مفكرون واكاديميون : وعد بلفور هو وعد من لا يملك لمن لا يستحق
مفكرون واكاديميون : وعد بلفور هو وعد من لا يملك لمن لا يستحق
سرايا – من بشار الحنيطي واخلاص القاضي – يعرف ( بـوعد من لا يملك لمن لا يستحق ) , هو وعد بلفور الذي قدمته بريطانيا لاسرائيل لانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في الثاني من تشرين الثاني من عام 1917 , والذي يتناقض وفقا لمفكرين واكاديميين مع ذاته حين قال بضمان حقوق السكان الاصليين , فيما يشير واقع الحال كما يقولون لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) الى ان اسرائيل جسدت ذلك الوعد في عامي 1948 و 1967 حين احتلت الاراضي العربية الفلسطينية وهجرت السكان الاصليين وصادرت حقوقهم , بل وحولت احتلالها الى قضية مطلبية تطورت عبر التاريخ .
ويضيفوا ان وعد بلفور الذي لا يحمل أي صفة قانونية يتعارض مع منطق القانون الدولي الذي لا يعترف بالهويات الدينية للدول ولا بقيامها على اسس عنصرية اذ ان وعد بلفور حمل دلالات خطيرة اظهرت حجم الاطماع الاستعمارية بالاراضي العربية ومحاولة زرع التجزئة بها وتنفيذ مخطط اقامة الكيان الصهيوني .
ويؤكدوا ان المواجهة المنطقية لتداعيات وعد بلفور تتلخص بايجاد هوية فلسطينية على ارض فلسطين وفقا لقرار التقسيم واعلان الدولة الفلسطينية بمبادرة من المجتمع الدولي .
يقول استاذ الدراسات الدولية في الجامعة الاردنية الدكتور عبدالله نقرش انه يمكن ربط وعد بلفور بما يحدث الان من طروحات على يد اليمين الاسرائيلي الذي يقوده رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ولا سيما لجهة ايجاد هوية يهودية للدولة الاسرائيلية .
ووفقا له فان هذا الطرح اليميني يتناقض اساسا ليس مع وعد بلفور الذي قال في حينه بضمان حقوق السكان الاصليين فحسب , بل ومع منطق القانون الدولي الذي لا يعترف بالهويات الدينية للدول , والتي يجب الا تقوم على اساس ديني اصلا .
ويوضح ان الدول الحديثة قامت بالاساس على اسس علمانية , اما تديين هوية الدولة كما هو الحال مع اسرائيل فان ذلك يعني خلطا بين الايديولوجيا والقانون والسياسة . اذ ان كينونة الدولة بطبيعة الحال كما ينوه الدكتور نقرش تعبر عن هوية سياسية قانونية وليست عن كيان ديني الامر الذي لم يدركه المجتمع الدولي سابقا او لاحقا , الى ان اصبح المشروع الصهيوني يطور ذاته باتجاهات مطلبية وكأنها استحقاقات على المجتمع الدولي الانصياع لها , اكثر من كونه مشروعا لحل المسألة اليهودية بالمعنى التاريخي .
ويتابع ان هذا يعني ان المجتمع الدولي سيكون مضطرا للاستجابة حتى للنزوات الاسرائيلية , لذلك عندما كان في ذهن السياسة البريطانية والغرب عموما ايجاد وطن قومي لليهود ليس على حساب السكان الاصليين بدا ذلك في حينه وكأنه حل لمسألة اوروبية اساسا تحت عنوان ( المسألة اليهودية ) في حين ظل المشروع الاسرائيلي يطور نفسه خدمة لاهداف قيام الدولة بصرف النظر عن حقوق السكان الاصليين .
وينوه الى انه حتى لو قبل العالم وعد بلفور كأساس لشرعية وجود اسرائيل , فان اسرائيل تجاوزت في حقيقة الامر كل الاسس بشقيها السياسي المتمثل بوعد بلفور والقانوني المتمثل بالاعتراف الدولي بقرار التقسيم الذي تلاه اعترافات دولية لاحقة بالدولة الاسرائيلية .
واحرجت التجاوزات الاسرائيلية المجتمع الدولي الذي اعترف بها ووضعته في مأزق باختلاقها سوابق وانتهاكات بحق السكان الاصليين , بل تجاوزت اسرائيل كما يوضح الدكتور نقرش ذلك الاحراج مصممة على ايجاد كيان ديني اقتصادي سياسي وعسكري خارج على كل السياقات الدولية واشكال الدول المتعارف عليها قانونيا والتي نشأت بشكل طبيعي .
ووفقا لهذه القراءة يفترض بالمجتمع الدولي بحسب نقرش الا يقبل باي حال من الاحوال المطلب الاسرائيلي بتهويد الهوية الاسرائيلية المتناقض وحقوق السكان الاصليين والذي يعطل كذلك شرعية اسرائيل حتى بالمفهوم الدولي اذا افترضنا اصلا انها قامت على اساس شرعي .
ويوضح ان المواجهة المنطقية للادعاء الاسرائيلي حول اية حقوق لها على الارض التي احتلتها تتلخص بايجاد هوية فلسطينية على ارض فلسطين وفقا لقرار التقسيم واعلان الدولة الفلسطينية بمبادرة من المجتمع الدولي مؤكدا ضرورة ان تعود الامور الى اصولها الحقيقية من خلال التأكيد على حقوق السكان الاصليين .
ويقول " نحن كعرب نرفض اساسا وعد بلفور ومضامينه , ورغم ذلك وجدت دولة اسرائيل وجرى الاعتراف الدولي بها في ظل وجود اتفاقيات سلام , الا ان اسرائيل تجاوزت بممارساتها التعسفية وآلتها العسكرية بحق الفلسطينيين والعرب كل الاحتمالات والافكار التي كان يحملها المتطرفون الصهاينة مثل ( جابوتنسكي وبن غوريون وبيغن ) الامر الذي يظهر ارتكاب اسرائيل لمغالطات تاريخية ولا سيما اننا في مرحلة تفاهمات دولية و( لبرنة ) للمجتمعات وتشابك للعلاقات وانفتاح للدول فيما تتصرف اسرائيل على اسس من الانغلاق والتعصب وفقا لمفاهيم القرون الوسطى " .
ويرى ان ما يسميه (الشطط الاسرائيلي) يحرج المجتمع الدولي ويضعه امام مسؤولياته .
ويبين الدكتور نقرش ان وعد بلفور يمثل تناقضا كبيرا بين ادعاءات اسرائيل حول معاداة السامية وقيامها في واقع الامر بمعاداة السكان الاصليين وممارسة ابشع صنوف التعذيب والاقصاء والتهجير والتهميش في حقهم , ناهيك عن سياسات التهويد وبناء المستوطنات ومحاولات طمس الهوية العربية ما يثبت ان المجتمع الاسرائيلي هو اكثر مجتمع يعادي الجنس البشري متجاوزا كل التفاهمات او الوعود او الاتفاقيات .
ووفقا للكاتب والمؤرخ بكر خازر المجالي فان ذكرى وعد بلفور الذي صدر في الثاني من تشرين الثاني من عام 1917 تمثل الغدر الذي لحق بمراسلات الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه مع السير مكماهون , هذه المراسلات العشرة التي اكدت على وحدة الاراضي العربية كاملة في منطقة آسيا العربية دون أي استثناءات كانت خاصة في فلسطين والقدس , فيما كان الاستثناء الوحيد بها هو الوضع الخاص لمدينة عدن التي كانت محتلة منذ عام 1839 .
وفي قراءته لمفردات وعد بلفور المكونة من عدد من الكلمات يقول : نجد انه يحمل دلالة كبيرة اظهرت حجم الاطماع الاستعمارية بالاراضي العربية ومحاولة زرع التجزئة بها وتنفيذ مخطط اقامة الكيان الصهيوني .
ويوضح ان وعد بلفور غير القانوني اصلا جاء كنتيجة لمطالبة المنظمات الصهيونية بمكافأتها على دورها في الحرب الكونية الاولى حين قامت باسناد قوات الحلفاء من خلال الفيلق اليهودي , فكان وعد بلفور ( المكافأة ) التي جاءت على حساب ارض الغير وعلى حساب شعب هو صاحب الحق في الارض مشيرا الى ان دراسات عديدة اجريت حول وعد بلفور اكدت جميعها على عدم قانونيته .
ويتناقض وعد بلفور بحسب المجالي مع مبادىء حقوق الانسان ومبادىء الرئيس الاميركي ويلسون التي اعلنها في ذلك الوقت والتي اكدت بمجملها على حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها .
ويشير الى ان ثمة تحليلات تحلل البعد الديني لوعد بلفور فيما تشير اخرى الى بعد يتعلق بالجغرافيا السياسية من خلال ايجاد كيان لدولة غريبة عن الاسلام لفصل جناحي الامة الاسلامية في قارتي آسيا وافريقيا .
ويوضح ان المهم حاليا ان نقرأ وعد بلفور بما ينطوي عليه من ابعاد خطيرة تكمن في صيغة الوعد نفسه وفي مفردات بروتوكولات حكماء صهيون التي كانت قبل هذا الوعد وفي مقررات مؤتمري ( بازل ) و ( بال ) لانها بمجموعها تشكل تهديدا للثقافة العربية وللقيم الاسلامية وحتى انها تمس ايضا قيم الدين المسيحي .
ونحتاج فعلا كما يتابع الى عدم الاكتفاء بادانة وعد بلفور وانما بقراءته جيدا , اذ ان هذا الوعد لم يأت الا بعد عدة مناقشات ومداولات وقرارات مشيرا الى انه يتوجب علينا الاحاطة بذلك وان يكون هذا الوعد في ذكراه من كل عام دعوة لدراسته والتركيز على مضامينه واخطاره التي تحيط بنا مثلما نقرأه في ذكرى حرب عام 1948 التي تعد التطبيق الاول لهذا الوعد , ومن ثم كانت حرب 1967 بمثابة التطبيق الثاني له مبينا انه لا يمكن التكهن بان تداعيات وعد بلفور توقفت عند تلك الحدود .
ويشدد على اهمية قراءة فكر الثورة العربية الكبرى والاطلاع على جهود المغفور له جلالة الملك عبدالله الاول طيب الله ثراه في الدفاع عن القدس ,واستذكار جهود المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في اعمار القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك , التي هي واحدة من اهم الاماكن الدينية التي استهدفها وعد بلفور قاصدا تهويد وطمس هويتها العربية .
ويشير الدكتور المجالي الى جهود جلالة الملك عبدالله الثاني في سائر المحافل الدولية في تاكيده على حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة وهو اعظم واقوى رد يمكن ان نفعله في مواجهة وعد بلفور . وصدر وعد بلفور وفقا للمفكر الدكتور حازم نسيبة عن من لا يملك لمن لا يستحق وهو تآمر على وطن عربي اعطي بدون وجه حق لمهاجرين واجانب من مختلف ارجاء العالم خدمة لمصالح بريطانيا الاستعمارية والتي ارادت شطر وحدة الوطن العربي وتأمين طريقها التجاري الى الهند الذي كان تحت سيطرتها.
يقول المؤلف نسيبة : لقد اثبتت جميع الوثائق البريطانية التي صدرت عن ذلك الوعد المشؤوم الرؤى الخبيثة التي كانت تؤججها فئة من المتصهينين الدينيين من الذين تمسكوا بتلك الرؤى لاستلاب وطن آمن عاش على ارضه الفلسطينيون على امتداد آلاف السنين .
ويعد وعد بلفور وفقا للدكتور نسيبة سابقة استلاب وطن لم تمر عبر التاريخ , سابقة تسببت بالكثير من الكوارث والمآسي ليس للشعب الفلسطيني فحسب وانما للشعوب العربية والاسلامية التي عانت جراء العنف والحروب والدمار الذي الحقته آلة الحرب العسكرية الاسرائيلية .
ولكن الصفقة المصطنعة المتمثلة بوعد بلفور والتي ادت الى تشريد شعب فلسطين وانتزاع ارضه لن تصمد كما ينوه نسيبة -الذي كان مندوب الاردن الدائم لدى الامم المتحدة - امام الحقائق القائمة على الارض التي تتجسد باستمرار وجود شعب عربي فلسطيني على ارض فلسطين التاريخية قوامه 5ر5 مليون نسمة .
ويقول : سوف يحقق هذا الشعب اغلبية مطلقة بمرور السنين على الرغم من جميع الاجراءات الاسرائيلية التعسفية المغايرة للقوانين الدولية وقرارات الامم المتحدة ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية والتي صدرت بالمئات على مر العقود .
وبحسب الدكتور نسيبة الذي كان شغل حقيبة الخارجية سابقا فان مفكرين وعلماء يتوقعون واستنادا الى اسس علمية موضوعية بعدم وجود مستقبل لاسرائيل العنصرية ما دامت تصر على رفض السلام مع الامة العربية ومع الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص ولا سيما ان عوامل التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا تسير في غير صالح اسرائيل .
ويقول : انه ورغم المآسي والاهوال التي سببها وعد بلفور على الامة العربية الا ان المستقبل سيكون مشرقا باذن الله تعالى عند استعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة .
يشار الى ان وعد بلفور ينص على " ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
