%70من الأطباء هربوا من البلاد
70% من الأطباء هربوا من البلاد والحكومة لا تهتم بهذا الملف... "الفساد" ينخر النظام الصحي في بلاد الرافدين
http://www.factjo.com/newsImages/9271_l.jpg
الحقيقة الدولية – مكتب بغداد – خاص
من المأثور الشعبي في بلاد الرافدين القول "الله لا يشوفك لا حاكم ولا حكيم"، والذي يلخص بإيجاز وضع النظام القضائي والصحي في "العراق الجديد". حيث التدهور الواضح في هيكل المؤسسات الصحية الذي انعكس بصورة مباشرة على حياة المواطن، في ظل وضع أمني متدهور وحروب داخلية واقتتال ومسلسل اختطاف واغتيالات للكوادر الطبية أدى إلى هذه النتائج الفادحة والذي بدوره أضاف عبئا على المستشفيات والعيادات الخاصة والتي لا تقوى حالياً وفق المعطيات الموجودة على استيعاب هذا الزخم الهائل من المرضى.
فقد تأثر الوضع الصحي في العراق بعوامل عديدة زادت من سوء الخدمات الطبية في محافظات العراق المختلفة ومنها الحصار الاقتصادي الذي سبق احتلال العراق الذي حرم المؤسسات العلمية الطبية والمستشفيات والمرافق الصحية الأخرى من مواكبة التطور العلمي الذي حصل في مجال تطوير المعدات الطبية والفحص السريري، وفي مجال توفير واستخدام الأدوية وصناعتها، رافق ذلك ظهور إمراض جديدة سببها تلوث البيئة العراقية نتيجة استخدام أنواع من الأسلحة المحرمة دولياً، ونزوح الكثير من الخبرات العلمية والطبية إلى خارج العراق، وزاد الأمر سوءاً بعد احتلال العراق عام 2003 بتدمير البنية التحتية للدولة العراقية الذي شمل المرافق الصحية ومنشآت المياه والكهرباء والصرف الصحي، واستهداف الكوادر الطبية حيث قتل واعتقل وشرد الآلاف منهم، مما زاد في تفاقم الوضع الصحي إلى مستويات متدنية جداً لم يبلغها أفقر بلدان العالم.
وكان للاحتلال الأمريكي النصيب الأكبر في تدمير البنية التحتية للعراق وبضمنه القطاع الصحي، ولعبت حكومات الاحتلال المتعاقبة دورا اسوأ من الدور الأمريكي من خلال تسترها على ما قامت به القوات الأمريكية من استخدام الأسلحة المحرمة دوليا عند احتلالها العراق ودعم أحزاب السلطة الحالية لها، بالإضافة إلى عقد الصفقات لاستيراد التجهيزات الطبية والأدوية المنتهية الصلاحية، وإلى مساندة الشركات الأجنبية ذات الأجندات المشبوهة التي قامت بنشر الأوبئة والأمراض الفتاكة.
وكشفت تقارير طبية رسمية عراقية أن أكثر من 70 بالمائة من الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء العراقية غادروا البلاد منذ عام 2003، ناهيك عن هجرة الأعداد غير المعروفة من للكوادر الطبية الوسطية والتمريضية.
وتشير الإحصائيات إن عدد الأطباء الذين قتلوا منذ بدء الاحتلال وصل الى 2000 طبيب، ونسبة الأطباء الذين قتلوا من العدد الموجود داخل العراق بلغ 14 بالمائة، وهي تمثل طبيب واحد من كل سبعة أطباء.
فضلا عن ذلك تم إبعاد كوادر علمية وكفاءات طبية عن العمل بسبب سياسات الإقصاء التي انتهجتها الولايات المتحدة وأدواتها الحكومية والتي كان من أهمها قانون اجتثاث البعث أو ما سمي بقانون المساءلة والعدالة الذي افرغ القطاع الصحي من الكفاءات التي كانت العمود الفقري فيه، والاعتماد على موظفين بعيدين كل البعد في إدارة هذا القطاع الحيوي.
وضع متردي
ولم تهتم الحكومات المتعاقبة بالقطاع الصحي الاهتمام المطلوب والتي تعرضت بنيته التحتية للسلب والنهب أثناء دخول القوات الأمريكية ولم تجهز المستشفيات والمستوصفات الحالية بالمعدات الطبية المتطورة والأدوية.
بل أن المستشفيات في عدد من المحافظات العراقية أصبحت مراكز قيادة وسيطرة للمليشيات التي تحتجز رهائن داخل بعض المستشفيات، حيث يتم تعذيبهم وإعدامهم أمام أعين القوات الأمنية التي لا تتدخل بالرغم من مواقعها القريبة من هذه المستشفيات، ويتذرعون بعدم وجود أوامر حكومية تسمح لهم بالتدخل.
وقد أدى هذا الوضع المتردي لإنتشار كثير من الأمراض الخطيرة وعلى رأسها مرض السرطان التي تشير الكثير من التقارير المحلية والدولية المختصة وبعضها حكومية، إلى الارتفاع الكبير بنسب الإصابة بهذا المرض الفتاك في مناطق العراق المختلفة وبشكل خاص في جنوب العراق، حيث سجلت محافظة البصرة أكبر نسبة بهذا المرض، إذ بلغت آلاف الحالات السرطانية.
وارتفع معدل الأمراض النفسية حيث بلغت نسبة 30 بالمائة من الأطفال في مدينة الموصل الذين يعانون من اضطرابات نفسية، و47 بالمائة من الأطفال في بغداد تعرضوا إلى الصدمات النفسية الشديدة، و14 بالمائة منهم إلى الاضطرابات النفسية الشديدة كالاكتئاب والكوابيس والقلق، وذكرت دراسة طبية عراقية صدرت عام 2006 بدعم من منظمة الصحة الدولية، أن ارتفاع معدل الأمراض النفسية يعود بالدرجة الأساسية إلى الأعمال العسكرية لقوات الاحتلال.
يضاف إلى ذلك نقص الأدوية الذي يعود بأسبابه إلى حالات فساد في قطاعات الاستيراد والخزن، وقد بينت تقارير رسمية عراقية أن اختيار الأدوية والمستلزمات الطبية لا يتم على أساس الحاجة وإنما على أساس العلاقات مع المكاتب العلمية التي تلعب دوراً كبيراً في الفساد حيث تقوم هذه المكاتب بدفع عمولات ورشاوى كبيرة للحصول على عقود توريد الأدوية والمستلزمات الطبية، وكشف أخيرا عن اكبر عملية فساد في تاريخ وزارة الصحة حيث تم إحالة 12 عرضا إلى شركة GE بمبلغ 400 مليون دولار تتضمن استيراد أجهزة طبية، بالإضافة إلى عملية الفساد في العرض الخاص بمعامل الأوكسجين بكلفة 45 مليون دولار لإنشاء 22 معملاً، حيث أرسلت المواصفات إلى شركة واحدة والتي فازت بالعقد بعد إعطاء عمولة 5 ملايين دولار لجهات معينة، بالإضافة إلى إن مخازن الأدوية في العراق تعيش وضعاً سيئاً لانعدام الخدمات فضلاً عن حرق المخازن الإستراتيجية التي تحتوي على مواد طبية بقيمة 100 مليون دولار، وكذلك عدم وجود آلية واضحة لمقاضاة الشركات التي تورد الأدوية في حالة فشل الدواء وهذه الحقائق كشفها بيان المفتش العام في وزارة الصحة، المنشور في الصحف العراقية العام الماضي.
كما أن تسرب الأدوية من المستشفيات والمخازن الدوائية نتيجة السرقات والفساد الإداري أدى إلى نقصها في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية وانتشارها وبيعها على ناصية الشوارع مثلما تباع السكائر والمرطبات لغياب الرقابة الحكومية.
المصدر : الحقيقة الدولية – مكتب بغداد – خاص 23.6.2009
