الجزء الثالث
[ الفصل الأول ]
/
\
/
\
يافقر قلي وش تبي من ورانا
زودن على فقر الدراهم فقر دم
ما حاشت ايدينا غدابه عطانا
نبذل ولانحسب يدينا عطت كم
ولابه رصيد عندنا من يدانـا
الا الفعول الطيبة خشية الذم
لو انتسلف للغدا من عشانـا
نصبر ولو احوالنا كلها هـم
مع اصوات وضجيج بالخارج .. ورش مطر خفيف وصوت ارتطام الباب بفعل الهواء
الشديد .. كانت توها مخلصة صلاتها تسبح وتذكر ربها .. حست بقشعريرة برد
تسري بجسدها .. قامت على طول وشافت شيخة متمددة وحصة تسولف لها .. لبست
عباتها وراحت لمدرسة سلمان كالعادة .. قعدت تتلفت حولها وهي تمشي شافت اهل
الديرة اغلبهم طالعين .. تميزهم بساطتهم وابتسامتهم البريئة .. كل مامرت من عند بيت
وحدة فيهم سلمت وهي ماشية .. كانت البيوت طينية وابوابها خشب .. اغلب هالابواب
متهالكة ومتكسرة .. ويمكن حتى ماتتسكر .. خصوصا ان بيت الواحد مفتوح للكل حتى
لو عز عليهم يلقون اللي يضيفون فيه اللي يجونهم .. كانت تمشي وهي تحس نفسها بقمة
سعادتها راضية عن نفسها وعن اهلها .. شعور بداخلها يرسم البسمة رغم الألم رضى النفس
هو اللي مخليها سعيدة .. وشوقها له مخليها تمشي وبداخلها لهفة .. من يوم الاربعاء ماشافته
حتى اليوم الصباح راكان اللي وصلهم .. استغربت لهفتها .. ماتبي تتعلق وتحب .. هالشي عيب
وممنوع .. واكبر مصيبة ممكن تسويها البنت انها تحب .. مشت بخطوات فرحانة .. رغم
ان المدرسة بعيدة والمشوار مرهق .. الا انها تحب هالمشوار احساسها انها بتجربة مجنونة
ومغامرة غير محسوبة يبث بداخلها نوع من الحماس .. ضحكت وهي تشوف عليان الراعي
يطارد الغنم .. هالراعي دايم معصب وزعلان .. واخيرا بعد طول عناء وصلت المدرسة ..
كانت نبضات قلبها متسارعة .. جنون بداخلها يبي يشوفه .. تبي بس تلمحه وماتبي اكثر ..
بريئة حتى في احلامها .. انتظرت .. وانتظرت وطال انتظارها .. وكل طلاب الابتدائي
طلعو وهي للحين ماشافت سلمان ولا شافته .. مشت شوي : الدحمي ..
التفت لها وجاها ركض : سمي
شافت كل العيال يطالعونها بس تجاهلتهم : سلمان وينه ؟
ببراءة الاطفال اللي مايعرفون شلون يمهدون للأمور : اليوم طاح علينا ووداه استاذ نايف
للمستوصف ..
ما استوعبت اللي انقال الا انه سلمان طاح عليهم ضاع الحكي منها وماعرفت شلون تتكلم
او وش تقول ردتت بخوف كبير : سلمان وش صار عليه ؟
جا ولد اكبر منه شوي : ان شاء الله مافيه الا العافية .. بس ودوه يتطمنون عليه ..
قاطعته : قام ؟ ولا طايح يوم خذوه ..
تلقف عبدالرحمن مرة ثانية : لا مغمض عيونه وشالوه عنا ..
ارتجف كل جسمها ومشت بخطوات سريعة للمركز الصحي الوحيد بهالديرة .. طول الطريق
وهي تدعي ربي مايكون فيه شي كايد .. تحس نفسها بتموت خوف مكانها نست مع هالخوف
منيرة اللي اكيد الحين تنتظرها .. " يارب مايصير له شي .. يارب لاتحرمنا منه " تغيرت
مشاعرها في دقائق .. والفرح اللي كان مرسوم على ملامحها تحول لخوف وألم .. لو صار
فيه شي ولا احتاج نقل للمستشفى .. اقرب مستشفى لهم على بعد 200 كم .. زاد خوفها
بقلبها .. ومع كل دقة قلب تلهث بالدعاء للخالق يحفظه .. وصلت وهي تحس دمها نشف
بعروقها .. دخلت وشافته يمشي بخطوات غير موزونة .. بدون شعور نزلت دموعها ..
" اللهم لك الحمد يارب .. اخوي بخير " قربت منه ولمته لحضنها : سلمان وش فيك ؟
مسك يدها : موضي والله شفت الدنيا سودا ..
مسكته وجلسته على اقرب كرسي وجلست مقابلته : وش صار عليك ؟ ووش قالو لك ؟
هز كتوفه علامة انه مو داري .. واشر على نايف .. رفعت عينها وشافته واقف يطالعها
شعورها بهاللحظة كان متناسيه وهمها كله وتفكيرها باخوها .. وقفت ومسكت يده : تعال
معاي ..
وقف ومشى معاها بخطوات متثاقلة .. ماتدري وين تروح ولا وش تسوي .. تجهل بهالأمور
شافت اول ممرضة قدامها استفسرت منها وبالآخر جابت لها ملفه .. خذت الملف وراحت
للطبيبة العامة .. : يعني شلون ماله علاج ؟
دكتورة سهام : لا هوا خفيف اوي .. بس لازم ياخد ادويته اول بأول .. وياكل كويس ..
نزلت راسها ماعرفت شلون تتكلم او وش تقول .. هم الأكل بصعوبة يلقونه .. هزت راسها
وهي تحس بأسى على نفسها وعلى اخوها .. ضعيف كثير وضعف اكثر بالفترة الاخيرة
بعد ماساءت احوالهم .. شكرت الدكتورة وطلعت .. كانت حزينة رغم انه فقر دم خفيف
وممكن حتى الأغنياء يصيبهم .. بس لانها تحبه ماتبيه يتعب .. خذت ادويته ووقفت تناظره
نزلت نفسها لمستواه : تقدر تمشي ؟
هز راسه بإيه .. مسكته من يده ومشت معاه .. ماكانت منتبهة للعيون اللي من اول تتابعها ..
من اول ماشافها جاية بسرعة وداخلة المستوصف وهو مو قادر يشيل عيونه عنها .. يحمل
لها بداخله مشاعر مايقدر يخفيها .. وكل ماكبر هالحب كبر معاه احساسه بالخوف .. خوف
من المستقبل وش ممكن يحمل له من هموم اذا استمر في حبها ..
اما هي مشت معاه للبيت ونست منيرة اللي كانت تنتظرها كانت تسولف له وتضحكه بس
ماتبيه يحس بالتعب ... وبداخلها امتنان كبير لربها انه بخير ومافيه شي وهي اللي راحت
والوساوس تملا قلبها ... وصلت للبيت ومن شافته امه وجهه مصفر فزت على طولها
مرعوبة : يمه سلمان وش فيه ؟
تكلمت وهي تفصخ عباتها : مافيه الا العافية .. احد جاب منيرة ؟
جات نورة من الغرفة وراحت لسلمان على طول : السلمي ورا وجهك اصفر ؟
سلمان ببراءة : والله مدري انا كنت في الفصل .. شوي الا كل شي صار اسود وماعاد
حسيت الا وانا في المستوصف ..
ضربت على صدرها : ياربي امنتك وليدي ..
مسكتها موضي وجلستها : والله مافيه الا العافية يمه .. يقولون فقر دم ويبي له تغذية زينة
" مدت الكيس الصغير لامها " وهذي ادويته فيتامينات ومدري وش هي خرابيطهم ..
نورة : سلمان تونس شي ؟
سلمان : لا بس ابي انوم ..
التفتت موضي حولها وماشافت ابوها : ابوي وينه ؟
ام راكان وهي حاطة سلمان بحجرها وتمسح على راسه : بينوم له شوي .. البارح الليل
كله ماعرف طعم النوم ..
قامت ولبست عباتها مرة ثانية : بروح اجيب منيرة .. واشتري له كبدة .. تقول لي الدكتورة
لازم ياكل لحم وكبدة ..
مدت لها امها 10 ريال : جيبي لنا كلنا ..
خذتهم موضي ورجعت ناظرت امها : وخالتي وعيالها ؟
فتحت ام راكان الشيلة اللي رابطة الفلوس بطرفها : كم تبين ؟
غمضت عيونها تحسب ويوم ضيعت العد فتحتها : هاتي 5 ..
مدت لها 5 ريال ومشت رايحة تشتري لهم الكبدة اللي بيتغدون عليها .. وقبلها تمر تجيب
منيرة .. قعدت ام راكان لامة ولدها بحضنها ..: تونس شي ياسلمان ؟
سلمان وهو يقاوم النوم : لا يمه كان راسي يعورني بس الحين انا زين .. تجمعو حوله كلهم
وبدا شوي يقاوم النوم ويسولف معاهم .. وهالشي خلا الراحة تنزل على قلوبهم ويتطمنون
عليه ويتأكدون انه بخير وعافية ..
/
\
/
\
بوقت متأخر من الليل قامت من نومها .. ناظرت ساعتها وكانت حول الـ 2 وشوي ..
حست بقرصة الجوع .. وقامت بكسل غسلت ونزلت للمطبخ .. فتحت الثلاجة تبي تشوف
لها شي تاكله .. ناظرت بباب الغرفة الملاصقة للمطبخ ماتدري ليش حست انها تبي تتطمن
عليها .. هي تكرهها وماتحبها لكن حست بخوف عليها .. مشت بخطوات مترددة وفتحت عليها
الباب .. شافتها طايحة وآثار الضرب مبينة على جسدها .. تسارعت دقات قلبها قربت منها
ومدت يدها لتحت خشمها .. ارتاحت يوم حست بانفاسها الدافية .. ماعرفت شلون تصحيها
بدون ماتحسسها انها خايفة عليها هزت كتفها بتردد : ديموووووه ..
جاوبها الصمت وطال هالصمت .. علت صوتها اكثر وصارت تصحيها ولكن لا مجيب ..
بدت يدها ترتجف خوف ... : ديماااا .. ردي علي تسمعيني ؟؟
تناهى لمسامعها صوت انين خافت زرع بداخلها نوع من الطمأنينة على حال اختها .. راحت
للمطبخ وجابت كاس مويه .. ومسحت فيه على وجهها وهي تصحيها .. فتحت عيونها بتعب
وهي بالكاد تشوف اللي قدامها .. كانت تتصبب عرق رغم انها ترتجف من البرد .. بصوت
متعب وانهكه كثر الجور والظلم : عطـ ـ ـ شـ .. وضاعت باقي الحروف بداخلها ..
رفعت راسها .. ومدت لها الكاس تشربها .. وهي مستغربة هاللي قاعدة تسويه .. بس يمكن
لان بداخلها بذرة خير ولو كانت ضئيلة .. الا انها تكره موت انسان تعرفه .. مابين اغفائات
متكررة وكلمات مبتورة كانت تراقبها بصمت .. وكل شوي تلتفت وراها تخاف يجي احد
ويشوفها عندها .. سمعت صوت اذان الفجر وتفاجأت انها كل هالوقت عندها ماقلقت كثير
لانها تعرف اهلها مو ذاك الزود في الدين .. يعني متى ماقامو صلو مادام الاب مايروح
يصلي بالمسجد صلاة الفجر فأكيد بيكون اولاده مثله .. : ديمووووه تكلمي ترى تلفت اعصابي
مدت يدها ومسكت طرف بيجامتها تحاول تقوم .. فتحت عيونها وشافتها .. صعقت من هاللي
تشوفه .. توقعتها وحدة من الشغالات توها تستوعب ان اللي كانت حولها من اول اختها ..
كانت تحس احد يناديها .. يلمسها بس مو قادرة تركز بشي .. بصعوبة طلعت حروفها : مروى
ترددت كثير قبل تمد لها يدها وتسندها على اقرب جدار .. : تشوفيني ؟
هزت راسها بإيه وسحبت نفس عميق وزفرته بألم .. : بموت يامروى ..
كانت تقاوم صراعات بقلبها .. احساس مؤلم هاللي تشوفه قدامها .. ابوها قاسي حتى معاهم
وماتذكر بيوم انه حضنهم او قال لهم كلمة حلوة .. وامهم نفس الشي قلب جامد مايعرف الحنية
مغرقتهم بالفلوس والسفرات والروحات والجيات .. واكتفو بهالشي .. " فاقد الشيء لايعطيه
يامروى .. شلون احن عليها وانا ماعمري عرفت وش هو حنان الأم والأبو " : تبين شي ؟
بللت شفايفها بلسانها وناظرتها بارتباك : محد بيدري ؟
بدون تفكير منها : لا .. قولي وش تبين ..
قاومت آلامها وجلست بشكل مستقيم تحاول تستجمع قوتها .. : ابي اصلي .. وابي آكل ..
بهاللحظة بس تذكرت انها نزلت من حول الـ 3 ساعات تبي تاكل بس نست جوعها من شافتها
طايحة قدامها .. : اوكي قومي صلي وانا بسوي لك معاي ساندويتش .. كان شعور غبي فيها
ماتبيها تعرف انها مسوية هالشي عشانها .. قامت عنها وهي مكتفية باللي سوته .. ورغبتها
بداخلها تبي تلتفت لها .. تبي تعرف هي تقدر تقوم او لا ... لكنها مشت للمطبخ وهي تكبت
صرخات الرحمة بداخلها سحبت كيس التوست .. وبدت تدهنه بجبن " مروى انتي ماسويتي
شي غلط .. ليش كل هالخوف ؟ " خلصت اللي بيدها .. وصبت لها عصير وماشافتها بالغرفة
اكيد راحت تغسل وتتوضا .. حطت الصحن ورجعت لجناحها .. ماتبي تعيش بهالصراعات
الكثيرة اللي بداخلها .. " اووووف وش هاللي احسه .. خليني اصلي واتجهز لمدرستي احسن
لي من هالتفكير اللي صدع راسي "
حطت الساندويتش والعصير على الكومدينه وغطته .. راحت توضت وبدت تصلي الفجر ..
صلتها بربها متقلبة .. تتقرب منه بفترة الاختبارات اكثر شي حالها مثل حال الكثير من
الطلاب .. مازرعو اهلها بداخلها حب الصلاة والتعلق فيها .. عودوهم على حب الدنيا واللهث
ورا ملذاتها الزائفة .. ماصلت بذاك الخشوع لانها تعودت تصليها وهي مستعجلة .. خذت
فطورها وبدت تاكله .. بعد ماخلصت لبست مريولها وخذت شنطتها ونزلت تحت .. اكيد
الوقت بدري .. بس كان عندها فضول تشوف ديما وش سوت .. فتحت عليها الباب واول
ماشافتها ديما خبت الساندويتش ورا ظهرها .. : بسرعة خلصي قبل يجي احد ويشوفك ..
هزت لها راسها وطلعت على طول وسكرت الباب .. ارسلت لها الشغالة تاخذ من عندها
الصحن وانتظرت زياد عشان يروحون مدارسهم .. بعد ماوصلت مدرستها .. انشغلت مع
صديقاتها ونست مشاعرها اللي كرهتها هاليوم كله ......