كيف تبقى مجتهداَ ؟ بقلم الدكتور أنس العمايرة
كيف تبقى مجتهداَ
بقلم : الدكتور أنس العمايرة
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
كنتُ قد أصدرتُ رسالتين سابقتين أولهما باسم : (كيف تكون مجتهدا) وقد ذكرت فيها :" الطريقةَ المثلى للتحضير المسبق ، وبعض الأمور التي تساعد على الاجتهاد" ، وثانيهما : (للمجتهدين فقط :كيف تنظم وقتك) وقد ذكرت فيها : " إرشادات في برمجة الساعات " . ومن الجدير بالذكر أن تعلم أن الخطة اليومية التي ذكرتها فيها مرنة وليست صماء حادة ، بحيث تستوعب المفاجآت وتمتص المعوقات وتتفاعل مع المستجدات وتقبل التعديل والإضافة والنقصان وفقا للظروف .
وفي هذه الرسالة أقدم بعض القواعد التي تساعد على تطبيق ما احتوته الرسالتان السابقتان :
1. المشارطة : ضع على نفسك الشرط الذي إذا خالفت خطتك أوقعت ما اشترطه عليها من العقاب . ويكون ذلك قبل تنفيذ الخطة بالجلوس بضع دقائق صباحا تتحدث مع نفسك وتعاهدها وتشارطها كأن تقول : يا نفس إذا لم تنفذي الخطة اليوم عاقبتك بكذا وكذا.
2. المراقبة : بعد المشارطة تأتي المراقبة أثناء تنفيذ الخطة ، ونعني بها : أن يقوم طالب العلم بمراقبة دقيقة لأعماله في اليوم ومدى تطبيق الخطة المرسومة ، بحيث يكون متذكرا مراقبا لكل فقرات الخطة اليومية هل نفذت أم لا ؛ لئلا يقع خلل في البرنامج .
3. المجاهدة:و تكون أثناء تنفيذ الخطة ، وهي : الصبر والإصرار على تطبيق الخطة المرسومة؛فالنفس أمارة بالسوء لأنها تحب بطبيعتها الراحة والكسل،وتنفر من الانضباط والالتزام،وتعزف عن الأعمال الشاقة ؛ لذاقد توسوس لصاحبها وتدعوه إلى التخلي عن برنامجه اليومي ، وترغبه بأن يعيش كما يعيش باقي الناس العاديون اللاهون الكسالى .
والنفس كالطفل إن تُهمله شبَّ على حب الرِضاع وإن تَفطمه ينفطــمِ
ـوخالف النفس والشيطان واعصهـ ما وإن هما محَّضاك النصح فاتَّهمِ
فإن استجاب طالب العلم لوسواسها خسر عمره وفشل في خطته وضاعت فرصته . لذلك عليك أن تجاهدها وتربيها وتضبطها ، وكلما ضعفت قوها وكلما تراخت شجعها .
4. المعاتبة : واجعلها بعد المجاهدة ، وذلك عندما تشعر أنك أخللتَ بالخطة ، فقم بمعاتبة نفسك كأن تقول لها : إلى متى تبقين يا نفس هكذا ؟ والساعات والأيام تمصي ، ألا تضيعين خيرا كثير ؟ أين أنتِ من المجتهدين المخلصين ؟ .
فمثل هذه الكلمات المؤثرة قد تخضع النفس وتلين وتشعر بتقصيرها . واحرص أن تكون المعاتبة في أي ساعة من الليل أو النهار سواء كنتَ جالسا أم سائرا .... .
5. المحاسبة : وذلك باستعراض شريط يومك منذ استيقاظك قبل الفجر إلى حين تأوي إلى فراشك ، واستذكر برنامجك وخطتك وحاسب نفسك ، فما وجدتَ من خير فاحمد الله عليه ، وما وجدت من خطأ وذنب فاستغفر الله منه وجدد توبتك قبل نومك .
6. المعاقبة : وهي حرمان النفس من بعض المباحات ، أو تقليل بعض المرغوبات ؛ إذا رأيتها لا تتجاوب أحيانا مع الخطة اليومية وتكرر ذلك منها . فتأتي المعاقبة كعلاج لهذا العصيان المتكرر وليس انتقاما .
ففي هذه الحالة تستطيع أن تعاقبها بعدم الخروج إلى مكان تحبه ، أو بتقليل كمية الطعام في وجبة ، أو حرمانها من صنف لذيذ ترغبه ، أو تقليل ساعات النوم في تلك الليلة .
لا يجوز أن تكون المعاقبة بالعبادات والطاعات والنوافل والعلم ، كأن تعاقبها بقيام الليل كله بالصلاة أو قراءة القرآن ، أو بصيام يوم ، أو بقراءة كتاب معين . لا ينبغي ذلك ؛لأن النفس تكره المعاقبة وتكره وسيلة العقوبة كذلك ، والعبادات والطاعات ذات أثر إيجابي فإذا عوقب بها فسوف تنفر النفس من تلك الطاعات وتكره تلك العبادات ، فيصبح لها أثر سلبي في النفس .
7. المكافأة : إن النفس المستجيبة تستحق الثناء والمكافأة ؛ لتنشط وتتفاعل وتؤدي المطلوب منها بأريحية ونشاط ،وتقدم المزيد من العطاء والالتزام . وتكون المكافأ بمنح النفس بعض المباحات كأن يسمعها بعض عبارات الثناء والتقدير ، أو يعطيها فترة قصير من الراحة – على أن لا تكون على حساب الخطة – أو يُمتعها برحلة قصيرة إلى منطقة جميلة ؛ لتستعيد نشاطها وحيوتها ... .
بهذه القواعد يستطيع طالب العلم أن ينفذ خطته ويبقى مجتهدا . وسوف تتحدث الرسالة القادمة عن الأمور التي تعيق مسيرة الاجتهاد ، والتي تحمل اسم :
( من معوقات الاجتهاد )
راجـيـا للجميــع التوفيـق والاجتهــاد .
الدكتور
أنـــــس الــــعـــــمــــايــــــرة
