بدايات التلفزيون الاردني
فواز خميس الشوا
في بدايات سنة 1969 ذهبت لشراء جهاز التلفزيون وقد كان هناك معرض يبيع الجهاز بثمانين دينارا ابيض واسود وبالتقسيط المريح، التزمت بدفع ثمانية دنانير شهريا، وعندما علمني صاحب المعرض عن كيفية ادارة الجهاز سالته عن مفتاح ليس له عمل فقال لي بان المفتاح هو للاقمار الصناعية وقال اذا اردت ان ترى ما يدور في الاقمار الصناعية فافتح هذا المفتاح وسوف ترى عالما اخر من الافلام والمسلسلات ..الخ. وحاولت ان افهمه بان ذلك سوف يكون بعيدا وكذلك ليس بهذه الطريقة التي يتحدث بها.
المهم انني اخذت الجهاز وجاء احدهم ومعه ماسورة طويلة ليثبتها على السطح وكذلك الانتين، وبدأ في التركيب ووصل الانتين مع الجهاز، وطبعا كان يوجه الانتين ناحية الارسال المناسبة ، وكان يصيح من فوق السطح (اجت الصورة) و ارد عليه من تحت بان الصورة(ما اجت) ويستمر الوضع هكذا حتى (تظبط) الصورة، وطبعا في موسم الهواء الشديد يتحرك الانتين فتخرب الصورة ، لذا اضطررت بعدها لشراء جهاز يدور الانتين نحو المحطة والتوجيه السليم.
عندما افتح التلفزيون وكنت وقتها ابحث عن عمل فكرت بان اعمل مذيعا رغم ان هذه المهنة بعيدة جدا عن تخصصي في الجامعة وانها مهنة سهلة. فذهبت الى احد اقربائي وكان ذا شان كبير في المجتمع , لاخذ كما يقولون (كارت غوار) وفعلا اتصل قريبي بالمرحوم محمد كمال مدير التلفزيون انذاك واخبره عني فسأله محمد كمال عن شكلي وهل اصلح للظهور على الشاشة فرد عليه ضاحكا عندما تراه سوف توافق عليه.
وباختصار ذهبت لمكتب المرحوم محمد كمال ورحب بي وارسلني عند المرحوم عمر الخطيب واخبرني الاخير بان احضر في اليوم الفلاني لاجراء الامتحان المقرر مع بقية المتقدمين ، وفعلا عدت في الموعد المحدد وكان من المتقدمين على ما اذكر السيد الدباغ الذي اصبح مذيعا ناجحا ، ودخلت غرفة الفحص امام الكاميرات والموظفين المختصين وامام عمر الخطيب فطحل اللغة العربية بدأت بقراءة نشرة اخبارية ، وطبعا كسرت بها قواعد اللغة العربية ونصبت المرفوع وضممت المفتوح ، وطبعا كان الخطيب يضحك في سره (وطول باله علي) حتى نهاية قراءة النشرة وبدأ يتسلى علي بالقواعد العربي وهذه المادة هي المادة التي كنت اكرهها وطبعا حين انتهيت وانتهت امالي في العمل كمذيع قلت له السلام عليكم، وخرجت دون ان انتظرالنتيجة، ومع ان المرحوم محمد كمال كان كريما معي وعرض علي بعدها اي عمل اداري عدا المذيع الا انني اعتذرت، وتذكرت حين خرجت تلك النكتة التي تقول بان احدهم اراد ان يذهب للتلفزيون لعمل امتحان كمذيع وكان كثير التاتأة وركب التاكسي ليوصله هناك وساله السائق ماذا تريد ان تعمل فاجابه بعد ربع ساعة من التأتأة بانه يريد ان يعمل امتحان كمذيع بالتلفزيون، وبعد ان اوصله المبنى طلب اخونا من السائق الانتظار لان المكان بعيد ولا يوجد تاكسيات ، وبعد نصف ساعة خرج من المبنى وركب التاكسي فسأله السائق هل عملت الامتحان فقال نعم فساله السائق وكيف كانت النتيجة فقال له متاتأ لقد رسبت بالامتحان فساله السائق ولماذا فقال رسبوني لانني فلسطيني.
اعود الى التلفزيون واذكر ان كل تلفزيون كان يباع كان له رخصة يدفع بموجبها الشاري مبلغ دينار سنويا لوزارة المالية وقد استمرت هذه الاجراءات مدة طويلة حولت بعدها على فاتورة الكهرباء وكانت طبعا بها ظلم كبير على بعض فئات المواطنين حيث ان قسما كبيرا كان يدفع الرسم دون ان يكون عنده جهاز تلفزيون.
كان التلفزيون لا يعمل الا في الفترة المسائية حوالي الساعة الخامسة او السادسة وكانت نشرة الاخبار الساعة الثامنة وفي الثامنة والنصف يبدأ المسلسل حيث كان كافة المواطنين يتابعونه لانه لا يوجد غيره وتذاع الحلقة من المسلسل الفلاني مثلا يوم السبت من كل اسبوع والمسلسل العلاني مثلا يذاع يوم الاحد من كل اسبوع وهكذا حلقة واحدة من المسلسل كل اسبوع مرة واحدة، وهذا ما يجعل بعض المشاهدين ينسون ماذا حصل في الحلقة الاخيرة، ويلي المسلسل برنامج منوعات كالمسابقات او برامج الرياضة وكان اشهر ما يذاع في تلك الايام برنامج المصارعة الذي كان يقدمه المرحوم رافع شاهين وكانت الناس معجبة جدا بهذا البرنامج وطبعا كانوا منحازين للمصارعين الذين يلعبون بدون غدر فقد كان مثلا المصارع ماك مناص مكروها لانه غدار اما اللاعب بيتر زاكش فقد كان محبوبا لانه كان مهذبا في لعبه. ولم يكن وقتها احد يعلم بانه كان تمثيل في تمثيل.
كان يوم الخميس مخصصا له اما مسرحية للسهرة او فيلم عربي.
اما المسلسلات التي كانت مشهورة وعليها اقبال كبير فقد كانت من نصيب حمام الهنا وصح النوم لغوار الطوشة.
في نهاية السهرة كانت نشرة اخبارية موجزة والسلام عليكم.
كانت ادارة التلفزيون تتلطف يوم الجمعة فقط بفتح المحطة ساعات الصباح من العاشرة صباحا وحتى ما بعد الظهر.
طبعا لم يكن هناك بث مباشر للاحداث ، فكل حدث يعرض مسجلا على الشاشة، فاذا ما سافر شخص مهم من عمان الى القاهرة مثلا فالافلام تعود بنفس الطائرة الى التفلزيون فورا لاذاعتها في نشرة الاخبار واذا تاخرت الطائرة عن موعد الاخبار فان الفيلم يعرض في نشرة الحادية عشرة وهكذا.
وامام ضغط الافلام و المسلسلات العربية فقد كانت هناك شريحة من الناس تطالب بفتح قناة اجنبية حتى يتسنى لها مشاهدة الافلام والاخبار الاجنبية ، وكما ذكرت بان محمد كمال كان من انجح من قام بادارة التلفزيون وقام بالفعل بفتح القناة الثانية ، وهذا مما استدعى المواطن ان يقوم بتركيب انتين آخر للقناة الاجنبية لمشاهدة المسلسلات الذي يصل عدد حلقاتها في بعض الاحيان عن المائة حلقة مثل دالاس او بيتون بليس او حلقات الهارب والساحرة.
امتد فيما بعد التلفزيون الى المدن والقرى والبادية الاردنية وكانت تلك القرى لها من البرامج ما تحبه كمضافة الحاج مازن والبرنامج الزراعي الذي يقدمه ايضا الحاج مازن القبج.
حدثني صديقي المرحوم الشاعر سليمان عويس بانه في احدى المضافات كان الجميع يتابع مضافة الحاج مازن على التلفزيون واراد احدهم الخروج من المضافة لقضاء حاجته وخاف (ان يروح عليه البرنامج) فطلب من احدهم ان (يطفي التلفزيون) حتى يعود مقتنعا ان ذلك سوف يوقف البرنامج حتى عودته.
كان للتلفزيون الاردني الفضل الكبير لانتشار كثير من المطربين والمطربات فمنهم من اشتهر ومنهم من سقط في وسط الطريق واذا ما اسعفتني الذاكرة فانني اتذكر موفق بهجت ووليد توفيق واسماعيل خضر ومحمد وهيب وصبري محمود ورويدا عدنان ودلال الشمالي.
اما سهرات سميرة توفيق وناظم الغزالي ومحمد العزبي فقد كانت في نهاية السهرة وكنا نطرب لهم كثيرا وخاصة اذا كانت الخاتمة للسهرة ام كلثوم.
ولا ننسى المسلسلات البدوية فقد غزت الشاشة العربية من هنا من الاردن وكان اشهرها راس غليص ووضحة وابن عجلان.
اما رقصة البمبوطية او رقصة البحارة و الحركات الراقصة فقد كانت لها قبول كبير بين محبي رقص الفولكلور.
واذكر هنا بعض البرامج التي كان يقدمها التلفزيون وكانت تلقى القبول، برنامج الصحة والحياة كان يقدمه المرحوم ابراهيم السمان فقد كان ناجحا بالرغم من ان مقدمه لم يكن طبيبا.
اما برنامج العلم والايمان فقد كان يقدمه المرحوم الدكتور مصطفى محمود وهذا من انجح البرامج.
اما البرنامج الديني الذي كان يقدمه الشيخ ابراهيم زيد الكيلاني مع الشيخ الطنطناوي فقد كانت له شعبية بسبب خفة دم الشيخ الطنطاوي.
اما برامج المسابقات التي قدمها عمر الخطيب وشريف العلمي وبعدهم رافع شاهين فقد كانت ذات مستوى محترم من حيث الثقافة والعلوم.
اما الجميلة زاهية عناب فقد كانت تقدم من بين ما كانت تقدم برامج الاطفال وكانت محبوبة من قبل المشاهدين لرقتها ونعومتها.
اما برنامج محمد امين الذي كان يقوم بكبسات على الدوائر والوزارات لكشف المخالفات فقد كان ممتازا رغم ان ذلك كان عبارة عن تنفيس لما يجول بخاطر الناس.
اما الوجوه الاولى التي شاهدها المواطن لتقديم نشرة الاخبار فقد كانت لابراهيم شاهزادة وسمير مطاوع وغالب الحديدي ومذيعي الفقرات كانت لسهى طوقان وهند السمان وعايدة بسيسو ونوال الظاهر وزاهية عناب وميسون عويس.
كلهم كانوا قمة في الاداء والاخلاص في العمل.
واخيرا فقد جاء التلفزيون الملون وجاء الريموت كنترول وكانت صرخة بالنسبة لنا ان نرى بعدها (الدش) ونرى الف محطة بالاقمار الصناعية واصبحت ترى العالم كله في لحظة الحدث ومباشرة من ارض الاحداث.
ويبقى لنا ان ذكرى التلفزيون البسيط الابيض والاسود لا زالت قي ذاكرتنا ببساطتها والفتها والتصاقها بالمشاهدين.
______________________________
...
