وضع وزارة الذهبي غير مريح.. وحلفاء الصحافة ينقلبون على الرئيس
في تحليل لـصحيفة"القدس العربي"... اللعبة السياسية أصبحت بين الحارات وكل حارة مشغولة بحساباتها!!
وضع وزارة الذهبي غير مريح.. وحلفاء الصحافة ينقلبون على الرئيس
http://www.factjo.com/newsImages/8273_l.jpg
لأسباب مفهومة تماما قرر بعض السياسيين والاعلاميين في عّمان قراءة التدخل الملكي الأخير الذي أنهى الجدل حول مشروع الاقاليم الثلاثة بحيث طوي الملف على انه ضربة سياسية لحكومة الرئيس نادر الذهبي رغم ان توجها من هذا النوع يأخذ بالاعتبار دوما التقديرات الحكومية للموقف.
وانتهى الجدل حول مشروع الاقاليم الذي اثيرت حوله وضده العديد من حملات الاتهام والنقاش، لكن نهاية هذا المشروع لم تشهد بالمقابل نهاية للجدل والاستهداف الذي يخص الحكومة الحالية.
ومن هنا يمكن قراءة بعض التحولات الطازجة في السياق، فالهجوم الحاد الذي شنه النائب محمود الخرابشة الاحد على الحكومة تحت عنوان عطاءات مشروع الديسي يتحالف مع حالات التنمر التي لا زالت تظهر وسط كتلة الاخاء النيابية في تشكيل حالة عدائية في وسط النواب ضد تجربة الرئيس نادر الذهبي التي تتعرض حاليا لضغط متواصل، ومن اكثر من جهة يتأثر بطبيعة الحال سلبا بخارطة التحالفات المعقدة جدا داخل مجلس النواب لأغراض انتخابات رئاسة المجلس في دورية المقبلة.
ولا يبدو ان نصاب التحرش الموسمي بالحكومة منقوض هذه المرة في الوقت الذي يراقب فيه الرئيس الذهبي حلفاء الامس من بعض الكتاب واصحاب الاقلام الذين تمتعوا في الماضي القريب بحضن الحكومة قبل الانقلاب عليها وبقسوة لاشغالها وارهاقها في رفع يومي لدرجات الحرارة والتحريض عبر طرح ملفات شائكة من طراز تأسيس مؤسسات اضافية لخدمة البحر الميت او من طراز الاداء الاعلامي المتردي رسميا او عبر الاصرار على فتح ملف مشروع سكن كريم لعيش كريم وبالطريقة التي رصدت.
قراءات الرئيس الذهبي الشخصية تقول حاليا بأن اصدقاء الحكومة في الماضي عندما كانت في الاتجاه المضاد للتيار الليبرالي اصبحوا الآن الاكثر تخصصا وحرفية في الهجوم عليها، وهو ما لم يتوقعه الرئيس بكل الاحوال، وهو يتساءل عن مبررات هذه الانفلاتات اليومية ضد حكومته، كما قال لأحد اصدقائه مسجلا ملاحظة في غاية الأهمية قوامها بأن من صنفوا في الماضي القريب بأنهم خصوم لحكومته وانصار لشخصيات اخرى لا يشاركون في الاحتفال الذي يستهدف التجربة حاليا، لا داخل مجلس النواب ولا خارجه، ملاحظا بأن الد خصوم حكومته مرحليا بين النواب والصحافيين هم من فتحت لهم الرئاسة وغازلتهم في اشهر فقط.
الذهبي، وكما تقول مصادر مقربة جدا منه، سأل حليفا قويا له في كتلة الاخاء البرلماني عن اسباب تفلت بعض اعضاء الكتلة ضد حكومته وتلويحهم بطرح الثقة فيها وخطاباتهم على شكل توجيه انذارات للحكومة والرئيس؟.. الجواب من الصديق المشار اليه جاء غامضا كالعادة في الوقت الذي تحافظ فيه كتلة التيار الوطني على مسافة محايدة تجاه الحكومة، وهي مساحة ازدادت حيادا مؤخرا بعدما قال الرئيس عبد الهادي المجالي وفي جلسة خاصة ايضا بأن التنقلات الوزارية التي حصلت بعد التعديل الوزاري لم تقدم الحماية اللازمة لنجله الوزير سهل المجالي، ناصحا صديقا للرئيس بأن لا يحاول الضغط كثيرا عليه لخدمة الحكومة في الاسابيع المقبلة لان الوضع صعب للغاية ومنفلت.
وبطبيعة الحال التقط فريق الرئيس اشارة المجالي وقرئت على اساس انها محاولة منه لكي يقول للحكومة: ابتعدوا عني.. فمعركتي صعبة وانا مشغول الآن بحسابات رئاسة المجلس.
وهذا النمط من الاعتذار عن التضامن مع الحكومة اصبح نتيجة للمضايقات التي يتعرض لها المجالي على هامش المشهد، فهو يحاول ارضاء اركان كتلته الذين يرهقونه بطموحات شخصية ويحاول احتواء الجدل الذي فجره النائب بسام حدادين بخصوص الامانة العامة للمجلس وترهلها، وما ان ينجح في احتواء مشكلة للكتلة حتى تنفلت مشكلة في التيار، وما ان يتجاوب مع حسابات الامين العام للمجلس فايز الشوابكه حتى يخسر على جبهات اخرى.
بمعنى آخر لا يوجد امام المجالي اي وقت لتقديم اي خدمة من اي نوع للحكومة او لرئيسها فهو يستمع كثيرا للملاحظات التي تقول بأن مستقبله السياسي كرئيس للمجلس انتهى، ولم يحدد خياراته البديلة بعد، الامر الذي تسبب بوجود فجوة في اطار التناغم بين المجالي والذهبي خصوصا وان الساحة خالية تماما الآن من اي خصوم متفق عليهم ثنائيا، فالمؤشرات تقول بأن الملعب لا يوجد فيه ليبراليون يمكن ان يشكلوا هدفا يجمع الذهبي والمجالي وهذا الوضع على حد تعبير المخضرم ممدوح العبادي يعني ان اللعبة السياسية اصبحت بين الحارات وان كل حارة مشغولة بحساباتها.
سؤال كتلة الاخاء ايضا يرهق الرئيس الذهبي.. فالكتلة محسوبة عليه وهو متهم بتشكيلها وبينها اصدقاء مخلصون للحكومة او داعمون بقوة لها مثل خليل عطيه وكانت دوما كتلة وادعة ومنهجية.
ومن هنا اصبح الشغب داخل كتلة الإخاء على وزارة الذهبي سؤالا محيرا فيما تمنع الاعباء التي تشغل المجالي كتلة التيار الوطني من الدعم ولا تفعل الوزارة المكلفة بالنواب اي شيء ولا الوزارة المكلفة بالشؤون السياسية.
في نفس الوقت انقلابات حلفاء الماضي في الاعلام على الحكومة اصبحت محرجة الى حد كبير والاعلاميون الشبان يتجرأون اكثر على الوزارة والمواقع تنهشها.. وعلى الجبهة الداخلية لمجلس الوزراء الموقف اكثر تعقيدا فوزير الداخلية نايف القاضي يتصرف تماما كرئيس مرشح لتولي الخلافة وكبار موظفي الداخلية يتجاهلون تعميمات وتعليمات من الرئيس... وزير التنمية السياسية دخل دائرة الصمت والحيرة والبديل امامه التحدث بلغة يعرف مسبقا انها ستلحقه بالمتحف.. مشروع الاقاليم عارضه قبل اعلان وفاته وزراء اساسيون من الداخل ووزير الخارجية فتح قنوات تؤهله للعب وحيدا في بعض الاحيان وكما كان يفعل مروان المعشر وعبد الاله الخطيب... وزير الزراعة يحاول بصعوبة تمرير يومه بأقل خسائر ممكنة، ووزير المياه يتوقع حملة شرسة ضده لانه تمكن اخيرا مع الرئيس من انقاذ مشروع الديسي، ووزير الصحة يحترمه النواب لكن خبراته المتواضعة في الادارة بدأت تظهر، ووزير الثقافة الجديد حمل معه مجددا قاموسه المقعر من العبارات والمصطلحات التي لا يفهمها الاردنيون، اما وزير السياحة فقد افلت منه ملف زيارة البابا الذي ادارته مؤسسات اخرى ووزير المالية لا ينسق مع الرئيس في مصارحاته الاعلامية ومكاشفاته للرأي العام ويكثر من التنسيق مع مركز الازمات، اما وزير الاشغال فيظهر الندم على مشاركته بالحفلة، ووزير النقل وحيد يقوم بعمله ولا يشتبك مع فعاليات المجلس.
وفي مناطق اعمق في الحفرة الحكومية ثمة تعقيدات اضافية فكلما هوجم الفساد المفترض في هيئة مفوضي العقبة كلما زادت المعطيات المكشوفة التي تبرمج فورا وبدون انصاف ضد ولاية الرئيس نفسه في العقبة عندما حكمها، وكلما شعر الرئيس بان ادخال شريك استراتيجي على قطاعات حيوية مثل مصفاة البترول كلما سمع من هنا وهناك مخاوف واعتراضات واتهامات لحكومته ومشروع الاقاليم ينقلب عليه الابوات الذي ركبوا موجته في البداية وقانون الانتخاب بلا بوصلة.
.. هذا الوضع الذي تعيشه وزارة الذهبي معقد جدا واكثر تعقيدا من ان يتمكن رئيس ايجابي وشفاف من احتوائه لأن التعقيدات تصطف الى جانب عوامل اخرى لتقليص هوامش المبادرة عند الحكومة مثل طموحات مركز الازمات في التحول لمؤسسة مرجعية وسعي امين عمان للبقاء قويا وخارج التأثر والتأثير..والتحول الذي اعاد انتاج الاولويات الامنية والسياسية في المنطقة وتداعيات زيارة الملك الاخيرة لواشنطن التي تتطلب جهدا كبيرا للتفاعل معها وتوظيفها مع غياب جبهة وزارية داخلية قوية، واهتمام بعض الوزراء بالقفز من السفينة قبل غرقها.
وكل ذلك يحصل فيما توسعت الشائعات التي تستهدف النيل من بقاء الحكومة كما تعاظمت توقعات التغيير ودخل الجميع في وشوشات وهمسات تتوقع تغييرات كبيرة جدا خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
المصدر : الحقيقة الدولية - القدس العربي- 5.5.2009
