هو موضوع للكاتب فؤاد الوجيه ويقول فيه:
للأقلام جنوحها وفنونها، ولأصحابها أحلامهم وأوهامهم وشطحاتهم، وأفهامهم وآلامهم، ورغبات ونزوات وهموم ينفثونها، على هيئات متباينة البراعة، والصراحة والحدة والجرأة، من أقلام تستحيل أمامها افهام وثقافة ومرجعية القراء، بكل أنواعهم، إلى ردود وأفعال مختلفة، بحسب نوع القارئ، وهنا تتولد رغبة الرد والمجابهة من قبل كاتب أو أكثر، والموافقة والتعزيز من آخر وآخرين، لتأتي فرصة ثالث أو ثوالث بالتنقيح والتقريب، وهنا قد تنتهي الزوبعة، والأخذ والرد بملل القراء، من طول التداول، فتغيب الأزمة لا انفراج بحل ورأي مفحم، ولكن لاستنفاد الجدة وسأم المتابع، وهنا يولد إشكال جديد من قلم آخر، ليأخذ مساحته، ويأخذ متابعوه وقتهم، وهكذا دواليك.
والحقيقة المؤلمة الغائبة أنها إشكالات مبعوثة، والجديد فيها هو في عصرنتها، وبطريقة طرقها، وبمستوى فهمها وبأسلوب استثارة باعثيها للمستثارين.
نعم من حق الأقلام الموهوبة، أن تظهر إبداعها ومن واجبنا تفهمها، معذرين ومعتذرين، لجنونها وشطحاتها، نعم من حق المغمور أن يظهر، ويلفت الأنظار إليه، ويأخذ حظه من الشهرة والعالمية.
أيضا من المسموح لأصحاب الجرأة، أن يخوضوا في مواضيع شائكة وجدلية، دينية أو سياسية أو اجتماعية، فإن لم يأتوا بعلاج ناجع لها، مع تقادم الإشكال، أو حتى ان لم يستطيعوا طرحها بأسلوب ناجح، يمهد للحل ولا يزيد الإشكال، فإن لم يفعلوا ذلك، وهو الغالب، فإنهم قد حركوا أصحاب الحلول الناجعة، والأساليب الناجحة، ليتداولوها بخبرة وعن معرفة وعلم وكتاب منير..
نعم .. من حق الأقلام المستفزة، أن تثير قضايا غائبة، ومسائل عائمة، ويوجهوا القراءات الهائمة إليهم، كما انه من الطبيعي، أن القراء مع الاختلاف والتباين، وأن تتعدد وتتنوع وتتباين استجاباتهم تجاه كل ما يطرح، هنا وهناك، ومن ناحية ثالثة، من حق المطبوعات أن تبحث عن وسائل الانتشار، ومقدار المبيعات، وتحقيق المكاسب، كي تستمر ولو بربع المفيد، وثلاثة أرباع من ما سلف، بأسبابه وأغراضه.
باختصار، في هذا الباب، من حق الإنسان، أن يفهم ويعبر ويكتب عن ما حوله بالطريقة التي يريد، ولكن ولنفس الأسباب، التي جعلت عقول الفحول، تتقبل وتتفهم وتعتاد على تنظيم الإنجاب، مع ما فيها من ثغرات دينية، وقمع للذة والحلال، وتبعات صحية، أرجو أن يتقبل الجميع ما سأقوله في عجالة.
الكتابة حق يمارس وحرية مشروعة، والتنوير مسئولية ونتاج الأقلام، والوسائل تتعدد وتختلف، إلا أن العقل والحكمة والالتزام الأخلاقي، لشرف الكتابة، تلزم الكاتب أن يتجنب الكتابة أحيانا في موضوع، ويتجاهل قضية في زمان ومكان ما، ويتمهل الخوض في تفاصيل وجزئيات هنا وهناك، في أحايين ويؤجل أحلامه ومشروعاته الخاصة، وفي أحيان أخرى يتريث في الحكم وردة الفعل تجاه ذاك وذلك.
وفي كل الأحيان إذا كان الغرض الشهرة والاستفزاز ولفت الأنظار ووو..الخ، عليه أن يبحث عن الأسلم لصحة المجتمع، والآمن في طريقة الطرق، والأنسب في زمن الطرح، والأمثل في أسلوب التناول، والأكثر ذوقا وأدبا وموضوعية في طريقة الرد، والاهم أن لا تغيب الأخلاق واحترام الذات في لفت الانتباه، لأنه يبحث عن حق، من وجهة نظره لنفسه أو لمجتمعه أو لفكره المنتمي إليه.
فحتى الحق والحقيقة والصواب والجيد، ليست هي كذلك لذاتها، ولكن لزمان ومكان وطريقة وأسلوب، وهدف الأقلام التي تعرف متى وكيف ولماذا وأين، تقول وتكتب عن الحق والحقيقة والصواب والجيد، أما الأقلام المغامرة الحمقاء فهي التي تكتب عن الحق وتغيب عنها عوامل وطرق تقبل الحق.
أما الخائن لأمانة الكتابة فهو نوع ثالث، يكتب الحق بطريقة تزيد الباطل، والحقيقة للتضليل، والصواب ليزداد الخطأ، والجيد لتعزيز السيئ، وهذا ما يجب التحذير منه، وعدم تقبله، أما النوع الرابع لا خوف منه، فهو كاتب الخطأ والباطل، بطريقة وفهم يؤدي بالناس إلى حب ومعرفة الصواب، وهذا النوع لا خوف منه.
لهذا كانت نصيحتي بالتريث والتمهل في بعض المواضيع، حتى يأتي زمانها ومكانها ويكتمل نضجها لتؤتي ثمارها، وإن أراد إلا الكتابة، فلتبقى حبيسة أدراجه حتى حينها، ويمنع نفسه من نشرها احتراماً لنفسه، وحفاظاً على مجتمعه، والتزاماً تجاه أخلاقيات الكتابة، ومرضاة للواهب المنعم عليه، مع تقديري واحترامي وتقبلي لكل صاحب قلم شريف ذكي مجتهد.
