية النحل، والدي ووالد سارة راحوا علشان يشتروا حاجات السبوع ويوصوا على العقيقة اللي ح تتدبح بكرة في سبوع يحيى .. وطبعاً همّا عارفين البير وغطاه، فتعللوا انهم بيعرفوا في الحاجات دي أكتر مني .. آدي الأبهات ولا بلاش ..
وجلست في إنتظارهم حتى عادوا ومعهم صناديق كبيرة مليئة بالحلوى والشيكولاتة .. وتجمع كل البيت عليهم .. أخواتي وأخوات سارة وماما وحماتي كمان .. وطبعا أول مرة كشاب أحضر عملية تغليف علب السبوع ..
في لحظات التف الجميع حول السفرة وكل واحد أخذ موقعه، حتى سارة استغلت فرصة نوم يحيى وانضمت لفريق العمل الجبار .. وكأنهم جميعاً طول عمرهم بيغلفوا علب سبوع فى الموسكي .. وأنا الوحيد اللي مش فاهم حاجة ..
لقيت العلبة بتمر على 7 أشخاص تقريباً حتى تكتمل؛ فالأول يحضر العلبة ويضع بها قطعة شيكولاتة، والثاني يضع بها البونبوني، ثم يسلمها للثالث الذي يغلف الشيكولاته والبونبوني بغلاف دانتيل رقيق ويضعه داخل العلبة، والرابع يضع لعبة صغيرة، والخامس يغلف كل هذا بغلاف حريري ويربط شريط فضي أو ذهبي، والسادس والأخير يلصق رباط آخر عليه اسم يحيى وتاريخ ميلاده وآية مكتوب عليها: لم نجعل له من قبل سمياً .. إخترناها أنا وسارة تيمناً بيحيى الرسول عليه السلام ..
فعلا خرجت علبة السبوع رائعة الجمال، ورغم رفضي للفكرة لكونها غير إسلامية وموافقتي فقط كي لا تحزن سارة وكي لا أفسد على الجميع فرحتهم، فكرت في فكرة أننا نضيف مع اللعبة الصغيرة ورقة صغيرة مطوية بها بعض الأدعية المستحبة، وآداب سنن المولود، وكيفية شكر الله على نعمة الولد .. ووافقني الجميع على الفكرة كي نأخذ ثواباً .. وأيضا يفرح الجميع .. وكلفنا صاحب مطبعة بطبع ورقة الأدعية بحيث تكون صغيرة الحجم كي توضع داخل علبة السبوع .. وعجبته الفكرة واستأذنا فى نشرها ..
وبالفعل أضفنا الورقة لعلب السبوع، وسبحان الله أعطتها شكلاً مميزاً عن كل علب السبوع المعروفة .. وكنت واقف أراقب فريق الموسكي وهم يعملون بمهارة حتى أصروا جميعا أن أشاركهم .. وطبعاً أفسدت كذا علبة فى الاول بس بعد كده بقيت حريف أنا كمان ..
قــالت ســارة:
ماما أخبرتنى أن ليلة السبوع لابد أن تستحم الأم بالماء الساخن، وتدلك كل جسدها في وقت طويل جداً كى تخرج من جسدها آثار تعب الولادة، وتعود عروساً مرة أخرى .. ولابد أن تصفف شعرها جيداً وترتدي شيئاً جديداً تنام به في هذه الليلة ..
ضحكت في سري وأنا أسمع التفسير العبقري، ورغم أنـّنى لا أحب أن أتبع عادات لا أفهمها، ولكني كنت سعيدة بكل هذه الطقوس الخاصة، وأريد أن أعيش تجربة الأمومة لأول مرة بكل تفاصيلها .. فكنت أوافق على كل العادات القديمة طالما ليس بها شىء حرام .. فوافقتُ أمي .. وبالفعل شعرت أنـّني أفضل كثيراً بعد جلسة المساج الإجبارية ..
وجاء دور يحيى هو الآخر، لابد أن يستحم في هذه الليلة داخل غرفته .. وكاد قلبي يسقط من الخوف عليه لبرودة الجو .. ولأنه إستحم بالفعل في المستشفى، ولكنهم ـ ماما وحماتي ـ أصروا وأحضروا بانيو الإستحمام البلاستيك الخاص به، وفرشوه بملابسه كي لايكون بارداً عليه وأغلقوا الباب .. وما أن خلع كل ملابسه حتى صرخ من البرودة مثل القطة الصغيرة حديثة الولادة التي تصارع الأمواج، وتحول لونه للأزرق من شدة البكاء .. وحماتي تضحك وترقيه ببعض الآيات وأنا لا أتوقف عن البكاء .. وعمر دخل الغرفة ليرى عملية التعذيب هو الآخر، ولم يحتمل لحظات وخرج .. وأنا أتوسل لهم أن يتركوه بلا فائدة ..
وأخييييييراً إنتهى الحمام التعذيبي وأحضروه لي وهو لا يكف عن الصراخ، وهدأ ونام فقط بين أحضاني ..
قـال عمـر:
هى كلّ حاجة بتتعمل للأم والاب خلاص بيتركن على الرف؟!!.. لازم الواحد يعمل ثورة في البيت ده علشان يرجع سي السيد تاني.. بس إيه ده الواد يحيى لونه فتّح شوية بعد الحمام .. كان جميل أوي الجو اللي عملوه ماما وحماتي في أوضة النوم .. فرشوا مفرش سرير جديد، وأشعلوا شموع لابد أن تظل مضيئة طول الليل رمز لإنارة طريقه إن شاء الله .. ووضعوا مصحف صغير فوق رأس يحيى وهو نائم .. ووضعوا ورود ونباتات خضراء حول السرير كي تكون حياته كلها خير ورخاء .. وأخيراً أداروا القرآن فى الكاسيت بصوت منخفض جداً ليظل دائراً طول الليل، كي تظل كلمات القرآن فى صدره طول العمر ..
وفى هذا الجو الجميل رأيت أحب شخصين إليّ فى الوجود؛ سارة وقد أشرق وجهها وأضافت له الأمومة لمحة حنان تمس القلب .. وحبيبي الصغير وهو نائم كالملائكة وقد استرخى جسده بعد الحمام الساخن .. فنام نوماً عميقاً .. ورأيته يبتسم لأول مرة فى أحلامه، فزاد جمالا فوق جماله ..
يارب .. كيف أشكرك على كل هذه النعم؟
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الثالثة
(السّبـــوع)
قـال عمـر:
إستيقظت فى الصباح أنا وسارة لأول مرة بدون الحفلة المسائية للأستاذ يحيى .. واضح إن مفعول الحمام والقرآن طول الليل جبار معاه .. الحمد لله .. أول ليلة سارة تنام من غير قلق، واستيقظت مش مصدقة نفسها إنها نامت مرة واحدة زي الناس الطبيعية، وهمست لها: صباح الخير يا حبيبتي .. نمتي كويس؟
فردّت عليّ همساً هي الأخرى خشية إيقاظه: ياااااااااه، ده أنا مش مصدقة نفسي إني نمت كل ده من غير ما يحيى يصحى ..
قلت لها: ربنا يخليه ليكي يا حبيبتي .. يالاّ لبّسيه حاجة ثقيلة علشان آخده معايا ..
فردت سارة برعب: على فين؟
قلت: يوووووه يا سارة .. هو إحنا ح نتكلم فى الموضوع ده تاني؟ إنتي عارفة على فين ..
فردت بفزع: لا أرجوك يا عمر بلاش النهاردة .. إستنى لحد ما يكبر شوية ..
فرددت عليها بعطف: بصي يا سارة ياحبيبتي .. السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم إن المولود فى اليوم السابع بيحلق شعره كله، والأب يتصدق بوزن الشعر وزن مساوي من الفضة .. وكمان يتعمل عملية ختان للمولود في اليوم السابع زي ما الرسول عليه الصلاة والسلام عمل للحسن والحسين .. عاوزانا نتأخر عن السنة ليه؟
فردت بتضرّع وكادت تقبل يدي: مش ح نتأخر ولا حاجة، بس إحسب وزن الشعر يكون كام وإتبرع بأكتر منه،
وبلاش تحلق له وأجـّل موضوع الختان شوية لحد ما يكبر .. أرجوك يا عمر علشان خاطري ..
رق قلبى لرعبها على وليدها ورددت بحنان: ما تخافيش يا حبيبتي، مش ممكن فيه حاجة فى الدين بتؤذي الوليد .. ويعني هو مش إبني؟ ما هو أنا كمان خايف عليه ..
فبكت بالفعل وهي تخبرني من بين دموعها: لا يا سيديـ إنت ما تعبتش فيه زيي .. ولا شفت الموت فى ولادته .. وإنت خسران إيه يعني؟
ضممتها إليّ وقلت لها: إحنا اتفقنا إننا ح نربيه تربية إسلامية من أول يوم في عمره .. حترجعي فى كلامك ولا إيه؟
قـالت سـارة:
ماما وحماتي مشغولين بتوزيع لحم العقيقة التي ذبحها بابا فى الصباح على الفقراء .. والبيت كله فى حركة دائمة، وتم إعلان حالة الطوارىء في المطبخ لإعداد وليمة السبوع وطهي بقية العقيقة .. وبقية إخواتي وإخوة عمر يعلقون الزينات، ويرتبون الشموع، إستعداداً للمساء عندما يأتي كل الأهل والاصحاب .. وأنا غائبة عن كل هذا وأكاد أرى أشباحاً .. وقلبي وعقلي مع إبني وهم يقطعون جزءا من جسده .. آآآآآآآآآه كلما أتذكر هذا لا أتوقف عن البكاء .. وكل دقيقة أتصل بعمر على الموبيل حتى ملّ منى وأغلقه نهائياً ..
وأخيييراً .. جاء هو ووالده ومعهم يحيى، وللغرابة وجدته نائم، وأخبرني أن الطبيب أعطاه مسكن وسينام فترة، وأن الموضوع تم بسهولة وفي دقائق ..
كدت أقتل عمر وهو يتكلم بهذه البساطة .. صحيح الرجالة قلبهم حجر .. حضنت يحيى بقوة لأعوضه قسوة أبيه!! وخلعت عنه الكاب لاجده أصبح شبه "إبراهيم نصر" .. حلقوا له شعره بالموس وأصبحت رأسه ما شاء الله زلطة .. وقبل أن أصرخ فى عمر وجدته هرب من أمامي ..
أخذته إلى حجرة النوم وأخذت أبكي بلا توقف .. آه لو أعلم أن الأمومة متعبة بهذا الشكل لما كنت تزوجت من الأصل .. وأفقت على يد عمر تربت على كتفي، فدفعته بقوة وعلا صوتي وأنا أصرخ فيه: إنت بجد قلبك حجر ولا يمكن ح أسيبه معاك تاني أبداً أبداً ..
فرد بهدوء وكأنه يكلم مجنونة: خلاص أوعدك المرة الجاية مش ح أوديه لأبو رجل مسلوخة تاني .. مش تعقلي كده ياسارة؟ ما الولد كويس الحمد لله ..
فرددت بعصبية: إستنى لما يصحى وشوف ح يعمل فيّ إيه.. حرام عليك والله ..
فرد بحنان: خلاص يا ستي، لما يصحى أنا اللي ح أسكّته.. إتفقنا؟ وبعدين مش تشوفي أنا ويحيى جبنالك إيه بمناسبة الولادة والسبوع؟
فرددت بعناد: مش عاوزة منك حاجة ..
لم يرد عليّ وأخرج كارت صغير مكتوب عليه بخطه: أنا بحبك يا ماما .. الإمضاء يحيى ..
فلم أتمالك نفسي وإبتسمت وأحسست أن إبني كبر فعلاً وهو اللي كتب بخطه .. ولم أنتظر حتى فاجأني عمر بعلبة أنيقة أخرج منها خاتم رائع به فراشات كثيرة شبيه بالخاتم الذي أهداه لي في قراءة الفاتحة .. ياللرقة ..
خجلت من نفسي ومن عصبيتي ورددت بصوت هامس: ربنا يخليكوا لي يارب ..
قـال عمـر:
جلس جميع رجال العائلتين في الصالون بعد الغداء الدسم والتهام العقيقة ساكنين خاشعين في استماعهم إلى صوت المقرىء الذي أتيت به ليتلو آيات الله بعد العصر .. والكل تعجب من الفكرة .. سبحان الله .. لماذا القرآن لدينا والمقرئين مرتبط فقط بالموت والمآتم؟.. ألا نتذكر الله إلا في الحزن؟ .. ورغم إستغراب الكل إلا أنني وجدت الجميع سعداء ومنتشيين من حلاوة صوت الشيخ، وأثنوا على الفكرة ..
وقطع سكون البيت صوت يحيى وهو يصرخ بشدة لم أسمعها منه من قبل، فاستأذنت وجريت له، فوجدته يبكي حتى تحول وجهه للون الأزرق، وسارة حالتها لا توصف .. فأحسست بالذنب الشديد، ولكنـّني تمالكت نفسي وأخذته منها وأعطيته نقط الدواء المسكن .. وأخذت أهدهده وأقرأ له القرآن في أذنه حتى نام أخيراً ..
قـالت سـارة:
بدأ الناس والأصحاب يتوافدون وأنا عيناي متورمتان من البكاء، ونهرتني ماما عندما رأتني في هذا الشكل وجعلتني أبدل ملابسى بالأمر .. وجاءت حماتي واختارت لي طاقم سواريه لا أرتديه إلا فى المناسبات .. وهمست في أذني إن الناس لابد أن تراني عروس اليوم ..
دقائق قليلة وأصبح البيت يعج بالناس .. لا أعرف من دعى كل هؤلاء .. وخفت على يحيى من هجوم الجميع عليه، وأخذته في حضني لا أفارقه وأنا أقرأ المعوذتين باستمرار .. وانطلق صوت الأطفال يغنون أغاني السبوع الجميلة، وأضفوا بهجة على البيتـ وشعرت أنـّني في فرح حقيقي ..
ولحظات وانطفأت الأنوار .. وأمسك الجميع الشموع كباراً وصغاراً وأخذوا يغنون: حلقاتك برجالاتك .. وأمي تنثر الملح فوق رؤوس الجميع، ومعه السبع حبات، والتي علمت أنها عادة قديمة أعتقد فرعونية؛ وهي مكونة من القمح والذرة والحلبة و.. و.. و.. وكل واحد من هذه الحبوب يرمز لشىء يتمنون أن يكون فى حياة المولود مثل الخير والرخاء ..
(مثل هذا الإعتقاد وهذا التصرّف لا ينبغي ولا يجوز بتاتاً، فهو مبني على إعتقادات منحرفة مخالفة لديننا .. وقد نقلنا النصّ كما ذكرته الكاتبة تمشياً مع العادات عند إخواننا المصريين، وكان الواجب التنبيه إليه والدعوة إلى تركه، فهي أفعال تمس العقيدة والله المستعان .. مشرف الصفحة)
وهددتني ماما أن لابد أن تظل هذه الحبوب مع الملح فى أرض الشقة وأمام المنزل أطول فترة ممكنة، ولو كنستها إحتمال تبلغ عني البوليس ..
يااا خبر أبيض، إيه الفزع ده؟ .. ماما بتدق الهون فى ودان يحيى بكل قوة علشان لما يكبر ما يخافش من الأصوات العالية .. بس أنا اعتقد أنه بعد الدق ده مش ح يسمع لا عالية ولا واطية .. لا وكمان حطينه في غربال وبيهزوه مع مجموعة من النصائح اللي تودي في داهية: إسمع كلام أمك.. إسمع كلام جدتك .. طبعاً .. ما تسمعش كلام أبوك .. ح يفسدوا أخلاق الولد من دلوقتي ..
وجاء وقت البخور، وامتلأت الشقة برائحته الزكية، وجعلوني أمرّ من فوقه وأنا أحمل يحيى 7 مرات .. وعمر لا يتوقف عن التقاط الصور لنا وكأننا في فيلم سينمائي .. بس بجد رغم ان كل العادات دى مش إسلامية لكن لا يوجد بها مايضر بل أعطتنا بهجة وذكرى لن تنسى ..
(بل الصواب أنـّها تضر، فهل مخالفة للدين وتمس الإعتقاد كما هو ظاهر من الكلام، وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلـّم من مثل هذا وقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" [صحيح البخاري] وقال أيضاً: "فإنه من يعش منكم ير اختلافا كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة" [سنن الترمذي: حسن صحيح] .. مشرف الصفحة)
وأخذت ماما يحيى وأخذت تلف به كل حجرات الشقة وكأنها تريه بيته .. وصرخت عندما وجدتها تخرج به إلى البلكونة في هذا البرد الرهيب .. ولكنها أصرت، ووجدت كل الجيران واقفين في البلكونات وكأنهم يعلمون أن ماما لازم ح تطلع البلكونة .. ياربي كل الأمهات شبه بعض ..
ولم يكتفوا بالبلكونة ولكنهم خرجوا به إلى خارج الشقة، ووراءهم طابور الأطفال بالشموع .. ونزلوا به عدة طوابق وكل شقة يصلون إليها تستقبلهم الأمهات برش الملح والزغاريد أيضاً .. وأخذ الجميع يأخذون علب السبوع ويعطوننا الهدايا، وأغلبها والحمد لله مبالغ مالية .. ولم أعد أعرف أين يحيى في هذا المولد .. وأخذت أبحث عنه فى كل مكان حتى وجدت يد تمتد فى الزحام لتحتضن يدي .. ووجدته عمر يقف بجانبي ويقول لي بمنتهى الحب والحنان: ألف مبروك يا عروسة ..
وبعد،
فلا شكّ بأنـّه ظاهر لكلّ عاقل من أهل هذا الدين أنّ جميع هذه التصرّفات مخالفة خلافاً ظاهراً لمسائل الإعتقاد في ديننا، وهي من التطيـّر ومشابهة لوضع التمائم التي كان عليها الكافر وحذّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلـّم أيما تحذير .. فرغم أن الوسيلة مختلفة ولكن الإعتقاد واحد وهي أنّ هذه التصرّفات يتمنى أصحابها بفعلها تحصيل الخير للمولود والله المستعان ..
عداك عن الإسراف المفرط في هذا اليوم والمنهي عنه .. وقد كان ينبغي للكاتبة ـ غفر الله لنا ولها ـ أن تسوق القصـّة بصورة تنهى عن مثل هذه الأفعال، ولكن لعلـّها قدّرت أمراً مختلفاً .. ولم يكن هناك بدّ من نقل هذه الحلقة كما باقي الحلقات من باب الأمانة، فنحن نعدّل الحلقات من ناحية الشكل وتصحيح الأخطاء لا المضمون .. ولكن هذا لا يمنع من التنبيه إلى الأخطاء والتجاوزات .. ونرجو من الجميع التنبـّه إلى فساد هذا الإحتفال وتركه سلامة لأمر الدين ..
ولمزيد من التفصيل يرجى مراجعة الفتوى أدناه:
حكم عمل السبوع للمولود على عادة الناس
أسال الله أن يرينا الحقّ حقاً ويرزقنا إتباعه .. وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .. ويجعلنا من أهل هذا الدين الحقّ السائرين على نهج رسولنا محمـّد صلى الله عليه وسلـّم، لا على نهج ما جاء به الناس .. والحمد لله رب العالمين
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجرزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الرابعة
قـالت سـارة:
مرّت ثلاثة أسابيع على ولادتي ليحيى .. زاد وزنه قليلاً واستدار وجهه، وظهرت ملامحه أكثر .. عمر يصرّ إنـّه شبهه وأنا أحلف إنـّه شبهي أنا..!! أصبح يعرف صوتي .. عندما أناديه أو أتحدث بصوت مرتفع بجواره ينصت ويتوقف عن البكاء .. وماما بتقول لي إنه بيعرف رائحة أمه من يوم الولادة .. سبحان الله ..
وطبعا لا علاقة له بعمر أبداً، لأنه حتى الآن يعجز عن حمله بصورة صحيحة، ويكتفى بملاعبته وهو على كتفي لدقائق قصيرة .. وده لأن أنا نفسي باشوفه طول اليوم لساعات قليلة علشان الشغل الجديد .. وأحيانا يأتي ولا نراه ..
أنا سعيدة جداً بيحيى، وأشعر أنه أعطى حياتي طعماً جديداً .. وأستعجب كيف كنت أعيش بدونه
.. لكن في نفس الوقت أشعر بشعور رهيب من الحزن والإكتئاب والرغبة الدائمة في البكاء لأقل الأسباب .. وأحياناً بدون أسباب .. لا أعرف سبب رغبتى الجديدة في تذكر كل الأحداث الحزينة التي مرت عليّ، وتخيل ما يمكن أن يحدث من سوء لي وليحيى ولعمر
.. وعندما يتعطف عليّ يحيى باشا ويسيبنى أنام أحلم أحلام سيئة جدا بأنى دائما بأفقد يحيى و.. و.. و..
أحيانا أرفع سماعة التليفون كي لا يكلمني أحد على الإطلاق حتى ماما .. حتى الأكل بآكل غصب عني ولا أشعر بمذاق أي شيء .. ولا رغبة عندي أن استمع إلى عمر وهو يحكى لى كل يوم عن عالمه الجديد بمنتهى الحماس .. وأنا أسمعه وكأنى من عالم آخر ..
قـال عمـر:
ياخبببببببر!!! ده أنا كنت مدفون في شركتي القديمة .. ده أنا كنت بأمثل إني باشتغل مهندس والظاهر إني كنت شيخ غفر ..
الشركة الأجنبية الجديدة شغلها من نار .. مفيش دقيقة دلع ولا رغي في التليفون، ولا شرب شاي وسندويتشين فول .. ولا مجال للخطأ أو التهاون لأنهم يطبقون في العمل نظام الأفضلية فقط .. ولو تهاون أحد فلا مكان له، ويستبدل بمهندس غيره في يومين على الأكثر ..
مواعيد تسليم المشاريع لا يمكن التأخير فيها إلا لو مت مثلا .. والأكثر أنـّك لا تؤدى العمل المطلوب منك فقط ولكن طول الوقت مطلوب منك أن تطور نفسك وتطور الشركة بأفكار ومشاريع جديدة تساعد على تقدم سير العمل وتطور الأداء .. وهذه الافكار يؤخذ عليها نقاط توضع في ملف كل مهندس، وعلى أساسها تتم ترقيته على قدر عمله .. وليس عن طريق الأقدمية أو عن طريقنا المفضل وهو أن من ينقل كل أخبار الموظفين ويكون جاسوس عليهم يكون هو حبيب المدير وأهم موظف في الشركة .. حتى لو كان لم يدخل حتى محو الأمية ..
قـالت سـارة:
ماما قالتلي إن الغم اللي أنا معيّشة نفسي فيه سببه إكتئاب ما بعد الولادة، وده بيحصل لأمهات كتير .. إستغربت جوايا وقلت ليه ربنا يدينا نعمة زى الأمومة ونكتئب؟
حاولت أقرا في الموضوع ده، ودخلت على الإنترنت ولقيت إنه بيحصل من إضطراب الهرمونات بعد الولادة، لأنها بتهبط فجأة بعد ما كانت مستقرة طول شهور الحمل .. واترعبت لما لقيت حالات في أوروبا وأمريكا دخلوا حالة مرضية من الإكتئاب وقتلوا أولادهم .. ومنهم إنتحروا .. أعوذ بالله ربنا يستر ..
لا .. لازم أحاول أخرج من الحالة دي قبل ما أتجنن .. ح أحاول أسمع قرآن مادمت مش قادرة أقراه .. أحاول أقرأ الجرايد تاني أو أروح للكوافيرة اللي نسيت عنوانها فين .. بس والله غصب عني .. كل ما باشوف شكلي في المراية وإن وزني زاد شوية بأعيط .. ولما بأحس إني معزولة عن العالم وكل حياتي داخل الكوافيل والرضعات والبكاء المستمر باكتئب .. ولا شعورياً باحس إن عمر هو السبب فى كل اللي حصلّي .. فبابعد عنه أكتر وأكتر ..
هو كمان مشغول جداً في شغله ولا يفكر أن يشاركني في تربية يحيى .. حتى إنو ساب أوضة النوم وأصبح ينام لوحده في الغرفة الصغيرة .. طبعاً من كونشرتو آخر الليل للباشا يحيى .. وعندما أغضب وأطالبه ألا يتركني وحيدة يتعلل بأنه لازم ينام كويس علشان يعرف يشتغل الصبح، لأن الناس دى ما بتهزرش ..
طيب وأنا أعمل إيه؟ هو ابني لوحدي؟ .. ده غير إني أصلا مش بانام طول الليل، والصبح مطلوب مني إني أراعي البيت وأنضف وأطبخ .. غير المعارك اليومية ليحيى والتي لا تجعلنى أجد وقت لانجاز كل الكوارث اللي ورايا دي .. بجد حاسة إن أنا وعمر بعدنا عن بعض .. كل واحد في أوضة، وبينام بدري لأنه بيرجع متأخر من الشغل الجديد، وأنا أفضل وحيدة .. ومش عاوزني بعد ده كله أكتئب؟
قـال عمـر:
خلاص الظاهر شهر العسل خلص خلاص وحيبتدى الجواز الأصلي .. مش عارف أتكلم مع سارة ولا نقعد مع بعض زى زمان .. يا إمّا نايمة لأنها سهرانة طول الليل مع يحيى، يا إمّا بتجرى تحضر له رضعاته أو بتغيّرله .. يا إمّا مكتئبة ومش عاوزة تتكلم خالص .. أنا بجد مش عارف أعمل إيه؟ ومش عارف أساعدها إزاي .. يعني أسيب شغلي وأقعد أرضع يحيى؟!!
بجد سعيد جداً بأني بقيت أب .. ولو خيرونى بين كنوز الدنيا وبين يحيى أختار إبنى طبعاً .. بس حاسس إني خلاص بقيت في المرتبة التانية عند سارة .. والله وارتكنت على الرف يا عم عمر ..
*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
قـالت سـارة:
النهاردة يحيى باشا كمل شهرين بالتمام والكمال .. خلاص بقى راجل قد الدنيا ومحدش عارف يكلمه .. بقى بيضحك لما ألاعبه .. بجد بجد إبتسامته لايمكن توصف .. بتمسح عني أي تعب أو ألم .. والظاهر هو عارف كده .. بيعمل كل كارثة والتانية، وبعدين يبتسم لي كأنه بيديني رشوة .. آآآآه واضح إن جينات الرجولة بتتخلق من بدري أوي .. لا وواضح إنه ح يبقى شقى جداً .. عاوز يرفع دماغه على طول علشان يعرف إيه اللي بيحصل في الدنيا من وراه .. ولا يقبل أي تأخير في طلبات سيادته، ولو لدقيقة واحدة، بيكون كل الشارع سمع صوتنا ..
بس بجد كل يوم باسأل نفسي إزاي كنت عايشة في الدنيا من غيره؟؟ .. صحيح إنى نسيت النوم والراحة والخصوصية بس سبحان الله ربنا بيعوض كل ده بكنز خاص إسمه الأمومة ..
قـال عمـر:
المدير عاوز تصميم المشروع الجديد جاهز في أقل من شهر .. حتى لو اضطريت إني أبات في الشركة أنا وزمايلي .. مش مشكلة، المهم يتسلم فى ميعاده بالثانية .. أمال ليه إحنا فى شركاتنا العربية كل حاجة ماشية بالبركة؟ وعادى جداً إننا نسمع عن مستشفى مثلاً بيتبنى في عشرة وعشرين سنة كمان؟ .. طبعاً كل ده مش وقت للبناء بس بيشتغلوا يوم ويريحوا شهر ..
فعلا مش قادر على ضغط الشغل، حاسس إني مطحون وكل حاجة عندي بالدقيقة والثانية .. وأنا كمان في مرحلة إثبات الذات في الشركة .. وغير مسموح لي بأى خطأ أو تهاون ..
وللأسف جو البيت لم يعد مشجع زي زمان .. سارة طول الوقت عينيها بتتهمنى بالتقصير ناحيتها وناحية يحيى، رغم إنها لم تصرح بده بس أنا باحس بيها .. لكن أعمل إيه؟ بارجع البيت باكمل شغل على الكومبيوتر والإنترنت، وبالعافية بانام كام ساعة ..
مفروض إني أسيب ده كله وأسيب الدوامة دي وأسألها يحيى رضع كام مرة النهاردة؟ .. ستات رااااايقة ..
قـالت سـارة:
إجازتي من شغلي انتهت وكان لازم أرجع وإلا يستغنوا عن خدماتي ويجيبوا حد تاني .. وكان قرار صعب جداً إني أرجع ولا أقعد في البيت وخلاص .. كنت محتارة جداً في القرار والكل كان رأيه إني أتفرغ لتربية يحيى وخلاص .. وأولهم عمر طبعاً ..
وأنا كنت حاسة إنها حاجة صعبة جداً .. إني مش لاقية وقت أخرج ولا أنام زي البني آدمين الطبيعيين .. لا وكمان أصحى بدري وأشتغل .. وحالة الإكتئاب اللي كانت عندي ـ واللي الحمد لله انتهت بمرور الوقت وبتقربي الى الله ـ ساعدت كمان إني ما يكونش عندي قدرة إني أعمل أي حاجة تانية .. لكن بمرور الوقت أصبحت أفضل في رعاية يحيى وبقيت باعرف هو بيبكي ليه .. وحاولت أنظم مواعيد رضعاته، فحسيت إني لازم أرجع أشتغل تاني وخصوصاً إني لا يمكن ح ألاقي وظيفة إني أشتغل من البيت تاني .. فصليت صلاة الإستخارة وحسيت إن ده مستقبلي حتى لو كان بسيط .. بس أنا مش عاوزة أكون زوجة و أم بس .. لأ لازم أكون قبل دول: سارة .. لازم أحافظ على شخصيتي وما أسيبهاش تدوب في دوامة البيت والأطفال .. حتى لو تعبت شوية، لكن أكيد ح أتعود .. ولو ما تعبتش دلوقتى فى شبابى ح أتعب إمتى؟
لكن الأيام الأولى كانت إنتحار بجد .. طول الليل سهرانة مع يحيى وبينام بعد الفجر .. يادوب أصلي وأنام ساعتين وأصحى أقعد على الكومبيوتر وأبدأ فى إرسال الإيميلات والرد على العملاء .. بس طبعا بامووووت من التعب .. وأحيانا كنت بانام وأنا قاعدة وأصحى مفزوعة من صوت التنبية في الرسايل اللى بتوصل كل ثانية .. وأفضل أشرب شاى وقهوة لحد ما أفوق .. وفي خلال كل ده أرتب البيت بسرعة، ويحيى معايا طبعاً باعمل له كل طلباته بدون توقف لحد ما ينتهي العمل الساعة 3 وبأكون خلصت الغداء .. وبأحاول أنيّم يحيى وأنام جنبه ولو ساعة أو ساعتين وبعدها أصحى أستعد لحضور عمر الساعة ستة .. آآآآآآآآآه يارب ساعدني ..
-----------------
لا شكّ أن من أكبر المآسي التي تعانيها أمـّتنا هي هذا الفهم الذي ذكرته سارة حينما قالت: "أنا مش عاوزة أكون زوجة و أم بس .. لأ لازم أكون قبل دول: سارة .. لازم أحافظ على شخصيتي وما أسيبهاش تدوب في دوامة البيت والأطفال" .. فزوجاتنا اليوم يعتقدن أن شخصيتهنّ تـُبني خارج المنزل ودورها في البناء هو خارج المنزل أيضاً .. منذ أن ساد هذا الفهم في عقول نسائنا بدأنا نرى جيل هذا اليوم الذي لا يعوّل عليه نهائياً في حمل رسالة هذه الأمـّة .. نسأل الله أن يطهـّر عقول نساء المسلمين من مثل هذه النظرة، فإن دور المرأة الرئيس هو في بيتها، منه تخرّج الأجيال التي ترقى بأمـّتنا في شتى المجالات .. حينما كانت الأمّ تبني من بيتها خرجت لنا أجيال من أمثال البخاري، واليوم حينما تنكـّبت نساؤنا عن دورهنّ الرئيسي أصبحنا نعدّ آلاف الآلاف من حولنا ولا نجد بينهم من يشار إليه بالبنان.!! والله وحده المستعان ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجرزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الخامسة
قـالت سـارة:
ناداني عمر: سارة .. سارة .. إصحى إنتي نايمة على الكنبة؟
أنا: إيه ده إيه ده؟ إنت جيت يا عمر إمتى؟ إحنا الصبح ولا بالليل؟
عمر: الساعة 7 بالليل يا سارة .. قومي يا حبيبتي علشان ناكل .. أنا جعان جداً .. عاوز آكل بسرعة علشان ورايا شغل كتير ..
شعرت بصداع رهيب وأنا أحاول أن أقوم من مكاني .. واتضايقت لما وجدت عمر يسأل عن الأكل ولم يسأل عليّ أنا أو يحيى .. فرددت بعصبية: طيب إسأل عليّ أنا وابنك قبل ما تسأل عن الأكل يا سيدي ..
تفاجأ عمر من رد فعلي العصبي، ويبدو إنـّه هو كمان كان مشحون على الآخر .. فرد بعصبية هو كمان: هو إحنا مش ح نخلص
من الموال ده يا سارة؟! كل يوم تتهميني إني مقصر في حقكم إنتي ويحيى؟! يعني ليّ بيت تاني مثلاُ باهتم بيه؟؟ وإنتي عارفة قد إيه الشغل الجديد متعب .. أعمل إيه يعني؟
رددت بعناد: والله أنا مش باطلب منك تسيب شغلك وتقعد جنبنا .. بس على الأقل حاول تشاركني ولو نفسيا في تربية يحيى .. ده انت حتى بتنام في أوضة تانية .. لأ أنا بجد تعبت وحاسة إني عايشة لوحدي ..
فرد بصراخ: يادي النكد الأزلي .. مش ح نخلص من السيرة دي يا سارة؟ .. طيب قوليلي إزاى أنام وطول الليل يحيى بيصرخ؟ يعني أروح الشغل مش نايم علشان أترفد ونقعد على باب السيدة كلنا؟ كده أبقى باشاركك نفسياً؟
فصرخت أنا الأخرى: والله ما أعرفش .. هو مش إبني لوحدي .. حرام إنك تسيبني لوحدي في كل حاجة كده ..
ففاجأني برده القاسي: والله انتي اللي سايباني يا هانم .. قبل ما تتهميني بالتقصير شوفي نفسك الأول .. إنتي اللي من يوم ما ولدتي مش مهتمة بنفسك ومش شايفة غير يحيى وبس .. وناسية إن ليكي زوج .. وحتى ما بتسألنيش عملت إيه في الشغل ولا ليكى دعوة بيّا خالص .. خلاص إتركنت على الرف من أول طفل .. أمال لما يبقوا تنين تلاتة حتعملي إيه؟ حترميني في الشارع؟
ذهلت من هجومه عليّ وشعرت بانهيار تاااام .. كل هذا المجهود الرهيب وأكون أنا المقصرة؟؟ .. فعلا لا حدود لأنانية الرجال ..
لم أقوى حتى على البكاء ولا الصراخ .. تجمدت الكلمات على لساني ونظرت إليه وكأني لم أره من قبل .. وشعرت بدوار كبير، وسمعت صوته وهو يناديني من مكان بعييييد .. ومادت الأرض بي .. وفقدت الوعي ..
فتحت عيني بصعوبة شديدة لأجد نفسي نائمة في سريري، ويحيى نائم بجواري، وعمر ينظر إليّ بقلق بالغ .. وبيده عدة عطور يحاول إفاقتى بها .. شعرت بصداع رهيب لم أشعر به من قبل، وثقل شديد فى رأسي .. وتذكرت ما حدث فأغمضت عيني كي لا أرى عمر وسالت دموعي ..
همس عمر وهو ممسكٌ بيدي: حمد لله على السلامة يا حبيبتي .. كده تقلقيني عليكي .. ده أنا كنت ح أموت لما أغمي عليكي ..
أنا: .......؟
عمر: أنا آسف ..
أنا: ......؟
عمر: مليون آسف يا حبيبتي .. بس أنا كنت راجع ح أموت من التعب، وكنت عاوز أرتاح شوية علشان ورايا شغل تاني .. بجد أنا مشحون جداً يا سارة، ومفتقد حبيبتي جنبي ..
فرددت عليه بصوت ضعيف: أنا كمان تعبانة أوى يا عمر ومحتاجاك معايا .. مسؤولية الأمومة متعبة جداً ولازم يكون حد جنبي .. وإنت من يوم ما ولدت بعيد عننا .. وحتى بتنام في أوضة تانية .. حاسة إني وحيدة جداً .. ده أنا بيتهيألي إنك مش مبسوط إننا خلفنا يحيى ..
فرد بانزعاج: إيه الجنان ده؟!! .. لا إله إلا الله .. ده أنا أموت لو بس إتجرح ..
فرددت من بين دموعي: أمال إنت بعيد ليه؟؟
فرد بحنان بالغ: والله غصب عني .. عاوز أثبت نفسي في الشغل الجديد .. إنتي عارفة إني لسه في فترة إختبار أول شهرين .. معقول من أولها كده أنام في الخط وأروح مش فايق علشان يقولوا لي مع السلامة؟!
رددت بعناد: طيب والحل؟
عمر: يا سارة لازم تعرفي إن أهم حاجة في حياة الراجل هي شغله.. وأهم حاجة في حياة الست هي أولادها وبيتها .. وكل خناقات الدنيا بتيجي لما طرف من الإتنين بيفترض العكس من شريكه .. إحنا الإتنين لازم نتعب علشان نربي إبننا أحسن تربية ..
رددت وقلت: بس أنا تعبانة أوى يا عمر ..
عمر: خلاص يا سارة، صدقيني ح أحاول والله على قد ما أقدر إني أساعدك .. إتفقنا؟
فرددت برضى: إتفقنا ..
جاءت الأيام التالية وكلي تصميم على تنظيم حياتي وتغييرها، لنشعر جميعا بالراحة، وبدأت بإني استشرت طبيبة أطفال في نوم يحيى المتقطع، وسهره بالليل، وتعبي معه .. فردت علي رد صدمني إنني أنا السبب .. يا ربي .. ناقص يقولوا إني سبب خرم الأوزون ..
وجاء توبيخ الطبيبة لي إن المفروض من أول أسبوع أن أحاول ألا أرضع يحيى بعد الساعة 12 مساءاً حتى السادسة صباحاً كي ترتاح معدته وينام باستغراق طوال هذه المدة .. لأن الطفل ما دام يستيقظ ليلاً ويجد أمه ترضعه كل مرة سيستيقظ كل ساعة حتى لو لم يكن جوعان .. لكنه لو علم أنها لن ترضعه سيبكي أول يومين وبعدها لن يستيقظ طوال الليل .. طبعاً سمعت كلام الطبيبة وأنا فاتحة فمي علامة البلاهة .. يعنى كان ممكن أرتاح من الغلب ده كله؟؟
وعزمت على تنفيذ ما قالته الطبيبة بالحرف الواحد، واخترت يوم الأربعاء مساءاً ليكون الخميس والجمعة أجازة بعدها .. وبالفعل حاولت تنظيم رضعاته ولم أرضعه ليلاً .. وبالطبع كانت إستغاثاته دولية، وكان ناقص يقوم يتصل بالبوليس من الست المفترية دي .. وكدت أضعف وأرضعه إلا أنـّني صمدت وأنا أبكي من صراخه .. وفي النهاية نام ..
فعلا الاطفال في غاية الذكاء .. عندما علم أن لا فائدة من صراخه نام .. وأكيد بيقول في سره: حسبي الله ونعم الوكيل .. لكن بعد عدة أيام الحمد لله استسلم ولم يعد يستيقظ ليلاً .. وأصبحت أنام زي مخاليق ربنا .. وبعد أسبوعين آخرين أقنعت عمر إن يحيى أصبح أليف ورجع ينام في أوضتنا تاني .. إقتنعت دلوقتي ليه ربنا عمل هجر الفراش وسيلة من وسائل تأديب المرأة ..
قـال عمـر:
الحمد لله أخيراً إنتهت فترة الإختبار في الشركة .. وأبدوا إعجابهم بنشاطي ومجهودي، وأصبحت مهندس دائم في الشركة .. والأهم إني أخييييراً ح أقبض مرتبي بعد فترة الإختبار المجانييية .. والله وح تبقى غني يا واد يا عمر ومحدش ح يعرف يكلمك ..
لازم بجد أكافىء سارة واشترى لها هدية محترمة على الغلب اللي شافته معايا .. أنا فعلاً كنت لا أطاق في الفترة اللي فاتت .. مش عارف إزاي الست ممكن تركـّز في كذا حاجة فى نفس الوقت وتعملها كلها بكفاءة .. تلاقيها بتذاكر لابنها، وبتتفرج على التليفزيون، وتتكلم في التليفون، وبتطرّز مفرش في إيديها، ومتابعة بقية ولادها وهمّ بيلعبوا .. والراجل لو بس بيتكلم في التليفون وحد علّى صوته ولا حاجة بيعمل حريقة في البيت لأنه مش مركز في المكالمة .. أنا فعلاً لما باركز في شغلي مش باعرف أعمل أي حاجة تانية .. بس خلاص بقى فترة الضغط الرهيب دي عدت على خير ولازم أعوض سارة ويحيى باشا ..
قـالت سـارة:
"إيه كل ده يا عمر؟؟ .. مش معقول؟ إنت قتلت حد ولا إيه؟"
قلت هذه العبارة باستغراب شديد وأنا أجد عمر يدخل البيت ومعه سرير هزاز جميل ليحيى مزود بألعاب تصدر أصواتاً لإسكاته، ومجموعة من الألعاب المطاطية، وكذا طقم خروج ليحيى شيك جداً .. ولم أنتظر لحظة إلا وفاجأنى بفستان سوارية لي في غاية الأناقة .. قفزت من الفرحة وأنا أشكره وأقول له: ده كتير أوي يا حبيبي .. إنت قبضت ولا إيه؟
رد عليّ مبتسماً: ايوة يا قمر قبضت أخيييراً .. وكمان أخدت مكافأة شهور الإختبار .. يعنى بإختصار انا حالياً إنسان غني أوي وإنتي مش من مستوايا وإحتمال ما أردش عليكي بسهولة ..
وطبعا كان جزاؤه ضربه بكل مخدات الأنتريه وهو يصرخ ويطلب الرحمة .. ولم أتوقف عن ضربه إلا عنما فوجئنا أنا وعمر بصوت يحيى يضحك بصوت مسموع على معركتنا .. فجرينا نحوه واحتضناه ونحن لا نصدق آذاننا .. وأخذنا نضحكه أكثر وأكثر بافتعال الحركات، وهو يزداد فى ضحكاته العالية .. واحتضننا عمر بسعادة بالغة وطلب مني ان أرتدي الفستان الجديد .. ويحيى الملابس الجديدة .. لأننا سنخرج للعشاء فى أشيك مطعم على النيل ..
جريت على الفور لنلبس أنا ويحيى قبل أن يرجع في كلامه .. وكان شكل يحيى قمر في البدلة الجديدة التي جعلته مثل الرجل الصغير .. واهتممت جداً بمظهرى وأخذت وقت طويل في الإستعداد .. وخرجت لعمر ..
أوووووه ما شاء الله .. الآنسة مرتبطة؟
كانت ذلك التعليق من عمر طبعاً .. وكان ردي:.........؟
أكمل قائلاً: طيب تسمح الآنسة القمر دي إني أعاكسها وأديها هدية تليق بالشياكة دي كلها؟.. وأخرج من جيبة علبة قطيفة بها إسورة رااائعة .. وألبسها لي وهو يقول: ربنا يقدرني وأعوضك كل حاجة يا غالية ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة السادسة
قـالت سـارة:
لا أصدق أنـّه قد مرّ على ولادة يحيى 9 أشهر .. وكأني كنت أحمله داخل رحمي بالأمس .. أصبح إنساناً آخر .. زاد وزنه وأصبح شديد الشبه بي .. وفي خده غمازة تظهر بشدة عندما يضحك .. بدأ يحبو على الأرض ويضحك بشدة عندما ألاعبه .. وعندما أجرى وراءه يحبو بأقصى سرعته ليختبئ تحت الكنبة ويتخيل أنـّني لا أراه..!! متعلـّق بي بشكل لا يوصف ..
وعندما يجد أي شيء ملقى على الأرض لا يتردد أن يتذوقه أولاً .. وإن لم يعجبه يعطيه لي بنفس راضية .. مما جعلني طوال اليوم لا همّ لي الا أن أجعل الارض لا شيء عليها على الاطلاق، لأنه لا يفرق بين المسامير والحلوى ..
كلـّه إلى فمه .. وجعلني لا أهدأ طوال اليوم من التفتيش تحت أي كرسي يحلو له أن يختبىء تحته عن أي شىء ملقى .. ولو قطعة كلينكس .. خوفا من أن يبتلعها ..
مرحلة الحبو دي مرحلة خطيرة جداً .. ربنا يستر وتعدي على خير من غير ما عمر يطلقني .. لأنه لو وجد أي شيء ولو بنسة شعر سقطت مني تحول إلى خناقة كبيرة خوفاً على حياة الباشا ..
قـال عمـر:
ياااه على الروتين والشغل اللي ما بيرحمش .. أنا بجد تعبت خلاص .. نفسي آخد أجازة وأروح في مكان فااااضي لا أرى أي أحد على الاطلاق ..
قدمت على اجازة أسبوع وبالعافية رضيوا على 4 أيام فقط .. منهم الجمعة والسبت طبعاً .. بس مش مهم .. المهم إني اتخنقت وعاوز تغيير حالاً .. سارة كمان مطحونة بين شغلها وبين يحيى اللي أصبح عفريت وعاوز حارس عليه 24 ساعة كي لا يبتلع سم فيران مثلاَ ..
كلمت صديق قديم لي يمتلك شالية منعزل على شاطىء البحر الأحمر بعييييييد عن كل العالم .. الظاهر إنهم بنوه علشان يقتلوا فيه حد وبعدين غيروا رأيهم .. الشاليه يجنن، يبعد عن أي مبانى حوالى 30 كيلو .. وهو ده اللي أنا عاوزه بالظبط ..
قـالت سـارة:
"أهلا أهلا بالأستاذ يحيى .. أخبار مغامرات سعادتك إيه النهاردة؟"
قالها عمر وهو يحتضن يحيى الذي هلل لرؤيته وأخذ يقفز بين ذراعيه ..
قلت له: أسكت يا عمر ده جننني النهاردة .. طول النهار مستخبي وبأدور عليه .. يا إمّا تحت السفرة يا إما جوه دولاب المطبخ بيلعب فى الحلل .. إنت أكيد كنت جن زيه كده وإنت صغير وهو طالع لك ..
ضحك بقوة وأجاب: أيوة كده خليه راجل أمّال عاوزاه بنوتة؟ أما أنا محضر لك حتة مفاجأة تحفة ..
قفزت من الفرح وأنا أسمع وأمسكته من رقبته: مفاجأة؟ إيه يالا قول بسرررعة أحسن مش ح يحصل لك طيب ..
قال لي مبتسماً: ياساتر يارب .. هو ده الرد؟ على العموم أنا ح أقول ليحيى مش ليكي .. بص يا كابتن: أنا عارف إنـّك ما شفتش بحر قبل كده، علشان كده يالاّ روح هات المايوه بتاعك علشان ح نروح شالية يجنن أنا وإنت بس .. وح نسيب ماما المفترية دي هنا ..
وكأن يحيى فهم الكلام إنه مطلوب منه شيء .. فأخذ يحبو بسرعة وذهب يحضر الدبدوب المفضل عنده واعطاه لأبيه .. وظهرت علامات الحيرة على وجهه عندما غرقنا في الضحك من تصرفه وكأنه يقول فى سره: العالم دي مجانين ولا إيه النظام؟
سألت عمر: شاليه إيه يا عمر؟ إيه ده صاحبك وافق؟ الشالية بتاع البحر الاحمر؟
ردّ فى نشوة: ايوة يا سارة 3 أيام ما نشوفش ولا مخلوق السماء والبحر والهدوووووووء ..
فتحرك القلق داخلى لا اعرف له سببا وقلت له: هي طبعا حاجة مغرية جداً بس مش يمكن نحتاج حاجة ولا تحصل مشكلة هناك؟
فرد بتبرم: إنتي على طول متشائمة كده يا بنتي؟ ح يحصل إيه يعني؟ العفاريت ح ياكلونا؟ الشاليه مجهّز بكل حاجة وحناخد كل أكلنا معانا ح يحصل يعني؟ يالاّ حضري كل لوازمنا علشان نلحق نوصل .. الطريق طويل ..
وأخييييراً وصلنا مع أول خيوط للفجر .. المكان منعزل عن العالم، ولكنه ساحر .. شاليه رائع من طابقين مبنى على الطراز الإنجليزي .. وتحيطه حديقة صغيرة ومطل على البحر الذي لم أر في صفاء مياهه من قبل .. ودرجاته الفيروزية والزرقاء التي تجعلك تسبـّح لله كل لحظة من فرط روعته .. وفي الداخل وجدناه مؤسس بذوق راقي وبسيط يجعلك تشعر بالراحة من أوّل لحظة .. ونسمات البحر الرائعة تغسل عنا تعب العمل وإرهاقه .. وتوقظ المشاعر التي خنقتها الروتين والرتابة ..
أفرغت الحقائب بسرعة وصلينا الفجر أنا وعمر ولم نستطع النوم .. فتسللنا وتركنا يحيى نائما وجلسنا على الرمال الناعمة نراقب الشروق وأشعة الشمس الوليدة التي تعانق الأمواج على إستحياء .. وكأنها عروس خجلى ..
نظر لي عمر نظرة لم أرها منذ شهور من فرط انشغالنا في العمل والمسئوليات .. وقال لي: بحبــّــك ..
قـال عمـر:
ياسلام لو الواحد يعيش كده طول عمره .. يااااه .. أعصابي رايقة جداً وسارة في قمة السعادة وهى تحاول أن تبلل أرجل يحيى في مياة البحر، وهو خائف وينظر لهذا الشيء الخرافي الذى يراه لأول مرة وكأنه يقول: البتاع ده ما شفتوش في البيت عندنا قبل كده .. ثم بعد فترة تعجبه اللعبة ويحرك يديه وقدميه بكل قوة حتى يغرق أمه وهي تهدده بانتقام ..
قـالت سـارة:
مرّت علينا أمسية هادئة ونحن ننعم بالهدوء والصفاء، ولم يكدرني سوى أنـّني لاحظت أن يحيى يرفض الطعام منذ عدة ساعات .. وبعد فترة وجدته يصرخ ويبكب بلا انقطاع .. حاول عمر طمأنتي أنه من تغيير الجو .. حاولت تصديق هذا وأعطيته دواءاً للمغص ولكنه لم يستقر فب معدته لدقائق وتقيئه بشكل أفزعني .. ولم تمضي إلا ساعة ووجدت لديه إسهال رهيب .. والقيء لا ينقطع، وحرارته مرتفعة جداً .. صرخت على عمر الذي إرتبك ولم يدري ماذا يفعل ..
مرض يحيى من قبل عدة مرات .. ولكنه أبداً لم يكن بمثل هذه الشدة .. نظرت إليه وهو تقريباً مغشي عليه من فرط السوائل التي فقدها بشكل مفاجىء .. إرتجفت ولم تحملني قدماي .. وبكى عمر وهو يرتدي ملابسه بسرعة لنذهب لأقرب طبيب .. ولكن أين الطبيب فى هذا المكان المنعزل وفي هذا الوقت من السنة .. والذي لم يبدأ فيه موسم التصييف بعد .. فجميع القرى السياحية ـ البعيدة جدا ـ أيضا خاوية ..
قـال عمـر:
جرينا على السيارة وسارة تحمل يحيى وهو تقريباً فاقد الوعي وفي شدة الذبول .. وأنا لا أعرف إلى أين أذهب..! ودموع سارة لا تتوقف وهي تردد كلمة واحدة بمنتهى الوعيد: إنت السبب .. أنا قلت لك بلاش المكان المقطوع ده .. لو حصل حاجة لإبني مش ح اسامحك أبداً .. وكأنه ليس إبني أنا الآخر .. فعلاً الانثى في الأصل أم ثم زوجة ..
مرت نحو ساعة ونصف وأنا أسير بلا هدى ولا أجد بشائر لأي مستشفى أو حتى عيادة، وانا أصرخ داعيا الله أن يغيثنا .. وكل لحظة يحيى يزداد ذبولاً وشحوباً .. وسارة يكاد قلبها يتوقف من فرط البكاء والدعاء .. حتى أخيراً وجدنا نقطة إسعاف على الطريق العام، ويبدو أنـّها مهجورة ..فجرينا عليها فلم نجد إلا حجرة واحدة للكشف يبدو أنـّه لم يدخلها مريض منذ أعوام .. ووجدنا ممرض نصف نائم قابلنا ببرود شديد .. صرخنا به سائلين عن الطبيب، فأخبرنا بلا مبالاة أنه ليس موجود .. لأول مرة فى حياتي أرى سارة الوديعة تتحول إلى نمرة شرسة مستعدة للقتل في أي لحظة، وصوتها يصل إلى عنان السماء وهي تصرخ في الممرض بشراسة: لو في ظرف 5 دقايق ما جبتش الدكتور حالاً أقسم بالله العظيم لأقتلك بإيدي وأدفنك في الحتة المقطوعة دي ..
ويبدو أنّ الرجل إرتعب من غضبها الهائل وفر كالريح يوقظ الطبيب من سكن الأطباء .. وجاء لنجده طبيباً صغير السن حديث التعيين .. لا أعرف كيف يضعون طبيب قليل التجربة في مكان وحده لا يجد من يعلمه ويكون مسئول بمفرده عن كل شىء ..
قـالت سـارة:
بدأ الطبيب في الكشف على يحيى وتعابير وجهه غير مطمئنة .. وبعد قليل أخبرنا أن الحالة محتمل ان تكون تسمم من إبتلاعه شىء فاسد أدت إلى حالة القىء والإسهال الشديدين .. والأهم الآن هو انقاذه من حالة الجفاف الخطيرة ..
هبط علينا كلامه كالصاعقة، وأحسست برعب لم أشعر به فى حياتي .. توقف عقلي عن العمل، وتوقفت الحياة عن دورانها، حتى البكاء لا أقدر عليه .. أنظر إليه وهو فاقد الوعي وشاحب شحوب الموتى .. أكيد إبتلع شىء من الشالية أو البحر في غفلة مني .. بماذا تشعر الأم إذا مات ولدها؟ .. يارب ..
لم أستطع الحفاظ على نعمتك فسامحني واحفظها لي برحمتك وسلطانك .. يارب .. يارب ..
قـال عمـر:
إنطلقت بأقصى سرعة الى الصيدلية للمرة الألف لإحضار المحاليل والادوية التى يطلبها الطبيب كل ساعة .. يحيى يزداد ذبولا ولا يستعيد وعيه من شدة الجفاف .. منذ 5 ساعات وسارة لا تفارقه وكل المحاليل تخترق أوردته بلا فائدة .. يارب لا أعرف كيف أدعوك في هذه المحنة .. قد أكون إرتكبت العديد من الذنوب ولا أستحق غفرانك .. ولكن إرحم هذا الملاك من أجل أمه التي تفقد الحياة كل دقيقة بجواره .. إرحمه من أجلي فهو نبض قلبي وثمرة عمري ..
ظهرت أنوار نقطة الإسعاف أمامي .. وقبل أن أصل وجدت رجل عجوز مسكين ينام على جانب الطريق .. لا أعرف من أين جاءني هذا الخاطر فأوقفت السيارة وأنا فى أمس الحاجة لكل دقيقة .. نزلت وأعطيته كل المال الذي فى جيبي بدون أن أبقى معي شىء وبلا تفكير .. تذكرت: "داووا مرضاكم بالصدقة" .. لعل الله ينقذ بها إبني الوحيد .. يارب .. يارب ..
إقتربت وأنا أخشى أن أرى وجوهاً باكية في إنتظاري .. ولكنـّني وجدت سارة تهرول في اتجاهي وصوتها مختلط بين البكاء وعدم التصديق وهي تهتف: يحيى فاق يا عمر ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة السابعة
قـالت سـارة:
تحول كل بيتنا إلى فوضى منذ أن أصبح يحيى يمشي .. أصبح لا يوجد مقعد في مكانه ولا مفرش فوق ترابيزة لا سمح الله .. وطبعاً أي ورود أو تحف صغيرة أصبح من المستحيل بقائها مكانها، وأصبح مكانها الوحيد فوق الدولاب كي أنقذها من التحطيم المستمر .. لا أعرف لماذا يحب الأطفال استكشاف كل شيء حتى لو رأوه مائة مرة؟
أتعجب عندما أرى يحيى ماشياً فى أمان الله وفجأة يثبت نظره في اتجاه شيء معين، وهنا تصفر صفارات الإنذار في رأسي من أني في ثواني سأسمع صوت تحطيم أو دمار .. ثم أجده متجهاُ بمشيته التي تشبه مشية البطة إلى هدفه كالصاروخ، ويكون غالباُ كوب أو برواز صورة أو أي شيء .. وهنا أقفز مثل لاعبي السيرك لأنقذ الهدف المسكين من مصيره المحتوم
.. وإن نجحت تبدأ مرحلة من الصراخ من يحيى إحتجاجا على هذا الظلم البائن ..
كنت في البداية أرق لبكائه وأتراجع عن موقفي كي يكف عن البكاء .. ولكني وجدت أنـّه في غاية الخبث، علم أن البكاء يخيفني فاستخدمه كسلاح .. أي شيء يريده بيفتح السارينة .. ولكنـّني انتبهت لهذا السلاح الجديد وأصبحت لا أهتم لصراخه .. حتى عرف بعد فترة أنـّه لا جدوى معي من البكاء .. فأصبح ينصرف عنى وكأنه يتمتم: حسبي الله ونعم الوكيل ..
أصبح يحيى هو صديقي الوحيد والوجة الوحيد الذي أراه يبتسم في وجهي منذ أن زارنا الحزن وأقام لدينا منذ شهرين .. من يوم مات والد عمر ونحن نسكن مع الحزن في كل لحظة .. أخاف على عمر من شدة حزنه على أبيه .. أراه شاردا حزيناً، أستيقظ فلا أجده بجواري وأجده يصلي وحيداً وهو يبكي لله ويسأله الصبر على الفراق .. أحاول بكل طاقتي أن أخرجه مما هو فيه بلا جدوى .. يارب خفف عنه وعنا ..
قـال عمـر:
{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ..
الموت من جنود الله التي تدفعنا دفعاً إلى الخوف من الوقوف بين يديه .. لا أعرف كيف اختطف الموت أبي لأتحول فجأة من رجل إلى طفل صغير فقد يد أبيه في الزحام فوقف يبكي ولا يشعر بزحام الدنيا من حوله .. فقط ينتظر وجه أبيه ليعيد له الأمان .. رحمك الله يا أبي .. كم أتعبتك في طفولتي .. وكم عاندتك في مراهقتي .. وكم جادلتك في شبابي ..أندم على كل يوم لم أقبـّل فيه يديك ..
وتبقى مشكلة أمي؛ أنا إبنها الوحيد الرجل، وأخواتي البنات متزوجات وفي بلاد بعيدة مع أزواجهن .. وأمي في حال يرثى لها منذ وفاة أبي .. وأنا يومياً أزورها بعد عملي ولكنها تعيش فى أحزانها وتهمل صحتها .. خوفي عليها يزداد .. ولكن ماذا أفعل؟
قـالت سـارة:
حياتنا انقلبت منذ وفاة والد عمر .. أصبحت لا أراه إلا نادراً .. أصبح يخرج من عمله ويذهب إلى حماتي ليقضي معها بقية الليل .. وأحيانا يبات هناك معها .. وأنا أزورها ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع .. أعد طعام الغداء وأصطحب يحيى وأذهب إليها وننتظر عمر ليأتي ونقضي بقية اليوم معها .. أشفق عليها من أحزانها .. لا أعرف كيف تشعر المرأة لو فقدت شريك حياتها وحبيبها ورجلها الوحيد بعد عِشرة أكثر من ثلاثين عاماً؟؟ .. يتحول حزنها إلى عصبية شديدة لو غاب عنها عمر يوماً .. تظل تبكي وتتهمه بأنه لا يحبها ويفضل بيته وزوجته .. اللي هي أنا .. ولو لم أحضر لها يحيى لتراه صبـّت فوق رأسي كل صراخ الدنيا .. ازدادت أعصابي توتراً وأصبحت تقريباً لا أنام، وبيتي فقد الإستقرار ولا أرى زوجي، ولا أستطيع أن انطق بكلمة .. بل عليّ طول الوقت أن احتمل أعصاب عمر المنهارة وغضب حماتي طوال الوقت ..
زارتنى ماما ورأتني وأنا ذابلة مجهدة، وقصصت عليها ما أنا فيه ..
فردت عليّ: معلش ياسارة استحملي .. جوزك معذور ده برضه والده ..
قلت: أنا عارفة يا ماما والله، ونفسي أخرجه من اللي هو فيه، ومستحملة عصبيته واكتئابه .. بس حاسة إني عايشة في دوامة .. يا دوب أصحى الصبح علشان اشتغل وأجهز الأكل وأشيله وآخد يحيى وأروح لحماتي ونقضي بقية اليوم عندها .. وطول الوقت باستحمل كلام في منتهى الغلاسة .. وكأنـّها عاوزة تقول لي: أنا جوزي مات وإنتي كمان واخدة إبني؟ بجد يا ماما تعبت ومش عارفة أعمل إيه؟
قالت: معلش أهم يومين ويعدوا يا سارة .. خليكي إنتي بنت الأصول اللي تقف جنب جوزها وأمـّه في الظروف دي .. يعنى لو كنت إنتي مكانه مش كان ح يعمل كده؟
رددت وقلت: مش باين يا ماما انهم يومين .. إحنا بقالنا شهرين على الحال ده وعمر مش عاوز يسيبها لوحدها أبداً .. وبصراحة عنده حق بس انا تعبت أعمل ايه؟
فسكتت ماما للحظات وكأنها تفكر في أمر عميق وأجابتني: بصي يا سارة .. خلينا واقعيين، أنا رأيي إنـّك تقولي لعمر يجيب والدته تقعد معاكي هنا ..
انتفضت كالملسوعة: إيه تعيش معايا هنا؟ إنتي بتقولي إيه ياماما؟ هو إنتي مش عارفة طبعها وازاي بتعاملني؟ حرام عليكي ..
نظرت لي ماما وقالت: بصي يا سارة، خليكي عاقلة .. مش معقول ح تفضلوا على الحال ده .. ومش ممكن ح تقولي له إرمي أمك .. علشان ربنا يبارك لك في يحيى .. وبعدين خليها تيجي منك أحسن لأن ده ان آجلاً، أو عاجلاً ح يحصل وهو اللي ح يطلب منـّك إنها تعيش معاكم لأنه ابنها الوحيد الرجل .. يعني هاتيها منك واعرضي عليه إنتي واحتسبيها عند ربنا ..
فسالت دموعي وانا أرى أن كلام أمي منطقى جداً ولا مفر منه: بس يا ماما كده ح نبقى طول اليوم في حرب .. وأكيد ح تحصل مشاكل .. أعمل إيه؟
قالت: والله اتكلي على الله .. وما دمتي بتعملي كده علشان ترضي ربنا وتريحى جوزك يبقى أكيد عمر ربنا ما ح يسيبك أبداً إن شاء الله ..
صليت إستخارة ودعوت الله وقلبي يمتلأ بالخوف من حياتي التي ستنقلب رأساً على عقب .. اقتربت من عمر وهو جالس وحده فى الصالون شارد النظرات، وهمست له: مش تروق كده ياحبيبي.. ده إنت تعرف ربنا وربنا يرحمه إن شاء الله ..
رد مهموماً: ونعم بالله يا سارة .. وهو ح يفضل غالي على طول .. بس كل ما أفتكر والدتي انها لوحدها في الشقة وإنها ممكن يحصل لها حاجة من غير ما أكون معاها باتجنن .. نفسي أكون معاها على طول علشان بالي يرتاح ..
همست في سري: والله عند حق يا ماما خليها تيجي مني أحسن .. ورددت عليه: ربنا يخليها لك يارب .. طيب أنا عندي اقتراح علشان تطمن عليها؛ إيه رأيك تيجي تعيش معانا هنا وأنا أحطها جوة عيني؟
فصرخ فرحاً ورأيت ابتسامته التي لم أرها منذ شهور وهو غير مصدق وقال لي: إيه؟ بتقولي إيه؟ ‘نتى بتتكلمي بجد ياسارة؟ انا كان نفسي أعرض عليكي الموضوع ده بس كنت متردد ..
بلعت توتري وابتسمت له وقلت: ليه بتقول كده ياعمر هو احنا يعني ح نرمي أهالينا؟ ربنا يخليهالك ويقدرني على خدمتها ..
فاحتضنني في قوة وهو يقول لي: بجد مش عارف أقول لك إيه ياسارة .. انتي فعلا بنت أصول .. انا عارف إن ماما متعبة شوية.. بس صدقيني إن شاء الله مش ح تضايقك خاااالص ..
وتركني وانطلق إلى التليفون يزف البشرى لوالدته .. وأنا أردد وأنا أكاد أبكي: خالص خالص خااااااااااالص ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الثامنة
قـالت سـارة:
"انا اللي جبت ده كله لنفسي" .. اقول هذه الكلمة لنفسي كل يوم وكل دقيقة من السيرك اللي عايشة فيه من ساعة ما حماتي المصونة شرفتنا بالانتقال الى الحياة معنا .. الله يسامحك يا ماما انتي اللي اقترحتي الاقتراح الرائع ده .. حياتي انقلبت بزاوية 180 درجة .. لم أكن اتخيل ان كل هذا سيحدث فى شهر واحد .. البنت بتتجوّز علشان يكون لها بيت مستقل تكون هي ملكته تفعل به ما تريد .. وقت ما تحب .. تطبخ ما تشاء .. تضرب عن الاعمال المنزلية وتؤجلها ليوم آخر وقت ما يحلو لها .. افتقدت كل هذا دفعة واحدة .. أحسست اني ضيفة فى بيتي .. وياريت كمان ضيفة دي حتى الضيفة بتُخدَم وتكرّم .. اما انا تحولت الى أسيرة ومراقبة 24 ساعة من حماتي .. طول النهار تراقب تحركاتي .. وتنتقدتني فى كل حاجة .. تراقب تطور حلة المحشي من اول ما أغسل الأرز الى آخر محطة .. وكل لحظة تتحفني بعبارات من نوعية: واضح انك لسه بتتعلمي ياسارة ..
لا لا لا ده مش محشي ده يخني .. عمر ما بيحبش المحشي الا من إيدي أنا .. ولا تفكر حتى في أن تساعدني في أي شىء .. وأنا لا أرد على أي كلمة وأحاول أن أبتسم حتى تصلبت شفايفي في وضع ابتسامة مسلوقة لا معنى لها .. بس علشان ما أطقّش وأموت ..
قـال عمـر:
ياسلاااااااااااااام .. ربنا يخليكي ليّ ياسارة يا حبيبتي .. حلت لي كل مشاكلي مرة واحدة .. بقيت مطمّن على ماما كل ساعة .. وسارة كمان شايلاها جوة عينيها ..
انا كنت فاكر إني كل يوم ح الاقي خناقات .. لكن الحمد لله الدنيا هادية وجميلة والاتنين زى السمنة على العسل ..
بصراحة مش أي واحدة تستحمل ماما .. أنا عارف إنها صعبة وبتحب تتدخل فى كل حاجة بس ح اعمل ايه يعني؟ ربنا يخليها لي يارب .. ويخليلي سارة وتفضل بعقلها الراسي كده على طول ..
قـالت سـارة:
انا خلاااااااااص معدش فيّ ريحة العقل!!! قربت اتجنن وأسيب البيت .. كل حاجة في الدنيا حماتي مدخّلة نفسها فيها .. حتى تربيتي ليحيى كل حاجة غلط فى غلط .. لو أكّلته جزر يبقى لااااااااا البطاطس أفيد كتير .. ولو اكل شيكولاتة يبقى سنانه ح تقع .. ولو حرمته منها يبقى انا أم مفترية .. بجد مش عارفة أعمل إيه ولا أملك الا الطاعة لكل كلامها ولو جادلتها ندخل فى جدال يستمر لساعات فأسمع كلامها وانا أموت من الغيظ ..
والمشكلة الأكبر كمان هي فى وجود عمر .. بتستأثر بيه وكأنه زوجها هي .. تقعد تتكلم معاه بالساعات وتطلب مني أعملهم فنجانين قهوة علشان القعدة تحلو .. ولو بعد الشر قعدت أتكلم معاه على انفراد فى أي موضوع لازم تعرف بنتكلم في إيه وإلا تزعل وتتقمص، والود ودها انها تنام معانا في نفس الاوضة ..
بجد انا تعبت خلاص ولازم الوضع يتغيّر .. لازم اطلب من عمر انها ترجع شقتها ونرجع نزورها زي الأول .. بس ازاى اقدر أطلب منه كده؟ .. اكيد الدنيا ح تولع ويبقى شكلي إني باطرد أمه .. لا لا ما ينفعش الحل ده .. انا عارفة الدين والأصول وكمان لو عمر عمل كده فى أمي أكيد ح اقتله ..
انا عارفة اني مهما عملت لا يمكن تحبني زي بنتها .. دي الطبيعة البشرية .. أنا برضه مش ح احب زوجة يحيى إبني .. يعني بعد ما اتعب وأربي تاخده راجل على الجاهز؟ طيب يبقى انا أشيل فكرة إنها تحبني من دماغي وأحاول اتقبل الوضع وأحسنه وخلاص ..
دخل عمر عليّ وأنا غارقة فى التفكير وضاربة بوز .. وقال: ايه يا سارة بتفكري في إيه ده كله؟
رديت: ولاحاجة ياعمر بس تعبانة شوية ..
سألني: من إيه يا حبيبتي .. مش ماما بتساعدك فى تربية يحيى؟
"ياخرااااااابي .. بتساعدني؟" .. طبعا قلتها فى سري .. ورديت عليه وأنا مفروسة: طبعاً طبعاً ربنا يخليهالنا ..
فرد عليّ بحنان: والله أنا حاسس بيكي يا حبيبتي وعارف ان ماما صعبة شوية .. بس أعمل إيه أنا إبنها الراجل الوحيد .. أرميها يعني؟
سالت دموعي رغما عني وقلت له: يا عمر أنا لا يمكن اقول كده وأنا اللي طلبت منك إنها تيجي هنا .. بس بجد أنا حاسة إني بقيت ضيفة في البيت مش صاحبته .. بانفذ كل كلامها وبتنتقد كل حاجة باعملها فى البيت ومحسساني طول الوقت اني مش بافهم فى أي حاجة .. بجد تعبت .. أعمل إيه؟
أخذ وقتا طويلا قبل أن يرد وجاء صوته مليئا بالحيرة: بصي ياسارة .. أنا عارف إن عندك حق .. بس حطّي نفسك مكانها .. دي ست فقدت عشرة عمرها كله ولقت نفسها وحيدة وكمان سابت بيتها فبتعتبرني انا راجلها الوحيد في الدنيا .. ومتخيلة إنك إنتي اللي واخداني منها .. فنفسيا كده بتغير منك ومن حبي ليكي وبتحاول تحسسك إنها أحسن منك فى كل حاجة .. معلش لازم نراعي تفكيرها ده .. حاولي تصاحبيها وتخليها تشيل فكرة الغيرة دى من دماغها ..
رديت بفراغ صبر: والله حاولت مفيش فايدة ..
رد بعصبية مفاجئة: بصى يا سارة أنا مش ح اتكلم في الموضوع ده تاني .. أنا لا يمكن أغضبها أبداً علشان خاطرك .. ولو اخترت بين بيتي وبين رضاها ح اختارها هيّ .. واعرفي اني لو ما عملتش ده وأغضبتها علشانك .. ابنك يحيى ح يعمل فيكي كده و حيرميكي علشان مراته .. الديّان لا يموت .. ومش ح اتكلم فى الموضوع ده تاني .. تصبحي على خير ..
قـالت سـارة:
"البحر من خلفي وحماتي من أمامي" ..
عمر فجّر القنبلة في وشي وسابني أواجه المشكلة لوحدي .. يعنى كان ح يحصل إيه لو كلّم والدته ووصّاها عليّ شوية؟ خلاص الدنيا ح تولع؟
طيب أعمل إيه يا رب؟ أنا بجد تعبانة ومش عارفة أرتاح ولا دقيقة .. لا من حماتي ولا من يحيى .. بيطلب كل دقيقة طلب لما خلاص جنّني .. باحس إنه فاضي وبيتسلى ..
فاضي وبيتسلى؟
فاضي ....؟
إيه ده؟ معقووووووول؟
معقول يا سي يحيى إنت اللي ح تحل لي الحدوتة العويصة دي؟ قمت من مكاني وأحضرت له مكعبات أحضرها له والدى وأبعدتها عنه حتى يكبر ويستطيع اللعب بها .. وأول ما رآها هجم عليها يبعثرها من مكانها وجلست معه أريه كيف يركبها .. وماهي الا دقائق حتى استغرق باللعب بها وان لم يستطع تركيبها ولكنه أخذ يلعب بها ويكتشفها والأهم انه بعد عني ولم يطلب أي طلبات أخرى ..
طيب ما هي حماتي نفس الحكاية بالظبط .. حياتها فارغة جداً وخاصة بعد موت والد عمر .. وأنا من أقوم بكل الأعمال المنزلية ولا أحاول أن أتعبها في شيء .. فلا يبقى لها إلا أنا والتفرغ التام لانتقادي .. طيب ما انا لو رحت ضيفة عند أي أسرة وكنت لا أفعل أي شىء طوال 24 ساعة الطبيعي جداً اني سأتفرغ لمراقبتهم .. لبسوا إيه؟ عملوا إيه؟
خلاص يبقى الحل الوحيد انى أشغِلها طول اليوم .. خلاص ح أجيب لحماتي مكعبات ..!!
أنا كمان من ناحيتي لازم أقلل إحساسي إنها غازية لبيتي وإني خلاص مش عارفة أرتاح طول ما هي موجودة .. بصراحة في وجودها مريحاني من يحيى في أوقات كتير وخصوصا وأنا باشتغل الصبح على الكومبيوتر .. وكمان فيه حاجة مهمة .. إن في وجودها عمر مش بيتخانق معايا خالص حتى لو لقى البيت بيتحرق .. ودى حاجة جمييييييلة جداااااا ..
انا ح أحاول أحسسها إني باحبها علشان هي كمان تحاول تحبني .. مش كفاية انها إدتني عمر حبيبي علشان أستحملها؟ ومش بس أستحملها .. لا .. أحاول أحبها؟!
قـال عمـر:
بصراحة سارة عندها حق في شكوتها من ماما .. بس كان لازم أوقف الموضوع بحزم علشان مايكبرش ويتحول لخناقة .. وأنا حاولت قبل ما هي تشتكي ومن غير ما تعرف إني ألفت نظر ماما إنها تخف شوية على سارة .. بس طبعا من بعيد لبعيد علشان ما أزعلهاش .. زي اللي بيوصف لواحد إزاي يروح اسكندرية عن طريق أسوان ..
والله انا نفسى أرضي الطرفين بس مش عارف ازاي؟ لا .. ورد فعل ماما كان غريب جداً .. نظرت لي نظرة طويييييييلة وسابتني ومشيت ..!!
قـالت سـارة:
بدأت خطوات الخطة الجهنمية اللولبية في شغل فراغ حماتي وكمان تهدئة نفسيتها الثائرة داااائماً .. أول حاجة إني دعوتها اننا نصلي جماعة أنا وهي كل الفروض بعد ما كانت بتصلي وحدها .. في الأول إعترضت كالمعتاد بحجة انها لا تقدر على الوقوف الطويل فأحضرت لها كرسي صغير تصلي عليه .. وبدأت أوقظها لصلاة الفجر بعد أن كنت أتركها تنام .. وسبحان الله بعد عدة أيام من صلاتنا معا أنا وهي لانت معاملتها لي بعض الشيء .. وجعلنا لنا ورداً يوميا من القرآن .. كيف يجمعنا الله خمس مرات يوميا ويفرقنا الشيطان؟
وتشجعت اني طلبت منها أن نذهب أنا وهي يوميا درس لتعليم التجويد فى المسجد المجاور بعد صلاة العصر .. وكنت أتوقع كلمتين فى العظم ورفض دون أسباب .. ولكن لدهشتي وجدتها وافقت بسهولة ووجدتها فرصة لتعلم شيء جديد والخروج أيضاً .. وسبحان الله وجدتها عندما تقربت لله أكثر وشغلت وقتها أكثر .. أحبتني قليلا وتغيرت معاملتها لي فى أشياء كثيرة .. بل وبعد عدة أسابيع من انتظامنا في درس التجويد يومياً .. وجدتها تدعو لي لأول مرة في حياتها ..
ولأول مرة اكتشفت الجانب الطيب فيها الذي كان مختبىء وراء عصبيتها وانتقادها لكل الناس .. وتحسنت علاقتي بها كثيراً .. لن أقول انها أصبحت مثل علاقة الأم بابنتها ولكن على الأقل الجانب العدائي بيننا قلّ كثيراً وأصبحت أفتح لها قلبي وأحكي لها عن عملي بعد أن كان كلّ كلامنا عبارة عن قذائف نارية ..
بل وتهورت مرة واشتكيت لها من عصبية عمر فى موقف معين وظلمه لي .. حقيقة لم تقف ضد حبيب قلبها بالطبع كما كنت أطمع .. ولكن على الأقل لم تهاجمني زى زمان بأني متجوزة سيد الناس كلها .. ولكنها طيبت خاطري بكلمتين وهذا يكفيني ..!
قـال عمـر:
والله لو علمت كلّ امرأة على الأرض انها عندما ترضى أهل زوجها وبالأخص والديه أن حبها في قلبه سيتضاعف لانتهت كل مشاكل الكون .. كل وقوف سارة بجواري وحنانها معي وعشرتها الطيبة وحبها لي كوم .. ورعايتها لأمي وإهتمامها بها ومحاولة تغييرها واتقاءها الله فيها كووووم تاني .. حبّ سارة في قلبي تضاعف واحترامي لها أصبح لا يوصف .. لابد أن أكافيء هذا الملاك الصابر ..
نزلت اشتريت لها حلقاَ صغيراَ ماسياَ على شكل قلبين صغيرين .. وجريييييييييت على حبيبتي .. وجدتها فى انتظاري جميلة كالمعتاد وحدها دون ماما ويحيى باشا .. وهتفت: وحشتيني ياحبيبتي .. ماما ويحيى فين؟
قـالت سـارة:
رديت على عمر وقلت: وإنت كمان وحشتنى يا حبيبى .. طنط يا سيدي عرّفتها على الحاجة فوزية اللي في الدور الخامس من كام يوم .. إنت عارف هيّ كمان وحيدة بعد جواز ولادها .. واتصاحبوا على طول وبقت طنط بتاخد يحيى وبتطلعلها كل يوم تشرب معاها فنجان قهوة ويفتكروا أيام ما كان الرغيف ب 3 مليم ..
قال لي باسماً: قصدك إن ماما عجوزة .. صح؟ يامااااامااااا ..
فوضعت يدي على فمه قبل أن يفضحني وهتفت: بس يا عم .. أنا ما صدقت إنها ترضى عني شوية عاوز توقّع بنا ليه؟
فضحك وهو يقول: لا والله ده أنا مش عارف أشكرك ازاي على معاملتك لماما .. بجد احترامي وحبي ليكي زاد .. انا جبت لك هدية يارب تعجبك ..
ففتحت العلبة ورأيت الحلق الرائع ولم أصدق أنه ماس إلا عندما أقسم لي عمر .. ولم أعرف ماذا أقول .. ولا كيف أشكره ..
ومن زماااااان سكتت شهرزاد عن الكلام المبااااااح ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة التاسعة
قـالت سـارة:
الكابتن يحيى أتمّ سنتين من عمره المديد .. أصبح شقي جداً وملامح شخصيته ظهرت .. ورث العصبية من عمر ومني العِند طبعاً .. أصبح يقلدنا جميعا في الكلام وينطق الكثير من الكلمات بطريقته الكوميدية .. أجملها على الاطلاق كلمة: ماما .. يرشوني بها كي تذيب أي غضب داخلي من أي كارثة فعلها .. وما أكثر حوادثه وكوارثه التي لا تنقطع، على رأسها معركة الطعام اليومية التي تجعلني اتمنى أن أطعم حي "شبرا" بأكلمله ولا أطعمه طبقاً واحداً .. يرفض الطعام بأغلب صوره ويتمنى أن يمتلأ العالم شيكولاتة وحلوى ولتذهب كل الأطعمة إلى الصين ..!
وعندما أتم العامين بدأنا الكارثة الحقيقية
في حياة كل أم وهي مأساة تعليمه إستخدام الحمام وحده والإستغناء عن الحفاضات .. لا يمكن وصف العذاب الذي عشته لأسايبع طويلة .. أصبحت عصبية وتعبت من هذا الصراع .. لا أعرف كيف تحولت حياتي كلها إلى وجبات طعام وحفاضات وصراخ؟
قـال عمـر:
بعد ما سافرت أمي إلى أختي في السعودية لعمل عمرة وقضاء عدة أشهر معها خلا البيت منها بعدما اعتدت وجودها .. سبحان الله يظل الرجل طفلاً يشتاق إلى حضن أمّه مهما طال به العمر ..
العمل في الشركة تتطور مراحله بشكل لا يوصف، وتتوسع المشروعات فيه .. وترقيت في منصبي تبعاً لمجهودي رغم قصر المدة .. وأصبح مطلوب مني تدريب بعض المهندسين الجدد الذين يلتحقون للعمل في الشركة
وملازمتهم حتى يتقنوا العمل .. عشت معهم لحظات التوتر الأولى والخوف من المجهول واهتزاز الثقة في الموهبة الذي عشته قبلهم في أيامي الأولى هنا .. منهم من يتخطى أشهر الاختبار ويثبت نجاحه ومنهم من تتعثر خطواته ويعود من حيث أتى .. حتى جاءتنا في يوم مهندسة شابة اسمها آية..!
من أول لحظة شعر الجميع أن شخصيتها متفردة .. درست الهندسة في الخارج رغم صغر سنها مما أعطى موهبتها ثقلا لا يستهان به .. خطوطها حساسة وأفكارها متجددة .. ورغم هذا تتمتع بحياء المبتدئين ولا تتطاول على أحد .. جعلتني في أحيان كثيرة في حيرة كيف أكون من يدربها وفي رأسها أفكار أنا شخصياً لا أعرفها من قبل .. ولكنها كانت تنصت لأي ملاحظة مني حتى لو كانت تعرفها من قبل وتتظاهر بالتعلّم مما أثار إعجاب الجميع بها لتواضعها ونبوغها في سنها الصغير ..
قـالت سـارة:
الملل يحيط بي من كل جانب .. عملي على الكومبيوتر لا جديد فيه أبداً .. نفس الإيميلات ونفس الكلمات ونفس الاشخاص .. حتى أكاد أن أقوم به وأنا مغمضة العينين ولم يعد يستغرق من يومي سوي 3 أو 4 ساعات وبقية اليوم في نفس الروتين .. أحادث يحيى طوال اليوم حتى لا أحادث نفسي ..
عمر لا أراه سوى ساعتين في اليوم بعد أن ترقى في منصبه .. وبعد أن يعود لايكون لديه رغبة في أي كلام أو حديث .. يعود منهكاً يلعب مع يحيى قليلاً ويستمع لأحاديثي المكررة عن معاركي اليومية مع يحيى في محاولة إطعامه أو إدخاله الحمام .. وطبعاً ينام أول ما أبدأ كلامي ..
قـال عمـر:
شخصية آية تزداد تألقاً كل يوم .. أصبحت محط إنتباه الجميع في أسابيع قليلة بموهبتها وشخصيتها الجذابة في الحديث .. حتى ما تكاد تتحدث حتى تستحوذ على عقل محدثها من ثقافتها وإدراكها للعديد من جوانب الحياة .. حتى علمت منها انها تحضر ندوات ثقافية ومعارض تشكيلية .. وتأخذ دورات للغات في الجامعة الأمريكية .. لا أعلم من أين تأتي بالوقت لتفعل كل هذا؟
وأكثر ما أثار اعجاب الجميع بها هو التزامها بدينها رغم دراستها بالخارج .. مما جعلنا نزداد احتراماً واعجاباً بها ..
قـالت سـارة:
عمر يحكي لي عن المهندسة الجديدة منذ أكثر من ساعة .. لم أره من قبل يتحدث عن أحد وتلمع عيونه بهذا الشكل .. كتمت غيرتي وبادلته الحديث وانا أراه يلصق بها كل الصفات الرائعة من التديّن والثقافة وجاذبية الشخصية وأيضا الجمال ..
يقول: إنتي ما تتصوريش يا سارة البنت دي مميزة قد إيه .. قليل أوي لما الواحد يشوف بنت موهوبة في الهندسة بالشكل ده ..
فأرد: ليه؟ .. هو انتم مش عندكم مهندسات في الشركة؟
فيقول: لأ فيه طبعاً .. بس أغلبهم بعيدين عن التصميم مش موهوبين زيها .. بيشتغلوا في التنفيذ بس ..
داريت غيظي وأنا أقول له: أكيد .. مش بتقول إنها دارسة هندسة برّه؟ .. ده شيء طبيعي إنها تكون متميزة ..
قال لي وعيونه تلمع: هي مميزة في الهندسة بس ياسارة؟ دي مثقفة بشكل كبير جداً .. مفيش حاجة في الدنيا إلا وعندها فكرة عنها .. سياسة .. فن .. أدب .. ما شاء الله بجد عليها ..
فأرد: امممممممممممممم ........
لم يلاحظ أنـّني أريد غلق الموضوع وأكمـَل: لا .. وكمان متدينة، بتراعي ربنا في كل تصرفاتها .. وواضح كمان ان عيلتها من الـ.....
قاطعته لأغلق الموضوع قبل أن أنفجر وحاولت تصنع الإبتسام وأنا أحدثه: أسكت يا عمر .. النهاردة يحيى رمى ريموت التليفزيون من الشباك .. ودخل المطبخ فتح إزازة الزيت وبهدل أرض المطبخ ولما جيت أجري وراه قام ......
فيقاطعني: تصبحي على خير ياسارة..عندي شغل بدري ..
*******
الأيام الماضية عشت أسوأ أيام في عمري .. إحساس لا يوصف بعدم الأمان .. عندما أرى زوجي وحبيب عمري وكأنه ليس معي .. تائه في عالم آخر .. أشعر به بغريزة الأنثى التي لا تخطيء .. وما يطمئني قليلا أنه متديّن ولن يفعل شيء حرام .. لكن حتى المتدينين أكثر الناس زواجا على زوجاتهم ..
ولكن يبدو أن سحر هذه الفتاة أكبر من مقاومته .. وظروف وجودها معه لساعات طويلة رغما عنه يجعله يُسحر بطريقة تفكيرها وجاذبيتها ..
أنا أعلم زوجي جيداً لا ينجذب كثيراً لامرأة جميلة فارغة العقل .. ولكن ما أخشي عليه فعلاً منه هي امرأة شديدة الذكاء والتميز .. هي فعلا القادرة على جعل حصونه تهتز ..
ولكن أين أنا؟!!
أولستُ حبيبته كما يدّعي؟
كيف تشاركني في قلبه أو حتى في عقله إمرأة أخرى؟ .. هل لو رأيت أفضل رجل في العالم سيشارك عمر في قلبي؟
لكن يبدو أن قلب الرجل مثل محطة القطار كل واحدة ممكن تركبه ..
قـال عمـر:
انا خلاص قربت أتجنن .. عايش في صراع رهيب .. طول الوقت حاسس إني باعمل حاجة غلط .. مش عارف إيه اللي بيحصل؟
عمري ما اتشديت ولا أعجبت بواحدة بالشكل ده .. بجد تعبت من التفكير .. بأحاول إني أبعد عنها كل الطرق حتى إني حاولت إني أخلّي واحد تاني يدربها مفيش فايدة، إترفض طلبي .. باحاول إني لا أنفرد معها في مكان على الإطلاق ولا أحاول إني أكلمها في أي شيء شخصي وكلامي معها رسمي جداً وفي حدود العمل فقط .. ولكن دون جدوى.!!
أشعر أن تفكيري بها لا يتوقف .. فهي شخصية شديدة التميز والذكاء تجعلك لا تستطيع إلا أن تملك عقلك وتفكيرك .. ولكني أحب سارة فعلا .. ولكن عندما أقارنها بآية أجد فرقا كبيراً في كل شيء ..!!
قـالت سـارة:
حاولت ألوم نفسي بأن يحيى شغلني عن عمر وحاولت التجديد في شكلي وفي المنزل .. وكتمت غضبي وغيرتي وتجاهلت حديثه عنها وحاولت إرضاءه .. حاولت إستعادة ليالي شهرزاد بلا فائدة ..
عمر يضيع مني ..
حاولت التودّد إليه وفتح مواضيع جديدة للحديث معه وتحاشيت الحديث عن معارك يحيى اليومية فكان يسمعني بلا اهتمام وكأن عقله في مكان آخر ..
حتى لو كانت هذه البنت متفوقة عنـّي في كل شيء فلا يجوز حتى المقارنة بين شريك العمر وأي أحد آخر .. فالزوجة تحب الشعر الأبيض الذي يغزو شعر زوجها بعد الزواج فهو دليل شاهد على عشرتهم الطويلة، وأيامهم التي قضوها سويا .. هل إذا وجدت رجلاً أكثر شبابا تترك زوجها لأجله؟
يارب إرفع هذه الفتنة وساعدني وأعد إليّ زوجي وحبيبي ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة العاشرة
قـال عمـر:
الشركة ستنظم حفلة بمناسبة حصولها على مناقصة عالمية وكل المهندسين وأسرهم سيحضرون .. فكرت في الإعتذار ولكني لم أستطع .. والغريبة إن سارة وافقت على الفور وتحمست جداً للحضور معي .. يا ترى شعرت بشيء؟! .. لا أظن ..
ولكنـّني لا أريد ان تجتمع سارة وآية في مكان واحد .. ربنا يستر ..
قـالت سـارة:
جاءتني فرصة الحفلة لأرى غريمتي عن قرب .. أشعر أن الله سيأخذ لي حقي .. ولكني عندما أراها سأحترق من الغيرة .. أخاف أن أقتلها والواد يحيى ما يلاقيش حد يربّيه ..
اشتريت فستان سهرة قمة في الأناقة وأرسلت يحيى إلى ماما من قبل الحفلة بعدة ساعات كي أتجهز وأحاول ان أريح أعصابي ولا أظهر لعمر توتري .. ولأول مرة أخذت ساعات في إرتداء ملابسي لأني في كل مرة لم أكن راضية عن مظهري .. آآآه .. عندما يفقدك اعز الناس لك ثقتك في نفسك .. من سيعطيها لك؟
وعندما جاء موعد الحفلة ورآني عمر بالفستان الجديد لم يغازلني كعادته إذا ارتديت شيئا جديدا ولكن رد بسرعة ودون إهتمام: آه حلو أوي .. يالاّ علشان إتأخرنا..!
وأخيييراً وصلنا الحفلة وكانت مقامة في فندق أنيق، والديكورات رائعة والموسيقى تريح الأعصاب، والجميع في أبهى صورهم .. لم نتبادل أنا وعمر إلا كلمات قليلة طوال الطريق وكل منا غارق في عالمه .. وأخذت أدور ببصري بحثا عن عدوتي اللدودة ولم أستغرق وقتا طويلا حتى عرفتها .. شابة جميلة جذابة المظهر وذات أناقة واضحة ولمسة مميزة في مظهرها .. وكالعادة يجتمع حولها الكثير وتستأثر هي بالحديث .. وأكد لي ظنوني لمعة عيون زوجي عندما رآها وكلامه المفاجيء بعد صمت عن جمال الجو ..!!!
قـال عمـر:
إعقل كده ياسي عمر وما تخلّيش سارة تاخد بالها .. والله أنا حاسس إن سارة حاسة بإعجابي بآية .. بس معقول؟ دي كانت بتعاملني كويس جداً الأيام اللي فاتت .. يبقي أحسن حاجة إني أتعامل طبييييعي جداً ..
يا ماشاء الله دي آية جاية بنفسها تسلم علينا .. أنا بأقول أنفد بجلدي وأهرب من هنا على الهند ..
قـالت سـارة:
كانت أول كلمات آية لنا هي: أهلا أهلا باشمهندس عمر .. عندك حق تخبّي عننا المدام .. ما شاء الله زي القمر ..
"أنا اللي قمر برضه .. منك لله يا شيخة" .. ورددت تحت أسناني: الله يكرمك إنتي اللي قمر يا باشمهندسة ..
قالت: على فكرة الباشمهندس عمر كلمنا عنك إنتي ويحيى كتير ..
"كمان؟!!! ما شاء الله بتكلموا في حاجات غير الشغل؟" .. ورددت بكيد أنثوي: أصل هو ما يقدرش يبعد عننا أبداً ..
قـال عمـر:
أوباااااا .. دخلنا في كيد الحريم .. لما أغيّر الموضوع أحسن ما نبات في القصر العيني ..
قـالت سـارة:
غيّر عمر الموضوع وأخذ يتكلم في الرياضة والسياسة والست هانم ماشاء الله لا تكف عن الكلام لحظة في أي موضوع .. ثقافتها وجاذبيتها لا توصف .. حتى لو سألتها عن سياسة موزمبيق الداخلية أكيد ح ترد ..
أخذت أدعو الله كيف أنتصر على هذه الفاتنة التي سحرت عقل زوجي وأنا إلى جواره؟ وأخذت أتكلم معها حديثا عادياً حتى سألتها سؤال غير مجري الأحداث تماماً: "عمر بيقول لي إنك متميزة جداً في شغلك يا آية .. ماشاء الله .. ياتري فكرتي تستمري في الشغل بعد الجواز والأولاد؟"
وكأني ضغطت على جرح قديم فقطبت جبينها وقالت: والله الظاهر إني ح أفضل أشتغل على طول ومش ح أفكر في الإرتباط تاني ..
وكأني وجدت كنزاً فلم أدع الخيط يفلت من يدي وقلت لها: تاني؟ إنتي إرتبطي قبل كده؟ معقولة؟
فردت بمرارة قديمة تفاجأ لها سي عمر: الحقيقة إتخطبت مرتين قبل كده وما حصلش نصيب .. بس الظاهر المشكلة فيّ أنا .. أنا مش بحب أبداً سيطرة الرجل الشرقي على زوجته .. يمكن علشان عشت برّة فترة .. لكن أول ما كانت تبدأ قائمة الأوامر والنواهي لسي السيد كنت أنهي العلاقة فوراً .. فلا أتخيل أبداً ألاّ أكون أنا صاحبة الرأي الأول والأخير في حياتي .. علشان كده مش عاوزة أخوض تجربة الإرتباط تاني ..
"الله الله الله قولي كمان ياست" .. لم أستطع أن أخفي سعادتي بخيبة أمل عمر لمعرفته جانب من شخصيتها تفاجأ له كثيراً .. ولكنـّني تظاهرت بالحزن لأجلها وانا أقول بخبث: بس الست بتلاقي سعادة كبيرة لما بتطيع زوجها وتحس إنها بتتنازل علشان ترضيه وينجح في حياته ..
فردت بملل كأنها تحادث إنسانة من القرن الماضي: لا أرجوكي بلاش الكلام الغريب ده اللي باسمعه من كل البنات هنا في مصر .. أنا شخصيتي كده ومش ح أتغير ..
*******
طبعا أنهيت الكلام معها بعد وعد أكيد إننا نكون أصدقاء للأبد .. وأخبرت عمر إني أريد أن أغادر الحفلة كي لا أتأخر عن يحيى .. وكان في حالة غريبة من عدم التوازن ومراجعة نفسه والخجل معاً ..
في السيارة تحدث بلهجة المذنب الذي ينتظر الإمساك به وقال لي وكأنـّه يداري خيبة أمله: على فكرة إنتي كنتي جميلة أوي النهاردة يا سارة .. ربنا يخليكي ليّا ..
فرددت بغضب لم يره مني من قبل: ياااه لسه فاكر؟ طيب أنا عاوزاك في كلمتين لما نروح يا عمر ..
*******
بدأ عمر بالكلام كي يدفعني أن اتكلم حتى ينتهي ترقّبه لما سأقول وقال ببراءة: إيه يا سارة مالك؟ إنتي من ساعة ما سبنا الحفلة وإنتي مش طبيعية .. فيه حاجة مضايقاكي؟
فانفجر البركان داخلي وصرخت فيه لبروده: وكمان بتسأل؟ لا ده إنت بجد عاوز تموّتني ..
علا صوته هو الآخر لتخويفي: فيه إيه ياسارة؟ إنتي بتزعقي كده ليه؟ أنا ما اسمحش إنك تكلميني كده ..
فلم أهتم بالتهديد وواصلت بقوة لم أعرفها في نفسي: شوف يا عمر ماتهددنيش .. أنا على طول باحترمك، وأطيعك، وأسمع كلامك .. لكن المرة دي أنا اللي ح أتكلم وإنت ح تسمعني .. وإنسى إنك بتكلم مراتك الطيبة الهادية واسمعني لحد ما اخلّص كلامي خالص ..
ولأول مرة ألمح نظرة تشبه الخوف في عيونه من حالتي الجنونية .. وقال لي: إهدي بس وبطّلي زعيق .. فيه إيه؟
حاولت تمالك أعصابي وقلت له: شوف يا عمر إحنا اتجوزنا بعض يمكن من غير قصة حب لكن ربنا أكرمنا وحبينا بعض .. والحب ده كبر مع عشرتنا وربنا رزقنا كمان بيحيى ورزقك شغل جديد .. والأهم من كده إن ربنا رزقنا طاعته وجمعنا في حبه .. صح؟
فأجاب: إيه يا سارة المقدمات دي كلها عاوزة تقولي إيه .. أنا عاوز أنام ..
فرددت بغيظ: تنام؟ .. يا عمر أنا بقالي أكتر من شهرين تقريبا مش بانام .. من أول ما إعجابك بالست آية بدأ ..
فتحول وجهه لألوان الطيف عند إلقائي القنبلة: آية؟ آية مين؟ إيه ياسارة التهريج ده .. أنا أعجب بآية؟
رديت بزهق من إنكاره: بص ياعمر إلست عندها رادار رهيب بتقدر تعرف إحساس جوزها رايح فين .. ويبقي غبي اللي يتجاهل الرادار ده ولا يفتكر إنها مش واخدة بالها .. شوف أنا من أول مرة حكيت لي عنها وانا حاسة إن فيه حاجة مش طبيعية .. لكن قلت مش معقول عمر يعمل كده .. لكن كل ما كانت تيجي سيرتها حالك كله يتقلب .. وكنت بتقارنها بيّ في كل حاجة .. حاولت أصبر لكن إنت كنت كل يوم بتبعد عني وبقيت في دنيا تانية خالص ..
اهتزت كلماته وحاول الإنكار ولكنه لم يستطع: يا سارة أنا ..
فقاطعته: بص يا عمر أرجوك ماتكدبش .. إعمل أي حاجة غير إنك تكدب .. أوعى تقع من نظري بكدبك ..
وكأنه طفل ضاق عليه الخناق ويريد الإعتراف بذنبه: لا مش ح أكدب ياسارة .. أنا فعلا ًأعجبت بيها لأنها فعلا شخصية مميزة .. لكن أنا مش خاين ياسارة .. إنتي معتبرة دي خيانة؟
فصرخت: لا والله؟ أمال دي إيه؟! والله لو كان إعجاب عادي ما كانش فرق معايا .. إحنا طول اليوم بنعجب بشخصيات ناس وبتفكيرهم وبثقافتهم .. لكن أول ما بندخل باب البيت بنسيبهم برة لأن العلاقة الزوجية حاجة مقدسة ما ينفعش ندخّل فيها شركاء ..
فرد بضعف لم أعهده فيه: يا سارة إنتي محسساني إنك قفشتينا في كازينو على النيل .. أقسم لك بالله إني عمري ما اتكلمت معاها أي كلام خاص .. حتى كلامي عنك وعن يحيى كان قدام كل المهندسين مش خاص ليها .. والله العظيم أنا بخاف ربنا في كل حاجة بس بجد غصب عني .. تواجدي معاها أوقات طويلة في الشغل خلاني أعجب بشخصيتها وتميزها .. حاولت أبعد عن تدريبها رفضوا .. أعمل إيه أنا مش حجر يا سارة ..
تحرك عطفي عليه وأخفضت من صوتي قليلاُ وسألته: طيب ليه من أول ما حسيت بالإحساس ده ما قلتليش؟
إبتسم وقال: أيوة علشان كنت ألاقي نفسي متقطع في أكياس سودة ..
فرددت بكرامتي المجروحة: طيب أنا قصرت في حاجة من حقوقك علشان تعجب بواحدة تانية يا عمر وكمان تقارنها بيّ؟
فرد بعناد: إنتي خلاص بقي يحيى رقم واحد في حياتك وأنا رقم اتنين ..
فهمست في سري: يادي الخيبة على عقل الرجالة .. ورديت: بص بلاش الحجة الخايبة دي اللي كل واحد بيبررها لنفسه علشان يعمل حاجة في دماغه .. لو كنت مهتمة بيحيى فدي حاجة تسعدك لأنه مش إبن جوزي الأولاني وإنت بتربيه .. ده إبنك .. ولازم أول فترة في حياتي يعتمد عليّ في كل حاجة .. لكن أتحداك إنك تقول إني أهملتك ..
رد: لا ما أهملتنيش لكن فين سارة بتاعة زمان المتوهجة اللي كلها ذكاء وثقافة وجاذبية؟
فأكلمت كلامه: وتسلّط .. ليه نسيت تقول ده؟ مش إنت بتقارنّي بآية؟ قارن بقي الحلو والوحش .. قارن لو كانت آية هي اللي مكاني كانت وقفت جنبك لحد ما تنجح في شغلك؟ ولا كانت سابت شغلها علشان خاطرك؟ ولا ضايفت والدتك وشالتها في عينيها .. بيتهيألي لو كانت عاشت هنا شهر واحد مش بس كانت سابتك .. لا .. كانت بلغت عنك الانتربول ..
أكملت: شوف يا عمر انا مش أحسن واحدة في الدنيا وفيّ عيوب كتير زي أي حد .. لكن ما ينفعش أساسا إننا نفتح باب مقارنة شريك الحياة بأي حد تاني حتى لو كان أحسن منه في كل حاجة .. ربنا سمى الشركة دي الميثاق الغليظ يعني زي العقدة المتينة اللي ما ينفعش إن حد تالت يدخل فيها .. لأننا لو فتحنا باب المقارنة يبقى بنفتح كل أبواب الشيطان لتدمير البيت .. إلا لو كنت ناوي تتجوز تاني دي تبقى حدوتة تانية ..
رد بفزع: أتجوز؟! إيه ده يا سارة إنتي خلاص خلتيني خاين وبادوّر على زوجة تانية؟ أنا فعلا بحبك ..
فرديت من بين دموعي: اللي بيحب حد يشوفه أحسن واحد في الدنيا .. حتى لو السنين غيرته .. لو مرض .. لو شعره شاب .. لو شكله إتغير .. لأنه أصلا بيعتبر وجوده في الدنيا مرتبط بحياته .. ما ينفعش يقارن بينه وبين أي حد لأنه أصلا مش شايف غيره .. زي أنا مش شايفة أي راجل في الدنيا غيرك ..
تحرك حنانه وحبه ولم يقوي على دموعي وإنهياري: أنا آسف يا سارة .. أنا بجد جرحتك غصب عني .. آسف .. عمري ما ح اعمل كده تاني أبداً ولو حتى بالتفكير .. والله الشيطان هو اللي ضخّم لي عيوبك وحسنها هي في نظري .. أنا فعلاً بعدت عن ربنا شوية من إنشغالى في الشغل الفترة اللي فاتت .. لكن أوعي تشكّي لحظة إني مش بحبك .. إعتبريها غلطة صغيرة من إبنك التاني ولو إتكررت إبقي إعملي اللي إنتي عاوزاه .. أنا عمري ما كدبت عليكي أبداً .. أرجوكي صدقيني المرة دي ومش ح تندمي ..
رق قلبي لكلامه وكدت أسامحه على الفور، ولكنـّني أحببت أن أشعره بكبر خطأه حتى لا يكررها .. فقلت: ح أحاول أصدقك لكن بجد أنا محتاجة فترة أكون فيها لوحدي علشان أستعيد ثقتي فيك وفي حياتنا .. ح اروح لماما كام يوم لحد ما أعصابي تهدأ ..
رد بحزم: لا أنا مش موافق ..
فرديت بعناد: عمر أنا محتاجة الفترة دي إننا نبعد عن بعض كام يوم .. وح أقول لماما إنك مسافر في شغل .. أنا بجد مش قادرة أقعد في البيت هنا .. ما تضغطش على أعصابي أرجوك ..
رد بحزن: زي ما تحبي يا سارة .. لكن أرجوكي خليكي متأكدة من حاجة واحدة .. إن قلبي عمره ما دخله واحدة غيرك ..
-
رد: رواية يوميات عمر وسارة
الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الحادية عشرة
قـال عمـر:
أصبحت وحدي في المنزل بعد رحيل سارة ويحيى الى بيت والدها .. البيت كئيب موحش بدونهم .. سبحان الله .. لا نعرف قيمة الشيء الا عندما نفقده .. مثل ملابس الإنسان أو ساعته، لا يشعر بها إلا عندما يرتديها أو يخلعها .. لكن طوال ماهي موجودة معه لا يشعر بها ..
شعرت بكبر الفقد عندما رحلوا؛ سارة الحبيبة التي تملأ الدنيا بهجة وتفاؤل .. التي تمتص كل همومي مهما كانت مرهقة ..
أصبحت أدخل المنزل وكأني داخل مقبرة .. لا حياة ولا حركة .. ولعب يحيى في كل مكان .. تذكّرني بمشيته المضحكة واختباءه وراء الكراسي ظناً مني أنـّني لا أراه .. وكلماته القليلة التي
تساوي كنوز الدنيا .. كيف أضعت كل هذا من أجل إنسانة بالكاد أعرفها ولم أر منها إلا مظهرها البراق الذي يخفي شخصية متسلطة .. وحتى لو كانت شخصيتها رائعة كيف أسمح للشيطان أن يجعلني أخسر استقراري من أجلها؟
أليس الله هو من اختار لي سارة وأختارني لها؟
كيف أظن أن اختياري أنا أفضل وأبدأ المقارنة السخيفة والظالمة؟
يارب سارة تنسى كل اللي حصل وترجع لي تاني ..
قـالت سـارة:
بيتي وحشني أوي .. مش عارفة أنام في أوضتي القديمة اللي عشت فيها أكتر من 20 سنة .. سبحان الله ..
طبعا ماما فرحانة جداً بوجودي ونفسها إن سفر عمر الوهمي يستمر شهور .. لكن بابا بغريزته وذكاؤه لم يصدق فكرة سفر عمر ولاحظ من نظراتي الذابلة وردودي المقتضبة على عمر في التليفون إن هناك مشكلة ولكنه لم يسأل واكتفى بالدعاء لنا ..
وأخوتي سعداء بالطبع بوجودي أنا ويحيى ويلعبون معه ويشترون له مليون شيكولاتة في اليوم .. ولكن يبدأ الصراخ والشكوى عندما يمزق يحيى أوراقهم أو كتبهم أو يعبث بأدوية ماما أو يلقي نظارة بابا من الشباك .. عندها أشعر بالحرج وأضربه تنفيساً عن ضيقي وحرجي وأشعر فعلاً أنـّني غريبة .. وأنـّني أفسدت نظام حياتهم وأحدثت فوضي في البيت .. وعندما يصحى يحيى بالليل ويطلب طلباته العجيبة ويكون إخوتي نائمين علشان مدارسهم أكون نِفسي أقتله علشان ما يصحّيش حد من صراخه .. وآخذه وأتسحب في الظلام وأجلس به في الصالة حتى يتعطف عليّ وينام ..
قـال عمـر:
انا مش عارف الحقيقة سارة كانت بتعمل كل شغل البيت والطبيخ كل يوم إزاي؟ الشقة في ظرف كام يوم تحولت إلى ما يشبه الإسطبل .. ولكي أصل إلى ملابسي قبل الشغل بأبقى عامل زي البهلوان بعد ما كنت أصحي أجدهم مكويين ومرتبين وألبسهم زي الباشا .. الآن أبحث عن شراباتي فلا أجد إلا كل فردة لون .. وحاولت أغسل الملابس التي تحولت إلى جبل وطمأنت نفسي أن الغسالة الأوتوماتيك هي اللي بتغسل ومفيش مشاكل فوضعت كل الملابس مع بعض واخترت برنامج قوي جداً وانتظرت النتيجة المبهرة
وطبعا كانت كارثة مدوية.. لم أعرف أن الملابس تُفصل قبل الغسيل كي لا تبهت الألوان على بعضها وكانت النتيجة أنـّني خسرت عدة قمصان غالية تحولوا إلى اللون الكحلي من بنطلون لعين دسسته في وسطهم .. دي سارة لما تيجي ح أحطها فوق دماغي .. منك لله يا آية ..
قـالت سـارة:
عمر يحاول أن يكلمني عشرين مرة في اليوم .. ولا أرد عليه وأكتفي أحيانا بإعطاء الموبيل ليحيى كي يسمع صوت والده .. ووقتها يبدأ في الضحك والحديث المتقطع والذي لم أفهم منه إلا يحيى وهو يسأل: بابا فين؟ .. حتى الطفل يفتقده بشدة ..
أحاول أحيانا أن أرد عليه وأوهم نفسي أنـّني أرد فقط شفقة عليه من الإتصالات المتكررة ولكن الحقيقة أنـّني أشتاق لسماع صوته الذي لم أحب صوتا غيره .. ورغم هذا أرد عليه بكلمات معدودة وهو يسألني أن أعود لبيتي، وأنا أصر على موقفي ومن داخلي أتمنّى أن أعود إليه وأنسى كل ما حدث.. ولكنـّني أريده أن يشعر أنـّه جرحني بشدة ولا يكررها أبداً ..
قـال عمـر:
لم أستطع النوم فقمت أصلي ركعتين قيام الليل وجلست أقرأ القرآن الكريم، وفتحت درج البوفيه الذي كنا خصصناه أنا وسارة لختم المصحف بصورة دورية وشعرت بالخجل الشديد وأنا أري أنـّني في خلال شهرين لم إقرأ إلا أجزاء بسيطة مقابل ما قرأته سارة .. بل وعجبت أنـّني وجدتها كتبت على بعض الأجزاء أن أمي هي التي ختمتها .. حتى ماما يا سارة؟
شعرت أنـّني بعدت عن الله في الفترة الماضية ولهذا كان من السهل أن يسيطر الشيطان على تفكيري .. رغم أنـّني كنت أرى من هي تفوق آية جمالاً وذكاءاً في شركتي القديمة ولكن أبداً لم أنظر لواحدة لأني كنت أخشى الله ..
دعوت الله كثيراً أن يصلح من حالى ويرد لي زوجتي وإبني وإستقرار بيتي .. وجلست في جلستي هذه وقتاً طويلاً وأنا لا أعرف ماذا أفعل سارة لا تقبل إعتذاري ولا ترد على مكالماتي وعندما أقول لها أنـّني سأذهب لأحضرها بالقوة، ترفض بشدّة وتقول لي أنها ستخبر الجميع بمشكلتنا لو فعلت هذا ..
ماذا أفعل يارب؟
هداني الله إلى حل ما .. لا أعرف كيف تاه عن بالي .. واستحالة أن ترفضه سارة بأي حال من الأحوال .. ولكنـّه سيكلفنا الكثير وسيستغرق عدة أيام في تنفيذه .. ولكن لا يهم سأجند كل أصدقائي أن يتموه في أقصر وقت ممكن والله المستعان ..
قـالت سـارة:
مرّ على تركي لبيتي حوالى أسبوعين .. فعلا إشتقت للعودة بجنون .. وما يزيدني حيرة أن عمر لم يتصل من عدة أيام .. إيه ده خلاص مش عاوزني؟ طيب أعمل إيه دلوقتي؟ كان لازم أزعل أوي كده؟
طلبته على الموبيل بعدما زاد قلقي أن يكون حدث له مكروه .. فلم يرد ..
جلست أكاد أموت من القلق ولا أعرف ماذا أفعل، وفكرت أن أخبر والدي بكل شيء ليذهب إليه، ولكني لم أستطع .. وقضيت يوماً طويلاً هاجمتني فيه كل الهواجس الرهيبة .. وجاء الليل وأنا أكاد أنهار حتى جاءني صوت يحيى صارخاً: بابا جه بابا جه ..
لم أصدق أذني وجريت لأراه يلعب أم أن عمر جاء بالفعل؟! ووجدته ينظر إليّ بشوق وكدت أجري عليه وألقي نفسي بين ذراعيه أمام الجميع ولكنـّني خجلت وجلست أراقبه صامتة وأنا أراه يخبر والدي أنه عاد من السفر مباشرة علينا .. يا كدااااب .. ويخبر ماما انه جائع جداً من طول السفر .. ويقبـّل يحيى بجنون وأراه يوزع هدايا على الجميع وينظر إليّ باسماً وكأنه يقول أتحداكي أن تكذبيني بعد الفيلم ده كله ..
كل هذا وأنا صامتة لا أتكلم .. وقمت لأحضّر الطعام مع أمي وتركته جالساً مع أبي وقلبي يكاد يطير من الفرحة لرؤيته وقرب عودتي لبيتي .. ولم يتعمد أن ينفرد بي أو يعطيني هدية مثل الجميع .. وأخييييراً همس لي بكلمة واحدة: وحشتييييييييني .. وأخرج من جيبه شيئاً ظننته هدية، ولكنـّني وجدته جواز سفر بإسمي .. فتحته من دهشتي وعقدت لساني المفاجأة وصرخت من الفرحة والدهشة العارمة: معقووووووول؟!!!