ثقافة التحمل والصبر على الأزواج غـير الأسـوياء تفاقـم المشـكلات الأسـرية
ثقافة التحمل والصبر على الأزواج غـير الأسـوياء تفاقـم المشـكلات الأسـرية
كتبت – سهير بشناق- في الوقت الذي دان المجتمع الحادثة التي وقعت في محافظة الزرقاء الاسبوع الماضي وكانت ضحيتها الفتاة (بديعة) ابنة التسعة عشر عاما التي تعرضت لاعتداء جنسي من والدها وهي في الرابعة عشرة وكان نتيجة هذه الاعتداءات حدوث الحمل فاقدم والدها على شق بطنها واستخراج الجنين ما اصابها بنزيف شديد أودى بحياتها.
ان هذه الادانة اكتملت فصولها بغضب مجتمعي تجاوز حد الاستياء ليس بسبب بشاعة الحادثة فحسب بل لموقف والدة الضحية وعلمها المسبق بالاعتداء الواقع على ابنتها طيلة هذه السنوات وعدم اقدامها على وقف العنف الذي تعرضت له ما اثار اسئلة عديدة تدور جميعها حول مدى حجم الخوف الذي تعيشه بعض النساء وقدرتهن على التحمل في حياتهن الزوجية واغتيال مفاهيم كثيرة تتعارض حتى مع مشاعر الامومة التي تحتل المرتبة الاولى في حياة كل ام تحرص على صون اطفالها من اي اذى؟
وان كانت جريمة الفتاة بديعة ازالت الغطاء عن قضية العنف الجنسي الذي يتعرض له بعض الاطفال والفتيات داخل الاسرة فانها كشفت عن قضية لا تقل خطورة عن ما حدث... فصمت نساء عما يتعرضن اليه من سوء معاملة لهن ولاطفالهن تحت ذريعة الخوف من الطلاق والخوف من سوط الزوج سوف تقود في نهاية المطاف الى استمراية السلوكيات الخاطئة بحق الزوجات وبحق الاطفال سواء كانت عنف جسدي او تحرشات واعتداءات جنسية طالما لا يجد من يقدم على مثل هذه السلوكيات من يقف ويعلن رفضه عن كل ما هو شاذ وخارج عن المالوف ويتعارض مع الطبعية البشرية.
استاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبقية الدكتور حسين الخزاعي نبه الى خطورة ما يسمى (بثقافة التحمل والصبر) التي تعيشها نساء كثيرات في حياتهن الزوجية واعتبر ان مفهوم (السترة) المتمثل بالزواج مفهوم يزرع في عقل الفتاة قبل الزواج بحيث تدخل هذه الحياة الجديدة وهي مستسلمة لاي سلوكيات خاطئة وغير طبيعية من قبل الزوج خوفا من الطلاق وعودتها لاسرتها التي تردد على مسامعها قبل الزواج بانه غير مسموح لها بالخروج من بيت زوجها لاي سبب كان ولو انتهكت كرامتها.
وعزا الخزاعي اسباب هذه الثقافة الخاطئة التي تعيش بها فتيات الى النصائح المدمرة التي تسمعها من اسرتها قبل الزواج والتي تجبر من خلالها على تحمل الزوج مهما كانت سلوكياته خاطئة كأن يكون مدمنا على الكحول او يقدم على افعال غير اخلاقية.
وبين ان صبر الزوجة على افعال زوجها سوف تقوده الى التمادي بافعاله مما يشكل خطرا اجتماعيا كبيرا على الاسرة باكملها.
واشار الخزاعي الى ان قضية الاعتداءات الجنسية قضية في غاية الخطورة خاصة وان (54)% من الجرائم في الاردن كانت اعتداءات جنسية و(43)% ايذاء جسدي.
واعتبر ان المقلق في هذه النسب هو ان (73)% من الاعتداءات الجنسية تقع على الذين تقل اعمارهم عن(18) عاما ذكورا واناثا في حين ان (37)% من هذه الاعتداءات الجنسية تكون صادرة عن افراد من محيط الاسرة وتشمل الزوج والاباء والجيران مبينا ان نسبة اعتداء الاب على بناته شكلت (3)%.
واكد ان قضية الاعتداءات الجنسية على المحارم تعود الى شخصية الزوج التي تكون غير سوية اضافة الى السكوت عن افعاله وعدم ايقافها واشباع الفتاة قبل الزواج بمفاهيم خاطئة تجبرها على تحمل افعال زوجها.
واضاف الخزاعي ان هذه المفاهيم الخاطئة تبقى مزروعة في عقل الفتيات اللواتي يتزوجن في عمر مبكر خاصة وان عدد الفتيات اللواتي تزوجن قبل بلوغهن عمر الثامنة عشرة العام الماضي وصل الى تسعة الاف و14 فتاة منهن (334) حالة طلاق مشيرا الى ان الزواج المبكر وعدم نضج الفتاة يؤدي في نهاية الامر الى نشوء حالة من الاستسلام والصمت اتجاه سلوكيات خاطئة قد تبدأ صغيرة وتتحول الى انحرافات وجرائم بشعة.
واكد الخزاعي ضرورة ازالة ثقافة التحمل ومفهوم (السترة) بالزواج التي تعيش بها كثير من النساء في الوقت الذي تغيرت به مفاهيم المجتمع واصبحت المراة تخرج للعمل وتتحمل المسؤولية اسوة بالرجل فلم يعد الزوج هو المعيل الوحيد لاسرته ان كان هذا سببا لصمت المراة وخوفها من ايقاف ما تتعرض له وافراد اسرتها من عنف.
وفي الوقت الذي يؤكد به الخزاعي ان العنف داخل الاسرة سلوك ينتهج من قبل الاب فيتوارثه الابناء فان 9% من ابناء الرجال المسجونين قد ارتكبوا جرائم اخرى ويعيشون في دور الاحداث وهي جرائم تتراوح بين السرقة والادمان والشروع بالقتل وجرائم اخلاقية.
وبلغ عدد الاحداث المنحرفين بالمجتمع العام الماضي خمسة الاف و72 حدثا.
ويرى الخزاعي ان الزواج هو بمفهومه العام يعتبر (سترة) للرجل وليس للمراة في جانب ارتكاب الجرائم خاصة وان (95)% من مرتكبي الجرائم من الذكور و5% من الاناث.
وتعتبر الاعتداءات الجنسية على ما يسمى (بالمحارم) وخاصة من قبل الاب على بناته او الاشقاء على اخواتهن اقسى انواع الاعتداءات لانه اعتداء صارخ على روابط ابوية واخوية حرمتها الشرائع السماوية ورفضتها جميع العادات والقيم التي تنظم العلاقات بين الافراد.
الدكتور عاطف شواشرة اخصائي علم النفس ومحاضر في الجامعة الاردنية مستشار في قضايا الجندر والاسرة عزا اسباب الاعتداءات على المحارم الى ضعف النظام الأخلاقى داخل الأسرة والمفسر بلغة علم النفس ضعف الأنا الأعلى (الضمير) لدى بعض أفراد الأسرة أو كلهم.
وبين انه في بعض الأسر نجد بعض الظواهر كاعتياد أفرادها خاصة النساء والفتيات على ارتداء ملابس كاشفة أمام بقية أفراد الأسرة، مع غياب الحدود والحواجز بين الجنسين، وغياب الخصوصيات واقتحام الغرف المغلقة بلا استئذان.
واشار الى ان هناك ضعفا في السلطة الوالدية لدى الأب أو الأم أو كليهما، وهذا يؤدى إلى انهيار سلطة الضبط والربط وانهيار القانون الأسرى بشكل عام.
واضاف تلعب العوامل الاقتصادية دورا في حدوث هذه الاعتداءات كالفقر وتكدس الأسرة في غرفة واحدة أو في مساحة ضيقة مما يجعل العلاقات الجنسية بين الوالدين تتم على مسمع وأحيانا على مرأى من الأبناء والبنات، إضافة إلى مايشيعه الفقر من حرمان من الكثير من الإحتياجات الأساسية التي ربما يتم تعويضها جنسيا داخل إطار الأسرة.
واشار الى ان الفقر يصاحبه احيانا البطالة وتأخر سن الزواج، والشعور بالتعاسة والشقاء مما يجعل التمسك بالقوانين الأخلاقية في أضعف الحالات، وبخاصة وان كثيرا من الأسر تقيم في غرفة واحدة مما يسهم في حدوث العلاقات بين المحارم.
وبين شواشرة ان هناك ارتباطا بين العوامل النفسية وحدوث ما يسمى (بزنا المحارم) كأن يكون أحد أفراد الأسرة يعانى من مرض نفسى مثل الفصام أو الهوس أو اضطراب الشخصية، أو التخلف العقلى، أو إصابة عضوية بالمخ.
اضافة الى دور الاعلام المرئي وما يبثه ليل نهار من مواد تشعل الإثارة الجنسية في مجتمع يعانى من الحرمان على مستويات متعددة.
وأشار الى ان الادمان وتعاطي الكحوليات والمخدرات من أقوى العوامل المؤدية إلى زنا المحارم حيث تؤدى هذه المواد إلى حالة من اضطراب الوعى واضطراب الميزان القيمى والأخلاقى لدرجة يسهل معها انتهاك كل الحرمات.
