التخلي عن الأطفال بسبب الفقر..!
كتبت - سهير بشناق - تخلت الاسبوع الماضي ام عن طفلها الرضيع (خمسة شهور) بعد ان وضعته امام احد المنازل في المفرق وبجانبه ورقة مكتوب عليها «اسمه مراد وعمره خمسة شهور وانا ام لخمسة اطفال ولا استطيع ان اربيه» .
هي ليست الحادثة الاولى من نوعها التي يتم بها العثور على طفل ملقى امام المساجد او في الحدائق العامة او امام ابواب المنازل لكنها الحادثة الاولى التي ترفق بها معلومات عن الطفل كاسمه وسبب التخلص منه .
فامام مثل هذه القضايا كان يتم وضع اطفال في الغالب من حديثي الولادة – لم يمض على ولادتهم ساعات او ايام او شهر في ابعد الحدود – دون ان يتم تدوين اية معلومات عن هؤلاء الاطفال الذين كانت اسباب التخلص منهم تدور جميعها حول علاقات غير شرعية اوصلت الامهات للتخلي عنهم خوفا من العار وعدم القدرة على تحمل اية مسؤولية حيال انجابهم دون علاقات شرعية .
وتسجل ملفات وزارة التنمية الاجتماعية في مؤسسة الحسين الاجتماعية التي تم تحويل مثل هؤلاء الاطفال اليها بانه تم في سنوات سابقة العثور على اطفال تجاوزت اعمارهم السبعة شهور في اماكن عامة لكن لم تكن بحوزتهم اية معلومات عن سبب التخلي عنهم بعد بلوغ هؤلاء الاطفال مثل هذا العمر خاصة ان كان السبب الاساسي للتخلص من اطفالهم هو انهم اطفال غير شرعيين .
لكن ان يتم التخلص من طفل عاش في كنف اسرته خمسة شهور بسبب «الفقر» وعدم قدرة اسرته على تربيته فانها حادثة غريبة تثير تساؤلات كثيرة حولها امام قضية ليس بمتعارف عليها في مجتمعنا .
فان يكون فقر الاسرة سببا في التخلص من اطفالها يحملها مسؤولية كبيرة وذنبا لا يغتفر بحق هذا الطفل فان كانت الاسرة غير قادرة على تربيته فلماذا انجبته.
وكيف يكون الفقر برغم المه ووجعه لمن يكتوون بناره دافعا لهذه الام للتخلي عن جزء من جسدها وقلبها لانها غير قادرة على تربيته .
مدير الرعاية والطفولة في وزارة التنمية الاجتماعية محمد شبانة اشار الى ان الطفل الذي تم العثور عليه في المفرق امام احد المنازل تم تحويله الى المستشفى لمعاينته والتاكد من صحته بشكل عام .
واضاف شبانة انه تم بعد ذلك نقله الى مؤسسة الحسين الاجتماعية حيث نتابع مع المركز الامني المحول من قبله الطفل عن ما اذا تم العثور على اسرته لاستعادته من جديد.
وبين ان هناك اطفالا تم تركهم في اماكن عامة او على ابواب المنازل لكن اغلبهم يكونون حديثي الولادة اي لم ينقض على ولادتهم سوى ساعات او ايام لكن حالات الاطفال الذين تم تركهم وهم في اعمار اكبر كأن يكون الطفل قد تجاوز الثلاثة شهور الى العام من عمره فهي حالات قليلة لكنها موجودة.
واوضح شبانة ان هناك حالة واحدة لطفل تم العثور عليه وبجانبه ورقة وضعت من قبل والدته اشارت بها الى انها تجد صعوبة في تربيته وانها امه ولكنها لا تستطيع ان تربيه دون ذكر هوية الام .
وبين ان الطفل تم وضعه بمؤسسة الحسين ولم تعد الام للمطالبة به وتم تحضينه لأسرة جديدة.
وزارة التنمية الاجتماعية التي تتعامل مع هذه القضايا وتضم مؤسسة الحسين تجد ان مئات الاطفال الذين تركوا من قبل اسرهم لاسباب لا تزال غير معروفة بشكل تام لدى الوزارة او الجهات الامنية ، فمعظم الاسباب كانت جميعها تدور حول علاقات غير شرعية كان نتاجها طفلاً لا تستطيع والدته تحمل مسؤولية تربيته وبين وجود الام في السجن وعدم رغبتها بتربيته حتى بعد خروجها من السجن .
لكن ان تكون الخلافات بين الزوجين او الفقر اسباباً لترك الاطفال فانها تضعنا امام متغيرات اجتماعية جديدة لا تقل خطورة عن الام التي تترك طفلها خوفا من كشف امرها وتورطها بعلاقة غير شرعية .
ويشير شبانة الى اهمية الوقوف على الاسباب الحقيقية التي تدفع باسر لتترك ابناءها بالرغم من ان هذه الحالات قليلة مرجحا ان تكون الخلافات الاسرية وراء ظهور مثل هذه الحالات بين فترة واخرى خاصة وان الطفل عندما تمضي فترة على ولادته ويعيش مع اسرته فان سبب تركه لا يكون علاقات غير شرعية والتي عادة تدفع بالام الى ترك طفلها حديث الولادة .
واعتبر شبانة ان ترك اطفال بسبب الفقر او ضيق الحال للأسر امر غير مقبول وغير جائز ويعتبر ظلما بحق هؤلاء الاطفال مشيرا الى ان وزارة التنمية الاجتماعية يقتصر دورها على استقبال اي طفل يحول لها من الشرطة في مؤسساتها والحفاظ عليه ورعايته وتوفير فرص الاحتضان له .
وبين ان الوزارة تتابع اية معلومات ترد اليها عن مثل هؤلاء الاطفال بحيث في حال ظهور اسرة الطفل تقوم بعمل الاجراءات اللازمة للتاكد من اسرته واعادته اليها .
واضاف ان هناك حالة طفل واحدة وصل الى مؤسسة الحسين الاجتماعية قبل سنوات وكانت اسرته قد تركته بسبب خلافات اسرية وعادت للمطالبة به وتم التاكد من ان هذا الطفل لها وتم اعادته لاسرته .
الدكتور عاطف شواشرة اخصائي علم النفس التربوي وباحث في مجال الاسرة والنوع الاجتماعي قال ان ظاهرة التخلي عن الأبناء أمام دور الأيتام وفي الشوارع العامة أو أمام احد البيوت ليست جديدة على المجتمع البشري, إلا أنه مع تعقد الحياة الاقتصادية وتفكك الروابط الأسرية, بالاضافة إلي ضعف الوازع الديني, هذا المثلث أدى إلي افتقاد بعض الأسر قيمة الأبوة والرعاية الوالدية مما دفعها إلي بيع فلذات أكبادها أو رميهم والتخلي عنهم بطريقة تسئ إليهم في المستقبل حيث ظهرت من قبل ومنذ زمن طويل في حالات رفض المجتمع لهذا الطفل الذي قد يكون ولد بطريقة غير شرعية.
واضاف .. أما ما نلاحظه في هذه الواقعة من اقدام أم ولدت بطريقة شرعية على التخلص من الطفل لأسباب مادية يجعلنا نشكك في صدق ما كتبته هذه الأم في الورقة المرفقة مع الصغير، وهي على الارجح قد فعلت ذلك لاستجرار الشفقة على هذا الصغير وأملا منها في حصوله على معاملة كريمة فيما بعد، خاصة وأن الشائع في مثل هذه الحالات هو بيع الطفل لأسرة غنية مقابل مبلغ مادي يساعد في تربية ونتشئة باقي أطفال الاسرة.
وقال إن التخلي عن الطفل بأي صورة من الصور سواء أكان ناتجا عن الفقر أو عن الحمل سفاحا أو لأي سبب من الاسباب يمثل خللا نفسيا واجتماعيا شديدا لدى أسرته المنجبة والظروف الاجتماعية التي تسمح بوجود مثل هذا التفريط بالأطفال وحقوقهم، ومن الناحية النفسية فإن شخصية الأم أو الاب التي تتنازل عن أحد أطفالها شخصية مضطربة وغير متزنة، ومحبطة لدرجة كبيرة جدا، ومن المؤكد أن الاسرة التي تضم مثل هذين الأبوين هي أسرة مفككة وغير قادرة على رعاية الأطفال، وهي اسرة تعاني ماديا من الفقر والحرمان، فبدلا من مواجهة مشكلاتهم يصلون إلى مرحلة من الاستسلام واليأس والهزيمة فيقدمون على التخلص من اطفالهم إما بالبيع أو الرمي في أحد الأماكن وفي حالات الشخصية العدوانية القتل
ثم يندمون علي ذلك ولايعرفون كيف يعالجون هذا الندم, ولو ترووا قليلا لعرفوا أن هؤلاء الأولاد الذين باعوهم أو تنازلوا عنهم أو اقرضوهم ربما سيكونون عونا لهم في المستقبل لو أبقوا عليهم تحت رعايتهم.
وبين شواشرة ان الطفل الذي الذي تم بيعه أو التنازل عنه لو قدر له أن يعيش حتي يصبح رجلا ويعرف ماذا حدث له فسوف يفقد الثقة في الناس وكل من حوله لأن والديه باعاه, فماذا سوف يفعل الغرباء , كما يفقد الثقة في نفسه وأنه لايستحق حب الناس بدليل تخلي أسرته عنه فيصبح شخصية اجرامية أو مرضية تسيئ للمجتمع.
وطالب شواشرة الام التي تركت طفلها ان تعمل على استعادة طفلها وتسارع في الاعلان عن نفسها، واسترداد طفلها لأن الطفل الذي يباع لأسرة أخرى يفتقد في اطارها غريزة الحب والامومة والابوة التي لايمكن ان يقدمها إلا الأم والأب الاصليان حتي ولو كانا فقيرين معدمين.
